إبراهيم عليه السلام
وكبر إسماعيل.. وتعلق به
قلب إبراهيم.. جاءه العقب على كبر فأحبه.. وابتلى الله تعالى إبراهيم بلاء مبينا
بسبب هذا الحب. حكى الله تبارك وتعالى موقف ابتلاء إبراهيم في سورة (الصافات)..
قال
عز وجل:
وَقَالَ
إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا
بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى
قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ
الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا
أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) َنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ
(104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ
(106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ
(107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي
الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ
عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ
مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ
انظر كيف يختبر الله
عباده. تأمل أي نوع من أنواع الاختبار.
نحن أمام نبي قلبه أرحم قلب في الأرض.
اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق.
جاءه ابن على كبر.. وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب.
ثم ها هو ذا
يستسلم للنوم فيرى في المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له
غيره.
أي نوع من الصراع نشب في
نفسه.
يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط.
لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو
من الصراع.
نشب الصراع في نفس إبراهيم.. صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية.
فكر
إبراهيم لماذا.. وجاءه الجواب أنه هكذا أراه الله.. ورؤيا الأنبياء حق.. لقد رأى
نفسه في المنام يذبح ولده الوحيد.. هذا وحي من الله أن يذبح ولده
الوحيد.
لماذا..؟
أزاحها إبراهيم
من تفكيره.. ليس إبراهيم هو الذي يسأل الله لماذا أو لأي سبب.. فكر إبراهيم في
ولده.. ماذا يقول عنه إذا أرقده على الأرض ليذبحه.. الأفضل أن يقول لولده ليكون ذلك
أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرا ويذبحه قهرا.
هذا أفضل.. انتهى الأمر وذهب إلى
ولده:
قَالَ يَا
بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا
تَرَى
انظر إلى تلطفه في إبلاغ
ولده، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة.. إن الأمر مقضي في نظر إبراهيم لأنه وحي
من ربه.. فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟
أجاب إسماعيل بن إبراهيم جواب إبراهيم.
هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه:
يَا
أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ
الصَّابِرِينَ
تأمل رد الابن.. إنسان
يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده..
إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ
هو الصبر على أي حال وعلى
كل حال.. وربما استعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله.. ها هو ذا إبراهيم يكتشف
أن ابنه ينافسه في حب الله.
لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم بعد استسلام ابنه
الصابر.. لا نعرف.
ينقلنا الحق نقلة خاطفة
فإذا إسماعيل راقد على الأرض، وجهه في الأرض رحمة به كيلا يرى نفسه وهو يذبح. وإذا
إبراهيم يرفع يده بالسكين.. وإذا أمر الله مطاع.
فَلَمَّا
أَسْلَمَا
استخدم القرآن هذا
التعبير..
(فَلَمَّا أَسْلَمَا)
هذا هو الإسلام
الحقيقي.. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء.
عندئذ فقط.. وفي اللحظة
التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره.. نادى الله إبراهيم.. انتهى اختباره، وفدى
الله إسماعيل بذبح عظيم، وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد.. هم المسلمون.
صارت
هذه اللحظات عيدا للمسلمين.
عيدا يذكرهم بمعنى
الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل.
|