البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــــة العـــــامـــه

الخــلافـــة الأســلاميه

1

الخــــلافة في الإســــلام

2

قواعد الحكــم في الإسلام

3

أبو بكر الصديق(رضي الله عنهم)

4

عمر بن الخطـــاب(رضي الله عنهم)

5

عثمــان بن عفـــان(رضي الله عنهم)

6

علي بن أبي طــالب(رضي الله عنهم)
7 الحسـن بن علي بن أبي طــالب(رضي الله عنهم) 8 عمر بن عبد العزيز(رضي الله عنهم)

 
علي بن أبي طــالب ( رضي الله عنه )

 - نسبه ، و كناه ، وبعض صفاته
علي بن أبي طالب رضي الله عنه ـ و اسم أبي طالب عبد مناف ـ ، بن عبد المطلب ـ و اسمه شيبة ـ ، بن هاشم ، و اسمه عمرو بن عبد مناف ، و اسمه المغيرة بن قصي ، و اسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة ، أبو الحسن ، و أبو تراب ، كناه بها النبي صلى الله عليه و سلم . و أمه فاطمة بنت أسد ابن هشام ، و هي أول هاشمية ولدت هاشمياً ، قد أسلمت و هاجرت .
و علي رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، و أخو رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمؤاخاة ، و صهره على فاطمة سيدة نساء العالمين رضي الله عنها ، و أحد السابقين إلى الإسلام ، و أحد العلماء الربانيين ، و الشجعان المشهورين ، و الزهاد المذكورين ، و الخطباء المعروفين ، و أحد من جمع القرآن و عرضه على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و عرض عليه أبو الأسود الدؤلي و أبو عبد الرحمن السلمي ، و عبد الرحمن بن أبي ليلى ، و هو أول خليفة من بني هاشم ، و أبو السبطين ، أسلم قديماً ، بل قال ا بن عباس و أنس و زيد بن أرقم و سلمان الفارسي و جماعة : إنه أول من أسلم ، و نقل بعضهم الإجماع عليه .
و أخرج أبو يعلى عن علي رضي الله عنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين و أسلمت يوم الثلاثاء . و كان عمره حين أسلم عشر سنين ، و قيل : تسع ، و قيل : ثمان ، و قيل : دون ذلك ، قال الحسن بن زيد بن الحسن : و لم يعبد الأوثان قط لصغره ، أخرجه ابن سعد ، و لما هاجر صلى الله عليه و سلم إلى المدينة أمره أن يقيم بعده بمكة أياماً حتى يؤدي عنه أمانة الودائع و الوصايا التي كانت عند النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم يلحقه بأهله ، ففعل ذلك ، و شهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بدراً و أحداً و سائر المشاهد ، إلا تبوك فإن النبي صلى الله عليه و سلم استخلفه على المدينة ، و له في جميع المشاهد آثار مشهورة ، و أعطاه النبي صلى الله عليه و سلم اللواء في مواطن كثيرة ، و قال سعيد بن المسيب : أصابت علياً يوم أحد ست عشرة ضربة و ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم أعطاه الراية في يوم خيبر ، و أخبر أن الفتح يكون على يديه ، و أحواله في الشجاعة ، و آثاره في الحروب مشهورة ، و      
كان علي شيخاً ، سميناً أصلع ، كثير الشعر ، ربعة إلى القصر ، عظيم البطن ، عظيم الحية جداً ، قد ملأت ما بين منكبيه بيضاء كأنها قطن ، آدم شديد الأدمة .
و قال جابر بن عبد الله : حمل علي الباب على ظهره يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها ، و إنهم جروه بعد ذلك ، فلم يحمله إلا أربعون رجلاً . أخرجه ابن عساكر .
و أخرج ابن إسحاق في المغازي و ابن عساكر عن أبي رافع أن علياً تناول باباً عند الحصن ـ حصن خيبر ـ فتترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده و هو يقاتل حتى فتح الله علينا ، ثم ألقاه ، فلقد رأينا ثمانية نفر نجهد أن نقلب ذلك الباب ، فما استطعنا أن نقلبه . و روى البخاري في الأدب عن سهل بن سعد قال : إن كان أحب أسماء علي رضي الله عنه إليه [ أبا تراب ] ، و إن كان ليفرح أن يدعى به ، و ما سماه أتراب إلا النبي صلى الله عليه و سلم ، و ذلك أنه غاضب يوماً فاطمة ، فخرج ، فاضطجع إلى الجدار في المسجد ، فجاءه النبي صلى الله عليه و سلم ، و قد امتلأ ظهره تراباً ، فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يمسح التراب عن ظهره و يقول : اجلس أبا تراب .
روي له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسمائة حديث و ستة و ثمانون حديثاً .
روى عنه بنوه الثلاثة : الحسن ، و الحسين ، و محمد ابن الحنفية ، و ابن مسعود ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و ابن الزبير ، و أبو موسى ، و أبو سعيد ، و زيد بن أرقم ، و جابر بن عبد الله ، و أبو أمامة ، و أبو هريرة ، و خلائق من الصحابة و التابعين رضوان الله عليهم أجمعين .      


