إبراهيم عليه السلام
انطلقت شهرة إبراهيم في
المملكة كلها.
تحدث الناس عن معجزته ونجاته من النار، وتحدث الناس عن موقفه مع
الملك وكيف أخرس الملك فلم يعرف ماذا يقول.
واستمر إبراهيم في دعوته لله تعالى..
بذل جهده ليهدي قومه، حاول إقناعهم بكل الوسائل، ورغم حبه لهم وحرصه عليهم فقد غضب
قومه وهجروه، ولم يؤمن معه من قومه سوى امرأة ورجل واحد.. امرأة تسمى سارة، وقد
صارت فيما بعد زوجته، ورجل هو لوط، وقد صار نبيا فيما بعد.
وحين أدرك إبراهيم أن
أحدا لن يؤمن بدعوته.. قرر الهجرة.
قبل أن يهاجر، دعا والده للإيمان، ثم تبين
لإبراهيم أن والده عدو لله، وانه لا ينوي الإيمان، فتبرأ منه وقطع علاقته
به.
للمرة الثانية في قصص
الأنبياء نصادف هذه المفاجأة.. في قصة نوح كان الأب نبيا والابن كافرا، وفي قصة
إبراهيم كان الأب كافرا والابن نبيا، وفي القصتين نرى المؤمن يعلن براءته من عدو
الله رغم كونه ابنه أو والده، وكأن الله يفهمنا من خلال القصة أن العلاقة الوحيدة
التي ينبغي أن تقوم عليها الروابط بين الناس، هي علاقة الإيمان لا علاقة الميلاد
والدم.
قال تعالى في سورة (التوبة):
وَمَا
كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا
إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ
خرج إبراهيم عليه السلام
من بلده وبدأ هجرته.
سافر إلى
مدينة تدعى أور.. ومدينة تسمى حاران.. ثم رحل إلى فلسطين ومعه زوجته، المرأة
الوحيدة التي آمنت به.. وصحب معه لوطا.. الرجل الوحيد الذي آمن به.
قال تعالى في سورة
(العنكبوت):
فَآمَنَ
لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ
بعد فلسطين ذهب إبراهيم
إلى مصر.. وطوال هذا الوقت وخلال هذه الرحلات كلها، كان يدعو الناس إلى عبادة الله،
ويحارب في سبيله، ويخدم الضعفاء والفقراء، ويعدل بين الناس، ويهديهم إلى الحقيقة
والحق.
وكانت زوجته سارة لا
تلد.. وكان ملك مصر قد أهداها سيدة مصرية لتكون في خدمتها، وكان إبراهيم قد صار
شيخا، وابيض شعره من خلال عمر أبيض أنفقه في الدعوة إلى الله، وفكرت سارة إنها
وإبراهيم وحيدان، وهي لا تنجب أولادا، ماذا لو قدمت له السيدة المصرية لتكون زوجة
لزوجها؟
وكان اسم المصرية "هاجر".
وهكذا زوجت سارة سيدنا إبراهيم من هاجر، وولدت
هاجر ابنها الأول فأطلق والده عليه اسم "إسماعيل".
وتأتي
بعض الروايات لتبين قصة إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة وموقفهما مع ملك مصر.
فتقول:
وصلت
الأخبار لملك مصر بوصول رجل لمصر معه أمرأة هي أجمل نساء الأرض.
فطمع بها.
وأرسل
جنوده ليأتونه بهذه المرأة.
وأمرهم بأن يسألوا عن الرجل الذي معها، فإن كان زوجها
فليقتلوه.
فجاء الوحي لإبراهيم عليه السلام بذلك.
فقال إبراهيم - عليه السلام - لسارة
إن سألوك عني فأنت أختي - أي أخته في الله -، وقال لها ما على هذه الأرض مؤمن غيري
وغيرك فكل أهل مصر كفرة، ليس فيها موحد لله عز وجل.
فجاء الجنود وسألوا إبراهيم:
ما تكون هذه منك؟
قال: أختي.
