البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــة العـــامـــه

قصص الأنبيــاء(عليهم السلام)

 

موسى وهارون عليهما السلام

الجزء الثاني

قال فرعون نافد الصبر وهو يدير وجهه إلى الجهة الأخرى: أعرف أنه يكذب.

ثم ملتفتا إلى هامان:

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا

أصدر الفرعون أمره الملكي ببناء صرح شاهق يفترض في ارتفاعه أن يصل إلى السماء.
استند الأمر الفرعوني إلى حضارة مصر وولعها بالبناء، غير أنه تجاهل القوانين الهندسية الحاكمة، ورغم ذلك رد هامان منافقا وهو يعرف باستحالة بناء مثل هذا الصرح:

- سأصدر أمرا ببنائه على الفور.. لكنك يا مولاي.. واسمح لي بالاعتراض للمرة الأولى على الفرعون.. لن تجد شيئا في السماء.. ليس هناك إله غيرك..
استمع فرعون إلى اعتراض رئيس وزرائه راضيا كأنه يستمع إلى حقيقة مقررة.. ثم أعلن في اجتماعه الشهير كلمته التاريخية:

يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي

حنى الجميع رءوسهم موافقين.
كان بينهم اثنان و ثلاثة.
لم يزل في رءوسهم عقل.
وكان هؤلاء الثلاثة يعرفون أن فرعون هو الذي يكذب.
ورغم ذلك سكتوا على الكذب ووافقوه.
وقد كلفت هذه الموافقة الشعب المصري غاليا.
دفع الجنود المصريون من دمهم فيما بعد ثمن نفاق قادتهم وموافقة وزرائهم وخضوع كهنتهم لجنون الفرعون.

قال فرعون وهو يسأل مستشاريه: ماذا قلتم في موسى؟
قال هامان: هو كاذب.
وقال وزير آخر: أعتقد أنه مجنون.
وقال كاهن أشيب خشي أن يضيع بينهم لو لم يقل شيئا: أتصور أن مسا أصابه..
قاطع الفرعون: أنتم تصفون موسى، ولكنكم لم تجيبوا عن سؤالي بعد.
ما هي حقيقة موسى..؟
ما هي المؤامرة التي يخفيها وراء ظهره؟

سكت المستشارون خوفا ونفاقا من فرعون.
وانتظروا أن يضع هو الكلمات في أفواههم ليرددوها بعده كالببغاوات.

قال فرعون بعد لحظة صمت فلسفي مضحك: اعتقد أن موسى

لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ

من المعروف في أنظمة الحكم المطلق أن اجتماع وجوه القوم وكبارهم لإبداء الرأي أمام الحاكم الطلق لا يعني أكثر من اجتماعهم لتلقي الرأي وترديده بعد ذلك.

قال المستشارون بعد أن أعطاهم فرعون حبل الكلمات:

- صدق فرعون. إن موسى ساحر، لقد انحلت المشكلة، سترجئ موسى وأخاه ونبعث بأمر الفرعون في مصر كلها ليحضر السحرة، فإذا حضر السحرة وقفوا أمام موسى واثبتوا أنه ساحر وهزموه.. وبذلك نكشفه أمام المصريين وأبناء إسرائيل..
تم الاتفاق في هذه الجلسة التاريخية على ذلك.
وخرج من قصر الفرعون عشرة رجال ركبوا مركباتهم وأسرعوا يتفرقون في مصر.
ونودي ثاني يوم في أسواق مصر كلها: إن على جميع السحرة الماهرين التوجه إلى قصر فرعون لأمر مهم. واستدعى فرعون نبي الله موسى وحاول تهديده وإخافته، ولكن موسى ظل على هدوئه.

قال فرعون لموسى: أنت ساحر يا موسى.
ولقد قررت أن أكشفك أمام الجميع وبعد أيام قليلة يحضر السحرة.
سأل موسى: متى ألتقي بالسحرة؟
قال فرعون: هناك مناسبة قريبة لحشد الناس واجتماعهم.. هي يوم الزينة.. يوم شم النسيم.. يوم تتزين الأرض لقدوم الربيع.. سيكون الاجتماع هائلا.. وسوف تهزم.. وأنا أعطيك حق التراجع من الآن.. إنني أمنحك فرصة أخيرة لإنقاذ ماء وجهك.
وقال موسى متجاهلا كلام الفرعون الأخير: اتفقنا على الموعد
(
مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)..
سأل فرعون: أي وقت ستحضر؟
قال موسى: سأحضر أن شاء الله تعالى قبل الضحى.. في بداية النهار..

قال تعالى في سورة طه:

وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى