البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــــة العـــــامـــه

الخــلافـــة الأســلاميه

1

الخــــلافة في الإســــلام

2

قواعد الحكــم في الإسلام

3

أبو بكر الصديق(رضي الله عنهم)

4

عمر بن الخطـــاب(رضي الله عنهم)

5

عثمــان بن عفـــان(رضي الله عنهم)

6

علي بن أبي طــالب(رضي الله عنهم)
7 الحسـن بن علي بن أبي طــالب(رضي الله عنهم) 8 عمر بن عبد العزيز(رضي الله عنهم)

 

2-شكل الحكم في الإسلام ليس جمهورياً

ونظام الحكم في الإسلام كذلك ليس هو نظاماً جمهورياً. فالنظام الجمهوري يقوم في أساسه على النظام الديمقراطي، الذي تكون السيادة فيه للشعب، فالشعب فيه هو الذي يملك حق الحكم وحق التشريع، فيملك حق الإتيان بالحاكم، وحق عزله، ويملك حق تشريع الدستور والقوانين، وحق إلغائهما وتبديلهما وتعديلهما.

بينما يقـوم نظام الحكم الإسلامي في أساسه على العقيدة الإسلامية، وعلى الأحكام الشرعية. والسيادة فيه للشرع لا للأُمة، ولا تملك الأُمة فيه ولا الخليفة حق التشريع، فالمشرع هو الله سبحانه، وإنما يملك الخليفة أن يتبنى أحكاماً للدستور والقانون من كتاب الله وسنة رسوله. كما لا تملك الأُمة فيه حق عزل الخليفة، والذي يعزله هو الشرع، لكن الأُمة تملك حق تنصيبه، لأن الإسلام قد جعل السلطان والحكم لها، فتنيب عنها فيه من تختاره وتبايعه.

والنظام الجمهوري في شكله الرئاسي يتولى فيه رئيس الجمهورية صلاحية رئيس الدولة، وصلاحية رئيس الوزراء، ولا يكون معه رئيس وزراء، وإنما يكون معه وزراء، مثل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وفي شكله البرلماني يكون فيه رئيس للجمهورية، ورئيس للوزراء، وتكون صلاحية الحكم فيه لمجلس الوزراء، لا لرئيس الجمهورية، مثل جمهورية ألمانيا.

أما نظام الخـلافة فلا يوجد فيه وزراء، ولا مجلس وزراء مع الخليفة بالمعنى (الديمقراطي)، لهم اختصاصات وصلاحيات، وإنما فيه معاونون وهم وزراء يعينهم الخليفة ليعاونوه في تحمل أعباء الخـلافة، والقيام بمسؤولياتها. وهم وزراء تفويض ووزراء تنفيذ، وحين يترأسهم الخليفة يترأسهم بوصفه رئيساً للدولة، لا بوصفه رئيساً للوزراء، أو رئيساً لهيئة تنفيذية، لأنه لا يوجد معه مجلس للوزراء له صلاحيات، فالصلاحيات كلها للخليفة، والمعاونون إنما هم معاونون له في تنفيذ صلاحياته.

هذا فضلاً عن أنّ النظام الجمهوري بشكليه الرئاسي والبرلماني يكون فيه رئيس الجمهورية مسؤولاً أمام الشعب، وأمام ممثليه، ويملك فيه الشعب وممثلوه حق عزله، لأن السيادة فيه للشعب.

وهـذا بخـلاف إمارة المـؤمنين، فإن أمير المـؤمنين، وإن كان مسؤولاً أمام الأُمة، وأمام ممثليها، ويحاسب من الأُمة ومن ممثليها، إلا أن الأُمة لا تمـلك حق عـزله، وبالتالي فإن ممثليها لا يملكون حق عزله، ولا يعزل إلا إذا خالف الشـرع مخالفة تسـتوجب عزله، والذي يقرر ذلك إنما هو محكمة المظالم.

والنظـام الجمـهـوري سـواء أكان رئاسـياً، أم برلمانياً فإن الرئاسـة فيه محددة بزمن معين لا تتعداه.

