معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي ،
أبو عبد الرحمن ، أسلم هو و أبوه يوم فتح مكة ، و شهد حنيناً ، و كان من المؤلفة
قلوبهم ، ثم حسن إسلامه ، و كان أحد الكتاب لرسول الله صلى الله عليه و سلم .
روي له عن النبي صلى الله عليه و سلم مائة و ثلاثة و ستون حديثاً .
و روى عنه من الصحابة : ابن عباس ، و ابن عمر ، و ابن الزبير ، و أبو الدرداء ، و
جرير البجلي ، و النعمان بن بشير ، و غيرهم .
و من التابعين : ابن المسيب ، و حميد بن عبد الرحمن ، و غيرهما .
و كان من الموصوفين بالدهاء ، و الحلم ، و قد ورد في فضله أحاديث قلما تثبت .
و أخرج الترمذي و حسنه عن عبد
الرحمن بن أبي عميرة الصحابي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لمعاوية : اللهم
اجعله هادياً مهدياً .
و أخرج أحمد في مسنده عن العرباض
بن سارية : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : اللهم علم معاوية الكتاب و
الحساب و قه العذاب .
و أخرج ابن أبي شيبة في المصنف و
الطبراني في الكبير عن عبد الملك بن عمير قال : قال
معاوية : ما زلت أطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا
معاوية إذا ملكت فأحسن .
- نسبه ، و بعض صفاته
و كان معاوية رجلاً طويلاً ، أبيض ، جميلاً ، مهيباً ، و كان عمر ينظر إليه فيقول :
هذا كسرى العرب .
و عن علي قال : لا تكرهوا إمرة معاوية ، فإنكم لو فقدتموه لرأيتم الرؤوس تندر عن
كواهلها .
و قال المقبري : تعجبون من دهاء هرقل و كسرى و تدعون
معاوية ؟
و كان يضرب بحلمه المثل ، و قد أفرد ابن أبي الدنيا و أبو بكر بن أبي عاصم تصنيفاً
في حلم معاوية .
قال ابن عون : كان الرجل يقول لمعاوية : و الله
لتستقيمن بنا يا معاوية ، أو لنقومنك ، فيقول : بماذا ؟ فيقول : بالخشب ، فيقول :
إذن نستقيم .
و قال قبيصة بن جابر : صحبت معاوية ، فما رأيت رجلاً
أثقل حلماً ، و لا أبطأ جهلاً ، و لا أبعد أناة منه .
و لما بعث أبو بكر الجيوش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان ، فلما
مات يزيد استخلفه على دمشق ، فأقره عمر ، ثم أقره عثمان و جمع له الشام كله ، فأقام
أميراً عشرين سنة ، و خليفة عشرين سنة .
- بعض الأحداث في عصره
قال كعب الأحبار : لن يملك أحد هذه الأمة ما ملك
معاوية ، قال الذهبي : توفي كعب قبل أن يستخلف معاوية
، قال : و صدق كعب فيما نقله ، فإن معاوية بقي خليفة عشرين سنة لا ينازعه أحد الأمر
في الأرض ، بخلاف غيره ممن بعده ، فإنه كان لهم مخالف ، و خرج عن أمرهم بعض الممالك
، خرج معاوية على علي ، كما تقدم ، و تسمى بالخلافة ، ثم خرج على الحسن ، فنزل له
الحسن عن الخلافة ، فاستقر فيها من ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة إحدى و أربعين ،
فسمي هذا العام عام الجماعة ، لاجتماع الأمة فيه على خليفة واحد . و فيه ولى معاوية
مروان بن الحكم المدينة .
و في سنة ثلاث و أربعين فتحت الرخج و غيرها من بلاد سجستان ، و ودان من برقة ، و
كور من بلاد السودان ، و فيها استخلف معاوية زياد بن أبيه ، و هي أول قضية غير فيها
حكم النبي صلى الله عليه و سلم في الإسلام . ذكره الثعالبي
و غيره .
و في سنة خمس و أربعين فتحت القيقان .