 - الأحاديث الواردة في فضله
قال الإمام أحمد بن حنبل : ما ورد لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من الفضائل ما ورد لعلي رضي الله عنه ، أخرجه الحاكم .
و أخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خلف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك ، فقال : يا رسول الله تخلفني في النساء و الصبيان ، فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ؟ غير أنه لا نبي بعدي أخرجه أحمد ، و البزار من حديث أبي سعد الخدري ، و الطبراني من حديث أسماء بنت قيس ، و أم سلمة ، و حبشي بن جنادة ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و جابر بن سمرة ، و البراء بن عازب ، و زيد بن أرقم .
و أخرجا عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم خيبر : لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله و رسوله ، و يحبه الله و رسوله ، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم كلهم يرجو أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل : هو يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه ، فأتي به ، فبصق رسول الله صلى الله عليه و سلم في عينيه ، و دعا له ، فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية . يدوكون : أي يخوضون و يتحدثون .
و قد أخرج هذا الحديث الطبراني من حديث ابن عمر ، و علي ، و ابن ليلى ، و عمران بن حصين ، و البزار من حديث ابن عباس .
و أخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال : لما نزلت هذه الآية : ندع أبناءنا وأبناءكم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم علياً ، و فاطمة ، و حسناً ، و حسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي .
و أخرج الترمذي عن ابن سريحة ، أو زيد بن أرقم ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه .
و أخرج أحمد عن علي ، و أبي أيوب الأنصاري ، و زيد بن أرقم ، و عمر ذي مر ، و أبو يعلى عن أبي هريرة ، و الطبراني عن ابن عمر ، و مالك بن الحويرث و حبشي بن جنادة ، و جرير ، و سعد بن أبي وقاص ، و أبي سعيد الخدري ، و أنس ، و البزار عن ابن عباس ، و عمارة ، و بريدة ، و في أكثرها زيادة : اللهم وال من والاه و عاد من عاداه .
و لأحمد عن أبي الطفيل قال : جمع علي الناس سنة خمس و ثلاثين في الرحبة ، ثم قال لهم : أنشد بالله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم غدير خم ما قال لما قام ، فقام إليه ثلاثون من الناس ، فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، و عاد من عاداه .
و أخرج الترمذي ، و الحاكم و صححه ، عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله أمرني بحب أربعة ، و أخبرني أنه يحبهم ، قيل : يا رسول الله سمهم لنا ، قال : علي منهم ـ يقول ذلك ثلاثاً ـ و أبو ذر ، و المقداد ، و سلمان .
و أخرج الترمذي و النسائي و ابن ماجه عن حبشي بن جنادة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : علي مني ، و أنا من علي .      
و أخرج الترمذي عن ابن عمر قال : آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أصحابه ، فجاء علي تدمع عيناه ، فقال : يا رسول الله آخيت بين أصحابك ، و لم تؤاخ بيني و بين أحد ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنت أخي في الدنيا و الآخرة .
و أخرج مسلم عن علي قال : و الذي فلق الحبة و برأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ، و لا يبغضني إلا منافق .
و أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنا نعرف المنافقين ببغضهم علياً .
و أخرج البزار ، و الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله . و أخرج الترمذي و الحاكم عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنا مدينة العلم ، و علي بابها هذا حديث حسن على الصواب ، لا صحيح كما قال الحاكم ، و لا موضوع كما قال جماعة منهم ابن الجوزي و النووي ، و قد بينت حاله في التعقبات على الموضوعات .
و أخرج الحاكم و صححه عن علي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن ، فقلت : يا رسول الله ، بعثتني و أنا شاب أقضي بينهم ، و لا أدري ما القضاء ، فضرب صدري بيده ثم قال : اللهم أهدي
قلبه ، و ثبت لسانه ، فو الذي فلق الحبة ما شككت في قضاء بين اثنين
و أخرج ابن سعد عن علي أنه قيل له : مالك أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثاً ؟ قال : إني كنت إذا سألته أنبأني ، و إذا سكت إبتدأني .
و أخرج عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال عمر بن الخطاب : علي أقضانا .
و أخرج الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال : كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي .
