إبراهيم عليه السلام
لا يحدثنا القرآن عن الجو
الذي أعلن فيه إبراهيم ذلك.
غير أننا نحس من سياق الآيات أن هذا الإعلان كان بين
قومه، ويبدو أن قومه اطمأنوا له، وحسبوا أنه يرفض عبادة التماثيل ويهوى عبادة
الكواكب.
وكانت الملاحة حرة بين الوثنيات الثلاث: عبادة التماثيل والنجوم
والملوك.
غير أن إبراهيم كان يدخر
لقومه مفاجأة مذهلة في الصباح.
لقد أفل الكوكب الذي التحق بديانته بالأمس.
وإبراهيم
لا يحب الآفلين.
قال تعالى:
فَلَمَّا
أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا
رَبِّي
عاد إبراهيم في الليلة
الثانية يعلن لقومه أن القمر ربه.
لم يكن قومه على درجة كافية من الذكاء ليدركوا
أنه يسخر منهم برفق ولطف وحب.
كيف يعبدون ربا يختفي ثم يظهر.
يأفل ثم يشرق..
بانتظام يشي بعبوديته لله؟
لم يفهم قومه هذا في المرة الأولى فكرره مع القمر.
لكن
القمر كالزهرة كأي كوكب آخر.. يظهر ويختفي..
قال تعالى:
فَلَمَّا
أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ
الضَّالِّينَ
سنلاحظ هنا أنه يحدث قومه
عن رفضه لألوهية القمر.. إنه يمزق العقيدة القمرية بهدوء ولطف.
كيف يعبد الناس ربا
يختفي ويأفل.
لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي يفهمهم أن
له ربا غير كل ما يعبدون.
غير أن اللفتة لا تصل إليهم.
ويعاود إبراهيم محاولته في
إقامة الحجة على الفئة الأولى من قومه.. عبدة الكواكب والنجوم.
قال
تعالى:
فَلَمَّا
رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ
قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
كان تفنيده للعقيدة
الشمسية هو ختام جولته مع عبدة الكواكب والنجوم.
أعلن أن الشمس ربه لأنها أكبر.
سخرية مرت على آذان قومه فلم تلتقطها القلوب الموصدة.
لم يفهم عبدة الشمس أنهم
يعبدون مخلوقا.
لا يغني فيه أنه كبير.. الله أكبر.. بعد أن أعلن إبراهيم أن الشمس
ربه، انتظر حتى جاء المغيب، وغربت الشمس.
أفلت هي الأخرى مثل كل المعبودات التي
تأفل.
بعدها أعلن براءته من عبادة النجوم والكواكب.
أنهى جولته الأولى بتوجيهه وجهه
للذي فطر السماوات والأرض حنيفا.. ليس مشركا مثلهم.
استطاعت حجة إبراهيم أن
تظهر الحق.
وبدأ صراع قومه معه.
لم يسكت عنه عبدة النجوم والكواكب.
بدءوا جدالهم
وتخويفهم له وتهديده.
ورد إبراهيم عليهم قال:
أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ
بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ
تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ
أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا
لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ
بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
لا نعرف رهبة الهجوم
عليه.
ولا حدة الصراع ضده، ولا أسلوب قومه الذي اتبعه معه لتخويفه.
تجاوز القرآن
هذا كله إلى رده هو.
كان جدالهم باطلا فأسقطه القرآن من القصة، وذكر رد إبراهيم
المنطقي العاقل.
كيف يخوفونه ولا يخافون هم؟
أي الفريقين أحق بالأمن؟
الَّذِينَ
آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ
وَهُم مُّهْتَدُونَ
بعد أن بين إبراهيم عليه
السلام حجته لفئة عبدة النجوم والكواكب، استعد لتبيين حجته لعبدة الأصنام.
آتاه الله الحجة في المرة الأولى كما سيؤتيه الحجة في كل مرة.
وَتِلْكَ
حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن
نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
سبحانه.. كان يؤيد
إبراهيم ويريه ملكوت السماوات والأرض.
لم يكن معه غير إسلامه حين بدأ صراعه مع عبدة
الأصنام.
هذه المرة يأخذ الصراع شكلا أعظم حدة.
أبوه في الموضوع.. هذه مهنة الأب
وسر مكانته وموضع تصديق القوم.. وهي العبادة التي تتبعها الأغلبية.
|