و في سنة خمسين فتحت قوهستان عنوة ، و فيها دعا معاوية أهل الشام إلى البيعة بولاية
العهد من بعده لابنه يزيد ، فبايعوه ، و هو أول من عهد بالخلافة لابنه ، و أول من
عهد بها في صحته ، ثم إنه كتب إلى مروان بالمدينة أن يأخذ البيعة ، فخطب مروان فقال
: إن أمير المؤمنين رأى أن يستخلف عليكم و لده يزيد سنة أبي بكر و عمر ، فقام عبد
الرحمن بن أبي بكر الصديق فقال : بل سنة كسرى و قيصر ، إن أبا بكر و عمر لم يجعلاها
في أولادهما ، و لا في أحد من أهل بيتهما .
ثم حج معاوية سنة إحدى و خمسين ، و أخذ البيعة لابنه ، فبعث إلى ابن عمر فتشهد و
قال : أما بعد يا ابن عمر ، إنك كنت تحدثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة سوداء ليس عليك
فيها أمير ، و إني أحذرك أن تشق عصا المسلمين أو تسعى في فساد ذات بينهم . فحمد ابن
عمر الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فإنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء ليس
ابنك بخير من أبنائهم ، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك ، و لكنهم اختاروا
للمسلمين حيث علموا الخيار ، و إنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين ، و لم أكن لأفعل ،
و إنما أنا رجل من المسلمين ، فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم . فقال :
يرحمك الله ! فخرج ابن عمر ، ثم أرسل إلى ابن أبي بكر فتشهد ثم أخذ في الكلام فقطع
عليه كلامه ، و قال : إنك لوددت أنا و كلناك في أمر ابنك إلى الله ، و إنا و الله
لا نفعل ، و الله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين أو لنعيدنها عليك جذعة ، ثم وثب
و مضى ، فقال معاوية : اللهم اكفنيه بما شئت ، ثم قال : على رسلك أيها الرجل ، لا
تشرفن على أهل الشام فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك حتى أخبر العشية أنك قد بايعت ، ثم
كن بعد على ما بدا لك من أمرك ، ثم ؟ أرسل إلى ابن الزبير ، فقال : يا ابن الزبير ،
إنما أنت ثعلب رواغ كلما خرج من جحر دخل في آخر ، و إنك عمدت إلى هذين الرجلين
فنفخت في مناخرهما و حملتهما على غير رأيهما ، فقال ابن
الزبير : إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلتها ، و هلم ابنك فلنبايعه ، أرأيت
إذا بايعنا ابنك معك لأيكما نسمع و نطيع ؟ لا تجتمع البيعة لكما أبداً ، ثم راح ،
فصعد معاوية المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : إنا وجدنا أحاديث الناس ذات
عوار ، زعموا أن ابن عمر و ابن أبي بكر و ابن الزبير لن يبايعوا يزيد ، و قد سمعوا
و أطاعوا و بايعوا له ، فقال أهل الشام : و الله لا نرضى حتى يبايعوا له على رؤوس
الأشهاد ، و إلا ضربنا أعناقهم ، فقال : سبحان الله ! ما أسرع الناس إلى قريش بالشر
، لا أسمع هذه المقالة من أحد منكم بعد اليوم ، ثم نزل ، فقال الناس : بايع ابن عمر
و ابن أبي بكر و ابن الزبير ، و هم يقولون : لا و الله ما بايعنا ، فيقول الناس :
بلى ، و ارتحل معاوية فلحق بالشام .
و عن ابن المنكدر : قال : قال ابن عمر حين بويع يزيد :
إن كان خيراً رضينا ، و إن كان بلاء صبرنا .
