موسى وهارون عليهما السلام
الجزء
الثاني
واجه موسى فرعون بلين
ورفق كما أمره الله.
اذْهَبَا
إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى
حدثه عن الله.. عن رحمته
وجنته.. عن وجوب توحيده وعبادته..
حاول إيقاظ جوانبه
الإنسانية في الحديث.
ألمح إليه أنه يملك مصر، ويستطيع لو أراد أن يملك الجنة.
وما
عليه لذلك إلا أن يتقي الله.. استمع فرعون إلى حديث موسى ضجرا شبه هازئ وقد تصوره
مجنونا تجرأ على مقامه السامي.. ثم رفع يده وتحدث.
ماذا تريد؟
قل: ماذا تريد واختصر. قال موسى: أريد أن ترسل معنا
بني إسرائيل. سأل فرعون: بأي صفة أرسلهم معك وهم
عبادي؟ قال موسى: إنهم عباد الله رب
العالمين. تساءل فرعون ـ هازئاـ: ألم تقل إن اسمك
موسى؟ قال موسى : بلى . قال فرعون: ألست موسى الذي التقطناه من النيل طفلا لا حول له ولا
قوة؟!
ألست موسى الذي ربيناه في
هذا القصر وأكل من طعامنا وشرب من مائنا وأغرقه خيرنا وأحسنا إليه؟! ألست موسى
القاتل فيما بعد.. الفار فيما بعد.. قاتل الرجل المصري لو لم تخني الذاكرة؟!
ألا
يقولون إن القتل كفر؟!
كنت كافرا وأنت تقتل إذن.. أنت موسى إذن.. الفار من القانون
المصري.. الهارب من وجه العدالة.. ثم تجيء إلي وتحدثني.. فيم كنت تحدثني يا موسى..
لقد نسيت.
فهم موسى أن فرعون يذكره
بماضيه ويمن عليه أنه رباه وأحسن إليه، فهم أيضا أن الفرعون يهدده بحادث القتل
القديم.. وتجاوز موسى سخرية فرعون وأفهمه أنه لم يكن كافرا حين قتل المصري.. وإنما
كان ضالا لم يوح الله إليه.
أفهمه أنه فر من مصر لأنه خاف انتقامهم منه رغم أن
القتل كان خطأ ولم يكن يقصده.
أفهمه أن الله وهبه حكما وجعله من
المرسلين.
حكى الله تعالى في سورة
الشعراء جزءا من الحوار بين موسى وفرعون. قال تعالى:
وَإِذْ
نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ
(12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ
لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن
يَقْتُلُونِ (14) قَالَ
كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ
رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ
أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا
وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ
(19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا
مِنَ الضَّالِّينَ (20)
وتغلبت طبيعة موسى
المندفعة عليه.. إن منّ الفرعون عليه وتذكيره بإحسانه عليه يثيران طبيعته
المندفعة.. فإذا هو يخاطب فرعون قائلا:
وَتِلْكَ
نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ
يريد موسى أن يقول له..
هل تظن أن النعمة التي تمنها علي.. من أنك أحسنت إلي وأنا رجل واحد من بني
إسرائيل.. هل تظن هذه النعمة تقابل ما استخدمت هذا الشعب الكبير بأكمله، واستعبدتهم
في أعمالك وخدمتك وأشغالك؟
إن كان هذا بذاك وطاوعك المنطق على ذلك فنحن متعادلون
إذن.. ليس فينا دائن ومدين، وإن لم يكن هذا بذاك فأيهما أكبر؟
وعلى أي الحالات
فالأمر أمر دعوة إلى الله.
أمر لم آتك به من تلقاء
نفسي.. لست موفدا من شعب بني إسرائيل.. لست موفدا من قبل نفسي.. إنما أنا موفد من
الله تعالى.. أنا رسول رب العالمين.
|