بينما نظام الخـلافة لا يحدد فيه للخليفة زمن معين، وإنما تحديده بتنفيذ الشرع، فما دام الخليفة قائماً بالشرع، مطبقاً على الناس في حكمه أحكام الإسلام، المأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله فإنه يبقى خليفة، مهما طالت مدة خلافته. ومتى أخلّ بالشرع، وابتعد عن تطبيق أحكام الإسلام انتهت مدة حكمه ولو كانت يوماً أو شهراً، ويجب أن يعزل.

ومن كل ما تقـدم يتبين الاختلاف الكبير بين نظام الخـلافة، والنظـام الجمـهـوري، وبين رئيس الجمهورية في النظـام الجمهوري والخليفة في النظام الإسلامي.

وعلى ذلك فلا يجوز مطلقاً أن يقال إن نظام الإسلام نظام جمهوري، أو أن يقال: الجمهورية الإسلامية، لوجود التناقض الكبير بين النظـامين في الأساس الذي يقوم عليه كل منهما، ولوجود الخلاف بينهما في الشكل والتفاصيل.


3- شكل الحكم في الإسلام ليس (إمبراطورياً)

وهو أيضاً ليس (إمبراطورياً)، بل النظام (الإمبراطوري) بعيد عن الإسلام كل البعد، فالأقاليم التي يحكمها الإسلام ــ وإن كانت مختلفة الأجناس، وترجع إلى مركز واحد ــ فإنه لا يحكمها بالنظام (الإمبراطوري)، بل بما يناقض النظام (الإمبراطوري)، لأن النظام (الإمبراطوري) لا يساوي بين الأجناس في أقاليم (الإمبراطورية) بالحكم، بل يجعل ميزة لمركز (الإمبراطورية) في الحكم والمال والاقتصاد.

وطريقة الإسلام في الحكم هي أنه يسوي بين المحكومين في جميع أجزاء الدولة، وينكر العصبيات الجنسية، ويعطي لغير المسلمين الذين يحملون التابعية حقوق الرعية وواجباتها، فلهم ما للمسلمين من الإنصاف، وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف، بل هو أكثر من ذلك لا يجعل لأي فرد من أفراد الرعية ــ أياً كان مذهبه ــ من الحقوق ما ليس لغيره ولو كان مسلماً، فهو بهذه المساواة يختلف عن (الإمبراطورية)، وهو بهذا النظام لا يجعل الأقاليم مستعمرات، ولا مواضع استغلال، ولا منابع تصب في المركز العام لفائدته وحده، بل يجعل الأقاليم كلها وحدة واحدة مهما تباعدت المسافات بينها، وتعددت أجناس أهلها، ويعتبر كل إقليم جزءاً من جسم الدولة، ولأهله سائر الحقوق التي لأهل المركز، أو لأي إقليم آخر، ويجعل سلطة الحكم ونظامه وتشريعه كلها واحدة في كافة الأقاليم.


4- شكل الحكم في الإسلام ليس اتحادياً

وليس نظام الحكم في الإسلام نظاماً اتحادياً، تنفصل أقاليمه بالاستقلال الذاتي، وتتحد في الحكم العام، بل هو نظام وحدة تعتبر فيه مراكـش في المغرب وخراسان في المشرق، كما تعتبر مديرية الفيوم إذا كانت العاصمة الإسلامية هي القاهرة. وتعتبر مالية الأقاليم كلها مالية واحدة، وميزانية واحدة تنفق على مصالح الرعية كلها، بغض النظر عن الولايات. فلو أن ولاية كانت وارداتها ضعف حاجاتها فإنه ينفق عليها بقدر حاجاتها، لا بقدر وارداتها. ولو أن ولاية لم تكف وارداتُها حاجاتِها فإنه لا ينظـر إلى ذلك، بل ينفـق عليها من الميزانية العامة بقدر حاجاتها سواء أوفت وارداتها بحاجاتها أم لم تفِ.

