- كراماته
أخرج البيهقي و أبو نعيم
، كلاهما في دلائل النبوة ، و
اللالكاني في شح السنة ، و الدير عاقولي في
فوائده ، و ابن الأعرابي
في كرامات الأولياء و الخطيب في
رواة مالك عن نافع عن ابن عمر ، قال : وجه عمر جيشاً ، و رأس عليهم رجلاً
يدعى سارية ، فبينما عمر يخطب جعل ينادي : يا سارية الجبل ، ثلاثاً ، ثم قدم رسول
الجيش ، فسأله عمر ، فقال : يا أمير المؤمنين هزمنا ، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا
صوتاً ينادي : يا سارية الجبل ، ثلاثاً ، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل ، فهزمهم الله ،
قال : قيل لعمر : إنك كنت تصيح بذلك و ذلك الجبل الذي كان سارية عنده بنهاوند من
أرض العجم ، قال ابن حجر في الإصابة : إسناده حسن .
و أخرج ابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عن ابن عمر
، قال : كان عمر يخطب يوم الجمعة ، فعرض في خطبته أن قال : يا سارية الجبل ، من
استرعى الذئب ظلم ، فالتفت الناس بعضهم لبعض ، فقال لهم علي : ليخرجن مما قال ،
فلما فرغ سألوه فقال : وقع في خلدي أن المشركين هزموا 'إخواننا و إنهم يمرون بجبل ،
فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجه واحد و إن جاوزوا هلكوا ، فخرج مني ما تزعمون أنكم
سمعتموه ، قال: فجاء البشير بعد شهر فذكر أنهم سمعوا صوت عمر في ذلك اليوم ، فعدلنا
إلى الجبل ففتح الله علينا .
و أخرج أبو نعيم في الدلائل عن عمرو بن الحارث قال :
بينما عمر على المنبر يخطب يوم الجمعة إذ ترك الخطبة فقال : يا سارية الجبل ، مرتين
أو ثلاثاً ، ثم أقبل على خطبته ، فقال بعض الحاضرين : لقد جن ، إنه لمجنون ، فدخل
عليه عبد الرحمن بن عوف و كان يطمئن إليه ، فقال : لشد ما ألومهم عليك إنك لتجعل
لهم على نفسك مقالاً ، بينا أنت تخطب إذ أنت تصيح يا سارية الجبل ، أي شيء هذا ؟
قال : إني و الله ما ملكت ذلك رأيتهم يقاتلون عند جبل يؤتون من بين أيديهم و من
خلفهم ، فلم أملك أن قلت : يا سارية الجبل ، ليلحقوا بالجبل ، فلبثوا إلى أن جاء
رسول سارية بكتابه : إن القوم لقونا يوم الجمعة ، فقاتلناهم حتى إذا حضرت الجمعة و
دار حاجب الشمس سمعنا منادياً ينادي : يا سارية الجبل ، مرتين ، فلحقنا بالجبل ،
فلم نزل قاهرين لعدونا حتى هزمهم الله و قتلهم ،
فقال أولئك الذين طعنوا عليه : دعوا هذا الرجل فإنه مصنوع له .
و أخرج أبو القاسم بن بشران في فوائده من طريق
موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال : قال عمر بن
الخطاب لرجل : ما اسمك ؟ قال : جمرة ، قال : ابن من ؟ قال : ابن شهاب ، قال : ممن ؟
قال : من الحرقة ، قال : أين مسكنك ؟ قال : الحرة ، قال : بأيها ؟ قال : بذات لظى ،
فقال عمر : أدرك أهلك فقد احترقوا ، فرجع الرجل فوجد أهله قد احترقوا .
و أخرج مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد نحوه ، و أخرجه
ابن دريد في الأخبار المنثورة ، و ابن الكلبي في الجامع
و غيرهم .
