داوود عليه
السلام
وقال تعالى في سورة
الأنبياء:
وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا
فَاعِلِينَ (79)
وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ
أَنتُمْ شَاكِرُونَ
كانت الدروع الحديدية
التي يصنعها صناع الدروع ثقيلة ولا تجعل المحارب حرا يستطيع أن يتحرك كما يشاء أو
يقاتل كما يريد.
فقام داوود بصناعة نوعية جديدة من الدروع. درع يتكون من حلقات حديدية تسمح للمحارب بحرية
الحركة، وتحمي جسده من السيوف والفئوس والخناجر.. أفضل من الدروع الموجودة
أيامها..وشد الله ملك داود، جعله
الله منصورا على أعدائه دائما.. وجعل ملكه قويا عظيما يخيف الأعداء حتى بغير حرب،
وزاد الله من نعمه على داود فأعطاه الحكمة وفصل الخطاب، أعطاه الله مع النبوة
والملك حكمة وقدرة على تمييز الحق من الباطل ومعرفة الحق ومساندته..
فأصبح نبيا ملكا قاضيا..
قال تعالى:
وَاذْكُرْ
عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ
بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18)
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ
وَفَصْلَ الْخِطَابِ
يروي لنا القرآن الكريم بعضا من القضايا التي وردت على
داوود -عليه السلام. قال تعالى في سورة الأنبياء:
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ
فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا
وَعِلْمًا
جلس داود كعادته يوما
يحكم بين الناس في مشكلاتهم.. وجاءه رجل صاحب حقل ومعه رجل آخر..
وقال له صاحب الحقل: سيدي النبي.. إن غنم هذا الرجل نزلت حقلي أثناء
الليل، وأكلت كل عناقيد العنب التي كانت فيه.. وقد جئت إليك لتحكم لي
بالتعويض.. قال داود لصاحب الغنم: هل صحيح أن غنمك أكلت حقل هذا
الرجل؟ قال صاحب الغنم: نعم يا سيدي.. قال داود:
لقد حكمت بأن تعطيه غنمك بدلا من الحقل الذي أكلته. قال
سليمان.. وكان الله قد علمه حكمة تضاف إلى ما ورث من والده: عندي حكم آخر يا
أبي.. قال داود: قله يا سليمان.. قال سليمان:
أحكم بأن يأخذ صاحب الغنم حقل هذا الرجل الذي أكلته الغنم.. ويصلحه له ويزرعه حتى
تنمو أشجار العنب، وأحكم لصاحب الحقل أن يأخذ الغنم ليستفيد من صوفها ولبنها ويأكل
منه، فإذا كبرت عناقيد الغنم وعاد الحقل سليما كما كان أخذ صاحب الحقل حقله وأعطى
صاحب الغنم غنمه.. قال داود: هذا حكم عظيم يا سليمان.. الحمد لله الذي
وهبك الحكمة.. أنت سليمان الحكيم حقا..
وكان داود
رغم قربه من الله وحب الله له، يتعلم دائما من الله، وقد علمه الله يوما ألا يحكم
أبدا إلا إذا استمع لأقوال الطرفين المتخاصمين.. فيذكر لنا المولى في كتابه الكريم
قضية أخرى عرضت على داوود -عليه السلام- فيقول:
وَهَلْ
أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ
قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا
بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ
نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي
الْخِطَابِ (23) قَالَ
لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ
الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا
فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَاب (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا
لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ
جلس
داود يوما في محرابه الذي يصلي لله ويتعبد فيه، وكان إذا دخل حجرته أمر حراسه ألا
يسمحوا لأحد بالدخول عليه أو إزعاجه وهو يصلي.. ثم فوجئ يوما في محرابه بأنه أمام
اثنين من الرجال.. وخاف منهما داود لأنهما دخلا رغم أنه أمر ألا يدخل عليه
أحد.
سألهما داود: من أنتما؟ قال أحد الرجلين: لا تخف يا سيدي.. بيني وبين هذا الرجل خصومة وقد
جئناك لتحكم بيننا بالحق. سأل داود: ما هي القضية؟
قال الرجل الأول:
(إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ
نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ).
وقد أخذها مني.
قال أعطها لي وأخذها
مني.. وقال داود بغير أن يسمع رأي الطرف الآخر وحجته:
(لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ)..
وان
كثيرا من الشركاء يظلم بعضهم بعضا إلا الذين آمنوا..وفوجئ داود
باختفاء الرجلين من أمامه.. اختفى الرجلان كما لو كانا سحابة تبخرت في الجو وأدرك
داود أن الرجلين ملكان أرسلهما الله إليه ليعلماه درسا.. فلا يحكم بين المتخاصمين
من الناس إلا إذا سمع أقوالهم جميعا، فربما كان صاحب التسع والتسعين نعجة معه
الحق.. وخر داود راكعا، وسجد لله، واستغفر ربه..نسجت
أساطير اليهود قصصا مريبة حول فتنة داود عليه السلام، وقيل أنه اشتهى امرأة أحد
قواد جيشه فأرسله في معركة يعرف من البداية نهايتها، واستولى على امرأته.. وليس
أبعد عن تصرفات داود من هذه القصة المختلقة.. إن إنسانا يتصل قلبه بالله،
ويتصل تسبيحه بتسبيح الكائنات والجمادات، يستحيل عليه أن يرى أو يلاحظ جمالا بشريا
محصورا في وجه امرأة أو جسدها..عاد
داود يعبد الله ويسبحه حتى مات… كان داود يصوم يوما ويفطر يوما..
قال رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن داود: "أفضل
الصيام صيام داود.
كان يصوم يوما ويفطر يوما.
وكان يقرأ الزبور بسبعين صوتا، وكانت
له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه ويبكي ببكائه كل شيء ويشفي بصوته المهموم
والمحموم"..
جاء في
الحديث الصحيح أن داود عليه السلام كان شديد الغيرة على نساءه، فكانت نساءه في قصر،
وحول القصر أسوار، حتى لا يقترب أحد من نساءه.
وفي أحد الأيام رأى النسوة رجلا في
صحن القصر، فقالوا: من هذا والله لن رآه داود ليبطشنّ به.
فبلغ الخبر داود -عليه
السلام- فقال للرجل: من أنت؟
وكيف دخلت؟
قال: أنا من لا يقف أمامه حاجز.
قال: أنت
ملك الموت.
فأذن له فأخذ ملك الموت روحه.
مات داود
عليه السلام وعمره مئة سنة.
وشيع جنازته عشرات الآلاف، فكان محبوبا جدا بين
الناس، حتى قيل لم يمت في بني إسرائيل بعد موسى وهارون أحد كان بنو إسرائيل أشد
جزعا عليه.. منهم على داود.. وآذت الشمس الناس فدعا سليمان الطير قال: أظلي على
داود.
فأظلته
حتى أظلمت عليه الأرض.
وسكنت الريح.
وقال سليمان للطير: أظلي الناس من ناحية الشمس
وتنحي من ناحية الريح.
وأطاعت الطير.
فكان ذلك أول ما رآه الناس من ملك
سليمان.
|