البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــة العـــامـــه

قصص الأنبيــاء(عليهم السلام)

 

موسى وهارون عليهما السلام

الجزء الثاني

سنلاحظ في هذا الحديث اختلافا عن الحديث.. إن الرجل المؤمن يغوص في حديثه الأخير في أعماق التاريخ وهو يقدم لفرعون وقومه أدلة كافية على صدق موسى.. وهو يحذرهم من المساس به.. لقد سبقتهم أمم كفرت برسلها، فأهلكها الله: قوم نوح، قوم عاد، قوم ثمود..
لماذا نذهب بعيدا؟
إن تاريخ مصر فيه الدليل على صحة قوله، لقد جاء يوسف بالبينات فشك فيه الناس ثم آمنوا به بعد أن كادت النجاة تفلت منهم، ما الغرابة في إرسال الله للرسل؟
إن التاريخ القديم ينبغي أن يكون موضع نظر.. لقد انتصرت القلة المؤمنة حين أصبحت مؤمنة على الكثرة الكافرة.. وسحق الله تعالى الكافرين.. أغرقهم بالطوفان، وصعقهم بالصرخة.. أو خسف بهم الأرض.. ماذا ننتظر إذن؟
ومن أين نعلم أن وقوفنا وراء الفرعون لن يضيعنا ويهلكنا جميعا؟

كان حديث الرجل المؤمن المثقف ينطوي على عديد من التحذيرات المخيفة.. ويبدو أنه اقنع الحاضرين بأن فكرة قتل موسى فكرة غير مأمونة العواقب.. وبالتالي فلا داعي لها..
بعدها حاول أن يستلفتهم إلى الحق الذي جاء به موسى.. إنه ينتقل من التلميح إلى التصريح.. إلى الجهر بالحق:

وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ

انتهى الأمر وانكشف إيمان الرجل المؤمن.. انكشف أنه مؤمن لم يعد يكتم إيمانه.. أعلن إيمانه في نهاية الحديث صراحة.. قال:

وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ

أنهى الرجل المؤمن حديثه بهذه الكلمات الشجاعة.. بعدها انصرف.. انصرف فتحول الجالسون من موسى إليه.. بدءوا يمكرون له.
بدءوا يتحدثون عما صدر منه.. أيندرج هذا تحت الخيانة العظمى للنظام أم لا يندرج..؟
لقد اتهم فرعون ووزرائه بأنهم سيهلكون في النار.

نحسب أن الله أرسل هذا الرجل المؤمن من رجال فرعون، ليشغل فرعون عن موسى.. يكشف سياق النص القرآني أن هذا الرجل يمثل المثقفين المصريين الذين كانوا يعرفون التاريخ ويحللونه، ويملكون قدرة على ربط الأحداث ومعرفة الأسباب واستخلاص النتائج.. ثم تهديهم عقولهم إلى الحق.. وقد انشغل فرعون بهذا الرجل عن موسى فترة.
كان الرجل المؤمن من أهل فرعون.
قريبه وأحد رجال دولته، وإيمانه يجعل قصر الفرعون يبدو منقسما بالنسبة لموسى.. وهو يعني انتصارا عظيما لموسى.. وقتله قد يثير طبقة المثقفين المصريين بوصفه واحدا منهم وهكذا واجه فرعون مشكلته المستحيلة الحل.. إن قتل الرجل المؤمن غير مأمون العاقبة.. والإبقاء عليه غير مأمون العاقبة.. وراحوا يمكرون له ويدبرون.. وتدخلت عناية الله تعالى:

فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ

انشغل فرعون بهذه القضية الجديدة.. غير أنه لم يتنازل عن كبريائه ويرسل بني إسرائيل مع موسى.
ظل على عذابه وتسخيره لهم واستحيائه للنساء وقتله للأبناء.