و أخرج الخرائطي في الهواتف
عن حميد بن وهب قال : كانت هند بنت عتبة بن ربيعة عند الفاكه بن المغيرة ، و
كان له بيت للضيافة يغشاه الناس من غير إذن ، فخلا البيت ذات يوم ، فقام الفاكه و
هند فيه ، ثم خرج الفاكه لبعض حاجاته ، و أقبل رجل ممن كان يغشى البيت ، فولجه ،
فلما رأى المرأة ولى هارباً ، فأبصره الفاكه ، فانتهى إليها فضربها برجله و قال :
من هذا الذي كان عندك ؟ قالت : ما رأيت أحداً ، و لا انتبهت حتى أنبهتني ، فقال لها
: الحقي بأهلك ، و تكلم فيها الناس ، فخلا بها أبوها فقال لها : يا بنية إن الناس
قد أكثروا فيك فأنبئيني بذاك ، فإن يكن الرجل صادقاً دسست إليه من يقتله فتنقطع عنا
المقالة ، و إن يكن كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن ، قال : فحلفت له بما كانوا
يحلفون به في الجاهلية أنه كاذب عليها ، فقال عتبة للفاكه : إنك قد رميت ابنتي بأمر
عظيم فحاكمني إلى بعض كهان اليمن ، فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم ، و خرج عتبة
في جماعة من بني عبد مناف و معهم هند و نسوة معها تأنس بهن ، فلما شارفوا البلاد
تنكرت حال هند و تغير وجهها ، فقال لها أبوها : يا بنية إني قد أرى ما بك من تغير
الحال ، و ما ذاك إلا لمكروه عندك ، قالت : لا و الله يا أبتاه ، و ما ذاك لمكروه ،
و لكني أعرف أنكم تأتون بشراً يخطئ و يصيب ، فلا آمنه أن يسمني بسيماء تكون علي سبة
في العرب ، فقال لها : إني سوف أختبره لك قبل أن ينظر في أمرك ، فصفر بفرسه حتى
أدلى ، ثم أدخل في إحليله حبة من الحنطة ، و أوكأ عليها بسير ، و صبحوا الكاهن ،
فنحر لهم و أكرمهم ، فلما تغدوا قال له عتبة : إنا قد جئناك في أمر ، و قد خبأت لك
خبيئاً أختبرك به فانظر ما هو ؟ قال : برة في كمرة ، قال : أريد أبين من هذا ، قال
: حبة من بر في إحليل مهر ، فقال عتبة : صدقت ، انظر في أمر هؤلاء النسوة ، فجعل
يدنو من إحداهن و يضرب كتفها و يقول : انهضي ، حتى دنا من هند فضرب كتفها و قال :
انهضي غير رسحاء و لا زانية ، و لتلدين ملكاً يقال له معاوية ، فنظر إليها الفاكه
فأخذ بيدها فنثرت يدها من يده و قالت : إليك ، و الله لأحرصن أن يكون ذلك من غيرك ،
فتزوجها أبو سفيان فجاءت بمعاوية .
مات معاوية في شهر رجب سنة ستين ، و دفن بين باب الجابية و باب الصغير ، و قيل :
إنه عاش سبعاً و سبعين سنة ، و كان عنده شيء من شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قلامة أظفاره ، فأوصى أن تجعل في فمه و عينيه ، و قال : افعلوا ذلك و خلو بيني و
بين أرحم الراحمين .
- نبذ من أخباره
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف
عن سعيد بن جمهان قال : قلت لسفينة : إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم ،
قال : كذب بنو الزرقاء ، بل هم ملوك من أشد الملوك ، و أول الملوك معاوية .
و أخرج البيهقي و ابن عساكر
عن إبراهيم بن سويد الأرمني ، قال : قلت لأحمد بن حنبل
: من الخلفاء ؟ قال : أبو بكر و عمر ، و عثمان ، و علي . قلت : فمعاوية ؟
قال : لم يكن أحق بالخلافة في زمان علي من علي . و أخرج
السفلي في الطوريات عن عبد الله بن أحمد بن
حنبل قال : سألت أبي عن علي ، و معاوية ، فقال : اعلم أن علياً كان كثير الأعداء ،
ففتش له أعداؤه عيباً فلم يجدوا ، فجاؤوا إلى رجل قد حاربه و قاتله فأطروه كياداً
منهم له .
و أخرج ابن عساكر عن عبد الملك بن عمير قال قدم جارية
بن قدامة السعدي على معاوية ، فقال : من أنت ؟ قال : جارية بن قدامة ، قال و ما
عسيت أن تكون ؟ هل أنت إلا نحلة ؟ قال : لا تقل فقد شبهتني بها حامية اللسعة ، حلوة
البصاق ، و الله ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب ؟ و ما أمية إلا تصغير أمة .
و أخرج عن الفضل بن سويد قال : وفد جارية بن قدامة على معاوية ، فقال له معاوية :
أنت الساعي مع علي بن أبي طالب ، و الموقد النار في شعلك تجوس قرى عربية تسفك
دماءهم ؟ قال جارية : يا معاوية دع عنك علياً فما أبغضنا علياً منذ أحببناه ، و لا
غششناه منذ صحبناه ، قال : ويحك يا جارية ! ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية !
