عمر بن عبد العزيز بن مروان : الخليفة الصالح ، أبو حفص ، خامس الخلفاء الراشدين .
قال سفيان الثوري : الخلفاء خمسة : أبو بكر ، و عمر ،
و عثمان ، و علي ، و عمر بن عبد العزيز ، أخرجه أبو داود
في سننه .
ولد عمر بحلوان ، قرية بمصر ، و أبوه أمير عليها سنة إحدى ، و قيل : ثلاث و ستين ،
و أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ، و كان بوجه عمر شجة ، ضربته دابة في
جبهته ـ و هو غلام ـ فجعل أبوه يمسح الدم عنه ، و يقول : إن كنت أشج بني أمية إنك
لسعيد ، أخرجه ابن عساكر .
و كان عمر بن الخطاب يقول : من ولدي رجل بوجهه شجة يملأ الأرض عدلاً ، أخرجه
الترمذي في تاريخه ، فصدق
ظن أبيه فيه .
و أخرج ابن سعد أن عمر بن الخطاب قال : ليت شعري ! من
ذو الشين من ولدي الذي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً .
و أخرج عن ابن عمر قال : كنا نتحدث أن الدنيا لا تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر ،
يعمل بمثل عمل عمر ، فكان بلال بن عبد الله بن عمر بوجهه شامة ، و كانوا يرون أنه
هو حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز .
روى عمر بن عبد العزيز عن أبيه ، و أنس ، و عبد الله ، بن جعفر بن أبي طالب ، و ابن
قارظ ، و يوسف بن عبد الله بن سلام ، و عامر بن سعد ، و سعيد بن المسيب ، و عروة بن
الزبير ، و أبي بكر بن عبد الرحمن ، و الربيع بن سمرة ، و طائفة .
روى عنه : الزهري ، و محمد بن المنكدر ، و يحيى بن سعد
الأنصاري ، و مسلمة بن عبد الملك ، و رجاء بن حيوة ، و خلائق كثيرون .
جمع القرآن و هو صغير ، و بعثه أبوه إلى المدينة يتأدب بها ، فكان يختلف إلى عبيد
الله بن عبد الله يسمع منه العلم ، فلم توفي أبوه طلبه عبد الملك إلى دمشق و زوجه
ابنته فاطمة .
و كان قبل الخلافة على قدم الصلاح أيضاً ، إلا أنه كان يبالغ في التنعم ، فكان
الذين يعيبونه من حساده لا يعيبونه إلا بالإفراط في التنعم و الاختيال في المشية ،
فلما ولي الوليد الخلافة أمر عمر على المدينة ، فوليها من سنة ست و ثمانين إلى سنة
ثلاث و تسعين ، و عزل فقدم الشام . ثم إن الوليد عزم على أن يخلع أخاه سليمان من
العهد ، و أن يعهد إلى ولده ، فأطاعه كثير من الأشراف طوعاً و كرهاً ، فامتنع عمر
بن عبد العزيز ، و قال لسليمان : في أعناقنا بيعة و صمم ، فطين عليه الوليد ، ثم
شفع فيه بعد ثلاث فأدركوه ، و قد مالت عنقه ، فعرفها له سليمان ، فعهد إليه
بالخلافة .
قال زيد بن أسلم عن أنس رضي الله عنه : ما صليت وراء إمام بعد رسول الله صلى الله
عليه و سلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم من هذا الفتى ـ يعني عمر بن
عبد العزيز ـ و هو أمير على المدينة . قال زيد بن أسلم : فكان يتم الركوع و السجود
، و يخفف القيام و القعود ، له طرق عن أنس ، أخرجه البيهقي
في سننه و غيره .
و سئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبد العزيز ، فقال : هو نجيب بني أمية ، و
إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده .
و قال ميمون بن مهران : كانت العلماء مع عمر بن العزيز تلامذه .
و أخرج أبو نعيم بسند صحيح عن رياح بن عبيدة ، قال :
خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة و شيخ متوكئ على يده ، فقلت في نفسي : إن هذا
الشيخ جاف ، فلما صلى و دخل لحقته ، فقلت : أصلح الله الأمير ! من الشيخ الذي كان
يتكئ على يدك ؟ قال يا رياح رأيته ؟ قلت نعم ، قال : ما أحسبك إلا رجلاً صالحاً ،
ذاك أخي الخضر أتاني فأعلمني أني سألي هذه الأمة ، و أني سأعدل فيها .
و أخرج أيضاً عن أبي هشام أن رجلاً جاء إلى عمر بن عبد العزيز ، فقال : رأيت النبي
صلى الله عليه و سلم في النوم ، و أبو بكر عن يمينه ، و عمر عن شماله ، فإذا رجلان
يتخصمان و أنت بين يديه جالس ، فقال لك : يا عمر إذا علمت فاعمل هذين ، لأبي بكر و
عمر فاستحلف له عمر بالله لرأيت هذا ، فحلف له ، فبكى عمر .