و أخرج ابن سعد عن ابن عباس ، قال : إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لا نعدوها .
و أخرج عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر بن الخطاب يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو حسن .
و أخرج عنه قال : لم يكن أحد من الصحابة يقول [سلوني ] إلا علي . و أخرج ابن عساكر عن ابن مسعود قال : افرض أهل المدينة و أقضاها علي ابن أبي طالب .
و أخرج عن عائشة رضي الله عنها أن علياً ذكر عندها ، فقالت : أما إنه أعلم من بقي بالسنة .
و قال مسروق : انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عمر ، و علي و ابن مسعود ، و عبد الله رضي الله عنهم .
و قال عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة : كان لعلي ما شئت من ضرس قاطع في العلم ، و كان له البسطة في العشيرة ، و القدم في الإسلام ، و العهد برسول الله صلى الله عليه و سلم و الفقه في السنة ، و النجدة في الحرب ، و الجود في المال .
و أخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الناس من شجر شتى ، و أنا و علي من شجرة واحدة .
و أخرج الطبراني و ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ما أنزل الله يا أيها الذين آمنوا إلا و علي أميرها و شريفها ، و لقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان و ما ذكر علياً إلا بخير .
و أخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : ما نزل في أحد من كتاب الله تعالى ما نزل في علي .
و أخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : نزلت في علي ثمانمائة آية .
و أخرج البزار عن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري و غيرك .
و أخرج الطبراني ، و الحاكم و صححه ، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا غضب لم يجترىء أحد أن يكلمه إلا علي .
و أخرج الطبراني و الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : النظر إلى علي عبادة إسناده حسن .
و أخرج الطبراني و الحاكم أيضاً من حديث عمران بن حصين .
و أخرج ابن عساكر من حديث أبي بكر الصديق ، و عثمان بن عفان ، و معاذ ابن جبل ، و أنس ، و ثوبان ، و جابر بن عبد الله ، و عائشة رضي الله عنهم .
و أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال : كانت لعلي ثمان عشرة منقبة ما كانت لأحد من هذه الأمة .
و أخرج أبو يعلى عن أبي هريرة قال : قال عمر بن الخطاب : لقد أعطى علي ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إلي من أن أعطى حمر النعم فسئل و ما هن ؟ قال : تزوجه ابنته فاطمة ، و سكناه المسجد لا يحل لي فيه ما يحل له ، و الراية يوم خيبر .
و روى أحمد بسند صحيح عن ابن عمر نحوه .
و أخرج أحمد و أبو يعلى بسند صحيح عن علي قال : ما رمدت و لا صدعت منذ مسح رسول الله صلى الله عليه و سلم وجهي و تفل في عيني ، يوم خيبر حين أعطاني الراية . و أخرج أبو يعلى و البزار عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من آذى علياً فقد آذني .
و أخرج الطبراني بسند صحيح عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من أحب علياً فقد أحبني ، و من أحبني فقد أحب الله ، و من أبغض علياً فقد أبغضني ، و من أبغضني فقد أبغض الله .
و أخرج أحمد ، و الحاكم و صححه ، عن أم سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من سب علياً فقد سبني .
و أخرج أحمد و الحاكم بسند صحيح عن ابن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعلي : إنك تقاتل على القرآن كما قاتلت على تنزيله .
و أخرج البزار و أبو يعلى و الحاكم عن علي ، قال : دعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا علي إن فيك مثلاً من عيسى ، أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه ، و أحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به ، ألا و إنه يهلك في اثنان : محب مفرط يفرطني بما ليس في ، و مبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني .
و أخرج الطبراني في الأوسط و الصغير عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول علي مع القرآن و القرآن مع علي ، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض .
و أخرج أحمد و الحاكم بسند صحيح عن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعلي : أشقى الناس رجلان : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، و الذي يضربك يا علي على هذه ـ يعني قرنه ـ حتى تبتل منه هذه ـ يعني لحيته و قد ورد ذلك من حديث علي و صهيب ، و جابر بن سمرة ، و غيرهم .
و أخرج الحاكم و صححه عن ابن سعد الخدري قال : اشتكى علياً فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فينا خطيباً فقال : لا تشكو علياً ، فو الله إنه لأخيشن في ذات الله ، أو في سبيل الله .


