البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــة العـــامـــه

قصص الأنبيــاء(عليهم السلام)

 

موسى وهارون عليهما السلام

الجزء الأول

شاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد.. امتلأ قلبه بالفرح فجأة..
قال لأهله: أني رأيت نارا هناك.. أمرهم أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار لعله يأتيهم منها بخبر، أو يجد أحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه، أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم.

ونظر أهله إلى النار التي يشير إليها موسى فلم يروا شيئا.. أطاعوه وجلسوا ينتظرونه.. وتحرك موسى نحو النار.. سار موسى مسرعا ليدفئ نفسه.. يده اليمنى تمسك عصاه.. جسده مبلل من المطر.. ظل يسير حتى وصل إلى واد يسمونه طوى.. لاحظ شيئا غريبا في هذا الوادي.
لم يكن هناك برد ولا رياح.. ثمة صمت عظيم ساكن.. واقترب موسى من النار.. لم يكد يقترب منها حتى نودي:

أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

توقف موسى فجأة.. وارتعش.. كان الصوت يجيء من كل مكان ولا يجئ من مكان محدد.. نظر موسى في النار وعاد يرتعش.. وجد شجرة خضراء من الشوك وكلما زاد تأجج النار زادت خضرة الشجرة.. المفروض أن تتحول الشجرة إلى اللون الأسود وهي تحترق.. لكن النار تزيد واللون الأخضر يزيد.. راح موسى يرتجف رغم الدفء والعرق.. كانت الشجرة في جبل غربي عن يمينه، وكان الوادي الذي يقف فيه هو وادي طوى.. ووضع موسى يديه على عينيه من شدة النور مهابة وخوفا على بصره..
وتساءل في نفسه.. نار أم نور؟!

ثم ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة والله عز وجل ينادي: يَا مُوسَى
رفع موسى رأسه وقال: نعم.
قال الله عز وجل: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ
ازداد ارتعاش موسى وقال: نعم يا رب.
قال الله عز وجل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى
انحنى موسى راكعا وجسده كله ينتفض وخلع نعليه.
عاد الحق سبحانه وتعالى يقول: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى
زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه..
قال الرحمن الرحيم: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى

ازدادت دهشة موسى.. إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخاطبه، والله يعرف أكثر منه أنه يمسك عصاه.. لماذا يسأله الله إذن إذا كان يعرف أكثر منه..؟
لا شك أن هناك حكمة عليا لذلك.

أجاب موسى وصوته يرتعش: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى
قال الله عز وجل: أَلْقِهَا يَا مُوسَى

رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته.. وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى ثعبان عظيم الحجم هائل الجسم.. وراح الثعبان يتحرك بسرعة.. ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه.. أحس أن بدنه يتزلزل من الخوف.. فاستدار موسى فزعا وبدأ يجري.. لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله!

(يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ )
(أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ)

عاد موسى يستدير ويقف.. لم تزل العصا تتحرك.. لم تزل الحية تتحرك..

قال الله سبحانه وتعالى لموسى: خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى

مد موسى يده للحية وهو يرتعش.. لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا.. عاد الأمر الإلهي يصدر له: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ

وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتلألأ كالقمر.. زاد انفعال موسى بما يحدث، وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما..

اطمأن موسى وسكت.. وأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين - معجزة العصا ومعجزة اليد - أن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الله برفق ولين، ويأمره أن يخرج بني إسرائيل من مصر.. وأبدى موسى خوفه من فرعون.
قال إنه قتل منهم نفسا ويخاف أن يقتلوه.. توسل إلى الله أن يرسل معه أخاه هارون.. طمأن الله موسى أنه سيكون معهما يسمع ويرى، وأن فرعون رغم قسوته وتجبره لن يمسهما بسوء.
أفهم الله موسى أنه هو الغالب.. ودعا موسى وابتهل إلى الله أن يشرح له صدره وييسر أمره ويمنحه القدرة على الدعوة إليه..