إبراهيم عليه السلام
ومضت قصة إبراهيم.
ترك
ولده إسماعيل وعاد يضرب في أرض الله داعيا إليه، خليلا له وحده.. ومرت الأيام.
كان
إبراهيم قد هاجر من أرض الكلدانيين مسقط رأسه في العراق وعبر الأردن وسكن في أرض
كنعان في البادية.
ولم يكن إبراهيم ينسى خلال دعوته إلى الله أن يسأل عن أخبار لوط
مع قومه، وكان لوط أول من آمن به، وقد أثابه الله بأن بعثه نبيا إلى قوم من
الفاجرين العصاة.
كان إبراهيم جالس لوحده.
في هذه اللحظة، هبطت على الأرض أقدام ثلاثة من الملائكة: جبريل وإسرافيل وميكائيل.
يتشكلون في صور بشرية من الجمال الخارق.
ساروا صامتين.
مهمتهم مزودجة.
المرور على
إبراهيم وتبشيره.
ثم زيارة قوم لوط ووضع حد لجرائمهم.
سار الملائكة الثلاثة
قليلا.. ألقى أحدهم حصاة أمام إبراهيم.
رفع إبراهيم رأسه.. تأمل وجوههم.. لا يعرف
أحدا فيهم.. بادروه بالتحية..
قالوا: سلاما..
قال: سلام
نهض إبراهيم ورحب بهم..
أدخلهم بيته وهو يظن أنهم ضيوف وغرباء.
أجلسهم واطمأن أنهم قد اطمأنوا، ثم استأذن
وخرج.. راغ إلى أهله.
نهضت زوجته سارة حين دخل
عليها.
كانت عجوزا قد ابيض شعرها ولم يعد يتوهج بالشباب فيها غير وميض الإيمان الذي
يطل من عينيها.
قال
إبراهيم لزوجته: زارنا ثلاثة غرباء.
سألته: من
يكونون؟
قال: لا
أعرف أحدا فيهم.. وجوه غريبة على المكان.. لا ريب أنهم من مكان بعيد، غير أن
ملابسهم لا تشي بالسفر الطويل.
أي طعام جاهز لدينا؟
قالت: نصف
شاة.
قال وهو
يهم بالانصراف: نصف شاة.. اذبحي لهم عجلا سمينا.. هم ضيوف وغرباء.
ليست معهم دواب
أو أحمال أو طعام.. ربما كانوا جوعى وربما كانوا فقراء.
اختار إبراهيم عجلا سمينا
وأمر بذبحه، فذكروا عليه اسم الله وذبحوه.
وبدأ شواء العجل على الحجارة الساخنة..
وأعدت المائدة.. ودعا إبراهيم ضيوفه إلى الطعام، وأوقف زوجته في خدمتهم زيادة في
الإكرام والحفاوة، ووضع العجل المشوي أمام الضيوف.
أشار إبراهيم بيده أن
يتفضلوا باسم الله، وبدأ هو يأكل ليشجعهم.
كان إبراهيم كريما يعرف أن الله لا يتخلى
عن الكرماء وربما لم يكن في بيته غير هذا العجل، وضيوفه ثلاثة ونصف شاة يكفيهم
ويزيد، غير أنه كان سيدا عظيم الكرم.
راح إبراهيم يأكل ثم استرق النظر إلى ضيوفه
ليطمئن أنهم يأكلون.
لاحظ أن أحدا لا يمد يده إلى الطعام.
قرب إليهم الطعام وقال:
ألا تأكلون؟
عاد إلى طعامه ثم اختلس إليهم نظرة فوجدهم لا يأكلون.. رأى أيديهم لا
تصل إلى الطعام.
عندئذ
(أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً).
في
تقاليد البادية التي عاش فيها إبراهيم، كان معنى امتناع الضيوف عن الأكل أنهم
يقصدون شرا بصاحب البيت.
ولاحظ إبراهيم بينه وبين
نفسه أكثر من ملاحظة تؤيد غرابة ضيوفه.
لاحظ أنهم دخلوا عليه فجأة.
لم يرهم إلا وهم
عند رأسه.
لم يكن معهم دواب تحملهم، لم تكن معهم أحمال.. وجوههم غريبة تماما عليه.
كانوا مسافرين وليس عليهم أثر لتراب السفر.
ثم ها هو ذا يدعوهم إلى طعامه فيجلسون
إلى المائدة ولا يأكلون.. ازداد خوف إبراهيم.. رفع نظره فوجد امرأته سارة تقف في
نهاية الحجرة.
حاول أن يقول لها بنظراته
أنه خائف من ضيوفه، فلم تفهم المرأة.. وفكر إبراهيم في رجاله وخدمه وقومه.. إن عدد
الضيوف ثلاثة.. وهم في مقتبل الشباب، وهو رجل عجوز وشيخ.
كان الملائكة يقرءون
أفكاره التي تدور في نفسه، دون أن يشي بها وجهه.
قال له أحد الملائكة:
(لاَ تَخَفْ).
رفع إبراهيم رأسه وقال بصدق عظيم وبراءة: اعترف
إنني خائف.
لقد دعوتكم إلى الطعام ورحبت بكم، ولكنكم لا تمدون أيديكم إليه.. هل
تنوون بي شرا؟
ابتسم أحد الملائكة وقال:
نحن لا نأكل يا إبراهيم.. نحن ملائكة الله.. وقد
أُرْسِلْنَا
إِلَى قَوْمِ لُوطٍ
|