و قال أبو الشيخ في كتاب العظمة : حدثنا أبو الطيب ،
حدثنا علي بن داود ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، عن قيس بن الحجاج
، عمن حدثه قال : لما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل يوم من أشهر العجم
فقالوا : يا أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها ، قال : و ما ذاك ؟
قالوا : إذا كان إحدى عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها
فأرضينا أبويها و جعلنا عليها من الثياب و الحلي أفضل ما يكون ، ثم ألقيناها في هذا
النيل ، فقال لهم عمرو : إن هذا لا يكون أبداً في الإسلام ، و إن الإسلام يهدم ما
كان قبله ، فأقاموا و النيل لا يجري قليلاً و لا كثيراً ، حتى هموا بالجلاء ، فلما
رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك ، فكتب له : أن قد أصبت بالذي قلت ، و إن
الإسلام يهدم ما كان قبله ، و بعث بطاقة في داخل كتابه ، و كتب إلى عمرو : إني قد
بعثت إليك ببطاقة في داخل كتابي فألقها في النيل ، فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن
العاص أخذ البطاقة ففتحها ، فإذا فيها : من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين
إلى نيل مصر ، أما بعد : فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر ، و إن كان الله يجريك فأسأل
الله الواحد القهار أن يجريك ، فألقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم ،فاصبحوا و
قد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة ، فقطع الله تلك السنة عن أهل مصر
إلى اليوم .
و أخرج ابن عساكر عن طارق بن شهاب قال : إن كان الرجل
ليحدث عمر بالحديث فيكذبه الكذبة فيقول : أحبس هذه ، ثم يحدثه بالحديث فيقول : احبس
هذه ، فيقول له : كل ما حدثتك حق إلا ما أمرتني أن أحبسه .
و أخرج عن الحسن قال : إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدث به فهو عمر بن الخطاب .
و أخرج البيهقي في الدلائل
عن أبي هدبة الحمصي قال : أخبر عمر بأن أهل العراق قد حصبوا أميرهم فخرج
غضبان ، فصل فسها في صلاته ، فلما سلم قال : اللهم إنهم قد لبسوا علي فالبس عليهم ،
و عجل عليهم بالغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم الجاهلية : لا يقبل من محسنهم ، و لا
يتجاوز عن مسيئهم .
قلت : أشار به إلى الحجاج ، قال أبو لهيعة : و ما ولد الحجاج يومئذ.
- نبذ من سيرته
أخرج ابن سعد عن الأحنف ابن قيس قال : كنا جلوساً بباب
عمر ، فمرت جارية ، فقالوا : سرية أمير المؤمنين ، فقال : ما هي لأمير المؤمنين
بسرية ، و لا تحل له ، إنها من مال الله ، فقلنا : فماذا يحل له من مال الله تعالى
؟ قال : إنه لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين : حلة للشتاء ، و حلة للصيف ، و ما
أحج به و أعتمر ، و قوتي و قوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم و لا بأفقرهم ، ثم
أنا بعد رجل من المسلمين .
و قال خزيمة ابن ثابت : كان عمر إذا استعمل عاملاً كتب
له ، و اشترط عليه أن لا يركب برذوناً ، و لا يأكل نقياً ، و لا يلبس رقيقاً ، و لا
يغلق بابه دون ذوي الحاجات ، فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة .
و قال عكرمة بن خالد و غيره : إن حفصة و عبد الله و
غيرهما كلموا عمر ، فقالوا : لو أكلت طعاماً طيباً كان أقوى لك على الحق ، قال :
أكلكم عاى هذا الرأي ؟ قالوا : نعم ، قال : قد علمت نصحكم ، و لكني تركت صاحبي على
جادة ، فإن تركت جادتهما ، لم أدركهما في المنزل .
قال : و أصاب الناس سنة ، فما أكل عامئذ سمناً و لا سميناً .