فنظام الحكم وحدة تامة وليس اتحاداً. ولهذا كان نظام الحكم في الإسلام نظاماً إسلامياً متميزاً عن غيره من النظم المعروفة الآن في أصوله وأسسه، وإن تشابهت بعض مظاهره مع بعض مظاهرها. وهو فوق كل ما تقدم مركزي في الحكم، يحصر السلطة العليا في المركز العام، ويجعل له الهيمنة والسلطة على كل جزء من أجزاء الدولة صغر أو كبر، ولا يسمح بالاستقلال لأي جزء منه، حتى لا تتفكك أجزاء الدولة. وهو الذي يعين القواد والولاة والحكام والمسؤولين عن المالية والاقتصاد، وهو الذي يولي القضاة في كل إقليم من أقاليمه، وهو الذي يعين كل مَن عمله يكون حكماً، وهو المباشر لكل شيء من الحكم في جميع البلاد.

والحاصل أن نظام الحكم في الإسلام نظام خلافة. وقد انعقد الإجماع على وحدة الخـلافة، ووحدة الدولة، وعدم جواز البيعة إلا لخليفة واحد. وقد اتفق على ذلك الأئمة والمجتهدون وسائر الفقهاء. وإذا بويع لخليفة آخر مع وجود خليفة، أو وجود بيعة لخليفة قوتل الثاني، حتى يبايع للأول أو يقتل؛ لأن البيعة إنما ثبتت شرعاً لمن بُويع أولاً بيعة صحيحة.


- الخلافة فرض

إن إقامة خليفة فرض على المسلمين كافة في جميع أقطار العالم. والقيام به ـ كالقيام بأي فرض من الفروض التي فرضها الله على المسلمين ـ هو أمر محتم لا تخيير فيه ولا هوادة في شأنه، والتقصير في القيام به معصية من أكبر المعاصي، يعذب الله عليها أشد العذاب.

والدليل على وجوب إقامة الخليفة على المسلمين كافةً السنةُ وإجماعُ الصحابة. أما السنة فقد رُوي عن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، رواه مسلم، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة، ووصف من يموت وليس في عنقه بيعة بأنه مات ميتة جاهلية. والبيعة لا تكون إلا للخليفة ليس غير. وقد أوجب الرسول على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة لخليفة، ولم يوجب أن يبايع كل مسلم الخليفة. فالواجب هو وجود بيعة في عنق كل مسلم، أي وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده، فوجود الخليفة هو الذي يوجد في عنق كل مسلم بيعة، سواء بايع بالفعل، أم لم يبايع، ولهذا كان الحديث دليلاً على وجوب نصب الخليفة، وعلى وجوب أن يكون في عنق كل مسلم بيعة وليس دليلاً على وجوب البيعة، لأن الذي ذمه الرسول هو خلو عنق المسلم من بيعة حتى يموت، ولم يذم عدم البيعة. وروى مسلم عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الإمام جُنة يُقاتَل من ورائه ويُتقى به». وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يُحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم». وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية» رواه مسلم. فهذه الأحاديث فيها وصف للخليفة بأنه جُنة، أي وقاية. فوصف الرسول بأن الإمام جنة هو إخبار عن فوائد وجود الإمام، فهو طلب، لأن الإخبار من الله ومن الرسول إن كان يتضمن الذم فهو طلب ترك، أي نهي، وإن كان يتضمن المدح فهو طلب فعل، فإن كان الفعل المطلوب يترتب على فعله إقامة الحكم الشرعي، أو يترتب على تركه تضييعه، كان ذلك الطلب جازماً. وفي هذه الأحاديث أيضاً أن الذين يسوسون المسلمين هم الخلفاء، وهو يعني طلب إقامتهم، وفيها تحريم أن يخرج المسلم من السلطان. وهذا يعني أن إقامة المسلم سلطاناً، أي حكماً له، أمر واجب. على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة الخلفاء، وبقتال من ينازعهم في خلافتهم. وهذا يعني أمراً بـإقامة خليفة، والمحافظة على خلافته بقتال كل من ينازعه. فقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمره قلبه فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر». فالأمر بطاعة الإمام أمر بـإقامته، والأمر بقتال من ينازعه قرينة على الجزم في دوام إيجاده خليفة واحداً.

