يزيد الناقص : أبو خالد ، بن الوليد بن عبد الملك ، لقب بالناقص لكونه نقص الجند من
أعطياتهم ، وثب على الخلافة ، و قتل ابن عمه الوليد و تملك .
و أمه شاهفرند بنت فيروز بن يزدجرد ، و أم فيروز بنت شيرويه بن كسرى ، و أم شيرويه
بنت خاقان ملك الترك ، و أم أم فيرون بنت قيصر عظيم الروم ، فلهذا قال يزيد يفتخر :
أنا ابن كسرى ،و أبي مروان و قيصر جدي ، و جدي خاقان
قال الثعالبي : أغرق الناس في الخلافة من طرفيه .
و لما قتل يزيد الوليد قام خطيباً فقال :
أما بعد ، إني و الله ما خرجت أشراً و لا بطراً و لا طعماً و لا حرصاً على الدنيا و
لا رغبة في الملك ، و إني لظلوم نفسي إن لم يرحمني ربي ، و لكن خرجت غضباً لله و
لدينه و داعياً إلى كتابه و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم حين درست معالم الهدى ، و
طفىء نور أهل التقوى ، و ظهر الجبار المستحل الحرمة ، و الراكب البدعة ، فلما رأيت
ذلك أشفقت إذ غشيكم ظلمة لا تقلع عنكم على كثرة من ذنوبكم و قسوة من قلوبكم ، و
أشفقت أن يدعو كثيراً من الناس إلى ما هو عليه فيجيبه ، فاستخرت لله في أمري ، و
دعوت من أجابني من أهلي و أهل ولايتي ، فأراح الله منه البلاد و العباد ، ولاية من
الله ، و لا حول و لا قوة إلا بالله ، أيها الناس : إن لكم عندي إن وليت أموركم أن
لا أضع لبنة على لبنه و لا حجراً على حجر و لا أنقل مالاً من بلد حتى أسد ثغره و
أقسم بين مصالحه ما تقوون به ، فإن فضل فضل رددته إلى البلد الذي يليه ، حتى تستقيم
المعيشة و تكونوا فيه سواء ، فإن أردتم بيعتي على الذي بذلت لكم فأنا لكم ، و إن
ملت فلا بيعة لي عليكم ، و إن رأيتم أحداً أقوى مني عليها فأردتم بيعته فأنا أول من
يبايعه و يدخل في طاعته ، و أستغفر الله لي و لكم .
و قال عثمان بن أبي العاتكة : أول من خرج بالسلاح في
العيدين يزيد بن الوليد ، خرج يومئذ بين صفين من الخيل عليهم السلاح من باب الحصن
إلى المصلى .
و عن أبي عثمان الليثي ، قال يزيد الناقص : يا بني
أمية إياكم و الغناء فإنه ينقص الحياء و يزيد في الشهوة و يهدم المروءة ، و إنه
لينوب عن الخمر ، و يفعل ما يفعل المسكر ، فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء ،
فإن الغناء داعية الزنا .
و قال ابن عبد الحكم : سمعت
الشافعي رحمه الله يقول : لما ولي يزيد بن الوليد دعا الناس إلى القدر ، و
حملهم عليه ، و قرب أصحاب غيلان .
و لم يمتع يزيد بالخلافة ، بل مات من عامه في سابع ذي الحجة ، فكانت خلافته ستة
أشهر ناقصة ، و كان عمره خمساً و ثلاثين سنة ، و قيل : ستاً و أربعين سنة ، و يقال
: إنه مات بالطاعون . |