و قال ابن مليكة : كلم عتبة بن فرقد عمر في طعامه ،
فقال : ويحك ! آكل طيبات في حياتي الدنيا و أستمتع بها ؟ ! .
و قال الحسن دخل عمر على ابنه عاصم و هو يأكل لحماً ،
فقال : ما هذا ؟ قال : قرمنا إليه ، قال : أو كلما قرمت إلى شيء أكلته ؟ كفى بالمرء
سرفاً أن يأكل كل ما اشتهى .
و قال أسلم : قال عمر : لقد خطر على قلبي شهوة السمك الطري ، قال : فرحل يرفأ
راحلته ، و سار أربعاً مقبلاً ، و أربعاً مدبراً ، و اشترى مكتلاً ، فجاء به ، و
عمد إلى الراحلة ، فغسلها ، فأتى عمر ، فقال : انطلق حتى أنظر إلى الراحلة ، فنظر و
قال : أنسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنيها ؟ عذبت بهيمة في شهوة عمر ؟ ! لا و
الله لا يذوق عمر مكتلك .
و قال قتادة : كان عمر يلبس ـ و هو خليفة ـ جبة من صوف
مرقوعة بعضها بأدم ، و يطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب بها الناس ، و يمر
بالنكث و النوى فيلتقطه و يلقيه في منازل الناس ينتفعون به .
و قال أنس : رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه .
و قال أبو عثمان النهدي : رأيت على عمر إزاراً مرقوعاً
بأدم .
و قال عبد الله بن عامر بن ربيعة : حججت مع عمر ، فما
ضرب فسطاطاً و لا خباء ، كان يلقي الكساء و النطع على الشجرة و يستظل تحته .
و قال عبد الله بن عيسى : كان في وجه عمر بن الخطاب
خطان أسودان من البكاء .
و قال الحسن : كان عمر يمر بالآية من ورده فيسقط حتى
يعاد منها أياماً .
و قال أنس : دخلت حائطاً فسمعت عمر يقول ، و بيني و
بينه جدار : عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ، بخ ، و الله لتتقين الله ابن الخطاب أو
ليعذبنك الله .
و قال عبد الله بن عامر بن ربيعة : رأيت عمر أخذ تبنة
من الأرض فقال : ليتني كنت هذه التبنة ، يا ليتني لم أكن شيئاً ، ليت أمي لم تلدني
.
و قال عبيد الله بن عمر بن حفص : حمل عمر بن الخطاب
قربة على عنقه ، فقيل له في ذلك ، فقال : إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها .
و قال محمد سيرين : قدم صهر لعمر عليه ، فطلب أن يعطيه
من بيت المال ، فانتهره عمر و قال : أردت أن ألقى الله ملكاً خائناً ؟ ثم أعطاه من
صلب ماله عشرة آلاف درهم
و قال النخعي : كان عمر يتجر و هو خليفة .
و قال أنس : تقرقر بطن عمر من أكل الزيت عام الرمادة ،
و كان قد حرم على نفسه السمن ، فنقر بطنه بإصبعه و قال : إنه ليس عندنا غيره حتى
يحي الناس .
و قال سفيان بن عيينة : قال عمر بن الخطاب : أحب الناس
إلي من رفع إلي عيوبي .
و قال أسلم : رأيت عمر بن الخطاب يأخذ بأذن الفرس ، و
يأخذ بيده الأخرى أذنه ، ثم ينزو على متن الفرس .
و قال ابن عمر : ما رأيت عمر غضب قط فذكر الله عنده أو
خوف أو قرأ عنده إنسان آية من القرآن إلا وقف عما كان يريد .
و قال بلال لأسلم : كيف تجدون عمر ؟ فقال : خير الناس
، إلا أنه إذا غضب فهو أمر عظيم ، فقال بلال : لو كنت
عنده إذا غضب قرأت عليه القرآن حتى يذهب غضبه .