 - مبايعته بالخلافة
قال ابن سعد : بويع علي بالخلافة الغد من قتل عثمان بالمدينة ، فبايعه جميع من كان بها من الصحابة رضي الله عنهم و يقال : إن طلحة و الزبير بايعا كارهين غير طائعين ، ثم خرجا إلى مكة و عائشة رضي الله عنها بها ، فأخذاها و خرجا بها إلى البصرة يطلبون بدم عثمان ، و بلغ ذلك عليا ، فخرج إلى العراق ، فلقي بالبصرة طلحة و الزبير و عائشة و من معهم ، و هي وقعة الجمل ، و كانت في جمادى الآخر سنة ست و ثلاثين ، و قتل بها طلحة ، و الزبير ، و غيرهما ، و بلغت القتلى ثلاثة عشر ألفاً ، و أقام علي بالبصرة خمس عشرة ليلة ، ثم انصرف إلى الكوفة ، ثم خرج عليه معاوية بن أبي سفيان و من معه بالشام ، فبلغ علياً فسار إليه . فالتقوا بصفين في صفر سنة سبع و ثلاثين ، و دام القتال بها أياماً ، فرفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى ما فيها ، مكيدة من عمرو بن العاص ، فكره الناس الحرب ، و تداعوا إلى الصلح ، و حكموا الحكمين ، فحكم علي أبا موسى الأشعري ، و حكم معاوية عمرو بن العاص ، و كتبوا بينهم كتاباً على أن يوافوا رأس الحول بأذرح ، فينظروا في أمر الأمة ، فافترق الناس ، و رجع معاوية إلى الشام ، و علي إلى الكوفة ، فخرجت عليه الخوارج من أصحابه و من كان معه و قالوا : لا حكم إلا الله ، و عسكروا بحروراء ، فبعث إليهم ابن عباس ، فخاصمهم و حجهم ، فرجع منهم قوم كثير ، و ثبت قوم ، و ساروا إلى النهروان ، فعرضوا للسبيل ، فسار إليهم علي فقتلهم بالنهروان ، و قتل منهم ذا الثدية ، و ذلك سنة ثمان و ثلاثين ، و اجتمع الناس بأذرح في شعبان من هذه السنة ، و حضرها سعد بن أبي وقاص و ابن عمر و غيرهما من الصحابة ، فقدم عمرو أبا موسى الأشعري مكيدة منه ، فتكلم فخلع علياً ، و تكلم عمرو فأقر معاوية ، و بايع له ، فتفرق الناس على هذا ، و صار علي في خلاف من أصحابه حتى صار يعض على أصبعه و يقول : أعصى و يطاع معاوية ؟ ! .
و انتدب ثلاثة نفر من الخوارج : عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، و البرك بن عبد الله التميمي ، و عمرو بن بكير التميمي ، فاجتمعوا بمكة و تعاهدوا و تعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة : علي بن أبي طالب ، و معاوية بن أبي سفيان ، و عمرو بن العاص ، و يريحوا العباد منهم ، فقال ابن ملجم : أنا لكم بعلي ، و قال البرك : أنا لكم بمعاوية ، و قال عمرو بن بكير : أنا أكفيكم عمرو بن العاص ، و تعاهدوا على أن ذلك يكون في ليلة واحدة ليلة حادي عشر أو ليلة سابع عشر رمضان ، ثم توجه كل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه ، فقدم ابن ملجم الكوفة فلقي أصحابه من الخوارج فكاتمهم ما يريدون إلى ليلة الجمعة سابع عشر رمضان سنة أربعين ، فاستيقظ علي سحراً ، فقال لابنه الحسن ، رأيت الليلة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقلت يا رسول الله ما لقيت من أمتك من الأود و اللدد ؟ فقال لي : ادع الله عليهم ، فقلت : اللهم أبدلني بهم خيراً لي منهم ، و أبدلهم بي شراً لهم مني ، و دخل ابن الذباح المؤذن على علي ، فقال : الصلاة ، فخرج علي من الباب ينادي : أيها الناس الصلاة الصلاة ، فاعترضه ابن ملجم ، فضربه بالسيف ، فأصاب جبهته إلى قرنه و وصل إلى دماغه ، فشد عليه الناس من كل جانب ، فأمسك و أوثق ، و أقام علي الجمعة و السبت ، و توفي ليلة الأحد ، و غسله الحسن و الحسين ، و عبد الله بن جعفر ، و صلى عليه الحسن ، و دفن بدار الإمارة بالكوفة ليلاً ، ثم قطعت أطراف ابن ملجم ، و جعل في قوصرة و أحرقوه بالنار ، هذا كله كلام ابن سعد و قد أحسن في تلخيصه هذه الوقائع ، و لم يوسع فيها الكلام كما صنع غيره ، لأن هذا هو اللائق بهذا المقام ، قال صلى الله عليه و سلم : إذا ذكر أصحابي فأمسكوا و قال : بحسب أصحابي القتل .
و في المستدرك عن السدي ، قال : كان عبد الرحمن بن ملجم المرادي عشق امرأة من الخوارج يقال لها : قطام ، فنكحها و أصدقها ثلاثة آلاف درهم ، و قتل علي ، و في ذلك قال الفرزدق :
فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة       كمهر قطام من فصيح و أعجم
ثلاثة آلاف و عبد و قينة       و ضرب علي بالحسام المصمم
فلا مهر أغلى من علي و إن غلا       و لا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
قال أبو بكر بن عياش : عمي قبر علي لئلا ينبشه الخوارج .
و قال شريك : نقله ابنه الحسن إلى المدينة .
و قال المبرد عن محمد بن حبيب : أول من حول من قبر إلى قبر علي رضي الله عنه .
و أخرج ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز ، قال : لما قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه حملوه ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فبينما هم في مسيرهم ليلاً إذ ند الجمل الذي هو عليه ، فلم يدر أين ذهب ؟ و لم يقدر عليه ، قال : فلذلك يقول أهل العراق : هو في السحاب ، و قال غيره : إن البعير وقع في بلاد طيء فأخذوه فدفنوه .
و كان لعلي حين قتل ثلاث و ستون ستة ، و قيل : أربع و ستون ، و قيل : خمس و ستون ، و قيل : سبع و خمسون ، و قيل : ثمان و خمسون ، و كان له تسع عشرة سرية .