بويع بالخلافه بعهد من سليمان ، في صفر سنة تسع و تسعين كما تقدم ، فمكث فيها سنتين
و خمسة أشهر نحو خلافة الصديق رضي الله عنه ، ملأ فيها الأرض عدلاً ، ورد المظالم ،
و سن السنن الحسنة ، و لما قرئ كتاب العهد باسمه عقر و
قال : و الله إن هذا الأمر ما سألته الله قط ؟ و قدم إليه صاحب المراكب مركب
الخليفة فأبى و قال : ائتوني ببغلتي ، قال الحكم بن عمر : شهدت عمر بن عبد العزيز
حين جاءه أصحاب المراكب يسألونه العلوفة ورزق خدمتها ؟ قال : ابعث بها إلى أمصار
الشام يبيعونها فيمن يريد ، و اجعل أثمانها في مال الله ، تكفيني بغلتي هذه الشهباء
.
و قال عمر بن ذر : لما رجع عمر من جنازة سليمان قال له
مولاه : ما لي أراك مغتماً ؟
قال : لمثل ما أنا فيه فليغتم ، ليس أحد من الأمة إلا و أنا أريد أن أوصل إليه حقه
غير كاتب إلي فيه و لا طالبه مني .
و عن عمرو بن مهاجر و غيره أن عمر لما استخلف قام في الناس و أثنى عليه ثم قال :
أيها الناس إنه لا كتاب بعد القرآن ، و لا نبي بعد محمد صلى الله عليه و سلم ، ألا
و إني لست بفارض و لكني منفذ ، و لست بمبتدع ، و لكني متبع ، و لست بخير من أحدكم ،
و لكني أثقلكم حملاً ، و إن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم ، ألا لا طاعة
لمخلوق في معصية الخالق .
و عن الزهري قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن
عبد الله يكتب إليه بسيرة عمر بن الخطاب في الصدقات ، فكتب إليه بالذي سأل ، و كتب
إليه إنك إن عملت بمثل عمل عمر في زمانه و رجاله في مثال زمانك و رجالك كنت عند
الله خيراً من عمر .
و عن حماد أن عمر لما استخلف بكى فقال : يا أبا فلان ، أتخشى علي ؟ قال : كيف حبك
للدرهم ؟ قال : لا أحبه ، قال : لا تخف فإن الله سيعنيك .
و عن مغيرة قال : جمع عمر حين استخلف بني مروان فقال :
إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت له فدك ينفق منها و يعول منها على صغير بني
هاشم و يزوج منها أيمهم ، و إن فاطمة سألته أن يجعلها لها ؟ فأبى ، فكانت كذلك حياة
أبي بكر ثم عمر ، ثم أقطعها مروان ، ثم صارت لعمر بن عبد العزيز ، فرأيت أمراً منعه
رسول الله صلى الله عليه و سلم فاطمة ليس لي بحق ، و إني أشهدكم أني قد رددتها على
ما كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و عن الليث قال : لما ولي عمر بدأ بلحمته و أهل بيته ،
فأخذ ما بأيديهم ،و سمى أموالهم مظالم .
و قال أسماء بن عبيد : دخل عنبسة بن سعيد بن العاص على
عمر بن عبد العزيز فقال : يا أمير المؤمنين إن من كان قبلك من الخلفاء كانوا
يعطوننا عطايا فمنعتناها و لي عيال و ضيعة ، أفتأذن لي أن أخرج إلى ضيعتي لما يصلح
عيالي ؟ فقال عمر : أحبكم من كفانا مؤنته ، ثم قال له : أكثر ذكر الموت ، فإن كنت
في ضيق من العيش و سعه عليك ، و إن كنت في سعة من العيش ضيقه عليك .
و قال فرات بن السائب : قال عمر بن عبد العزيز لامرأته
فاطمة بنت عبد الملك ـ و كان عندها جوهر أمر لها به أبوها لم ير مثله ـ : اختاري
إما أن تردي حليك إلى بيت المال و إما أن تأذني لي في فراقك ، فإني أكره أن أكون
أنا و أنت و هو في بيت واحد ، قالت : لا بل أختارك عليه و على أضعافه ، فأمر به
فحمل حتى وضع في بيت مال المسلمين ، فلما مات عمر و استخلف يزيد قال لفاطمة : إن
شئت رددته إليك ، قالت : لا و الله ما أطيب به نفساً في حياته و أرجع فيه بعد موته
.
و قال عبد العزيز : كنت بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه : إن مدينتنا قد خربت فإن
رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالاً نرمها به فعل ، فكتب إليه عمر : إذا قرأت
كتابي هذا فحصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم فإنه مرمتها ، و السلام .
و قال إبراهيم السكوني : قال عمر بن عبد العزيز : ما
كذبت منذ علمت أن الكذب شين على أهله .
و قال قيس بن جبير : مثل عمر في بني أمية مثل مؤمن آل
فرعون .
و قال ميمون بن مهران : إن الله كان يتعاهد الناس بنبي
بعد نبي ، و إن الله تعاهد الناس بعمر بن عبد العزيز .
و قال وهب بن منبه : إن كان في هذه الأمة مهدي فهو عمر
بن عبد العزيز .