وأما إجماع الصحابة فإنهم رضوان الله عليهم أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته، وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان بعد وفاة كل منهم. وقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عقب وفاته، واشتغالهم بنصب خليفة له، مع أن دفن الميت عقب وفاته فرض، ويحرم على من يجب عليهم الاشتغال في تجهيزه ودفنه الاشتغال في شيء غيره حتى يتم دفنه. والصحابة الذين يجب عليهم الاشتغال في تجهيز الرسول ودفنه اشتغل قسم منهم بنصب الخليفة عن الاشتغال بدفن الرسول، وسكت قسم منهم عن هذا الاشتغال، وشاركوا في تأخير الدفن ليلتين مع قدرتهم على الإنكار، وقدرتهم على الدفن، فكان ذلك إجماعاً على الاشتغال بنصب الخليفة عن دفن الميت، ولا يكون ذلك إلا إذا كان نصب الخليفة أوجب من دفن الميت. وأيضاً فإن الصحابة كلهم أجمعوا طوال أيام حياتهم على وجوب نصب الخليفة، ومع اختلافهم على الشخص الذي يُنتخب خليفة فإنهم لم يختلفوا مطلقاً على إقامة خليفة، لا عند وفاة رسول الله، ولا عند وفاة أي خليفة من الخلفاء الراشدين. فكان إجماع الصحابة دليلاً صريحاً وقوياً على وجوب نصب الخليفة.

على أن إقامة الدين، وتنفيذ أحكام الشرع في جميع شؤون الحياة الدنيا والأخرى فرض على المسلمين، بالدليل القطعي الثبوت، القطعي الدلالة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بحاكم ذي سلطان. والقاعدة الشرعية إن (ما لا يتـم الواجـب إلا به فهـو واجب) فكان نصب الخليفة فرضاً من هذه الجهة أيضاً.


- وحدة الخلافة

لا يجوز أن يكون في الدنيا إلا خليفة واحد، لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قوله: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» رواه مسلم. ولما روى مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخُدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» . وروى مسلم عن عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» وروى مسلم أيضاً عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم» . وإذا عقدت الخلافة لخليفتين في بلدين في وقت واحد لم تنعقد لهما، لأنه لا يجوز أن يكون للمسلمين خليفتان. ولا يقال البيعة لأسبقهما، لأن المسألة إقامة خليفة، وليست السبق على الخلافة، ولأنها حق المسلمين جميعاً، وليست حقاً للخليفة، فلا بد أن يرجع الأمر للمسلمين مرة ثانية ليقيموا خليفة واحداً إذا أقاموا خليفتين. ولا يقال يقرع بينهما، لأن الخلافة عقد، والقرعة لا تدخل في العقود. ولا يقال إن الرسول يقول: «فوا ببيعة الأول فالأول» لأن ذلك إذا بويع لخلفاء مع وجود خليفة فإنه لا تكون البيعة إلا للأول الذي انعقدت بيعته، ومن جاء بعده لا تنعقد له بيعة. والكلام هنا إذا عقدت الخلافة لخليفتين بأن بايع أكثر أهل الحل والعقد خليفتين في وقت واحد، وكانت بيعة كل منهما منعقدة شرعاً فإنه يلغى العقدان ولا بد من الرجوع للمسلمين، فإن عقدوا البيعة لأحدهما انعقدت تجديداً له لا تثبيتاً لحاله الأولى، وإن عقدوها لغيرهما انعقدت. فالأمر للمسلمين جميعاً لا لأشخاص يتسابقون عليها. وإذا بويع لخليفتين، فكان أكثر أهل الحل والعقد في شؤون الحكم والخلافة بجانب واحد، وهم الذين بايعوه، وكانت الأقلية مع الآخر كانت البيعة لمن بايعه أكثر أهل الحل والعقد في شؤون الحكم سواء كان الأول بيعةً، أو الثاني، أو الثالث، لأنه هو المعتبر خليفة شرعاً ببيعة أكثرية أهل الحل والعقد له، ومن عداه يجب أن يبايعه من أجل وحدة الخلافة وإلا قاتله المسلمون، لأن الخلافة تنعقد ببيعة أكثر المسلمين. فإذا انعقدت لرجل من المسلمين صار خليفة، وحرمت بيعة غيره، ووجبت طاعته على الجميع.

