لوط عليه السلام
التفتت الملائكة إلى لوط
وأصدروا إليه أمرهم أن يصحب أهله أثناء الليل ويخرج.. سيسمعون أصواتا مروعة تزلزل
الجبال.. لا يلتفت منهم أحد.. كي لا يصيبه ما يصيب القوم.. أي عذاب هذا؟.. هو عذاب
من نوع غريب، يكفي لوقوعه بالمرء مجرد النظر إليه.. أفهموه أن امرأته كانت من
الغابرين.. امرأته كافرة مثلهم وستلتفت خلفها فيصيبها ما أصابهم.
اخرج يا لوط فقد جاء أمر
ربك.. سأل لوط الملائكة: أينزل الله العذاب بهم الآن.. أنبئوه أن موعدهم مع العذاب
هو الصبح.. (أَلَيْسَ الصُّبْحُ
بِقَرِيبٍ)؟
قال
تعالى:
فَأَسْرِ
بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ
امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ
أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ
خرج لوط مع بناته
وزوجته.. ساروا في الليل وغذوا السير.. واقترب الصبح.. كان لوط قد ابتعد مع أهله..
ثم جاء أمر الله تعالى:
فَلَمَّا
جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً
مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82)
مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ
قال العلماء: اقتلع
جبريل، عليه السلام، بطرف جناحه مدنهم السبع من قرارها البعيد.. رفعها جميعا إلى
عنان السماء حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم، قلب المدن السبع وهوى
بها في الأرض.. أثناء السقوط كانت السماء تمطرهم بحجارة من الجحيم.. حجارة صلبة
قوية يتبع بعضها بعضا، ومعلمة بأسمائهم، ومقدرة عليهم.. استمر الجحيم يمطرهم..
وانتهى قوم لوط تماما.. لم يعد هناك أحد.. نكست المدن على رؤوسها، وغارت في الأرض،
حتى انفجر الماء من الأرض.. هلك قوم لوط ومحيت مدنهم.
كان لوط يسمع أصوات
مروعة.. وكان الهواء خلفه يتمزق.. وكان يحاذر أن يلتفت خلفه.. نظرت زوجته نحو مصدر
الصوت فانتهت.. تهرأ جسدها وتفتت مثل عمود ساقط من الملح.. قال تعالى عن مدن
لوط:
فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ
الْمُسْلِمِينَ (36)
وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ
هي آية لم تندثر.. يؤكد
ذلك قوله تعالى:
وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ
أي بطريق مسلوك إلى الآن. وقوله تعالى في
(الصافات):
وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
يعني أنها آية ظاهرة..
قال العلماء: إن مكان المدن السبع.. بحيرة غريبة.. ماؤها أجاج.. وكثافة الماء أعظم
من كثافة مياه البحر الملحة.. وفي هذه البحيرة صخور معدنية ذائبة.. توحي بأن هذه
الحجارة التي ضرب بها قوم لوط كانت شهبا مشعلة. يقال إن البحيرة الحالية التي
نعرفها باسم "البحر الميت" في فلسطين.. هي مدن قوم لوط السابقة.
انطوت صفحة قوم لوط..
انمحت مدنهم وأسمائهم من الأرض.. سقطوا من ذاكرة الحياة والأحياء.. وطويت صفحة من
صفحات الفساد.. وتوجه إلى إبراهيم.. زار إبراهيم وقص عليه نبأ قومه.. وأدهشه أن
إبراهيم كان يعلم.. ومضى لوط في دعوته إلى الله.. مثلما مضى الحليم الأواه المنيب
إبراهيم في دعوته إلى الله.. مضى الاثنان ينشران الإسلام في الأرض.
|