البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــة العـــامـــه

قصص الأنبيــاء(عليهم السلام)

 

موسى وهارون عليهما السلام

الجزء الثاني

بدا واضحا أن فرعون لن يؤمن لموسى.
ولن يكف عن تعذيبه لبني إسرائيل، ولن يكف عن استخفافه بقومه.. هنالك دعا موسى وهارون على فرعون.

وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ

وجاء الإذن لموسى بالخروج من مصر واصطحاب قومه معه.

وكان موقف قومه غريبا.. لم يؤمن كل قومه بعد.. قال تعالى في سورة يونس:

فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ

انتهى الأمر وقرر الله وضع حد لجرائم فرعون بعد أن أملى له.
صدر الأمر لموسى بالخروج.
واستأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلى عيد لهم، فأذن لهم وهو كاره.
وتجهزوا للخروج وتأهبوا له، وحملوا معهم حليهم واستعاروا من حلي المصريين شيئا كثيرا.. وجاء الليل عليهم، فتقدمهم موسى وسار بهم نحو البحر الأحمر قاصدا بلاد الشام.
وتحركت رسل فرعون ومخابراته، وبلغت الأخبار فرعون أن موسى قد صحب قومه وخرج.

وأرسل فرعون أوامره في مدن المملكة لحشد جيش عظيم.. وساق فرعون في أسباب جمع الجيش هذه الحجة الغريبة.. قال بالنص.. كما قال عز وجل في كتابه:

وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ

لقد غاظني موسى.. غاظني شخصيا.. وعددهم قليل.. وغيظنا عليهم كبير.. وهي الحرب إذن.
كان فرعون طاغية صريحا.. لم يحاول إخفاء نياته وراء كلمات كبيرة فيقول مثلا إن أمن المملكة مهدد، أو إن النظام الاقتصادي يمكن أن يتعرض للانهيار لو خرجت كل هذه الأيدي العاملة الرخيصة.. أبدا.. لم يقل ذلك واكتفى بالتصريح بأنه مغتاظ.. لقد غاظه موسى.. وهذا سبب كاف لحشد الجيش.

وصدق الناس فرعون للمرة الألف بعد كذبه.. لم يعارضه أحد، ولم يستلفت نظره أحد إلى تفاهة السبب الذي جمع له الجيش.. كان كبرياء فرعون الشخصي هو الأمر الوارد.. وكان يكفي تماما.

تحرك جيش فرعون في أبهته وعظمته وسلاحه وخرج وراء موسى.. جلس فرعون في مركبته الحربية يتأمل الجنود ويبتسم.. ماذا لو أنه فعل ذلك من أول لحظة وانتهى من موسى وقتله..؟
على أي حال.. ها هو ذا في طريقه لقتل موسى وإنهاء المشكلة كلها..
وقف موسى أمام البحر الأحمر.. من بعيد.. ثار غبار قوي يشي بأن جيش الفرعون يقترب.. بعدها ظهرت أعلام الجيش.. وامتلأ قوم موسى بالرعب.
كان الموقف حرجا وخطيرا.. إن البحر أمامهم والعدو ورائهم وليست أمامهم فرصة واحدة للقتال.. إنهم مجموعة من النساء والأطفال والرجال غير المسلحين.. سيذبحهم فرعون عن آخرهم..

صرخت بعض الأصوات من قوم موسى: سيدركنا فرعون.
قال موسى:
(
كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)..

لا نعرف كيف كان موسى يحس أو يفكر ساعتها.. غير أنه لم يكد يلجأ إلى الله بهذه الثقة، حتى أوحى الله تعالى إليه أن يضرب بعصاه البحر.. لاحظ انعدام الصلة المنطقية بين ظهور جيش فرعون، وضرب البحر بالعصا.. غير أن مشيئة الله تنفذ لأغرب الأسباب المتعارضة مع المنطق البشري.. لقد أراد الله تعالى أن تقع المعجزة.. فأوحى إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر.. كان ضرب البحر بالعصا مجرد "سبب" رتب عليه الحق انشقاق البحر.. لم يكد موسى يرفع عصاه حتى نزل جبريل عليه السلام إلى الأرض.. ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق البحر نصفين.. انشق عن طريق صلب يابس عن يمينه الأمواج وعن يساره الأمواج.

وتقدم موسى قومه وسار بهم حتى عبر البحر.. كانت المعجزة هائلة.. إن الأمواج كانت تصطرع وتعلو وتهبط حتى إذا جاءت إلى الطريق بدت كأن يدا خفية تمنعها من أن تغرقه أو حتى تبلله.. انتهى عبور موسى البحر مع قومه..
ووصل فرعون إلى البحر.. شاهد هذه المعجزة.. شاهد في البحر طريقا يابسا يشقه نصفين.. أحس فرعون بالخوف ولكنه زاد في عناده وأمر عربته الحربية بالتقدم فتقدم الجيش وراءه.. حين انتهى موسى من عبور البحر.. التفت إلى البحر وأراد أن يضربه بعصاه ليعود كما كان.. ولكن الله أوحى إليه أن يترك البحر على حاله.
كان موسى يريد أن يفصل البحر بينه وبين فرعون لينجو قومه.. ولو أنه ضرب البحر بعصاه فعاد كما كان لنجا موسى ونجا فرعون.. وكان الله تعالى قد شاء إغراق الفرعون.. ولهذا أمر موسى أن يترك البحر على حاله.. أوحى إليه سبحانه:

وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