لنقف
هنا قليلا.. قال إبراهيم حينما قال لقومه (إني سقيم) و (بل فعله كبيرهم هذا
فاسألوه) و (هي أختي). كلها كلمات تحتمل التاويل.
لكن مع هذا كان إبراهيم عليه
السلام خائفا جدا من الحساب على هذه الكلمات يوم القيام.
فعندما يذهب البشر له يوم
القيامة ليدعوا الله أن يبدأ الحساب يقول لهم لا إني كذبت على ربي ثلاث
مرات.
ونجد
أن البشر الآن يكذبون أمام الناس من غير استحياء ولا خوف من
خالقهم.
لما
عرفت سارة أن ملك مصر فاجر ويريدها له أخذت تدعوا الله قائلة: اللهم إن كنت تعلم أني
آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي
الكافر.
فلما
أدخلوها عليه.
مد يده إليها ليلمسها فشلّ وتجمدت يده في مكانها، فبدأ بالصراخ لأنه
لم يعد يستطيع تحريكها، وجاء أعوانه لإنقاذهم لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء.
فخافت
سارة على نفسها أن يقتلوها بسبب ما فعلته بالملك.
فقالت: يا رب اتركه لا يقتلوني
به.
فاستجاب الله لدعائها.
لكن
الملك لم يتب وظن أن ما حدث كان أمرا عابرا وذهب.
فهجم عليها مرة أخرى.
فشلّ مرة
ثانية.
فقال: فكيني.
فدعت الله تعالى ففك.
فمد يده ثالثة فشلّ.
فقال: فكيني
وأطلقك وأكرمك.
فدعت الله سبحانه وتعالى ففك.
فصرخ الملك بأعوانه: أبعدوها عني
فإنكم لم تأتوني بإنسان بل أتيتموني بشيطان.
فأطلقها وأعطاها شيئا من الذهب، كما أعطاها أمة اسمها
"هاجر".
هذه
الرواية مشهورة عن دخول إبراهيم -عليه السلام- لمصر
كان إبراهيم شيخا حين
ولدت له هاجر أول أبنائه إسماعيل.
عاش إبراهيم في الأرض يعبد الله ويسبح بحمده ويقدس به.
ولسنا نعرف أبعاد
المسافات التي قطعها إبراهيم في رحلته إلى الله.. كان دائما هو المسافر إلى الله..
سواء استقر به المقام في بيته أو حملته خطواته سائحا في الأرض.
مسافر إلى الله يعلم
إنها أيام على الأرض وبعدها يجيء الموت ثم ينفخ في الصور وتقوم قيامة الأموات ويقع
البعث
ملأ اليوم الآخر قلب
إبراهيم بالسلام والحب واليقين.
وأراد أن يرى يوما كيف يحيي الله عز وجل الموتى ..
حكى الله هذا الموقف في سورة (البقرة).. قال تعالى:
وَإِذْ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ
تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
لا تكون هذه الرغبة في
طمأنينة القلب مع الإيمان إلا درجة من درجات الحب لله.
قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ
اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ
يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ
فعل إبراهيم ما أمره به
الله.
ذبح أربعة من الطير وفرق أجزاءها على الجبال.. ودعاها باسم الله فنهض الريش
يلحق بجناحه، وبحثت الصدور عن رؤوسها، وتطايرت أجزاء الطير مندفعة نحو الالتحام،
والتقت الضلوع بالقلوب، وسارعت الأجزاء الذبيحة للالتئام، ودبت الحياة في الطير،
وجاءت طائرة مسرعة ترمي بنفسها في أحضان إبراهيم. اعتقد بعض المفسرين إن هذه
التجربة كانت حب استطلاع من إبراهيم.
واعتقد بعضهم أنه أراد أن يرى يد ذي الجلال
الخالق وهي تعمل، فلم ير الأسلوب وإن رأى النتيجة.
واعتقد بعض المفسرين أنه اكتفى
بما قاله له الله ولم يذبح الطير.
ونعتقد أن هذه التجربة كانت درجة من درجات الحب
قطعها المسافر إلى الله.. إبراهيم.
|