إسماعيل عليه السلام
عاش إسماعيل في شبه
الجزيرة العربية ما شاء الله له أن يعيش.. روض الخيل واستأنسها واستخدمها، وساعدت
مياه زمزم على سكنى المنطقة وتعميرها.
استقرت بها بعض القوافل..
وسكنتها القبائل.. وكبر إسماعيل وتزوج، وزاره إبراهيم فلم يجده في بيته ووجد
امرأته.. سألها عن عيشهم وحالهم، فشكت إليه من الضيق والشدة.
قال لها إبراهيم: إذا جاء
زوجك مريه أن يغير عتبة بابه.. فلما جاء إسماعيل، ووصفت له زوجته الرجل.. قال: هذا
أبي وهو يأمرني بفراقك.. الحقي بأهلك.
وتزوج إسماعيل امرأة
ثانية.. زارها إبراهيم، يسألها عن حالها، فحدثته أنهم في نعمة وخير.. وطاب صدر
إبراهيم بهذه الزوجة لابنه.
وها نحن الآن أمام الاختبار الثالث.. اختبار لا يمس إبراهيم
وإسماعيل فقط. بل يمس ملايين البشر من بعدهم إلى يوم القيامة.. إنها مهمة أوكلها
الله تعالى لهذين النبيين الكريمين.. مهمة بناء بيت الله تعالى في
الأرض.
كبر إسماعيل.. وبلغ
أشده.. وجاءه إبراهيم.
قال
إبراهيم لإسماعيل: يا إسماعيل.. إن الله أمرني بأمر.
قال
إسماعيل: فاصنع ما أمرك به ربك.. قال إبراهيم: وتعينني؟ قال:
وأعينك.
قال: فان
الله أمرني أن ابني هنا بيتا. أشار بيده لصحن منخفض هناك.
صدر الأمر ببناء بيت الله
الحرام.. هو أول بيت وضع للناس في الأرض.. وهو أول بيت عبد فيه الإنسان ربه.. ولما
كان آدم هو أول إنسان هبط إلى الأرض.. فإليه يرجع فضل بنائه أول مرة.. قال العلماء:
إن آدم بناه وراح يطوف حوله مثلما يطوف الملائكة حول عرش الله
تعالى.
بنى آدم خيمة يعبد فيها
الله.. شيء طبيعي أن يبني آدم -بوصفه نبيا- بيتا لعبادة ربه.. وحفت الرحمة بهذا
المكان.. ثم مات آدم ومرت القرون، وطال عليه العهد فضاع أثر البيت وخفي مكانه.. وها
هو ذا إبراهيم يتلقى الأمر ببنائه مرة ثانية.. ليظل في المرة الثانية قائما إلى يوم
القيامة إن شاء الله.
وبدأ بناء الكعبة..
والكعبة مجموعة من الحجارة التي لا تضر ولا تنفع.. ولا تزيد على غيرها من الحجارة
ولا تقل، لكنها رغم ذلك رمز للتوحيد الإسلامي، وتنزيه الله.. كان آدم على التوحيد
الرفيع والإسلام والتنزيه المطلق.. وكان إبراهيم حنيفا مسلما، وما كان من
المشركين.
قال
تعالى:
وَإِذْ
يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا
تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن
ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ
إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ
الكعبة حجرة جبارة من
الحجارة.. تمتد في الأرض لعمق الأساس القديم الذي حفره إبراهيم وإسماعيل.. هدمت في
التاريخ أكثر من مرة، وكان بناؤها يعاد في كل مرة.. فهي باقية منذ عهد إبراهيم إلى
اليوم.. وحين بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تحقيقا لدعوة إبراهيم.. وجد
الرسول الكعبة حيث بنيت آخر مرة، وقد قصر الجهد بمن بناها فلم يحفر أساسها كما حفره
إبراهيم.
نفهم من هذا إن إبراهيم
وإسماعيل بذلا فيها وحدهما جهدا استحالت -بعد ذلك- محاكاته على آلاف الرجال.. ولقد
صرح الرسول بأنه يحب هدمها وإعادتها إلى أساس إبراهيم، لولا قرب عهد القوم
بالجاهلية، وخشيته أن يفتن الناس هدمها وبناؤها من جديد.. بناؤها بحيث تصل إلى
قواعد إبراهيم وإسماعيل.
أي جهد شاق بذله النبيان
الكريمان وحدهما؟ كان عليهما حفر الأساس لعمق غائر في الأرض، وكان عليهما قطع
الحجارة من الجبال البعيدة والقريبة، ونقلها بعد ذلك، وتسويتها، وبناؤها وتعليتها..
وكان الأمر يستوجب جهد جيل من الرجال، ولكنهما بنياها معا. |