- نبذ من أخباره ، و قضاياه
قال سعيد بن منصور في سننه : حدثنا هشيم ، حدثنا حجاج ، حدثني شيخ من فزارة سمعت علياً يقول : الحمد لله الذي جعل عدونا يسألنا عما نزل به من أمر دينه ! إن معاوية كتب إلي يسألني عن الخنثي المشكل ، فكتبت إليه أن يورثه من قبل مباله ، و قال هيشم عن مغيرة عن الشعبي عن علي مثله .
و أخرج ابن عساكر عن الحسن قال : لما قدم علي البصرة قام إليه ابن الكواء ، و قيس بن عبادة ، فقالا له : ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه ، تتولى على الأمة تضرب بعضهم ببعض ؟ أعهد من رسول الله صلى الله عليه و سلم عهده إليك ؟ فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت ، فقال : أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك فلا ، و الله لئن كنت أول من صدق به فلا أكون أول من كذب عليه ، و لو كان عندي من النبي صلى الله عليه و سلم عهد في ذلك ما تركت أخا بني بن مرة و عمر بن الخطاب يقومان على منبره ، و لقاتلهما بيدي ، و لو لم أجد إلا بردي هذا ، و لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقتل قتلاً ، و لم يمت فجأة ، مكث في مرضه أياماً و ليالي ، يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة ، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس ، و هو يرى مكاني .
و لقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر ، فأبى و غضب ، و قال أنتن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر يصلي بالناس ، فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه و سلم نظرنا في أمورنا ، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله صلى الله عليه و سلم لديننا ، و كانت الصلاة أصل الإسلام ، و هي أمير الدين ، و قوام الدين ، فبايعنا أبا بكر ، و كان لذلك أهلاً ، لم يختلف عليه منا اثنان ، و لم يشهد بعصنا على بعض ، و لم تقطع منه البراءة ، فأديت إلى أبي بكر حقه ، و عرفت له طاعته ، و غزوت معه في جنوده ، و كنت آخذ إذا أعطاني ، و أغزوا إذا أغزاني ، و أضرب بين يديه الحدود بسوطي ، فلما قبض تولاها عمر ، فأخذها بسنة صاحبه ، و ما يعرف من أمره ، فبايعنا عمر ، و لم يختلف عليه منا اثنان ، و لم يشهد بعضنا على بعض ، و لم تقطع منه البراءة ، فأديت إلى عمر حقه ، و عرفت له طاعته ، و غزوت معه في جيوشه ، و كنت آخذ إذا أعطاني ، و أغزو إذا أغزاني ، و أضرب بين يديه الحدود بسوطي ، فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي و سابقتي و سالفتي و فضلي ، و أنا أظن أن لا يعدل بي ، و لكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنباً إلا لحقه في قبره ، فأخرج منها نفسه و ولده ، و لو كانت محاباة منه لآثر بها ولده ، فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة أنا أحدهم ، فلما اجتمع الرهط ظننت أن لا يعدلوا بي ، فأخذ عبد الرحمن بن عوف مواثيقنا على أن نسمع و نطيع لمن ولاه الله أمرنا ، ثم أخذ بيد عثمان بن عفان ، و ضرب بيده على يده ، فنظرت في أمري طاعتي قد سبقت بيعتي ، وفإذا طاعتي قد سبقت بيعتي ، و إذا ميثاقي أخذ لغيري ، فبايعنا عثمان ، فأديت له حقه ، و عرفت له طاعته ، و غزوت معه في جيوشه ، و كنت آخذ إذا أعطاني ، و أغزاني ، و أضرب بين يديه الحدود بسوطي ، فلما أصيب نظرت في أمري ، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهما بالصلاة قد مضيا ، و هذا الذي قد أخذ له الميثاق قد أصيب ، فبايعني أهل الحرمين ، و أهل هذين المصرين ، فوثب فيها من ليس مثلي ، و لا قرابته كقرابتي ، و لا علمه كعلمي ، و لا سابقته كسابقتي ، و كنت أحق بها منه . و أخرج أبو نعيم في الدلائل عن جعفر بن محمد عن أبيه قال عرض لعلي رجلان في خصومة ، فجلس في أصل جدار ، فقال له رجل : الجدار يقع ، فقال علي : امض ، كفى بالله حارساً ! ! فقضى بينهما ، فقام ، ثم سقط الجدار .
و في الطيوريات بسنده إلى جعفر بن محمد عن أبيه قال : قال رجل لعلي بن أبي طالب : نسمعك تقول في الخطبة : اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين المهديين ، فمن هم ؟ فاغرورقت عيناه ، فقال : هم حبيباي أبو بكر و عمر ، إماما الهدى ، و شيخا الإسلام ، و رجلا قريش ، و المقتدى بهما بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، من اقتدى بهما عصم ، ومن اتبع آثارهما هدي الصراط المستقيم ، و من تمسك بهما فهو من حزب الله .
و أخرج عبد الرزاق عن حجر المدري قال : قال لي علي بن أبي طالب : كيف بك إذا أمرت أن تلعنني ؟
قلت : و كائن ذلك ؟ قال : نعم ، قلت : فكيف أصنع ؟ قال : إلعني و لا تبرأ مني ، قال : فأمرني محمد بن يوسف أخو الحجاج ـ و كان أميراً على اليمن ـ أن ألعن علياً ، فقلت : إن الأمير أمرني أن أخرج ألعن علياً فالعنوه ، لعنه الله ، فما فطن لها إلا رجل .
و أخرج الطبراني في الأوسط و أبو نعيم في الدلائل عن زاذان ، أن علياً حدث بحديث ، فكذبه رجل ، فقال له علي : أدعوا عليك إن كنت كاذباً ؟ قال : ادع ، فدعا عليه ، فلم يبرح حتى ذهب بصره .