قال : أنت يا معاوية كنت أهون على أهلك إذ سموك معاوية ، قال : لا أم لك ، قال : أم
ما ولدتني ، إن قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفين في أيدينا ، قال : إنك لتهددني
، قال : إنك لم تملكنا قسرة ، و لم تفتحنا عنوة ، و لكن أعطيتنا عهوداً و مواثيق ،
فإن وفيت لنا وفينا ، و إن ترغب إلى غير ذلك فقد تركنا وراءنا رجالاً مداداً ، و
أذرعاً شداداً ، و أسنة حداداً ، فإن بسطت إلينا فتراً منغدر ، زلفنا إليك بباع من
ختر ، قال معاوية : لا أكثر الله في الناس أمثالك .
و أخرج عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الصحابي أنه دخل على معاوية فقال له معاوية :
ألست من قتلة عثمان ؟ قال : لا ، و لكني ممن حضره فلم ينصره ، قال : و ما منعك من
نصره ؟ قال : لم تنصره المهاجرون و الأنصار ، فقال معاوية : أما لقد كان حقه واجباً
عليهم أن ينصروه ، قال : فما منعك يا أمير المؤمنين من نصره و معك أهل الشام ؟ فقال
معاوية : أما طلبي بدمه نصرة له ؟ فضحك أبو الطفيل ثم قال : أنت و عثمان كما قال
الشاعر :
لا ألفينك بعد الموت تندبني و في حياتي ما زودتني زادا
و قال الشعبي : أول من خطب الناس قاعداً معاوية ، و ذلك حين كثر شحمه و عظم بطنه ،
أخرجه ابن أبي شيبة .
و قال الزهري : أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في
العيد معاوية ، أخرجه عبد الرزاق في
مصنفه .
و قال سعيد بن المسيب : أول من أحدث الأذان في العيد
معاوية ، أخرجه ابن أبي شيبة ، و قال : أول من نقص
التكبي معاوية ، أخرجه ابن أبي شيبة .
و في الأوائل للعسكري قال : معاوية أول من وضع البريد
في الإسلام ، و أول من اتخذ الخصيان لخاص خدمته ، و أول من عبثت به رعيته ، و أول
من قيل له : السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته ، الصلاة يرحمك
الله ، و أول من اتخذ ديوان الخاتم ، و ولاه عبيد الله بن أوس الغساني ، و سلم إليه
الخاتم و على فصه مكتوب : لكل عمل ثواب ، و استمر ذلك في الخلفاء العباسين إلى آخر
وقت ، و سبب اتخاذه له أنه أمر لرجل بمائة ألف ، ففك الكتاب و جعله مائني ألف ،
فلما رفع الحساب إلى معاوية أنكر ذلك ، و اتخذ ديوان الخاتم من يومئذ ، و هو أول من
اتخذ المقصورة بالجامع ، و أول من أذن في تجريد الكعبة ، و كانت كسوتها قبل ذلك
تطرح عليها شيئاً فوق شيء .
و أخرج الزبير بن بكار في
الموفقيات عن ابن أخي الزهري قال : قلت للزهري : من أول من استحلف في البيعة
؟ قال : معاوية استحلفهم بالله ، فلما كان عبد الملك بن مروان استحلفهم بالطلاق و
العتاق .
و أخرج العسكري في كتاب الأوائل
عن سليمان بن عبد الله بن معمر قال : قدم معاوية مكة أو المدينة ، فأتى
المسجد فقعد في حلقة فيها ابن عمر و ابن عباس و عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأقبلوا
عليه ، و أعرض عنه ابن عباس فقال : و أنا أحق بهذا الأمر من هذا المعرض و ابن عمه ،
فقال ابن عباس : و لم ؟ ألتقدم في الإسلام أم سابقة مع رسول الله صلى الله عليه و
سلم أو قرابة منه قال : لا ، و لكني ابن عم المقتول ، قال فهذا أحق به ، يريد ابن
أبي بكر ، قال : إن أباه مات موتاً ، قال : فهذا أحق به ، يريد ابن عمر ، قال : إن
أباه قتله كافر ، قال : فذاك أدحض لحجتك ، إن كان المسلمون عتبوا على ابن عمك
فقتلوه .