و قال محمد بن فضالة : مر عبد الله بن عمر بن عبد
العزيز براهب في الجزيرة ، فنزل إليه الراهب و لم ينزل لأحد قبله ، و قال : أتدري
لم نزلت إليك ؟ قال : لا ، قال : لحق أبيك ، إنا نجده في أئمة العدل بموضع رجب من
الأشهر الحرم ، ففسره أيوب بن سويد بثلاثة متوالية : ذي القعدة ، و ذي الحجة ، و
المحرم : أبي بكر ، و عمر ، و عثمان ، و رجب منفرد منها عمر بن عبد العزيز .
و قال حسن القصاب : رأيت الذئاب ترعى مع الغنم
بالبادية في خلافة عمر بن عبد العزيز ، فقلت : سبحان الله ذئب في غنم لا يضرها
! فقال الراعي : إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس .
و قال مالك بن دينار : لما ولي عمر بن عبد العزيز قالت
رعاء الشاء : من هذا الصالح الذي قام على الناس خليفة ؟ عدله كف الذئاب عن شائناً .
و قال موسى بن أعين : كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة
عمر بن عبد العزيز ، فكانت الشاة و الذئب ترعى في مكان واحد ، فبينا نحن ذات ليلة
إذ عرض الذئب للشاة فقلت : ما نرى الرجل الصالح إلا قد هلك ، فحسبوه فوجدوه مات تلك
الليلة .
و قال الوليد بن مسلم : بلغنا ان رجلاً كان بخراسان
قال : أتاني آت في المنام فقال : إذا قام أشج بني مروان فانطلق فبايعه فإنه إمام
عدل ، فجعلت أسأل كلما قام خليفة ، حتى قام عمر بن عبد العزيز ، فأتاني ثلاث مرات
في المنام ، فارتحلت إليه فبايعته .
و عن حبيب بن هند الأسلمي قال : قال لي سعيد بن المسيب : إنما الخلفاء ثلاثة : أبو
بكر ، و عمر ، و عمر بن عبد العزيز ، قلت له : أبو بكر و عمر قد عرفناهما ، فمن عمر
؟ قال : إن عشت أدركته ، و إن مت كان بعدك ، قلت ، و مات ابن المسيب قبل خلافة عمر
.
و قال ابن عون : كان ابن سيرين إذا سئل عن الطلاء قال
: نهى عنه إمام الهدى ، يعني عمر بن عبد العزيز .
و قال الحسن : إن كان مهدي فعمر بن عبد العزيز ، و إلا
فلا مهدي إلا عيسى ابن مريم .
و قال مالك بن دينار : الناس يقولون : مالك زاهد ،
إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها .
و قال يونس بن أبي شبيب : شهدت عمر بن عبد العزيز و إن
حجزة إزاره لغائبة في عكنه ، ثم رأيته بعد ما استحلف و لو شئت أن أعد أضلاعه من غير
أن أمسها لفعلت .
و قال ولده عبد العزيز : سألني أبو جعفر المنصور : كم كانت غلة أبيك حين أفضت
الخلافة إليه ؟ قلت : أربعين ألف دينار ، قال : فكم كانت حين توفي ؟ قلت أربعمائة
دينار ، و لو بقي لنقصت .
و قال مسلمة بن عبد الملك : دخلت على عمر بن عبد العزيز أعوده في مرضه فإذا عليه
قميص وسخ ، فقلت لفاطمة ينت عبد الملك : ألا تغسلون قميصه ؟ قالت : و الله ما له
قميص غيره .
قال أبو أمية الخصي غلام عمر : دخلت يوما ً على مولاتي فغدتني عدساً ، فقلت : كل
يوم عدس ؟ قالت : يا بني هذا طعام مولاك أمير المؤمنين .
قال : و دخل عمر الحمام يوماً فأطلى فولي عانته بيده .
قال : و لما احتضر بعثني بدينار إلى أهل الدير ، و قال : إن بعتموني موضع قبري و
إلا تحولت عنكم ، فأتيتهم فقالوا : لولا أنا نكره أن يتحول عنا ما قبلناه .
و قال عون بن المعمر : دخل عمر على امرأته فقال : يا
فاطمة عندك درهم أشتري به عنباً ؟ فقالت : لا ، و قالت : و أنت أمير المؤمنين لا
تقدر على درهم تشتري به عنباً ؟ ! قال : هذا أهون علينا من معالجة الأغلال غداً في
جهنم .
و قالت فاطمة امرأته : ما أعلم أنه اغتسل لا من جنابة و لا من احتلام منذ استخلف
الله حتى قبضه .
و قال سهل بن صدقة : لما استخلف عمر سمع في منزله بكاء ، فسألوا عن ذلك ، فقالوا :
إن عمر خير جواريه فقال : قد نزل بي أمر قد شغلني عنكم ، فمن أحب أن أعتقه أعتقته ،
و من أحب أن أمسكه أمسكته ، و إن لم يكن مني إليها حاجة ، فبكين إياساً منه ، قالت
فاطم امرأته : كان إذ دخل البيت ألقى نفسه في مسجده فلا يزال يبكي و يدعو حتى تغلبه
عيناه ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته أجمع .
