موسى وهارون عليهما السلام
الجزء
الثاني
أعطى فرعون ظهره للحق
الذي جاء به موسى.
وتجاهل دعوته.
وبدأ يهاجمه في شخصه وملابسه وطريقة نطقه
للكلمات.. أشار لمن حوله إلى فقر موسى.. وملابسه الصوفية الخشنة.
وهذا التردد الذي
يجتاح لسانه عند نطق بعض الكلمات.. بعد هذا التحقير لموسى.. عمد الفرعون إلى أسلوب
الحكم المطلق..
سأل موسى: كيف يجرؤ على
عبادة غيره..؟
ألا يعرف موسى أن فرعون إله؟
كيف يجهل موسى هذه الحقيقة رغم أنه تربى
في قصر الفرعون ويعرف؟!
بعد أن أعلن فرعون عن
ألوهيته بصفة مبدئية.
سأل موسى كيف تجرأ على عبادة غيره.. إن هذا معناه السجن.. ليس
عندنا لمن يتخذ إلها غير الفرعون.. سوى السجن..
قَالَ
لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ
الْمَسْجُونِينَ
أدرك موسى أن الحجج
العقلية لم تفلح.
إن الحوار الهادئ ينقلب من السخرية إلى المن إلى التحقير إلى
التهديد بالسجن.
أدرك موسى أن وقت إظهار المعجزة قد جاء.
قال للفرعون بعد تهديده
له بالسجن..
قَالَ
أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ
إنه يتحدى الفرعون.. وها
هو ذا يقبل تحديه.. ويعلق صدقه على أن يأتيه بهذا الشيء المبين.
قَالَ
فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
ألقى موسى عصاه في ردهة
القصر العظيمة.
في البداية، خيل إلى فرعون أن العصا سقطت من موسى بسبب ارتباكه بعد
أن طالبه بإظهار الدليل على صدقه.
تحولت أنظار الواقفين
جميعا إلى العصا وهي ترتطم بأرض الردهة الرخامية.
لم تكد العصا تلمس الأرض
حتى تحولت إلى ثعبان هائل يتحرك بسرعة.
اتجه الثعبان الهائل نحو فرعون. شحب وجه
فرعون من الخوف، وانكمش في كرسيه، وصرخ أن يبعدوا عنه الثعبان.
مد موسى يده إلى
الثعبان فعاد في يده إلى عصا كما كان.
سقط الصمت بعد هذه الآية..
عاد موسى يكشف أمام
الواقفين معجزته الثانية.
أدخل يده في جيبه وأخرجها فإذا هي بيضاء كالقمر.
شحبت كل
أضواء القصر وشموعه أمام هذا النور الجديد.
وظهر وجه فرعون أخضر من الخوف.
قال
تعالى:
فَأَلْقَى
عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء
لِلنَّاظِرِينَ
صمتت الأصوات في القصر.
وانغرس تأثير المعجزتين في النفوس يحمل تيارا من الخوف أول ما يحمل.. ثم أعاد موسى
يده إلى جيبه فعادت كما كانت.
ذاب النور المدهش الذي
حملته الآية الثانية إلى المكان، قال فرعون ممتقع الوجه: اذهبا الآن.. نتحدث فيما
بعد.
استدار موسى وخرج من
القصر. كان فرعون ذاهلا.
جال تفكيره فيما يمكن أن يقع في المملكة لو انتشر فيها خبر
المعجزتين وتحدث الناس عن موسى وهارون. أصدر الفرعون أمره بإسدال الصمت على
الموضوع، ولكن خدم القصر وجواريه وجزءا من بني إسرائيل شهدوا المعجزتين.
وملئوا
الدنيا حديثا عنهما.
بهت فرعون مصر تماما حين واجه المعجزتين.
فلما خرج موسى من
قصره تحول من الذهول والخوف إلى الغضب العنيف.
انفجرت ثورته في وزرائه ورجاله وراح
يعنفهم بلا سبب.. أمرهم بالخروج من مجلسه وخلا بنفسه.. حاول أن يفكر في الموضوع
بهدوء أكثر.
شرب عدة كئوس من الخمر
فلم يذهب غيضه.. ثم أصدر أمره باجتماع خطير يدعى إليه كل وزراء مصر وقادتها
ومسئوليها.. وأصدر الفرعون أمره لهامان، كبير وزرائه، أن يشرف بنفسه على عقد
الاجتماع.. واجتمع الملأ من قوم فرعون..
دخل فرعون الاجتماع ووجهه
متصلب.. كان واضحا أنه لن يستسلم بسهولة، إنه يقيم ملكه على أساس أنه إله يعبده
المصريون.
وهو يستبد بهم ويتحكم فيهم ويستغلهم طبقا لهذه الفكرة.. وها هو ذا موسى
يجيء ليهدم كل ما بناه.
أبسط شيء أن موسى يقول إن هناك إلها واحدا لا إله غيره في
الكون.
معنى هذا أن فرعون كاذب.
لم تكد هذه الفكرة تستقر
في رأس فرعون.. حتى التفت إلى كبير وزرائه هامان.. كانت الجلسة التاريخية منعقدة..
ولم يكن هناك من تجرأ على فتح فمه بعد..
افتتح فرعون الجلسة
بأن ألقى على هامان سؤاله المفاجئ: هل أنا كاذب يا هامان؟ ركع هامان مندهشا وتساءل: من الذي تجرأ على الكفر
بالفرعون؟! قال فرعون مقطبا: موسى.. ألم يقل إن هناك
إلها في السماء؟ قال هامان مؤكدا: موسى يكذب يا
مولاي.
|