و قال عبد الله بن محمد بن عقيل : قدم معاوية المدينة
، فلقيه أبو قتادة الأنصاري ، فقال معاوية : تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر
الأنصار ، قال : لم يكن لنا دواب ، قال : فأين النواضح ؟ قال : عقرناها في طلبك و
طلب أبيك يوم بدر . ثم قال أبو قتادة : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لنا
إنكم سترون بعدي أثرة ، قال معاوية : فما أمركم ؟ قال : أمرنا
أن نصبر قال : فاصبروا ، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن حسان بن ثابت ، فقال :
ألا أبلغ معاوية بن حرب أمير المؤمنين نبا كلامي
فإنا صابرون و منظروكم إلى يوم التغابن و الخصام
و أخرج ابن أبي الدنيا و ابن
عساكر عن جبلة بن سحيم ، قال : دخلت على معاوية بن أبي
سفيان ـ و هو في خلافته ـ و في عنقه حبل ، و صبي يقوده ، فقلت له : يا أمير
المؤمنين ، أتفعل هذا ؟ قال : يا لكع اسكت فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم
يقول : من كان له صبي فليتصاب له . قال ابن عساكر
: غريب جداً .
و أخرج ابن أبي شيبة في المنصف
عن الشعبي قال : دخل شاب من قريش على معاوية ، فأغلط عليه ، فقال له : يا
ابن أخي ، أنهاك عن السلطان ، إن السلطان يغضب غضب الصبي ، و يأخذ أخذ الأسد .
و أخرج عن الشعبي قال : قال زياد : استعملت رجلاً ، فكثر خراجه ، فخشي أن أعاقبه ،
ففر إلى معاوية ، فكتبت إليه : أن هذا أدب سوء لمن قبلي ، فكتب إلي : إنه ليس ينبغي
لي و لا لك أن نسوس الناس بسياسة واحدة : أن نلين جميعاً فتمرح الناس في المعصية
على المهالك ، و لكن تكون لشدة و الفظاظة ، و أكون للين و الرأفة .
و أخرج عن الشعبي قال : سمعت معاوية يقول : ما تفرقت أمة قط إلا ظهر أهل الباطل على
أهل الحق إلا هذه الأمة .
و في الطيوريات عن سليمان المخزومي قال : أذن معاوية
للناس إذناً عاماً ، فلما احتفل المجلس قال : أنشدوني ثلاث أبيات لرجل من العرب كل
بيت قائم بمعناه ، فسكتوا ثم طلع عبد الله بن الزبير ، فقال : هذا مقولا العرب و
علامتها أبو خبيب ، قال : مهيم ؟ قال : أنشدني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت
قائم بمعناه ، قال : بثلاث مائة ألف ، قال : و تساوي ؟ قال : أنت بالخيار و أنت واف
كاف ، قال : هات ، فأنشده للأفوه الأودي قال :
بلوت الناس قرناً بعد قرن فلم أر غير ختال و قال
قال : صدق هيه ، قال :
و لم أر في الخطوب أشد وقعاً و أصعب من معاداة الرجال
قال : صدق هيه ، قال :
و ذقت مرارة الأشياء طراً فما طعم أمر من السؤال
قال صدق ، ثم أمر له بثلاثمائة ألف .
و أخرج البخاري و النسائي
و ابن حاتم في تفسيره ، و
اللفظ له ، من طرق أن مروان خطب بالمدينة ، و هو على الحجاز من قبل معاوية فقال :
إن الله قد أرى أمير المؤمنين في ولده يزيد رأياً حسناً ، و إن يستخلفه فقد استخلف
أبو بكر و عمر ـ و في لفظ : سنة أبي بكر و عمر ـ فقال عبد
الرحمن بن أبي بكر : سنة هرقل و قيصر ، إن أبا بكر و الله ما جعلها في أحد
من ولده و لا أحد من أهل بيته ، و لا جعلها معاوية إلا رحمة و كرامة لولده ، فقال
مروان : ألست الذي قال لوالديه أف لكما ؟ فقال عبد الرحمن
: ألست ابن اللعين الذي لعن أباك رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقالت
عائشة رضي الله عنها ، كذب مروان ما فيه نزلت ، و لكن في فلان بن فلان ، و لكن رسول
الله صلى الله عليه و سلم لعن أبا مروان ـ و مروان في صلبه ـ فمروان بعض من لعنة
الله .