و قال الوليد بن أبي السائب : ما رأيت أحداً قط أخوف
من عمر . و قال سعيد بن سويد : صلى عمر بالناس الجمعة ـ و عليه قميص مرفوع الجيب من
بين يديه و من خلفه ـ فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ، إن الله قد أعطاك ، فلو
لبست ، فنكس ملياً ثم رفع رأسه فقال : إن أفضل القصد عند الجدة ، و أفضل العفو عند
القدرة .
و قال ميمون بن مهران : سمعت عمر يقول : لو أقمت فيكم
خمسين عاماً ما استكملت فيكم العدل ، إني لأريد الأمر و أخاف أن لا تحمله قلوبكم
فأخرج معه طمعاً من الدنيا ، فإن أنكرت قلوبكم هذا سكنت إلى هذا .
و قال إبراهيم بن ميسرة : قلت لطاووس : هو المهدي ـ يعني عمر بن عبد العزيز ـ قال
هو مهدي ، و ليس به ، إنه لم يستكمل العدل كله .
و قال عمر بن أسيد : و الله ما مات عمر حتى جعل الرجل
يأتينا بالمال العظيم فيقول : اجعلوا هذا حيث ترون ، فما يبرح بماله كله ، قد أغنى
عمر الناس .
و قالت جويرية : دخلنا على فاطمة ابنة علي بن أبي طالب رضي الله عنها فأثنت على عمر
بن عبد العزيز و قالت : لو كان بقي لنا ما احتجنا بعد إلى أحد .
و قال عطاء بن أبي رباح : حدثتني فاطمة امرأة عمر أنها دخلت عليه و هو في مصلاه
تسيل دموعه على لحيته ، فقالت : يا أمير المؤمنين ألشيء حدث ؟ قال : يا فاطمة إني
تقلدت من أمر أمة محمد صلى الله عليه و سلم أسودها و أحمرها ، فتفكرت في الفقير
الجائع ، و المريض الضائع ، و العاري المجهود ، و المظلوم المقهور ، و الغريب
الأسير ، و الشيخ الكبير ، و ذي العيال الكثير و المال القليل ، و أشباههم في أقطار
الأرض و أطراف البلاد ، فعلمت أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة ، فخشيت أن لا تثبت لي
حجة ، فبكيت .
و قال الأوزاعي : إن عمر بن عبد العزيز كان جالساً في
بيته و عنده أشراف بني أمية فقال : أتحبون أن أولي كا رجل منكم جنداً ؟ فقال رجل
منهم : لم تعرض علينا ما لا تفعله ؟ قال : ترون بساطي هذا ؟ إني لأعلم أنه يصير إلى
و فناء و إني أكره أن تدنسوه بأرجلكم ، فكيف أوليكم أعراض المسلمين و أبشارهم ؟
هيهات لكم هيهات ! فقالوا له : لم ؟ أما لنا قرابة ؟ أما لنا حق ؟ قال : ما أنتم و
أقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء ، إلا رجلاً من المسلمين حبسه عني
طول شقته .
و قال حميد : أملى علي الحسن رسالة إلى عمر بن عبد العزيز فأبلغ ، ثم شكا الحاجة و
العيال ، فأمر بعطائه .
و قال الأوزاعي : كان عمر بن عبد العزيز : إذا أراد أن
يعاقب رجلاً حبسه ثلاثة أيام ، ثم عاقبه ، كراهة أن يعجل في أول غضبه .
و قال جويرية بن أسماء : قال عمر بن عبد العزيز : إن
نفسي تواقة ، لم تعط من الدنيا شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه ، فلما أعطيت ما
لا شيء فوقه من الدنيا تاقت نفسي إلى ما هو أفضل منه ـ يعني الجنة ـ .
و قال عمرو بن مهاجر : كانت نفقة عمر بن عبد العزيز كل يوم درهمين . و قال يوسف بن
يعقوب الكاهلي : كان عمر يلبس الفروة الكبل ، و كان سراج بيته على ثلاث قصبات فوقهن
طين .
و قال عطاء الخراساني : أمر عمر غلامه أن يسخن له ماء
، فانطلق فسخن قمقماً في مطبخ العامة ، فأمر عمر أن يأخذ بدرهم حطباً يضعه في
المطبخ .
و قال عمر بن مهاجر : كان عمر يسرج عليه الشمعة ما كان
في حوائج المسلمين ، فإذا فرغ من حوائجهم أطفأها ، ثم أسرج عليه سراجه .
و قال الحكم بن عمر : كان للخليفة ثلاثمائة حرسي و
ثلاثمائة شرطي ، فقال عمر للحرس : إن لي عنكم بالقدر حاجزاً ، و بالأجل حارساً ، من
أقام منكم فله عشرة دنانير .
و من شاء فليلحق بأهله .
