موسى وهارون عليهما السلام
الجزء
الثالث
ويلتفت السياق إلى موسى
وهارون.. وماذا كان من أمر بني إسرائيل معهما.. لقد مات فرعون مصر.. غرق أمام عيون
المصريين وبني إسرائيل.. ورغم موته، فقد ظل أثره باقيا في نفوس المصريين وبني
إسرائيل.
من الصعب على سنوات القهر الطويلة والذل المكثف أن تمر على نفوس الناس مر
الكرام.
لقد صنع فرعون في نفوس
بني إسرائيل شيئا سندركه من الآيات بعد قليل.. لقد عودهم الذل لغير الله.. كسر في
نفوسهم شيئا من الداخل.
هزم أرواحهم، فانطووا شأن
المهزومين على الإعجاب بمن هزمهم.. أفسد فطرتهم فعذبوا موسى عذابا شديدا بالعناد
والجهل.. كانت معجزة شق البحر لم تزل طرية في أذهانهم.
كانت رمال البحر رطبة لم
تزل عالقة بنعال بني إسرائيل، حين مروا على قوم يعبدون الأصنام.. وبدلا من أن
يظهروا استيائهم لهذا الظلم للعقل، ويحمدوا الله أن هداهم للإيمان.. بدلا من ذلك
التفتوا إلى موسى وطلبوا منه أن يجعل لهم إلها يعبدونه مثل هؤلاء الناس.. وليس هناك
أحد أحسن من أحد..
أدركتهم الغيرة لمرأى
الأصنام، ورغبوا في مثلها، وعاودهم الحنين لأيام الشرك القديمة التي عاشوها في ظل
فرعون.
واستلفتهم موسى إلى جهلهم هذا.
قال
تعالى:
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ
يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا
كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)
إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ (139) قَالَ
أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
(140) وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ
فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ
وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ
عَظِيمٌ
سار موسى بقومه في
سيناء.. وهي صحراء ليس فيها شجر يقي من الشمس، وليس فيها طعام ولا ماء.. وأدركتهم
رحمة الله فساق إليهم المن والسلوى وظللهم الغمام.. والمن مادة يميل طعمها إلى
الحلاوة وتفرزها بعض أشجار الفاكهة، حملت الرياح إليهم هذه المادة مغلفة في أوراق
الشجر.
وساق الله إليهم السلوى، وهو نوع من أنواع الطيور يقال إنه (السمان).
وحين
اشتد بهم الظمأ إلى الماء، وسيناء مكان يخلو من الماء، ضرب لهم موسى بعصاه الحجر
فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا من المياه.. وكان بنو إسرائيل ينقسمون إلى 12 سبطا.
فأرسل الله المياه لكل مجموعة.
ورغم هذا الإكرام والحفاوة، تحركت في النفوس
التواءاتها المريضة.. واحتج قوم موسى بأنهم سئموا من هذا الطعام، واشتاقت نفوسهم
إلى البصل والثوم والفول والعدس، وكانت هذه الأطعمة أطعمة مصرية تقليدية.. وهكذا
سأل بنو إسرائيل نبيهم موسى أن يدعو الله ليخرج لهم من الأرض هذه
الأطعمة.
وعاد موسى يستلفتهم إلى
ظلمهم لأنفسهم، وحنينهم لأيام هوانهم في مصر، وكيف أنهم يتبطرون على خير الطعام
وأكرمه، ويريدون بدله أدنى الطعام وأسوأه.
قال تعالى في سورة
البقرة:
وَإِذْ
قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ
يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا
وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي
هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ
سار موسى بقومه في اتجاه
البيت المقدس.
أمر موسى قومه بدخولها وقتال من فيها والاستيلاء
عليها.
ها قد جاء امتحانهم
الأخير.. بعد كل ما وقع لهم من المعجزات والآيات والخوارق.. جاء دورهم ليحاربوا
–بوصفهم مؤمنين- قوما من عبدة الأصنام.
ورفض قوم موسى دخول
الأراضي المقدسة.
وحدثهم موسى عن نعمة الله عليهم.
كيف جعل فيهم أنبياء، وجعلهم
ملوكا يرثون ملك فرعون،
وآتاهم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا
مِّن الْعَالَمِينَ.
وكان رد قومه عليه أنهم
يخافون من القتال.
قالوا: إن فيها قوما جبارين، ولن يدخلوا الأرض المقدسة حتى يخرج
منها هؤلاء.
|