و أخرج ابن أبي شيبة في المصنف
عن عروة قال : قال معاوية : لاحلم إلا التجارب . و أخرج
ابن عساكر عن الشعبي قال : دهاة العرب أربعة : معاوية
، و عمرو بن العاص ، و المغيرة بن شعبة ، و زياد ، فأما معاوية فللحلم و الأناة ، و
أما عمرو فللمعضلات ، و أما المغيرة فللمبادهة ، و أما زياد فللكبير و الصغير .
و أخرج أيضاً عنه قال : كان القضاة أربعة و الدهاة أربعة ، فأما القضاة : فعمر ، و
علي ، و ابن مسعود ، و زيد بن ثابت . و أما الدهاة فمعاوية ، و عمرو بن العاص ، و
المغيرة و زياد . و أخرج عن قبيصة بن جابر قال : صحبت عمر بن الخطاب ، فما رأيت
رجلاً أقرأ لكتاب الله و لا أفقه في دين الله منه ، و صحبت طلحة بن عبيد الله ، فما
رأيت رجلاً أعطى لجزيل مال من غير مسأله منه ، و صحبت معاوية ، فما رأيت رجلاً أثقل
حلماً و لا أبطأ جهلاً و لا أبعد أناة منه ، و صحبت عمرو بن العاص ، فما رأيت رجلاً
أنصع طرفاً و لا أحلم جليساً منه ، و صحبت المغيرة بن شعبة ، فلو أن مدينة لها
ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها .
و أخرج ابن عساكر عن حميد بن هلال أن عقيل بن أبي طالب
سأل علياً فقال : إني محتاج و أني فقير فأعطني ، فقال : اصبر حتى يخرج عطائي مع
المسلمين فأعطيك معهم ، فألح عليه ، فقال لرجل : خذ بيده و انطلق به إلى حوانيت أهل
السوق فقل : دق هذه الأقفال و خذ ما في هذه الحوانيت ، قال : تريد أن تتخذني سارقاً
؟ قال : و أنت تريد أن تتخذني سارقاً ؟ أن آخذ أموال المسلمين فأعطيكما دونهم ، قال
: لآتين معاوية ، قال : أنت و ذاك ، فأتى معاوية ، فسأله ، فأعطاه مائة ألف ثم قال
: اصعد على المنبر فاذكر ما أولاك به علي و ما أوليتك ، فصعد فحمد الله و أثنى عليه
ثم قال : أيها الناس ، إني أخبركم أني أردت علياً على دينه فاختار دينه ، و إني
أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه .
و أخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عقيلاً
دخل على معاوية فقال معاوية : هذا عقيل و عمه أبو لهب ، فقال عقيل : هذا معاوية و
عمته حمالة الحطب .
و أخرج ابن عساكر عن الأوزاعي قال : دخل خريم بن فاتك
على معاوية و مئزره مشمر ، و كان حسن الساقين ، فقال معاوية : لو كانت هاتان
الساقان لامرأة ! فقال خريم في مثل عجيزتك يا أمير المؤمنين .
- من مات في عهده من
الأعلام
مات في أيام معاوية من الأعلام : صفوان بن أمية ، و حفصة ، و أم حبيبة ، و صفية و
ميمونة ، و سودة و جويرية ، و عائشة أمهات المؤمنين ، رضي الله عنهم . و لبيد
الشاعر ، و عثمان بن طلحة الحجبي ، و عمرو بن العاص ، و عبد الله بن سلام الحبر ، و
محمد بن مسلمة ، و أبو موسى الأشعري ، و زيد بن ثابت ، و أبو بكرة ، و كعب بن مالك
، و المغيرة بن شعبة ، و جرير البجلي ، و أبو أيوب الأنصاري ، و عمران بن حصين ، و
سعيد بن زيد ، و أبو قتادة الأنصاري ، و فضالة بن عبيد ، و عبد الرحمن بن أبي بكر ،
و جبير بن مطعم ، و أسامة بن زيد ، و ثوبان ، و عمرو بن حزم ، و حسان بن ثابت ، و
حكيم بن حزام ، و سعد بن أبي وقاص ، و أبو اليسر ، و قثم بن العباس ، و أخوه عبيد
الله ، و عقبة بن عامر ، و أبو هريرة سنة تسع و خمسين و كان يدعو : اللهم إني أعوذ
بك من رأس الستين ، و إمارة الصبيان ، فاستجيب له ، و خلائق آخرون رضي الله عنهم .
|