و قال عمرو بن مهاجر : اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحاً ، فأهدى له رجل من أهل بيته
تفاحاً ، فقال : ما أطيب ريحه و أحسنه ! أرفعه يا غلام للذي أتى به و أقرئ فلاناً
السلام و قل له : إن هديتك وقعت عندنا بحيث نحب ، فقلت : يا أمير المؤمنين ابن عمك
، و رجل من أهل بيتك ، و قد بلغك أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يأكل الهدية ،
فقال : ويحك ! إن الهدية كانت للنبي صلى الله عليه و سلم هدية ، و هي لنا اليوم
رشوة .
و قال إبراهيم بن ميسرة : ما رأيت عمر بن عبد العزيز
ضرب أحداً في خلافته ، غير رجل واحد تناول من معاوية ، فضربه ثلاثة أسواط .
و قال الأوزاعي : لما قطع عمر بن عبد العزيز عن أهل
بيته ما كان يجري عليهم من أرزاق الخاصة كلموه في ذلك ، فقال : لن يتسع مالي لكم ،
و أما هذا المال فإنما حقكم فيه كحق رجل بأقصى برك الغماد .
و قال أبو عمر : كتب عمر بن عبد العزيز برد أحكام من
أحكام الحجاج مخالفة لأحكام الناس .
و قال يحيى الغساني : لما ولاني عمر بن عبد العزيز
الموصل قدمتها فوجدتها من أكثر البلاد سرقة و نقباً ، فكتبت إليه أعلمه حال البلد و
أسأله : آخذ الناس بالظنة و أضربهم على التهمة أو آخذهم بالبنية و ما جرت عليه
السنة ، فكتبت إلي أن آخذ الناس بالبينة و ما جرت عليه السنة ، فإن لم يصلحهم الحق
فلا أصلحهم الله ، قال يحيى : ففعلت ذلك فما خرجت من
الموصل حتى كانت من أصلح البلاد و أقلها سرقة و نقباً .
و قال رجاء بن حيوة : سمرت ليلة عند عمر ، فغشي السراج
ـ و إلى جانبه و صيف ـ قلت : ألا أنبهه ؟ قال : لا ، قلت : أفلا أقوم ؟ قال : ليس
من مروءة الرجال استخدامه ضيفه ، فقام إلى بطة الزيت و أصلح السراج ثم رجع ، و قال
: قمت و أنا عمر بن عبد العزيز و رجعت و أنا عمر بن عبد العزيز .
و قال نعيم كاتبه : قال يا عمر : إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة .
و قال مكحول لو حلفت لصدقت ما رأيت أزهد و لا أخوف لله
من عمر بن عبد العزيز . و قال سعيد بن أبي عروية : كان
عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت اضربت أوصاله .
و قال عطاء : كان عمر بن عبد العزيز يجمع في كل ليلة
الفقهاء فيتذاكرون الموت و القيامة ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة .
و قال عبيد الله بن العيزار : خطبنا عمر بن عبد العزيز
بالشام على منبر من طين فقال : أيها الناس ، أصلحوا أسراركم تصلح علانيتكم ، و
اعملوا لآخرتكم تكفوا دنياكم ، و اعلموا أن رجلاً ليس بينه و بين آدم أب حي لعرق له
في الموت ، و السلام عليكم .
و قال وهيب بن الورد : اجتمع بنو مروان إلى باب عمر بن
عبد العزيز فقالوا لابنه عبد الملك : قل لأبيك : إن من كان قلبه من الخلفاء كان
يعطينا و يعرف لنا موضعنا ، و إن أباك قد حرمنا ما في يديه ، فدخل على أبيه فأخبره
، فقال لهم : إن أبي يقول لكم : إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم .
و قال الأوزاعي : قال عمر بن عبد العزيز : خذوا من
الرأي ما يصدق من كان قبلكم ، و لا تأخذوا ما هو خلاف لهم ، فإنهم خير منكم و أعلم
.
و قال : قدم جرير ، فطال مقامه بباب عمر بن عبد العزيز و لم يلتفت إليه ، فكتب إلى
عون بن عبد الله و كان خصيصاً بعمر :
يا أيها القارئ المرخي عمامته هذا زمانك إني قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه أني لدى الباب كالمصفود في
قرن
و قال جويرية بن أسماء : لما استخلف عمر بن عبد العزيز
جاءه بلال بن أبي بردة فهنأه و قال : من كانت الخلافة شرفته فقد شرفتها ، و من كانت
زانته فقد زنتها ، و أنت كما قال مالك بن أسماء :
و تزيدين أطيب الطيب طيباً أنت تمسيه ، أين مثلك أينا ؟
و إذا الدار زان حسن وجوه كان للدر حسن وجهك زينا
قال جعونة : لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز
جعل عمر يثني عليه ، فقال : يا أمير المؤمنين لو بقي كنت تعهد إليه ؟ قال : لا ،
قال : و لم و أنت تثني عليه ؟ قال : أخاف أن يكون زين في عيني منه ما زين في عين
الوالد من ولده .
و قال غسان عن رجل من الأزد : قال رجل لعمر بن عبد العزيز : أوصني ، قال : أوصيك
بتقوى الله و إيثاره تخف عنك المؤونة ، و تحسن لك من الله المعونة .
