موسى وهارون عليهما السلام
الجزء
الثاني
رمى السحرة بعصيهم
وحبالهم فإذا المكان يمتلئ بالثعابين فجأة..
سَحَرُواْ
أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ
وهلل المصريون.. وابتسم
الفرعون ابتسامة واسعة وقال في نفسه: لقد تم القضاء على موسى الآن.. إن معجزته أن العصا تتحول في يده إلى حية..
ها هو ذا فرعون يحضر له عشرات السحرة الذين تتحول العصي والحبال في أيديهم إلى
حيات..
زادت ابتسامة
فرعون..
ونظر موسى عليه السلام
إلى حبال السحرة وعصيهم وشعر بالخوف..
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى
تذكر ما قاله له جبريل
وأحس بالخوف.. كيف يمكن أن يدخل هؤلاء السحرة الجنة ويكونوا أولياء الله.. مثلما
يطفأ النور ثانية أو ثانيتين ويسود الظلام.. شعر موسى بذلك.. ولا أحد يعرف حقيقة
الأفكار التي عبرت ذهن موسى وهو يقف في ملابسه الفقيرة مع أخيه أمام كل هذا الحشد
العظيم من حرس الفرعون وجنوده.. لم يستمر إحساس موسى بالخوف، عاد النور يضيء داخله
والله سبحانه وتعالى يقول له:
لَا
تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا
إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ
أَتَى
اطمأن موسى حين سمع رب
العالمين يطمئنه.. كفت يده عن ارتعاشها الخفيفة، ورفع موسى عصاه وألقاها فجأة.. لم
تكد عصا موسى تلامس الأرض حتى وقعت المعجزة..
شاهد الناس والسحرة
وفرعون وجنوده شيئا لم يشاهده أحد من قبل في العالم.. المعروف أن الساحر يستطيع أن
يخدع أعين الناس ويوهمهم أن الثعبان يتحرك وهو ثابت، أن العصا تتحرك وهي
ثابتة..
لكن ما حدث ساعتها كان
شيئا مختلفا تماما..
لم تكد عصا موسى تلمس
الأرض حتى تحولت إلى ثعبان جبار سريع الحركة، وتقدم هذا الثعبان فجأة نحو حبال
السحرة وعصيهم التي كانت تتحرك وبدأ يأكلها واحدا بعد آخر.. راحت عصا موسى تأكل
حبال السحرة وعصيهم بسرعة مخيفة..
لم تكد تمضي دقائق حتى كانت الساحة خالية
تماما من كل حبال السحرة وعصيهم.. اختفت الحبال والعصي في بطن عصا موسى.. وتحرك
الثعبان العظيم نحو موسى.. ومد موسى يده فتحول الثعبان إلى عصا..
وأدرك السحرة أنهم ليسوا
أمام ساحر.. إنهم سادة السحر وأعظم العلماء في زمانهم.. وما رأوه منذ لحظات لا يدخل
في باب السحر أو العلم.. إنما هذه معجزة من الله.. وألقى السحرة أنفسهم على الأرض
ساجدين..
قَالُواْ
آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ
شهد المصريون وأبناء
إسرائيل هذه المعجزة المفاجئة.. شهدوا سجود السحرة لموسى وهارون..
وأحس فرعون أن الأمر يفلت من يده فنهض واقفا وصاح في السحرة: كيف
تؤمنون به قبل أن أعطيكم إذنا بذلك؟ قال السحرة: لا
يحتاج الإيمان إلى إذن. قال فرعون: إنها مؤامرة
واضحة..
إِنَّهُ
لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ
ستقطع أيديكم وأرجلكم.. ستصلبون في جذوع النخل، إنها مؤامرة
واضحة.. قال السحرة: افعل ما تريد أن تفعله يا
فرعون.. لن نفضلك على هذه المعجزة الإلهية..
(إِنَّا
آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا)
وما
أجبرتنا..
عَلَيْهِ
مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى
ولو عذبتنا
وقتلتنا وصلبتنا فإنك تعذبنا في هذه الحياة.. وهي لا شيء بجانب الآخرة.. ونحن نطمع
في مغفرة الله ودخول الجنة..
وأصدر الفرعون أمره بصلب
السحرة جميعا..
ووقف الناس يتفرجون على
ما يحدث.. لم تكن شهادة السحرة لموسى شيئا يستهان به.. إن هؤلاء هم صفوة المجتمع
المصري.. هم علماؤه.. وقد سجد علماء مصر للحق، فخذلهم الناس وتركوهم لمصيرهم. كان
الحق واضحا ورغم ذلك اكتفى الناس بالفرجة، ولو أن كل واحد من المصريين انحنى على
الأرض وتناول قطعة من الطوب وقذف بها فرعون لسقط فرعون وتغير تاريخ مصر.. ولكن الذي
حدث أن أحدا لم يتحرك من مكانه، اكتفى الناس بالفرجة، ودفع الناس فيما بعد ثمن هذه
الفرجة..
غرق الناس فيما بعد ثمنا
لجبن يوم واحد.. وأسدل الستار على هذا اليوم العظيم.. وانصرف موسى وهارون.. وعاد
الفرعون لقصره..
حكى الله تعالى في سورة
الأعراف ما كان من أمر السحرة وموسى..
قال تعالى:
قَالُواْ
يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ
(115) قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا
أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ
عَظِيمٍ (116)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا
يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ
الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ
(119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ
(120) قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ
الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ
مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ
فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ
مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ
تَعْلَمُونَ (123)
لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ
أَجْمَعِينَ (124) قَالُواْ
إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا
بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا
وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ
انقلب السحرة المصريون
إلى الإسلام الذي جاء به موسى.. آمنوا بالله.. وصعدوا بهم إلى جذوع النخل لصلبهم
وتقطيع أيديهم وأرجلهم، وهم يسألون الله أن يتوفاهم مسلمين.
وفهم موسى معنى كلمات
جبريل عليه السلام: "هم من الساعة إلى صلاة العصر عندك.. وبعدها في الجنة".
لم يكد
العصر يدخل حتى كانت أجسام السحرة.. علماء مصر وخيرة عقولها.. كانت أجسادهم تشخب
دماء وهي مصلوبة يثبتها جنود الفرعون بالسهام القوية..
|