موسى وهارون عليهما السلام
الجزء
الثاني
انصرف موسى
مطمئنا..
وبدأت وفود السحرة تصل إلى
قصر فرعون.
وحين اجتمعوا جميعا أمر فرعون بإدخالهم عليه.
سجد السحرة لفرعون حين
دخلوا عليه.
أمرهم فرعون بالوقوف، وراح يتمشى بينهم ويتأمل
وجوههم وملابسهم وهو صامت يفكر،
ثم وقف فجأة وقال: أيها
السحرة.. نحن نواجه مشكلة صغيرة، وقد أمرت بإحضاركم لحلها..
حنى السحرة رءوسهم
واستمعوا..
عاد الفرعون يتحدث: جاءنا رجل يدعي أنه رسول من
الله، رجل اسمه موسى، ومعه أخوه هارون.. وموسى هذا ساحر أمهر منه وأقدر.. يجب أن
تهزموه هزيمة مطلقة لا يستطيع رفع رأسه بعدها..
حنى السحرة رءوسهم وظلوا
صامتين.
قال فرعون: لماذا لم يسألني أحدكم عن سحر
موسى؟! رد أحد السحرة بهدوء: نحن ننتظر من فرعون
العظيم أن يحدثنا بنفسه.. لا نريد أن نقاطعك يا مولانا. قال فرعون بغضب: ألقى عصاه فإذا هي ثعبان كبير، ونزع يده فإذا هي
بيضاء للناظرين. لمعت الابتسامة في وجوه السحرة وقال
أحدهم: ليطمئن قلب الفرعون.. هذه لعبة قديمة، لعبة العصا التي تتحول إلى ثعبان..
إنها لا تتحول إلى ثعبان.. إنما يخيل إلى الناس إنها تتحرك وهي
ثابتة.. قال فرعون: لا أريد أن أدخل في نقاش حول
أصول صنعة السحر.. أريد أن تهزموا موسى.. لقد اتفقنا على اللقاء يوم الزينة..
سيجتمع الشعب المصري كله ويشاهدكم وأنتم تهزمونه.. يجب أن تغلبوه.. انتهى كلام الفرعون وانتظر أن ينصرف السحرة وظلوا واقفين..
تساءل أحدهم: لم يحدثنا مولانا الفرعون عن أهم شيء لو
غلبنا له موسى. سأل فرعون مندهشا: ما هو أهم شيء
هذا؟! قال أحد السحرة: أجرنا
(إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ).. قال فرعون ضاحكا: سأرضى عنكم،
وستكونون من المقربين.. سننشئ وظائف جديدة في القصر للسحرة.. اطمئنوا تماما
للأجر.. ابتسم فرعون وهو يرى وثوق السحرة من أنفسهم،
وأمرهم بالانصراف وانصرف هو إلى مائدة الغداء.. انفتحت نفسه فجلس يأكل..
قال وهو يلتهم فخذ خروف سمين: انسدت نفسي عن الأكل من
يوم أن جاء موسى.. اقتربت نهايته على أي حال..
قال تعالى في سورة
الأعراف:
وَقَالَ
مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ
إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ
إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ
مُّبِينٌ (107) وَنَزَعَ
يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ
(109) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ
أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي
الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111)
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ
لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ
الْمُقَرَّبِينَ
وجاء يوم الزينة.. وخرج
الناس من بيوتهم وهم يتحدثون عن اللقاء بين موسى وفرعون.
بدأ الناس يتوجهون إلى
مكان الاحتفال منذ الصباح المبكر.. لم يكن هناك أحد في مصر لم يعرف قصة التحدي
واللقاء.. وهلل الناس حين وصل السحرة.. كما هللوا حين وصل فرعون.. ثم ساد صمت ثقيل
حين وصل موسى وهارون.
كان مكان الاحتفال مكشوفا
إلا من مظلة فرعونية لتقي رأس فرعون من حرارة الشمس.. ووقف فرعون وسط أبهته وجنوده
وقواده وهو يرتدي الذهب والجواهر، ووقف موسى مطأطئ الرأس يذكر الله في نفسه.. صمتت
الأصوات تماما وتقدم السحرة إلى موسى..
قال
السحرة لموسى: إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن
نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قال موسى: بَلْ أَلْقُوا قال السحرة: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ قال موسى: وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ
بِعَذَابٍ
قال بعض أهل الحقائق..
التفت موسى فإذا جبريل على يمينه يقول له: يا موسى.. ترفق بأولياء الله.. قال موسى
لنفسه: هؤلاء سحرة جاءوا ينصرون دين فرعون.. عاد جبريل يقول: ترفق بأولياء الله..
هم من الساعة إلى صلاة العصر عندك، وبعد صلاة العصر في الجنة.
|