موسى وهارون عليهما السلام
الجزء
الثاني
هكذا اتفق قارون مع فرعون
في نظرته إلى موسى.. وكان فرعون يحكم على الأفراد من واقع ثرائهم المادي، كدأب
الجاهلين.
هَذَا
الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ
كانت هذه كلمة فرعون عن
موسى.. اتفق رأيا فرعون وقارون بالنسبة لموسى.. وكان قارون بحكم مركزه وثرائه صديقا
لفرعون ونظام حكمه.
ويبدو أن قارون وفرعون وهامان لم يكونوا وحدهم سجناء هذا الوهم.
كان قوم فرعون.. أي المصريون ينظرون إلى موسى نظرتهم إلى ساحر هزم سحرتهم.. ولا
يعني هذا أن مصر أجدبت أو خلت من الفضل، كان في المصريين من يؤمن بموسى، ويخفي
إيمانه خشية بطش الفرعون. وكان في قوم موسى من ينظر إلى موسى وقارون ويقارن بينهما،
وكان هناك من يتساءل ببلادة: إذا كان الله يحب موسى حقا فلماذا جعله
فقيرا؟!
ويبدو أن قارون كان فتنة
لقومه، وللمصريين على السواء.
كان إذا خرج في زينته قال الذين يريدون الحياة
الدنيا:
يَا
لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ
وكان العقلاء رغم قلتهم
يرون أن ثراء قارون العظيم لا يعني شيئا في ميزان الله، لا يرى الله الفضل في الذهب
والكنوز واللآلئ والدرر والماشية، إذا كانت النفوس قد أظلمت من الداخل.
وكان موقف
موسى صعبا وسط هذه الظروف كلها.
وفي هذه اللحظات الحرجة،
تحرك قارون ضد موسى. كان موسى كنبي، رجلا يتصف بالنقاء العظيم.
ويبدو أن قارون اتفق
مع فرعون على محاولة إسقاط موسى في عيون اتباعه، عن طريق اتهامه بتهمة تخل بالنقاء.
وهكذا فوجئ موسى يوما وهو يقف وسط قومه، ويدعوهم إلى الله، فوجئ بامرأة بغي تقذفه
بتهمة مؤداها أنه كان في فراشها أمس.
ونحسب أن موسى فوجئ بهذه
التهمة، ولم يعرف ماذا يقول فيها، أو كيف يدفع عن نفسه اتهام البغي.. وأغلب الظن
أنه صلى لله ثم أقبل عليها فسألها: لماذا تتهمه بما لم يحدث؟
وانهارت المرأة باكية
مستغفرة تحدثه أن قارون أعطاها نقودا مقابل إلصاق هذا الإفك بموسى.. ودعا موسى على
قارون..
وشاء الله تعالى أن تقع
معجزة تضع الأمور في أماكنها الصحيحة وتبين للناس أن الله هو القادر القاهر، وأن
المال فتنة وليس فضلا تقاس به أقدار الناس.
وكانت هذه المعجزة هي خسف
الله لقارون وداره وكنوزه..
خرج قارون على قومه في
زينته.. فانشقت الأرض تحت قدميه وهوى في الأرض.. لا نعرف أكان ذلك زلزالا ينتظر منذ
خلق الأرض لحظة ميلاده ليقع، أم كان ذلك زلزالا أمره الله أن يقع في هذه اللحظة..
كل ما نعرفه أن الأرض انشقت وابتلعت معها أرضه وقصوره وماشيته وذهبه وفضته وكنوزه
ورجاله.. وتقول بعض الأساطير إن ذلك كان في الفيوم.. وان بحيرة قارون التي يعرفها
المصريون بهذا الاسم.. كانت هي موضع أرض قارون وقصوره وكنوزه.. وعلى أي حال.. إن
النص القرآني لا يحدد مكان هذا الخسف، ولا يحدد زمانه.. إنما يحكي ما وقع فحسب..
وليس تحديد المكان أو الزمان يعني شيئا إلى جوار العبرة المستخلصة مما
حدث.
قال تعالى في سورة
القصص:
إِنَّ
قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ
مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ
قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ
الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ
اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ
إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ
أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ
جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ
يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ
إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا
كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ
المُنتَصِرِينَ (81)
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ
اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن
مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ
(82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ
نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
وقف كثير من القدماء أمام
هذا العلم الذي أدعى قارون أنه قد أوتيه.
قال بعضهم إن هذا هو علم الكيمياء الذي
يتحول بسببه النحاس إلى ذهب، وقال بعضهم إنه كان يعرف اسم الله الأعظم، فاستخدمه في
تحويل المواد إلى ذهب.
وأنكر عليه العقلاء من القدماء أن يعرف اسم الله الأعظم، وهو
منافق، كما أنكروا عليه صنعة الكيمياء..
ونحسب أن هذا كله أساطير
لا تصلح لتفسير أسباب ثرائه، نعتقد أنه كان رجلا ظالما، ورث ضياعا واسعة فاستغلها
في تنمية ثروته، ولا بأس بعمل غير مشروع هنا ولا بأس من صداقة الفرعون والتسهيلات
التي تتيحها مثل هذه الصداقة.
ولا بأس من الوقوف ضد موسى، إذا كان ذلك يتفق مع
المصلحة.
ولا بأس من ظلم هنا وهناك.. بعدها يكون من المنطقي أن يقول إنه أوتي
أمواله على علم
|