البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــة العـــامـــه

قصص الأنبيــاء(عليهم السلام)

 

موسى وهارون عليهما السلام

الجزء الأول

يخفي الله عنا اسم الرجل الذي جاء يحذر موسى.. ونرجح أنه كان رجلا مصريا (من ذوي الأهمية) بنص الآيات، فقد اطلع على مؤامرة تحاك لموسى من مستويات عليا، ولو كان شخصية عادية لما عرف.. يعرف الرجل أن موسى لم يكن يستحق القتل على ذنبه بالأمس.. لقد قتل الرجل خطأ.. والجريمة في القانون المصري القديم عقوبتها السجن.. ما الذي أبرز فكرة قتل موسى إذن؟
إن هناك عبارة في نصيحة المصري لموسى تضع يدنا على الجواب..

هذه العبارة هي قوله:
(إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ)..

الملأ هم الرؤساء المسؤولون عن الأمن.. وهم يعدون له مؤامرة.. إن الجريمة عادية، لا تقتضي غير عرض الأمر على القضاء والحكم بالسجن فيها.
ما الذي أدخل الملأ هنا؟
وجعلهم طرفا شخصيا في النزاع، ودفعهم للتآمر على قتله؟
نحسب أن مدير الشرطة المصري لم يكن يحب موسى.
كان يعلم أنه من بني إسرائيل.
وكان يرى في وصول الصندوق إلى قصر فرعون مكيدة دبرها له أعداؤه الطامعون في منصبه.. كيف أفلت منه أحد أبناء إسرائيل في العام الذي لا ينبغي أن يفلت فيه أحد؟!

هذا يعني تراخيه وتراخي رجاله.. وكم نصح الرجل بقتل موسى، وكان الفرعون يحبذ الفكرة فإذا حان التنفيذ تقهقر أمام حب زوجته لموسى وحنوها عليه وتعلقها به.. أخيرا جاءت الفرصة.. قال له أحد رجاله إن موسى هو قاتل المصري الذي عثروا على جثته بالأمس.. انتهى الأمر وجاءته الفرصة لقتل موسى.. من يدافع الآن عنه؟
لقد جاء بموسى في جناية قتل عمد.. استخف الفرح كل من كانوا يكرهون موسى من رجال القصر.. وتقرر قتله.. ثم أرسل الله لموسى مصريا عاقلا يحذره وينصحه بالفرار من وجه الظالمين.

قال تعالى:

فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

صورة أخرى لموسى وهو مطارد.. خرج على الفور.. خائفا يتلفت ويتسمع ويترقب.. في قلبه دعاء لله..
(رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
 .. وكان القوم ظالمين حقا.. ألا يريدون تطبيق عقوبة القتل العمد عليه، وهو لم يفعل شيئا أكثر من أنه مد يده وأزاح رجلا فقتله خطأ؟

خرج موسى من مصر على عجل.. لم يذهب إلى قصر فرعون ولم يغير ملابسه ولم يأخذ طعاما للطريق ولم يعد للسفر عدته.. لم يكن معه من دواب الأرض دابة تحمله على ظهرها وتوصله.. ولم يكن في قافلة.. إنما خرج بمجرد أن جاءه الرجل المؤمن وحذره من فرعون ونصحه أن يخرج.
أختار طريقا غير مطروق وسلكه.. دخل في الصحراء مباشرة واتجه إلى حيث قدرت له العناية الإلهية أن يتجه.. لم يكن موسى يسير قاصدا مكانا معينا.. هذه أول مرة يخرج فيها ويعبر الصحراء وحده..

ظل يسير بنفسية المطارد حتى وصل إلى مكان.. كان هذا المكان هو مدين.. جلس يرتاح عند بئر عظيمة يسقي الناس منها دوابهم..

لم يكن له طعام سوى ورق الشجر، وكان يشرب من الآبار التي يجدها في الطريق.. وكان خائفا طوال الوقت أن يرسل فرعون من وراءه من يقبض عليه.

لم يكد موسى يصل إلى مدين حتى ألقى بنفسه تحت شجرة واستراح.
نال منه الجوع والتعب، وسقطت نعله بعد أن ذابت من مشقة السير على الرمال والصخور والتراب.. لم تكن معه نقود لشراء نعل جديدة.. ولم تكن معه نقود لشراء طعام أو شراب.
لاحظ موسى جماعة من الرعاة يسقون غنمهم، وتذكر أنه جائع وعطش، قال لنفسه: املأ بطني من الماء ما دمت لا أملك ثمن الطعام.. سار موسى إلى مكان الماء.. قبل أن يصل وجد امرأتين تكفان غنمهما أن يختلطا بغنم القوم، أحس موسى بما يشبه الإلهام أن الفتاتين في حاجة إلى المساعدة.. نسي عطشه وتقدم منهما وسأل هل يستطيع أن يساعدهما في شيء..
قالت الفتاة الكبرى: نحن ننتظر أن ينتهي الرعاة من سقي غنمهم لنسقي.

سأل موسى: ولماذا لا تسقيان؟
قالت الصغرى: لا نستطيع أن نزاحم الرجال.
اندهش موسى لأنهما ترعيان الغنم.. المفروض أن يرعى الرجال الأغنام.
هذه مهمة شاقة ومتعبة وتحتاج إلى اليقظة.
سأل موسى: لماذا ترعيان الغنم..؟
قالت الصغرى: أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج كل يوم للرعي.
قال موسى: سأسقي لكما.

سار موسى نحو الماء.. اكتشف أن الرعاة قد وضعوا على فم البئر صخرة ضخمة لا يستطيع أن يحركها غير عشرة رجال.
احتضن موسى الصخرة ورفعها من فم البئر.. نفرت عروق رقبته ويديه وهو يرفع الصخرة.. كان موسى قويا.. سقى لهما الغنم وأعاد الصخرة إلى مكانها، وتركهما وعاد يجلس تحت ظل الشجرة.

وتذكر لحظتها أنه نسي أن يشرب.. وكان بطنه ملتصقا بظهره من الجوع.
تذكر الله وناداه في قلبه:

رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