على أن واقع الحكم أن أكثر أهل الحل والعقد ممن بيدهم شؤون الحكم موجودون في العاصمة عادة، لأن هناك يجري تصريف شؤون الحكم العليا، فإذا بايع أهل العاصمة، أي أهل الحل والعقد هناك خليفة، وبايع أهل إقليم أو أقاليم خليفة آخر، فإذا سبقت بيعة الذي في العاصمة كانت الخلافة له، لأن بيعة من في العاصمة قرينة دالة على أن أكثرية أهل الحل والعقد بجانبه، والبيعة في هذه الحال للأول. أما إذا بويع من في الأقاليم قبله فيجري حينئذ ترجيح من يكون بجانبه أهل الحل والعقد أكثر، لأن سبق أولئك في البيعة يضعف كون العاصمة قرينة على أن الأكثرية فيها. وعلى أي حال لا يجوز أن يبقى إلا خليفة واحد، ولو أدى ذلك إلى محاربة من لم تنعقد له الخلافة.

يجب أن يكون المسلمون جميعاً في دولة واحدة، وأن يكون لهم خليفة واحد لا غير، ويحرم شرعاً أن يكون للمسلمين في العالم أكثر من دولة واحدة، وأكثر من خليفة واحد.

كما يجب أن يكون نظام الحكم في دولة الخـلافة نظام وحدة، ويحرم أن يكون نظاماً اتحادياً.

وذلك لما روى مسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ومَنْ بايع إماماً، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر». ولما روى مسلم عن عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ أتاكم وأمرُكُم جميعٌ على رجل واحد يريد أن يشقّ عصاكم، أو يُفرّق جماعتكم فاقتلوه». ولما روى مسلم عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا بُويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما». ولما روى مسلم أن أبا حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يُحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلّما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم». فالحديث الأول يبيّن أنه في حالة إعطاء الإمامة، أي الخـلافة لواحد وجبت طاعته، فإن جاء شخص آخر ينازعه الخـلافة وجب قتاله وقتله إن لم يرجع عن هذه المنازعة.

والحديث الثاني يبين أنه عندما يكون المسلمون جماعة واحدة، تحت إمرة خليفة واحد، وجاء شخص يشق وحدة المسلمين، ويفرق جماعتهم وجب قتله. والحديثان يدلان بمفهومهما على منع تجزئة الدولة، والحث على عدم السماح بتقسيمها، ومنع الانفصال عنها، ولو بقوة السيف.

والحديث الثالث يَدلّ على أنه في حالة خلوّ الدولة من الخليفة ـ بموته أو عزله أو اعتزاله ـ ومبايعة شخصين للخلافة يجب قتل الآخر منهما، ومن باب أولى إذا أعطيت لأكثر من اثنين. وهذا كناية عن منع تقسيم الدولة، ويعني تحريم جعل الدولة دولاً، بل يجب أن تبقى دولة واحدة.

والحديث الرابع يدل على أن الخلفاء سيكثرون بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وأن الصحابة رضوان الله عليهم سألوه بماذا يأمرهم عندما يكثر الخلفاء، فأجابهم بأنه يجب عليهم أن يفوا للخليفة الذي بايعوه أولاً، لأنه هو الخليفة الشرعي، وهو وحده الذي له الطاعة، وأما الآخرون فلا طاعة لهم، لأن بيعتهم باطلة، وغير شرعية، لأنه لا يجوز أن يُبايَع لخليفةٍ آخر مع وجود خليفة للمسلمين. وهذا الحديث كذلك يدل على وجوب أن تكون الطاعة لخليفة واحد، وبالتالي يدل على أنه لا يجوز أن يكون للمسلمين أكثر من خليفة، وأكثر من دولة واحدة.

يتبع لطفا"