البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــة العـــامـــه

قصص الأنبيــاء(عليهم السلام)

 

موسى وهارون عليهما السلام

الجزء الأول

قال تعالى:

وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ

ندع موسى جالسا تحت ظل الشجرة.. لنرى ماذا كان من أمر الفتاتين اللتين سقى لهما.

عادت الفتاتان إلى أبيهما الشيخ.
سأل الأب: عدتما اليوم سريعا على غير العادة؟!
قالت الكبرى: كان حظنا اليوم عظيما يا أبي.. تقابلنا مع رجل كريم سقى لنا الغنم قبل أن يسقي الرعاة.
قال الأب: الحمد لله.
قالت البنت الصغرى: أعتقد يا أبي أنه قادم من سفر بعيد.. وجائع!
رأيت وجهه مجهدا رغم قوته.
قال الأب لابنته: اذهبي إليه وقولي له:
(إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ)
 ليعطيك
(أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا).
وطارت البنت تجري لموسى وقلبها يخفق.

وقفت أمام موسى وأبلغته رسالة أبيها، ونهض موسى وبصره في الأرض.
إنه لم يسق لهما الغنم وهو ينتظر منهما أجرا، وإنما ساعدهما لوجه الله، غير أنه أحس في داخله أن الله هو الذي يوجه قدميه فنهض.. سارت البنت أمامه.. هبت الرياح فضربت ثوبها فخفض موسى بصره حياء وقال لها: سأسير أنا أمامك ونبهيني أنت إلى الطريق.

وصلا إلى الشيخ.
قال بعض المفسرين إن هذا الشيخ هو النبي شعيب.
عمر طويلا بعد موت قومه.
وقيل إنه ابن أخي شعيب.
وقيل ابن عمه، وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب الذين آمنوا به.

لا نعرف أكثر من كونه شيخا صالحا.

قدم له الشيخ طعام الغداء وسأله: من أين هو قادم والى أين هو ذاهب؟
حدثه موسى عن قصته.
قال الشيخ:
(لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) .
هذه البلاد لا تتبع مصر، ولن يصلوا إليك هنا.
اطمأن موسى ونهض لينصرف.

قالت ابنة الشيخ لأبيها همسا:
(يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)
سألها الأب: كيف عرفت أنه قوي؟
قالت: رفع وحده صخرة لا يرفعها غير عشرة رجال.
سألها: وكيف عرفت أنه أمين؟
قالت: رفض أن يسير خلفي وسار أمامي حتى لا ينظر إلي وأنا أمشي.. وطوال الوقت الذي كنت أكلمه فيه كان يضع عينيه في الأرض حياء وأدبا.

وعاد الشيخ لموسى وقال له: أريد يا موسى أن أزوجك إحدى ابنتي على أن تعمل في رعي الغنم عندي ثماني سنوات، فإن أتممت عشر سنوات، فمن كرمك، لا أريد أن أتعبك،
(سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).

قال موسى: هذا اتفاق بيني وبينك.. والله شاهد على اتفاقنا.. سواء قضيت الثماني السنوات، أو العشر سنوات فأنا حر بعدها في الذهاب..

قال تعالى في سورة القصص:

فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ

تنصرف كثير من الأقلام حين تجيء إلى هذا الموضع، إلى أسئلة لا تنم إلا عن الفضول.
يتساءلون: أي ابنتي الشيخ تزوج موسى: أهي الكبرى أم الصغرى؟
وأي الأجلين قضى موسى عشر سنوات أم ثماني سنوات؟
وهم يضربون في تيه من الأقاصيص والروايات، والثابت أن موسى تزوج إحدى ابنتي الشيخ.
لا نعرف من كانت، ولا ماذا كان اسمها.
نعتقد أنه تزوج التي ذهبت إليه تدعوه لأبيها، ثم حثت أباها على استئجاره بعد ذلك.
يكشف السياق القرآني عن لون من ألوان الإعجاب الراقي الذي يجيش بنفسها تجاهه..

ولعل الشيخ أدرك بحكمته أن ابنته قد اختارت بقلبها وانتهى الأمر، ولعله حين حدث موسى عن تزويجه ترك له حرية الاختيار حياء، ولعل موسى اختار من اختارته، ولعل هذا تم بنفس اندفاع موسى وسرعته.
أما من كانت هذه البنت: أكانت الكبرى أم الصغرى.
فهذه مسألة سكت عنها السياق القرآني، وإن كان قد أشار إليها إشارة موحية معجزة بقوله:

فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء

أيضا يسكت السياق القرآني عن الأجل الذي قضاه موسى، هل قضى السنوات العشر أم اقتصر على ثماني سنوات؟
وان كنا نعتقد.. استنادا إلى طبيعة موسى وكرمه ونبوته وكونه من أولي العزم.. أنه قضى الأجل الأكبر.
وهذا ما يؤكده حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وهكذا عاش موسى يخدم الشيخ عشر سنوات كاملة.

وكان عمل موسى ينحصر في الخروج مع الفجر كل يوم لرعي الأغنام والسقاية لها..