و قال أبو عمرو : دخلت ابنة أسامة بن زيد على عمر بن
عبد العزيز فقام لها و مشى إليها ، ثم أجلسها في مجلسه و جلس بين يديها و ما ترك
لها حاجة إلا قضاها .
و قال الحجاج بن عنبسة : اجتمع بنو مروان فقالوا : لو
دخلنا على أمير المؤمنين فعطفناه علينا بالمزاح ، فدخلوا ، فتكلم رجل منهم فمزح ،
فنظر إليه عمر ، فوصل له رجل كلامه بالمزاح ، فقال : لهذا اجتمعتم ؟ لأخس الحديث ،
و لما يورث الضغائن ؟ إذا اجتمعتم فأفيضوا في كتاب الله
، فإن تعديتم ذلك ففي السنة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن تعديتم
ذلك فعليكم بمعاني الحديث .
و قال إياس بن معاوية بن قرة : ما شبهت عمر بن عبد
العزيز إلا برجل صناع حسن الصنعة ليس له أداة يعمل بها ، يعني لا يجد من يعينه .
و قال عمر بن حفص : قال لي عمر بن عبد العزيز : إذا
سمعت كلمة من امرئ مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملاً من الخير .
و قال يحيى الغساني : كان عمر ينهي سليمان بن عبد
الملك عن قتل الحرورية و يقول : ضمنهم الحبس حتى يحدثوا توبة ، فأتي سليمان بحروري
، فقال له سليمان : هيه ، فقال الحروري : و ماذا أقول ؟ يا فاسق بن الفاسق ، فقال
سليمان : علي بعمر بن عبد العزيز ، فلما جاء قال : اسمع مقالة هذا ، فأعادها
الحروري ، فقال سليمان لعمر : ماذا ترى عليه ؟ فسكت ، قال : عزمت عليك لتخبرني
بماذا ترى عليه ، قال : أرى عليه أن تشتمه كما شتمك ، قال : ليس الأمر كذلك ، فأمر
به سليمان فضربت عنقه ، و خرج عمر فأدركه خالد صاحب الحرس ، فقال : ياعمر كيف تقول
لأمير المؤمنين ما أرى عليه إلا أن تشتمه كما شتمك ؟ و الله لقد كنت متوقعاً أن
يأمرني بضرب عنقك ، قال : و لو أمرك لفعلت ؟ قال : إي و الله ، فلما أفضت الخلافة
إلى عمر جاء خالد فقام مقام صاحب الحرس ، فقال عمر : يا خالد ضع هذا السيف عنك و
قال : اللهم إني قد وضعت لك خالداً فلا ترفعه أبداً ، ثم نظر في وجوه الحرس فدعا
عمرو بن مهاجرالأنصاري و قال : يا عمرو ، و الله لتعلمن أنه ما بيني و بينك قرابة
إلا قرابة الإسلام ، و لكن سمعتك تكثر تلاوة القرآن و رأيتك تصلي في موضع تظن أن لا
يراك أحد فرأيتك تحسن الصلاة و أنت رجل من الأنصار ، خذ هذا السيف فقد وليتك حرسي .
و قال شعيب : حدثت أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز
دخل على أبيه ، فقال يا أمير المؤمنين : ما أنت قائل لربك غداً إذا سألك فقال :
رأيت بدعة فلم تمتها ، أو سنة فلم تحيها ؟ فقال أبوه : رحمك الله و جزاك من ولد
خيراً يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة ، و عروة عروة ، و متى أردت
مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا علي فتقاً يكثر فيه الدماء ، و
الله لزوال الدنيا أهون علي من أن يراق في سببي محجمة من دم أو ما ترضى أن لا يأتي
أبيك يوم من أيام الدنيا إلا و هو يميت فيه بدعة و يحيى سنة ؟ .
و قال معمر : قال عمر بن عبد العزيز : قد أفلح من عصم من المراء ، و الغضب ، و
الطمع .
و قال أرطأة بن المنذر : قيل لعمر بن عبد العزيز : لو
اتخذت حرساً و احترزت في طعامك و شرابك ، فقال : اللهم إن كنت تعلم أني أخاف شيئاً
دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي .
و قال عدي بن الفضل : سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب ،
فقال اتقوا الله أيها الناس ، و أجملوا في الطلب ، فإن كان لأحدكم رزق في رأس جبل
أو حضيض أرض يأته .
و قال أزهر : رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس و
عليه قميص مرقوع .
و قال عبد الله بن العلاء : سمعت عمر بن عبد العزيز
يخطب في الجمع بخطبه واحدة يرددها و يفتتحها بسبع كلمات : الحمد لله ، نحمده ، و
نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده
الله فلا مضل له ، و من يضلله فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له ، و أشهد أن محمد عبده و رسوله ، من يطع الله و رسوله فقد رشد ، و من يعص
الله و رسوله فقد غوى ، ثم يوصى بتقوى الله ، و يتكلم ، ثم يختم خطبته الأخيرة
بهؤلاء الآيات : يا عبادي الذين أسرفوا إلى تمامها .