و أخرج عن زر بن حبيش قال : جلس رجلان يتغديان ، مع أحدهما خمسة أرغفة و مع الآخر ثلاثة أرغفة ، فلما وضعا الغداء بين أيديهما مر بهما رجل ، فسلم ، فقالا : اجلس و تغد ، فجلس و أكل معهما و استووا في أكلهم الأرغفة الثمانية ، فقام الرجل و طرح إليهما ثمانية دراهم ، و قال : خذاها عوضاً مما أكلت لكما ، و نلته من طعامكما ، فتنازعا ، فقال صاحب الخمسة الأرغفة : لي خمسة دراهم ، و لك ثلاثة ، و قال الأرغفة الثلاثة : لا أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا نصفين ، فارتفعا إلى أمير المؤمنين علي ، فقصا عليه قصتهما فقال لصاحب الثلاثة : قد عرض عليك صاحبك ما عرض ، و خبزه أكثر من خبزك ، فارض بالثلاثة ، فقال : و الله لا رضيت عنه إلا بمر الحق ، فقال علي : ليس لك في مر الحق إلا درهم واحد ، وله سبعة دراهم ، فقال الرجل : سبحان الله ! قال : هو ذلك ، قال : فعرفني الوجه في مر الحق حتى أقبله ، فقال علي : أليس لثمانية الأرغفة أربعة و عشرون ثلثاً أكلتموها و أنتم ثلاثة أنفس ، و لا يعلم الأكثر منكم أكلاً و لا الأقل ؟ فتحملون في أكلكم على السواء ، قال : فأكلت أنت ثمانية أثلاث ، و إنما لك تسعة أثلاث ، و أكل صاحبك ثمانية أثلاث ، و له خمسة عشر ثلثاً ، أكل منها ثمانية ، و بقي له سبعة أكلها صاحب الدراهم و أكل لك واحدة من تسعة ، فلك واحد بواحدك ، وله سبعة ، فقال الرجل : رضيت الآن .
و أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عطاء قال : أتي علي برجل و شهد عليه رجلان أنه سرق ، فأخذ في شيء من أمور الناس ، و تهدد شهود الزور ، و قال : لا أوتى بشاهد زور إلا فعلت به كذا و كذا ، ثم طلب الشاهدين ، فلم يجدهما ، فخلى سبيله .
و قال عبد الرزاق في المنصف : حدثنا الثوري عن سليمان الشيباني ، عن رجل ، عن علي أنه أتى برجل ، فقيل له : زعم هذا أنه احتلم بأمي ، فقال : اذهب فأقمه بالشمس ، فاضرب ظله .
و أخرج ابن عساكر عن طريق جعفر بن محمد عن أبيه . أن خاتم علي بن أبي طالب كان من ورق نقشه [ نعم القادر الله ] .
و أخرج عن عمرو بن عثمان بن عفان قال : كان نقش خاتم علي [ الملك لله ] .
و أخرج عن المدائني قال : لما دخل علي الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب ، فقال : و الله يا أمير المؤمنين لقد زنت الخلافة و ما زانتك ، و رفعتها و ما رفعتك ، و هي كانت أحوج إليك منك إليها .
و أخرج عن مجمع أن علياً كان يكنس بيت المال ، ثم يصلي فيه ، رجاء أن يشهد له أن لم يحبس فيه المال عن المسلمين .
و قال أبو القاسم الزجاجي في أماليه : حدثنا أبو جعفر محمد بن رستم الطبري ، حدثنا أبو حاتم السجستاني ، حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، حدثنا سعيد ابن سلم الباهلي ، حدثنا أبي ، عن جدي ، عن أبي الأسود الدؤلي ، أو قال : عن جدي أبي الأسود ، عن أبيه ، قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرأيته مطرقاً مفكراً ، فقلت : فيم تفكر يا أمير المؤمنين ؟ قال : إني سمعت ببلدكم هذا لحناً فأردت أن أصنع كتاباً في أصول العربية ، فقلت : إن فعلت ذلك أحييتنا ، و بقيت فينا هذه اللغة ، ثم أتيته بعد ثلاثة ، فألقى إلي صحيفة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم ، الكلمة اسم ، و فعل ، و حرف ، فالاسم : ما أنبأ عن المسمى ، و الفعل : ما أنبأ عن حركة المسمى ، و الحرف : ما أنبأ عن معنى ليس باسم و لا فعل ، ثم قال : تتبعه و زد فيه ما وقع لك ، و اعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة : ظاهر ، و مضمر ، و شيء ليس بظاهر و لا مضمر ، و إنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر و لا مضمر ، قال : أبو الأسود : فجمعت منه أشياء ، و عرضتها عليه ، فكان من ذلك حروف النصب ، فذكرت منها : إن ، وأن ، و ليت ، و لعل ، و كأن ، ولم أذكر لكن ، فقال لي : لم تركتها ؟ فقلت : لم أحسبها منها ، فقال : بل هي منها ، فزدها فيها .
و أخرج ابن عساكر عن ربيعة بن ناجد قال : قال علي : كونوا في الناس كالنحلة في الطير ، إنه ليس في الطير شيء إلا و هو يستضعفها ، لو يعلم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها ، خالطوا الناس بألسنتكم و أجسادكم ، و زايلوهم بأعمالكم و قلوبكم ، فإن للمرء ما اكتسب ، وهو يوم القيامة مع من أحب .
و أخرج عن علي قال : كونوا بقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل ، فإنه لن يقل عمل مع التقوى ، و كيف يقل عمل يتقبل ؟
و أخرج عن يحيى بن جعدة قال : قال علي بن أبي طالب : يا حملة القرآن اعملوا به ، فإنما العالم من علم ثم عمل بما علم ، و وافق علمه عمله ، و سيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم ، و تخالف سريرتهم علانيتهم ، و يخالف عملهم علمهم ، يجلسون حلقاً فيباهي بعضهم بعضاً ، حتى إن الرجل يغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره و يدعه ، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله .
و أخرج عن علي قال : التوفيق خير قائد ، و حسن الخلق خير قرين ، و العقل خير صاحب ، و الأدب خير ميراث ، و لا وحشة أشد من العجب .
و أخرج عن الحارث قال : جاء رجل إلى علي فقال : أخبرني عن القدر ! فقال : طريق مظلم لا تسلكه ، قال : أخبرني عن القدر ! قال : بحر عميق لا تلجه ، قال : أخبرني عن القدر ! قال : سر الله قد خفي عليك فلا تفتشه ، قال :أخبرني عن القدر ! قال : يا أيها السائل إن الله خلقك لما شاء أو لما شئت ؟ قال : بل لما شاء ، قال : فيستعملك لما شاء .
