نوح
عليه
السلام
استمر طوفان نوح زمنا لا
نعرف مقداره.
ثم صدر الأمر الإلهي إلى السماء أن تكف عن الإمطار، وإلى الأرض أن
تستقر وتبتلع الماء، وإلى أخشاب السفينة أن ترسو على الجودي، وهو اسم مكان قديم
يقال انه جبل في العراق.
طهر الطوفان الأرض
وغسلها.
قال تعالى في سورة (هود):
وَقِيلَ
يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ
الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ
(وَغِيضَ الْمَاء) بمعنى نقص الماء وانصرف عائدا إلى فتحات
الأرض.
( وَقُضِيَ الأَمْرُ ) بمعنى أنه أحكم وفرغ منه،
يعني هلك الكافرون من قوم نوح تماما.
ويقال أن الله أعقم أرحامهم أربعين سنة قبل
الطوفان، فلم يكن فيمن هلك طفل أو صغير.
(وَاسْتَوَتْ عَلَى
الْجُودِيِّ) بمعنى رست عليه، وقيل كان ذلك يوم عاشوراء.
فصامه نوح، وأمر من
معه بصيامه.
(وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
أي هلاكا لهم.
طهر الطوفان الأرض منهم وغسلها.
ذهب الهول بذهاب الطوفان.
وانتقل الصراع من الموج إلى نفس نوح.. تذكر ابنه الذي غرق.
لم يكن نوح يعرف حتى هذه
اللحظة أن ابنه كافر.
كان يتصور أنه مؤمن عنيد، آثر النجاة باللجوء إلى جبل.
وكان
الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يتم.. فلم يعرف نوح حظ ابنه من الإيمان.
تحركت في قلب
الأب عواطف الأبوة.
قال تعالى في سورة
(هود):
وَنَادَى
نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ
وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ
أراد نوح أن يقول لله أن
ابنه من أهله المؤمنين.
وقد وعده الله بنجاة أهله المؤمنين.
قال الله سبحانه
وتعالى، مطلعا نوحا على حقيقة ابنه للمرة الأولى:
يَا نُوحُ
إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ
الْجَاهِلِينَ
قال القرطبي - نقلا عن
شيوخه من العلماء - وهو الرأي الذي نؤثره: كان ابنه عنده - أي نوح - مؤمنا في ظنه، ولم
يك نوح يقول لربه: (إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي) إلا
وذلك عنده كذلك، إذ محال أن يسأل هلاك الكفار، ثم يسأل في إنجاء بعضهم.
وكان ابنه
يسر الكفر ويظهر الإيمان.
فأخبر الله تعالى نوحا بما هو منفرد به من علم الغيوب.
أي
علمت من حال ابنك ما لم تعلمه أنت.
وكان الله حين يعظه أن يكون من الجاهلين، يريد
أن يبرئه من تصور أن يكون ابنه مؤمنا، ثم يهلك مع الكافرين.
وثمة درس مهم تنطوي عليه
الآيات الكريمة التي تحكي قصة نوح وابنه.
أراد الله سبحانه وتعالى أن يقول لنبيه
الكريم أن ابنه ليس من أهله، لأنه لم يؤمن بالله، وليس الدم هو الصلة الحقيقية بين
الناس.
ابن النبي هو ابنه في العقيدة.
هو من يتبع الله والنبي، وليس ابنه من يكفر
به ولو كان من صلبه.
هنا ينبغي أن يتبرأ المؤمن من غير المؤمن.
وهنا أيضا ينبغي أن
تتصل بين المؤمنين صلات العقيدة فحسب.
لا اعتبارات الدم أو الجنس أو اللون أو
الأرض.
واستغفر نوح ربه وتاب
إليه ورحمه الله وأمره أن يهبط من السفينة محاطا ببركة الله ورعايته.
قَالَ
رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ
تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ
(47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا
وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ
وهبط نوح من سفينته.
أطلق
سراح الطيور والوحش فتفرقت في الأرض، نزل المؤمنون بعد ذلك.
وضع نوح جبهته على الأرض
وسجد.
لم تزل الأرض مبللة من أثر الطوفان.
نهض نوح بعد صلاته وحفر الأساس لبناء
معبد عظيم لله.
وأمر يوم
صيام الشكر لله.
ولا يحكي لنا القرآن
الكريم قصة من آمن مع نوح بعد نجاتهم من الطوفان.
|