الخضر عليه السلام
قام موسى خطيبا في بني
إسرائيل، يدعوهم إلى الله ويحدثهم عن الحق، ويبدو أن حديثه جاء جامعا مانعا رائعا..
بعد أن انتهى من خطابه سأله أحد المستمعين من بني إسرائيل: هل على وجه الأرض
أحد اعلم منك يا نبي الله؟ قال موسى مندفعا: لا.. وساق الله تعالى عتابه
لموسى حين لم يرد العلم إليه،
فبعث إليه جبريل يسأله: يا موسى ما يدريك أين يضع
الله علمه؟ أدرك موسى أنه تسرع.. وعاد جبريل، عليه السلام، يقول له: إن لله عبدا
بمجمع البحرين هو أعلم منك.
تاقت نفس موسى الكريمة
إلى زيادة العلم، وانعقدت نيته على الرحيل لمصاحبة هذا العبد العالم.. سأل كيف
السبيل إليه.. فأمر أن يرحل، وأن يحمل معه حوتا في مكتل، أي سمكة في سلة.. وفي هذا
المكان الذي ترتد فيه الحياة لهذا الحوت ويتسرب في البحر، سيجد العبد العالم..
انطلق موسى -طالب العلم- ومعه فتاه.. وقد حمل الفتى حوتا في سلة.. انطلقا بحثا عن
العبد الصالح العالم.. وليست لديهم أي علامة على المكان الذي يوجد فيه
إلا معجزة ارتداد الحياة للسمكة القابعة في السلة وتسربها إلى
البحر.
ويظهر عزم موسى
-عليه السلام- على العثور على هذا العبد العالم ولو اضطره الأمر إلى أن يسير
أحقابا وأحقابا.
قيل أن الحقب عام، وقيل ثمانون عاما.
على أية حال فهو تعبير عن
التصميم، لا عن المدة على وجه التحديد.
وَإِذْ
قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ
أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا
بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي
الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا
جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا
نَصَبًا (62) قَالَ
أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا
أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي
الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ
ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ
رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا
وصل الاثنان إلى صخرة
جوار البحر.. رقد موسى واستسلم للنعاس، وبقي الفتى ساهرا.. وألقت الرياح إحدى
الأمواج على الشاطئ فأصاب الحوت رذاذ فدبت فيه الحياة وقفز إلى البحر..
(فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا)..
وكان تسرب
الحوت إلى البحر علامة أعلم الله بها موسى لتحديد مكان لقائه بالرجل الحكيم الذي
جاء موسى يتعلم منه.
نهض موسى من نومه فلم
يلاحظ أن الحوت تسرب إلى البحر.. ونسي فتاه الذي يصحبه أن يحدثه عما وقع للحوت..
وسار موسى مع فتاه بقية يومهما وليلتهما وقد نسيا حوتهما.. ثم تذكر موسى غداءه وحل
عليه التعب..
(قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ
لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا)..
ولمع في ذهن الفتى ما
وقع.
ساعتئذ تذكر الفتى كيف
تسرب الحوت إلى البحر هناك.. وأخبر موسى بما وقع، واعتذر إليه بأن الشيطان أنساه أن
يذكر له ما وقع، رغم غرابة ما وقع، فقد اتخذ الحوت
(سَبِيلَهُ
فِي الْبَحْرِ عَجَبًا)..
كان أمرا عجيبا ما رآه يوشع بن نون، لقد رأى
الحوت يشق الماء فيترك علامة وكأنه طير يتلوى على الرمال.
سعد موسى من مروق الحوت
إلى البحر
و(قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ)..
هذا ما
كنا نريده.. إن تسرب الحوت يحدد المكان الذي سنلتقي فيه بالرجل العالم.. ويرتد موسى
وفتاه يقصان أثرهما عائدين.. انظر إلى بداية القصة، وكيف تجيء غامضة أشد الغموض،
مبهمة أعظم الإبهام.
أخيرا وصل موسى إلى
المكان الذي تسرب منه الحوت.. وصلا إلى الصخرة التي ناما عندها، وتسرب عندها الحوت
من السلة إلى البحر.. وهناك وجدا رجلا.
فَوَجَدَا
عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن
لَّدُنَّا عِلْمًا
|