إسماعيل عليه السلام
لا نعرف كم هو الوقت الذي
استغرقه بناء الكعبة، كما نجهل الوقت الذي استغرقه بناء سفينة نوح، المهم أن سفينة
نوح والكعبة كانتا معا ملاذا للناس ومثوبة وأمنا.. والكعبة هي سفينة نوح الثابتة
على الأرض أبدا.. وهي تنتظر الراغبين في النجاة من هول الطوفان دائما.
لم يحدثنا الله عن زمن
بناء الكعبة.. حدثنا عن أمر أخطر وأجدى.. حدثنا عن تجرد نفسية من كان يبنيها..
ودعائه وهو يبنيها:
رَبَّنَا
تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
ها هو ذا الرمز يسفر عن
أقنعته الشفافة لنرى وجه الحقيقة الخالد وراءه.. الغرض الأصلي هو الرجوع إلى الله..
أن يتقبل السميع العليم.. وتلك غاية إخلاص المخلصين.. وطاعة الطائعين.. وخوف
الخائفين.
رَبَّنَا
وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً
لَّكَ
إن أعظم مسلمين على وجه
الأرض يومها يدعوان الله أن يجعلهما مسلمين له.. يعرفان أن القلوب بين إصبعين من
أصابع الرحمن -سبحانه- ولا يأمن أحدهما مكر الله تعالى، وهما يعبدان الله أصفى ما
تكون العبادة، ويبنيان بيته المعمور، ويسألانه أن يتقبل عملهما.. ويسألانه بعدها
الإسلام وتبلغ الرحمة بهما أن يسألا الله أن يخرج من ذريتهما أمة مسلمة له سبحانه..
يريدان أن يزيد عدد العابدين الموجودين والطائفين والركع السجود.
إن دعوة إبراهيم وإسماعيل
تكشف عن اهتمامات القلب المؤمن.. إنه يبني لله بيته، ومع هذا يشغله أمر العقيدة..
ذلك إيحاء بأن البيت رمز العقيدة.
وَأَرِنَا
مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
أرنا أسلوب العبادة الذي
ترضاه.. أرنا كيف تحب أن نعبدك في الأرض.. وتب علينا.. إنك أنت التواب
الرحيم.
بعدها يتجاوز اهتمامها
هذا الزمن الذي يعيشان فيه.. يجاوزانه بالحدس ويدعوان الله:
رَبَّنَا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ
الحَكِيمُ
تحققت هذه الدعوة
الأخيرة.. حين بعث محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم.. تحققت بعد أزمنة
وأزمنة.
انتهى بناء البيت، وأراد
إبراهيم حجرا مميزا، يكون علامة خاصة يبدأ منها الطواف حول الكعبة.. أمر إبراهيم
إسماعيل أن يأتيه بحجر مميز يختلف عن لون حجارة الكعبة.
سار إسماعيل ملبيا أمر
والده.. حين عاد، كان إبراهيم قد وضع الحجر الأسود في مكانه.. من الذي أحضره إليك
يا أبت؟ قال إبراهيم: أحضره جبريل عليه السلام.
انتهى بناء الكعبة.. وبدأ
طواف الموحدين والمسلمين حولها.. ووقف إبراهيم يدعو ربه نفس دعائه من قبل.. أن يجعل
أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلى المكان.. قال
تعالى:
فَاجْعَلْ
أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
أنظر إلى التعبير.. إن
الهوى يصور انحدارا لا يقاوم نحو شيء.. وقمة ذلك هوى الكعبة.
من هذه الدعوة ولد الهوى
العميق في نفوس المسلمين، رغبة في زيارة البيت الحرام.
وصار كل من يزور المسجد
الحرام ويعود إلى بلده.. يحس أنه يزداد عطشا كلما ازداد ريا منه، ويعمق حنينه إليه
كلما بعد منه، وتجيء أوقات الحج في كل عام.. فينشب الهوى الغامض أظافره في القلب
نزوعا إلى رؤية البيت، وعطشا إلى بئر زمزم.
قال تعالى حين جادل
المجادلون في إبراهيم وإسماعيل.
مَا كَانَ
إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا
وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
عليه الصلاة والسلام..
استجاب الله دعاءه.. وكان إبراهيم أول من سمانا المسلمين.
قال تعالى في سورة
(الحج):
وَمَا
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ
سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ |