هود عليه السلام
قالوا لهود:
كيف تتهم آلهتنا التي وجدنا آباءنا يعبدونها؟
قال هود: كان
آباؤكم مخطئين.
قال قوم هود:
هل تقول يا هود إننا بعد أن نموت ونصبح ترابا يتطاير في الهواء، سنعود إلى
الحياة؟
قال هود:
ستعودون يوم القيامة، ويسأل الله كل واحد فيكم عما فعل.
انفجرت الضحكات بعد هذه
الجملة الأخيرة.
ما أغرب ادعاء هود.
هكذا تهامس الكافرون من قومه.
إن الإنسان يموت،
فإذا مات تحلل جسده، فإذا تحلل جسده تحول إلى تراب، ثم يهب الهواء ويتطاير التراب.
كيف يعود هذا كله إلى اصله؟!
ثم ما معنى وجود يوم للقيامة؟
لماذا يقوم الأموات من
موتهم؟
استقبل هود كل هذه الأسئلة
بصبر كريم.. ثم بدأ يحدث قومه عن يوم القيامة.. أفهمهم أن إيمان الناس بالآخرة
ضرورة تتصل بعدل الله، مثلما هي ضرورة تتصل بحياة الناس.
قال لهم ما يقوله كل نبي
عن يوم القيامة.
إن حكمة الخالق المدبر لا تكتمل بمجرد بدء الخلق، ثم انتهاء حياة
المخلوقين في هذه الأرض.
إن هذه الحياة اختبار، يتم الحساب بعدها.
فليست تصرفات الناس في الدنيا واحدة، هناك من
يظلم، وهناك من يقتل، وهناك من يعتدي.. وكثيرا ما نرى الظالمين يذهبون بغير عقاب،
كثيرا ما نرى المعتدين يتمتعون في الحياة بالاحترام والسلطة.
أين تذهب شكاة
المظلومين؟
وأين يذهب ألم المضطهدين؟
هل يدفن معهم في التراب بعد الموت؟
إن العدالة تقتضي وجود يوم
للقيامة.
إن الخير لا ينتصر دائما في الحياة.
أحيانا ينظم الشر جيوشه ويقتل حملة
الخير.
هل تذهب هذه الجريمة بغير
عقاب؟
إن ظلما عظيما يتأكد لو
افترضنا أن يوم القيامة لن يجئ.
ولقد حرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله محرما
بين عباده.
ومن تمام العدل وجود يوم للقيامة والحساب والجزاء.
ذلك أن يوم القيامة هو اليوم الذي تعاد فيه جميع
القضايا مرة أخرى أمام الخالق، ويعاد نظرها مرة أخرى. ويحكم فيها رب العالمين
سبحانه.
هذه هي الضرورة الأولى ليوم
القيامة، وهي تتصل بعدالة الله ذاته.
وثمة ضرورة أخرى ليوم
القيامة، وهي تتصل بسلوك الإنسان نفسه.
إن الاعتقاد بيوم الدين، والإيمان ببعث
الأجساد، والوقوف للحساب، ثم تلقي الثواب والعقاب، ودخول الجنة أو النار، هذا شيء
من شأنه أن يعلق أنظار البشر وقلوبهم بعالم أخر بعد عالم الأرض، فلا تستبد بهم
ضرورات الحياة، ولا يستعبدهم الطمع، ولا تتملكهم الأنانية، ولا يقلقهم أنهم لم
يحققوا جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود، وبذلك يسمو الإنسان على الطين الذي خلق
منه إلى الروح الذي نفخه ربه فيه.
ولعل مفترق الطريق بين الخضوع لتصورات الأرض
وقيمها وموازينها، والتعلق بقيم الله العليا، والانطلاق اللائق بالإنسان، يكمن في
الإيمان بيوم القيامة.
حدثهم هود بهذا كله فاستمعوا
إليه وكذبوه.
حكى الله تعالى موقف القوم من يوم القيامة في سورة
(المؤمنون):
وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا
بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا
بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا
تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا
مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ (34)
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم
مُّخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا
تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا
الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ
|