موسى وهارون عليهما السلام
الجزء
الأول
وكبر موسى في بيت فرعون..
تعلم الحساب والهندسة والفلك والكيمياء والطبيعة واللغات.. كان ينام في حصة الدين،
لهذا لم يكن يسمع الكلام الفارغ الذي يقوله المدرس عن ألوهية فرعون، وفي المرات
القليلة التي سمع فيها أن فرعون إله، كان يسخر في نفسه من هذا الكلام، فهو يعيش مع
فرعون في بيت واحد ويعرف أكثر من غيره أن فرعون مجرد إنسان ولكنه
ظالم.
كان موسى يعلم أنه ليس
ابنا لفرعون، إنما هو واحد من بني إسرائيل.. وكان يرى كيف يضطهد رجال فرعون واتباعه
بني إسرائيل.. وكبر موسى وبلغ أشده..
(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ
عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا)
وراح يتمشى فيها.
وجد موسى رجلا من اتباع
فرعون وهو يقتتل مع رجل من بني إسرائيل، واستغاث به الرجل الضعيف فتدخل موسى وأزاح
بيده الرجل الظالم فقتله.. كان موسى قويا إلى الحد الذي يكفي فيه أن يضرب بيده ضربة
واحدة ليزيح خصمه فإذا هو يقتله.. ولم يكن موسى يقصد قتل الرجل الآخر.. وفوجئ به
وقد مات.. قال موسى لنفسه:
(هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ)..
ودعا موسى ربه:
(قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي).
وغفر
الله تعالى له،
(إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ)..
قال تعالى في سورة
القصص:
وَلَمَّا
بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ
يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي
مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ
قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ
(15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ
نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
(16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ
عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ
أصبح موسى
(فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ)
.. تعبير مصور لهيئة
معروفة.. هيئة إنسان مطارد يتوقع الشر في كل خطوة، ويلتفت لأوهى الحركات وأخفاها..
ويبدو أن موسى كان نموذجا لمزاج عصبي مندفع.
إن موسى يندفع لنجدة الإسرائيلي، يده
تندفع بوكزة هدفها إبعاد المصري وتنحيته.. فإذا هو يقتله..
يعتبر هذا القتل في
القوانين الوضعية أنه قتل خطأ.. لا يقصده من فعله ولا تنعقد عليه نيته، وبالتالي لا
يكون الجزاء فيه عسيرا.. إنما ينظر القضاء بالتخفيف إلى الواقعة باعتبارها قتلا
خطأ.. لا يمكن اعتبار الواقعة بالتكييف القانوني ضربا أفضى إلى الموت.
لأن الضرب لم
يكن مقصودا هو الآخر.. لم يكن موسى يضرب الرجل، كل ما فعله أنه وكزه (بمعنى دفعه
بيده أو أزاحه بيده).
ولسوف نلاحظ أن موسى يكاد يكون هو الوجه الآخر
لإبراهيم.
كلاهما من أولي العزم
الكبار.
غير أن إبراهيم نموذج للحلم والرقة، وموسى نموذج للاندفاع والقوة.. هو
تكوين نفسي خلقه الله تعالى عليه..
أصبح موسى
(فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ)
.. وعد بالأمس أنه لن
يكون ظهيرا للمجرمين.. لن يتدخل في المشاجرات بين المجرمين والمشاغبين ليدفع عن أحد
من شيعته.
وفوجئ موسى أثناء سيره
بنفس الرجل الذي أنقذه موسى بالأمس وهو يناديه ويستصرخه اليوم.. كان الرجل مشتبكا
في عراك مع أحد المصريين.. وأدرك موسى بأن هذا الإسرائيلي مشاغب.. أدرك أنه من هواة
المشاجرات.. وصرخ موسى في الإسرائيلي يعنفه قائلا:
(إِنَّكَ
لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ).
قال موسى كلمته واندفع
نحوهما يريد البطش بالمصري.. واعتقد الإسرائيلي أن موسى سيبطش به هو.. دفعه الخوف
من موسى إلى استرحامه صارخا.
لم تكد كلمات الإسرائيلي
تقع من فمه أمام موسى حتى توقف موسى.
سكت عنه الغضب وتذكر ما فعله بالأمس، وكيف
استغفر وتاب ووعد ألا يكون ظهيرا للمجرمين.. استدار موسى عائدا ومضى وهو يستغفر
ربه..
وأدرك المصري الذي كان
يتشاجر مع الإسرائيلي أن موسى هو قاتل المصري الذي عثروا على جثته أمس.. وكانت
سلطات الشرطة المصرية قد فشلت في معرفة قاتله.. وطار المصري عدوا إلى رجال الأمن..
وانكشف سر موسى.. ظهر أمره.. وجاء رجل مصري مؤمن من أقصى المدينة مسرعا.. همس في
إذن موسى أن هناك اتجاها لقتله.. نصحه أن يخرج من مصر على عجل..
قال
تعالى:
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي
اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ
مُّبِينٌ (18)
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ
يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن
تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ
مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاء
رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ
يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ
النَّاصِحِينَ
|