و أخرج عن علي قال : إن للنكبات نهايات ، و لا بد أحد إذا نكب من أن ينتهي إليها ، فينبغي للعاقل إذا أصابته نكبة أن ينام لها حتى تنقضي مدتها ، فإن في دفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها .
و أخرج عن علي أنه قيل له : ما السخاء ؟ قال : ما كان منه ابتداء ، فأما ما كان عن مسألة فحياء و تكرم .
و أخرج عن علي أنه أتاه رجل فأثنى عليه فأطراه ، و كان قد بلغه عنه قبل ذلك ، فقال له علي : إني لست كما تقول ، و أنا فوق ما في نفسك .
و أخرج عن علي قال : جزاء المعصية الوهن في العبادة ، و الضيق في المعشية ، و النقص في اللذة ، قيل : و ما النقص في اللذة ؟ قال : لا ينال شهوة حلال إلا جاءه ما ينغصه إياها .
و أخرج عن علي بن ربيعة أن رجلاً قال لعلي : ثبتك الله ، و كان يبغضه ، قال علي : على صدرك .
و أخرج عن الشعبي قال : كان أبو بكر يقول الشعر ، و كان عثمان يقول الشعر ، و كان علي أشعر الثلاثة .
و أخرج عن نبيط الأشجعي قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
إذا اشتملت على اليأس القلوب       و ضاق بهمها الصدر الرحيب
و أوطنت المكاره و اطمأنت       و أرسلت في أماكنها الخطوب
و لم ير لانكشاف الضر وجه       و لا أغنى بحليته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث       يجيء به القريب المستجيب
و كل الحادثات إذا تناهت       فموصل بها الفرج القريب
و أخرج عن الشعبي قال : قال علي بن أبي طالب لرجل كره له صحبة رجل :
فلا تصحب أخا الجهل       و إياك و إياه
فكم من جاهل أردى       حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء       إذ ما هو ما شاه
و للشيء من الشيء       مقاييس و أشباه
قياس النعل بالنعل       إذا ما هو حاذاه
و للقلب على القلب       دليل حين يلقاه
و أخرج عن المبرد قال : كان مكتوباً على سيف علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
للناس حرص على الدنيا بتدبير       و صفوها لك ممزوج بتكدير
لم يرزقوها بعقل بعدما قسمت       لكنهم رزقوها بالمقادير
كم من أديب لبيب لا تساعده ؟       و أحمق نال دنياه بتقصير
لو كان عن قوة أو عن مغالبة       طار البزاة بأرزاق العصافير
و أخرج عن حمزة بن حبيب الزيات قال : كان علي بن أبي طالب يقول :
و لا تفش سرك إلا إليك       فإن لكل نصيح نصيحا
فإني رأيت غواة الرجا       ل لا يدعون أديماً صحيحاً
و أخرج عن عقبة بن أبي الصهباء قال : لما ضرب ابن ملجم علياً دخل عليه الحسن و هو باك ، فقال له علي : يا بني احفظ عني أربعاً و أربعاً ، قال و ما هن يا أبت ؟ قال : أغنى الغنى العقل ، و أكبر الفقر الحمق ، و أوحش الوحشة العجب ، و أكرم الكرم حسن الخلق ، قال : فالأربع الآخر ؟ قال : إياك و مصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ، و إياك و مصادقة الكذاب فإنه يقرب عليك البعيد و يبعد عليك القريب ، و إياك و مصادقة البخيل فإنه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه ، و إياك و مصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه .
و أخرج ابن عساكر عن علي أنه أتاه يهودي فقال له : متى كان ربنا ؟ فتمعر وجه علي و قال : لم يكن فكان ، هو كان و لا كينونة ، كان بلا كيف ، كان ليس له قبل و لا غاية ، انقطعت الغايات دونه فهو غاية كل غاية ، فأسلم اليهودي .
و أخرج الدارج في جزئه المشهور بسند مجهول عن مسيرة عن شريح القاضي قال : لما توجه علي إلى صفين افتقد درعاً له ، فلما انقضت الحرب و رجع إلى الكوفة أصاب الدرع في يد يهودي ، فقال لليهودي : الدرع درعي لم أبع و لم أهب ، فقال اليهودي : درعي و في يدي ، فقال : نصير إلى القاضي فتقدم علي فجلس إلى جنب شريح و قال : لولا أن خصمي يهودي لاستويت معه في المجلس ، و لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : و أصغروهم من حيث أصغرهم الله فقال شريح : قل يا أمير المؤمنين ، فقال : نعم هذه الدرع التي في يد هذه اليهودي درعي لم أبع و لم أهب ، فقال شريح : أيش تقول يا يهودي ؟ قال : درعي و في يدي ، فقال شريح : ألك بينة يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم : قنبر و الحسن يشهدان أن الدرع درعي ، فقال شريح : شهادة الابن لا تجوز للأب ، فقال علي : رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ، فقال اليهودي : أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه ، و قاضيه قضى عليه ، أشهد أن هذا هو الحق ، و أشهد أن إلا الله و أشهد أن محمداً رسول الله ، و أن الدرع درعك .
فصل
و أما كلامه في تفسير القرآن فكثير ، و هو مستوفى في كتابنا التفسير المسند بأسانيده ، و قد أخرج ابن سعد عن علي قال : و الله ما نزلت آية إلا و قد علمت فيم نزلت ، و أين نزلت ، و على من نزلت ، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ، و لساناً صادقاً ناطقاً .
و أخرج ابن سعد و غيره عن أبي الطفيل ، قال : قال علي : سلوني عن كتاب الله ، فإنه ليس من آية إلا و قد عرفت بليل نزلت أم بنهار ، و في سهل أم في جبل .
و أخرج ابن أبي داود عن محمد بن سيرين قال : لما توفى رسول الله صلى الله عليه و سلم أبطأ علي عن بيعة أبي بكر فقال : أكرهت إمارتي ؟ فقال : لا ، و لكن آليت أن لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة ، حتى أجمع القرآن ، فزعموا أنه كتبه على تنزيله ، فقال محمد : لو أصيب ذلك الكتاب كان فيه العلم .      