و قال حاجب بن خليفة البرجمي :شهدت عمر بن عبد العزيز
يخطب و هو خليفة ، فقال في خطبته : ألا إن ما سن رسول الله صلى الله عليه و سلم و
صاحباه فهو دين نأخذ به و ننتهي إليه ، و ما سن سواهما فإنا نرجئه .
أسند جميع ما قدمته أبو نعيم في الحلية .
و أخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي عبلة قال : دخلنا
على عمر بن عبد العزيز يوم العيد ـ و الناس يسلمون عليه ـ و يقولون : تقبل الله منا
و منك يا أمير المؤمنين ، فيرد عليهم و لا ينكر عليهم .
قلت : هذا أصل حسن للتهنئة بالعيد ، و العام ، و الشهر .
و أخرج عن جعونة قال : ولى عمر بن عبد العزيز عمرو بن قيس السكوني الصائفة ، فقال :
اقبل من محسنهم ، و تجاوز مسيئهم ، و لتكن في أولهم فتقتل ، و لا في آخرهم فتفشل و
لكن كن وسطاً حيث يرى مكانك ، و يسمع صوتك .
و أخرج عن السائب بن محمد قال : كتب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز : إن
أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم ، و إنه لا يصلحهم إلا السيف و السوط ، فإن رأى أمير
المؤمنين أن يأذن لي في ذلك ، فكتب إليه عمر : أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل
خراسان قد ساءت رعيتهم ، و أنه لا يصلحهم إلا السيف و السوط فقد كذبت ، بل يصلحهم
العدل و الحق ، فابسط ذلك فيهم و السلام .
و أخرج عن أمية بن زيد القريشي قال : كان عمر بن عبد العزيز إذا أملى علي كتابه قال
: اللهم إني أعوذ بك من شر لساني .
و أخرج عن صالح بن جبير قال : ربما كلمت عمر بن عبد العزيز في الشيء فيغضب ، فأذكر
أن في الكتاب مكتوباً اتق غضبة الملك الشاب ، فأرفق به حتى يذهب غضبه ، فيقول لي
بعد ذلك : لا يمنعك يا صالح ماترى منا أن تراجعنا في الأمر إذا رأيته .
و أخرج عن عبد الحليم بن محمد المخزومي قال : قدم جرير بن عيطة بن الخطفي على عمر
بن عبد العزيز ، فذهب ليقول ، فنهاه عمر ، فقال : إنما أذكر رسول الله صلى الله
عليه و سلم ، قال : أما رسول الله صلى الله عليه و سلم فاذكره ، فقال :
إن الذي ابتعث النبي محمداً جعل الخلافة للأمير العادل
رد المظالم حقها بيقينها عن جورها ، و أقام ميل المائل
و الله أنزل في القرآن فريضة لابن السبيل و للفقير
العائل
إني لأرجو منك خيراً عاجلاً و النفس مغرمة بحبي العاجل
فقال له عمر : ما أجد لك في كتاب الله حقاً ، قال :
بلى يا أمير المنؤمنين ، إنني ابن سبيل ، فأمر له من خاصة ماله بخمسين ديناراً .
و في الطيوريات أن جرير بن عثمان الرحبي دخل مع أبيه
على عمر بن عبد العزيز ، فسأله عمر عن حال ابنه ، ثم قال له : علمه الفقه الأكبر ،
قال : و ما الفقه الأكبر ؟ قال : القناعة و كف الأذى .
و أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره
عن محمد بن كعب القرظي قال : دعاني عمر ابن عبد العزيز ، فقال : صف لي العدل
، فقلت بخ ! سألت عن أمر جسيم ، كن لصغير الناس أباً ، و لكبيرهم ابناً ، و للمثل
منهم أخاً ، و للنساء كذلك ، و عاقب الناس على قدر ذنوبهم ، و على قدر أجسادهم ، و
لا تضربن لغضبك سوطاً واحداً فتعد من العادين .
و أخرج عبد الرزاق في مصنفه
عن الزهري أن عمر بن عبد العزيز كان يتوضأ مما
مست النار ، حتى كان يتوضأ من السكر .
و أخرج عن وهيب أن عمر بن عبد العزيز قال : من عد كلامه من عمله قل كلامه .
و قال الذهبي : أظهر غيلان القدر في خلافة عمر بن عبد
العزيز فاستتابه فقال : لقد كان كنت ضالاً فهديتني ، فقال عمر : اللهم إن كان
صادقاً و إلا فاصلبه واقطع يديه و رجليه ، فنفذت فيه دعوته ، فأخذ في خلافة هشام بن
عبد الملك و قطعت أربعته ، و صلب بدمشق في القدر .
و قال غيره : كان بنو أمية يسبون علي بن أبي طالب في الخطبة ، فلما ولي عمر ابن عبد
العزيز أبطله ، و كتب إلى نوابه بإبطاله ، و قرأ مكانه : إن
الله يأمر بالعدل والإحسان الآية ، فاستمرت قراءتها في الخطبة إلى الآن .
