البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــة العـــامـــه

قصص الأنبيــاء(عليهم السلام)

 

موسى وهارون عليهما السلام

الجزء الأول

ونحسب أن فترة السنوات العشر التي قضاها موسى في مدين كانت تدبيرا إلهيا من الله له..

إن موسى على دين يعقوب.. أبوه البعيد هو يعقوب.

ويعقوب هو حفيد إبراهيم.. وموسى إذن هو من أحفاد إبراهيم.. وكل نبي بعد إبراهيم جاء من صلبه.

نفهم من هنا أن موسى كان على دين آبائه وأجداده.. كان على الإسلام والتوحيد.

وها هو ذا الوقت يجيء عليه فيعتزل عشر سنوات بعيدا عن أهله وقومه.. وفترة السنوات العشر هذه كانت فترة مهمة في حياته.. كانت فترة من فترات التأهيل الكبرى.

قطعا كان ذهن موسى يدور مع النجوم كل ليلة.. وكان يتبع شروق الشمس وغروبها كل نهار.. وكان يتأمل النبات كيف يشق التربة ويظهر، وينظر للماء كيف يحي الأرض بعد موتها فتزدهر.. قطعا كان يسبح بذهنه في كتاب الله المفتوح للأبصار والأفئدة.. كان يسبح بذهنه في كون الله، وتدركه الدهشة ويتركه العجب.. غير أن هذا كله ظل كامنا في نفسه مستقرا بها.. لقد تربى موسى في قصر الفرعون المصري.

هذا معناه أنه كان مصريا بثقافته، مصريا بطعامه وشرابه، مصريا بجسده وقوته.
هذا الوعاء المصري بالميلاد والتربية.. كان يهيأ ليتلقى وحيا إلهيا من لون جديد.. وحيا إلهيا مباشرا يجيء بغير رسول من الملائكة.. إنما يكلمه الله تكليما بغير واسطة.. لا بد إذن من فترة إعداد عقلي ونفسي.. انتهت فترة الإعداد الجسماني في مصر، وتربى موسى في قصر أعظم ملوك الأرض، في دولة هي أغنى دولة في الأرض.
وشب عملاقا قويا يكفي أن يمد يده ليزيح أحدا حتى يقتله.
بقي إذن أن يضاف إلى الإعداد البدني إعداد روحي مماثل.. إعداد يتم في عزلة تامة، وسط صحراء ومراع لا يعرفها موسى قبل ذلك.. وسط أناس غرباء لم يرهم من قبل.. وذلك ما وقع.
كان الصمت طريقه.. وكانت العزلة مركبه.. وكان الله يستكمل لنبيه وكليمه أدواته ليتحمل موسى بعد ذلك أمانة الأمر بالحق.

جاء على موسى يوم.. انتهت الفترة المحددة.. واستيقظ في قلب موسى حنين غامض إلى مصر.. يريد أن يعود إلى مصر.. لقد سقطت عقوبته بمضي المدة.. يعلم ذلك.. لكنه يعلم أيضا أن القانون المصري رهن إشارة الحاكم، إن شاء إدخاله في العقوبة فعل، ولو لم يكن مستوجبا لها، وان شاء العفو عنه رغم استحقاقه للعقوبة فعل.. كان موسى يعلم ذلك، ولم يكن واثقا من نجاته في مصر مثل ثقته من نجاته هنا..
رغم ذلك، حركته الأقدار العليا وزينت له الرحيل.. كان موسى سريعا وحاسما في اتخاذ القرارات..

قال لزوجته: غدا نبدأ سفرنا إلى مصر..
قالت زوجته لنفسها: في الرحيل ألف خطر لم يسفر عن وجهه بعد.. غير أنها أطاعت.

لم يكن موسى نفسه يعرف السر في قراره السريع المفاجئ بالعودة إلى مصر.. منذ عشر سنوات خرج هاربا.. رأسه مطلوب في مصر.. فلماذا يعود إليها اليوم.. هل اشتاق إلى أمه وأخيه؟
هل فكر في زيارة زوجة الفرعون التي ربته كأم وأحبته كأم؟
لا أحد يعرف ماذا دار في نفس موسى وهو عائد إلى مصر.. كل ما نعرفه أن طاعة صامتة لأقدار الله دفعته لاتخاذ القرار فاتخذه.
وها هي ذي الأقدار العليا توجه خطواته لأمر شديد الأهمية عظيم الخطر.

خرج موسى مع أهله وسار.. اختفى القمر وراء أسراب من السحاب الكثيف وساد الظلام.
اشتد البرق والرعد وأمطرت السماء وزادت حدة البرد والظلام.. وتاه موسى أثناء سيره.. التقط قطعتين من الصخر وراح يضرب إحداهما بالأخرى ليشعل نارا يرى في ضوئها أين يسير، ولكنه لم يستطع.. كانت الرياح القوية تطفئ الشرارة الضعيفة..ووقف موسى حائرا يرتعش من البرد وسط أهله.. ثم رفع رأسه فشاهدها عن بعد.