- نبذ من كلماته الوجيزة
قال علي رضي الله عنه : الحزم سوء الظن . أخرجه أبو الشيخ و ابن حيان .
و قال : القريب من قربته المودة و إن بعد نسبه ، و البعيد من باعدته العدواة و إن قرب نسبه ، و لا شيء أقرب من يد إلى جسد ، و إن اليد فسدت قطعت ، و إذا قطعت حسمت . أخرجه أبو نعيم . و قال : خمس خذوهن عني : لا يخافن أحد منكم إلا ذنبه ، و لا يرجو إلا ربه ، و لا يستحيي من لا يعلم أن يتعلم ، و لا يستحيي من لا يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول : الله أعلم ، و إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد : إذا ذهب الصبر الإيمان ، و إذا ذهبت الرأس ذهب الجسد . أخرجه سعيد بن منصور في سننه .
و قال : الفقيه كل فقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ، و لم يرخص لهم في معاصي الله ، و لم يؤمنهم من عذاب الله ، و لم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره ، لأنه لا خير في عبادة لا علم فيها ، و لا فهم معه ، و لا قراءة لا تدبر فيها . أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن .
و قال : و أبردها على كبدي إذا سئلت عما لا علم أن أقول : الله أعلم . أخرجه ابن عساكر .
و قال : من أراد أن ينصف الناس من نفسه فليحب لهم ما يحب لنفسه . أخرجه ابن عساكر .
و قال : سبع من الشيطان : شدة الغضب ، و شدة العطاس ، و شدة التثاؤب ، و القيء ، و الرعاف ، و النجوى ، و النوم عند الذكر .
و قال : كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ المعدة . أخرجه الحاكم في التاريخ .
و قال : يأتي على الناس زمان المؤمن فيه أذل من الأمة . أخرجه سعيد بن منصور . و لأبي الأسود الدؤلي يرثي علياً رضي الله عنه :  مرثية لأبي الأسود الدؤلي فيه
ألا يا عين ويحك أسعدينا       ألا تبكي أمير المؤمنينا
و تبكي أم كلثوم عليه       بعبرتها و قد رأت اليقينا
ألا قل للخوارج حيث كانوا       فلا قرت عيون الحاسدينا
أفي شهر الصيام فجمعتمونا ؟ بخير الناس طراً أجمعينا
قتلتم خير من ركب المطايا       و ذللها ، و من ركب السفينا
و من لبس النعال و من حذاها و من قرأ المثاني و المبينا
و كل مناقب الخيرات فيه       وجب رسول رب العالمينا
لقد علمت قريش حيث كانت       بأنك خيرهم حسباً و دينا
إذا استقبلت وجه أبي حسين       رأيت البدر فوق الناظرينا
و كنا قبل مقتله بخير       نرى مولى رسول الله فينا
يقيم الحق لا يرتاب فيه       و يعدل في العدى و الأقربينا
و ليس بكاتم علماً لديه       و لم يخلق من المتكبرينا
كأن الناس إذ فقدوا علياً       نعام حار في بلد سنينا
فلا تشمت معاوية بن صخر       فإن بقية الخلفاء فينا


 - ذكر من مات في عهده من الأعلام
مات في أيام علي من الأعلام موتاً و قتلاً : حذيفة بن اليمان ، و الزبير بن العوام ، و طلحة ، و زيد بن صوحان ، و سلمان الفارسي ، و هند بن أبي هالة ، و أويس القرني ، و خباب بن الأرت ، و عمار بن ياسر ، و سهل بن حنيف ، و صهيب الرومي ، و محمد بن أبي بكر الصديق ، و تميم الداري ، و خوات بن جبير ، و شرحبيل بن السمط ، و أبو مسيرة البدري ، و صفوان بن عسال ، و عمرو بن عنبسة ، و هشام بن حكيم ، و أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه و سلم ، و آخرون .