البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــة العـــامـــه

قصص الأنبيــاء(عليهم السلام)

 

موسى وهارون عليهما السلام

الجزء الثالث

قال تعالى:

وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ

وقد استدل بعضهم بقوله: وَفِي نُسْخَتِهَا.
على أنها تكسرت، ونحن لا نعرف أكانت الألواح من مادة يجوز عليها الكسر أم لا.. كما ينفي ابن كثير هذا الاستدلال، ويرى أنها بقيت على حالها، ومهما يكن من أمر فقد عاد موسى إلى هدوئه، واستأنف جهاده في الله، وقرأ ألواح التوراة على قومه. أمرهم في البداية أن يأخذوا بأحكامها بقوة وعزم.

ومن المدهش أن قومه ساوموه على الحق.
قالوا: انشر علينا الألواح فان كانت أوامرها ونواهيها سهلة قبلناها.
فقال موسى: بل اقبلوها بما فيها.
فراجعوا مرارا، فأمر الله تعالى ملائكته فرفعت الجبل على رءوسهم حتى صار كأنه غمامة فوقهم،
وقيل لهم: إن لم تقبلوها بما فيها سقط ذلك الجبل عليكم، فقبلوا بذلك، وأمروا بالسجود فسجدوا.. وضعوا خدودهم على الأرض وراحوا ينظرون إلى الجبل فوقهم هلعا ورعبا..

قال تعالى:

وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

وهكذا أثبت قوم موسى أنهم لا يسلمون وجوههم لله إلا إذا لويت أعناقهم بمعجزة حسية باهرة تلقي الرعب في القلوب وتنثني الأقدام نحو سجود قاهر يدفع الخوف إليه دفعا.. وهكذا يساق الناس بالعصا الإلهية إلى الإيمان.. يقع هذا في طفولة الجنس البشري، وغياب الوعي والنضج الكافيين لقيام الاقتناع العقلي.
ولعلنا هنا نشير مرة أخرى إلى نفسية قوم موسى، وهي المسؤول الأول عن عدم اقتناعهم إلا بالقوة الحسية والمعجزات الباهرة.. لقد تربى قوم موسى ونشؤوا وسط هوان وعسف، أهدرت فيهما إنسانيتهم والتوت فطرته.. ولم يعد ممكنا بعد ازدهار الذل في نفوسهم واعتيادهم إياه، لم يعد ممكنا أن يساقوا إلى الخير إلا بالقوة. لقد اعتادوا أن تسيرهم القوة القاهرة لسادتهم القدامى، ولا بد لسيدهم الجديد (وهو الإيمان) من أن يقاسي الأهوال لتسييرهم، وأن يلجأ مضطرا إلى أسلوب القوة لينقذهم من الهلاك.
لم تمر جريمة عبادة العجل دون آثار..

أمر موسى علماء بني إسرائيل وخيارهم أن يستغفروا الله ويتوبوا إليه.. اختار منهم سبعين رجلا، الخير فالخير، وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم. صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم..

خرج موسى بهؤلاء السبعين المختارين لميقات حدده له الله تعالى.. دنا موسى من الجبل، فإذا عمود من الغمام يتغشى الجبل كله.. دخل موسى في الغمام، وقال للقوم ادنوا فدنوا.. وكلم الله تعالى موسى، وكان موسى إذا كلم الله وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه أو يطيق احتماله، وضرب الحجاب على موسى وهو يكلم ربه، وسمع السبعون الذين اختارهم موسى.. سمعوا موسى وهو يكلم ربه..
ولعل معجزة كهذه المعجزة تكون الأخير، وتكون كافية لحمل الإيمان إلى القلوب مدى الحياة.. غير أن السبعين المختارين لم يكتفوا بما استمعوا إليه من المعجزة.. إنما طلبوا رؤية الله تعالى..قالوا سمعنا ونريد أن نرى..

قالوا لموسى ببساطة:

يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً

هي مأساة تثير أشد الدهشة.. وهي مأساة تشير إلى صلابة القلوب واستمساكها بالحسيات والماديات.. كوفئ الطلب المتعنت بعقوبة صاعقة.. أخذتهم رجفة مدمرة صعقت أرواحهم وأجسادهم على الفور.. ماتوا..

أدرك موسى ما أحدثه السبعون المختارون فملأه الأسى وقام يدعو ربه ويناشده أن يعفو عنهم ويرحمهم، وألا يؤاخذهم بما فعل السفهاء منهم، وليس طلبهم رؤية الله تبارك وتعالى وهم على ما هم فيه من البشرية الناقصة وقسوة القلب غير سفاهة كبرى.. سفاهة لا يكفر عنها إلا الموت..