إبراهيم عليه السلام
قَالُوا
أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ
فهم ما يزالون يصرون على
أنها آلهة وهي جداد مهشمة.
فأما إبراهيم فهو يتهكم بهم ويسخر منهمن وهو فرد وحده
وهم كثر.
ذلك أنه ينظر بعقله المفتوح وقلبه الواصل فلا يملك إلا أن يهزأ بهم ويسخر،
وأن يجيبهم إجابة تناسب هذا المستوى العقلي الدون:
قَالَ
بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ
والتهكم واضح في هذا
الجواب الساخر.
فلا داعي لتسمية هذه كذبة من إبراهيم - عليه السلام - والبحث عن
تعليلها بشتى العلل التي اختلف عليها المفسرون.
فالأمر أيسر من هذا بكثير!
إنما
أراد أن يقول لهم: إن هذه التماثيل لا تدري من حطمها إن كنت انا أم هذا الصنم
الكبير الذي لا يملك مثلها حراكا.
فهي جماد لا إدراك له أصلا.
وانتم كذلك مثلها
مسلوبو الإدراك لا تميزون بين الجائز والمستحيل.
فلا تعرفون إن كنت أنا الذي حطمتها أن هذا التمثال هو الذي حطمها!
فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا
يَنطِقُونَ
ويبدو أن هذا التهكم
الساخر قد هزهم هزا، وردهم إلى شيء من التدبر التفكر:
فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ
الظَّالِمُونَ
وكانت بادرة خير أن يستشعروا ما في موقفهم من سخف وما في
عبادتهم لهذه التماثيل من ظلم.
وان تتفتح بصيرتهم لأول مرة فيتدبروا ذلك السخف
االذي يأخذون به أنفسهم، وذلك الظلم الذي هم فيه سادرون.
ولكنها لم تكن إلا ومضة
واحدة أعقبها الظلام، وإلا لحظة واحدة عادت بعدها قلوبهم إلى الخمود:
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ
لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ
وحقا كانت الأولى
رجعة إلى النفوس، وكانت الثانية نكسة على الرؤوس؛ كما يقول التعبير القرآني المصور
العجيب.. كانت الاولى حركة في النفس للنظر والتدبر.
أما الثانية فكانت انقلابا على
الرأس فلا عقل ولا تفكير.
وإلا فإن قولهم هذا الاخير هو الحجة عليهم.
وأية حجة
لإبراهيم أقوى من أن هؤلاء لا ينطقون؟
ومن ثم يجيبهم بعنف وضيق على غير عادته وهو الصبور الحليم.
لأن السخف هنا يجاوز صبر الحليم:
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
وهي قولة يظهر فيها ضيق الصدر وغيظ النفس، والعجب من السخف الذي
يتجاوز كل مألوف.
عند ذلك أخذتهم العزة بالإثم كما تأخذ الطغاة دائما حين
يفقدون الحجة ويعوزهم الدليل، فيلجأون إلى القوة الغاشمة والعذاب
الغليظ:
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ
أجمل الله
تعالى في سورة (الأنبياء) هذه المشاهد.
قال تعالى:
وَلَقَدْ
آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ
التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ
(53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ
وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ
اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل
رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى
ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56)
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ
(57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا
كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ
لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا
سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ
لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا
أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا
فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا
إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ
عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا
يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا
حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ
|