و قال القالي في أماليه : حدثنا أبو بكر بن الأنباري
حدثنا أحمد بن عبيد قال : قال عمر بن عبد العزيز قبل خلافته :
انه الفؤاد عن الصبا و عن انقياد للهوى
فلعمر ربك إن في شيب المفارق و الجلا
لك و اعظاً لو كنت تت عظ اتعاظ ذوي النهى
حتى متى لا ترعوي و إلى متى ، و إلى متى ؟
ما بعد أن سميت كه لاً و استبلت اسم الفتى
بلي الشباب و أنت إن عمرت رهن للبلى
و كفى بذلك زاجراً للمرء من غي ، كفى
فائدة : قال الثعالبي في لطائف المعارف : كان عمر بن
الخطاب أصلع ، و عثمان و علي ، و مروان بن الحكم ، و عمر بن عبد العزيز ، ثم انقطع
الصلع عن الخلفاء .
فائدة : قال الزبير بن بكار : قال الشاعر في فاطمة بنت
عبد الملك بن مروان زوجة عمر بن عبد العزيز :
بنت الخليفة و الخليفة جدها أخت الخلائف و الخليفة زوجها
قال : فلم تكن امرأة تستحق هذا النسب إلى يومنا هذا غيرها .
قلت : و لا يقال في غيرها هذا إلى يومنا هذا .
قال أيوب : لعمر بن عبد العزيز : لو أتيت المدينة فإن
مت دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : و الله
لأن يعذبني الله بكل عذاب إلا النار أحب إلي من أن يعلم الله مني أني أراني لذلك
الموضع أهلاً .
و قال الوليد بن هشام : قيل لعمر في مرضه : ألا تتداوى
؟ فقال : لقد علمت الساعة التي سقيت فيها ، و لو كان شفائي أن أمسح شحمة أذني أو
أوتي بطيب فأرفعه إلى أنفي ما فعلت . و قال عبيد بن حسان
: لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال : أخرجوا عني ، فقعد مسلمة و فاطمة على
الباب ، فسمعوه يقول : مرحباً بهذه الوجوه ، ليست بوجوه إنس و لا جان ، ثم قال
تلك الدار الآخرة الآية ،ثم هدأ الصوت ، فدخلوا فوجدوه
قد قبض ، رضي الله عنه .
و قال هشام : لما جاء نعي عمر بن عبد العزيز قال
الحسن البصري : مات خير الناس .
و قال خالد الربعي : إنا نجد في التوراة أن السموات و
الأرض تبكي على عمر ابن عبد العزيز أربعين صباحاً .
و قال يوسف بن ماهك : بينا نحن نسوي التراب على قبر
عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا كتاب رق من السماء فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ،
أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار .
و قال قتادة : كتب عمر بن عبد العزيز إلى ولي العهد من بعده :
بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله عمر إلى يزيد بن عبد الملك : سلام عليك ،
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فإني كتبت و أنا دنف من وجعي ،
و قد علمت أني مسؤول عما و ليت ، يحاسبني عليه مليك الدنيا و الآخرة ، و لست أستطيع
أن أخفي عليه من عملي شيئاً ، فإن رضي عني فقد أفلحت و نجوت من الهوان الطويل و إن
سخط علي فيا ويح نفسي إلى ما أصير ، أسأل الله لا إله إلا هو أن يجيرني من النار
برحمته ، و أن يمن علي برضوانه و الجنة ، فعليك بتقوى الله ، الرعية الرعية فإنك لن
تبقى بعدي إلا قليلاً ، و السلام . أسند هذا كله أبو نعيم في
الحلية .
توفي عمر رضي الله عنه بدير سمعان ـ بكسر السين ـ من أعمال حمص لعشر بقين ـ و قيل :
لخمس بقين ـ من رجب سنة إحدى و مائة ، و له حينئذ تسع و ثلاثون سنة و ستة أشهر ، و
كانت وفاته بالسم ، كانت بنو أمية قد تبرموا به لكونه شدد عليهم و انتزع من أيديهم
كثيراً مما غصبوه ، و كان قد أهمل التحرز فسقوه السم .
قال مجاهد : قال لي عمر بن عبد العزيز : ما يقول الناس
في ؟ قلت : يقولون مسحور ، قال : ما أنا بمسحور ، و إني لأعلم الساعة التي سيقت
فيها ، ثم دعا غلاماً له فقال له : و يحك ! ما حملك على أن تسقيني السم ؟ قال : ألف
دينار أعطيتها و على أن أعتق ، قال : هاتها ، قال : فجاء بها فألقاها في بيت المال
، و قال : اذهب حيث لا يراك أحد .
مات في أيامه من الأعلام : أبو أمامة سعد بن سهل بن حنيف ، و خارجة بن زيد بن ثابت
، و سالم بن أبي الجعد ، و يسر بن سعيد ، و أبو عثمان النهدي ، و أبو الضحى ، و شهر
بن حوشب الشامي ، و حنش بن عبد الله الصنعاني ، و مسلم بن يسار البصري ، و عيسى بن
طلحة بن عبد الله القريشي التيمي أحد أشراف قريش و عقلائها و علمائها .
|