و قال الأحوص بن حكيم عن أبيه : أتى عمر بلحم فيه سمن
، فأبى أن يأكلهما ،
و قال : كل واحد منهما أدم . أخرج هذه الآثار كلهما ابن سعد .
و أخرج ابن سعد عن الحسن قال : قال عمر : هان شيء أصلح
به قوماً أن أبدلهم أميراً مكان أمير .
- صفته
أخرج ابن سعد و الحاكم عن
زر قال : خرجت مع أهل المدينة في يوم عيد ، فرأيت عمر يمشي حافياً شيخاً أصلع آدم
أعسر طوالاً مشرفاً على الناس كأنه على دابة ، قال الواقدي
: لا يعرف عندنا أن عمر كان آدم ، إلا أن يكون رآه عام الرمادة فإنه كان
تغير لونه حين أكل الزيت .
و أخرج ابن سعد عن ابن عمر أنه وصف عمر فقال : رجل
أبيض تعلوه حمرة طوال أصلع أشيب .
و أخرج عن عبيد بن عمير قال : كان عمر يفوق الناس طولاً .
و أخرج عن سلمة بن الأكوع قال : كان عمر رجلاً أعسر ، يعني يعتمد بيديه جميعاً .
و أخرج ابن عساكر عن أبي رجاء العطاردي قال : كان عمر
رجلاً طويلاً جسيماً أصلع شديد الصلع أبيض شديد الحمرة في عارضيه خفة سبلته كبيرة و
في أطرافها صهبة .
و في تاريخ ابن عساكر من طرق أن أم عمر بن الخطاب
حنتمة بنت هشام بن المغيرة أخت أبي جهل بن هشام ، فكان أبو جهل خاله .
- خلافته ، و الأحداث
التي جرت في عهده
ولي الخلافة بعهد من أبي بكر في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ، قال
الزهري : استخلف عمر يوم توفي أبو بكر ، و هو يوم
الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة ، أخرجه الحاكم بالأمر أتم قيام .
و كثرت الفتوح في أيامه :
ففي سنة أربع عشرة فتحت دمشق ما بين صلح و عنوة ، و حمص ، و بعلبك صلحاً و البصرة و
الأبلة ، كلاهما عنوة .
و فيها جمع عمر الناس على صلاة التراويح ، قله العسكري في الأوائل .
و في سنة خمس عشرة فتحت الأردن كلها عنوة إلا طبرية فإنها فتحت صلحاً ، و فيها كانت
وقعة اليرموك و القادسية .
قال ابن جرير : و فيها مصر سعد الكوفة و فيها فرض عمر
الفروض ، و دون الدواوين . و أعطى العطاء على السابقة .
و في سنة ست عشرة فتحت الأهواز و المدائن ، و أقام بها سعد الجمعة في إيوان كسرى ،
و هي أول جمعة جمعت بالعراق ، و ذلك في صفر ، و فيها كانت وقعة جلولاء ، و هزم فيها
يزدجرد بن كسرى و تقهقر إلى الري ، و فيها فتحت تكريت ، و فيها سار عمر ففتح بيت
المقدس و خطب بالجابية خطبته المشهورة ، و فيها فتحت قنسرين عنوة ، و حلب ، و
إنطاكية ، و منبج صلحاً ، و سروج عنوة ، و فيها فتحت قرقيسياء صلحاً و في ربيع
الأول كتب التاريخ من الهجرة بمشورة علي .
و في سنة عشرة زاد عمر في المسجد النبوي ، و فيها كان القحط بالحجاز
ابن سعد و سمي عام الرمادة ، و استسقى عمر للناس
بالعباس .
أخرج ابن سعد عن نيار الأسلمي أن عمر لما يستسقي خرج و
عليه برد رسول الله صلى الله عليه و سلم . و أخرج عن ابن عون
قال : أخذ عمر بيد العباس ثم رفعها و قال : اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك
أن تذهب عنا المحل ، و أن تسقينا الغيث ،فلم يبرحوا حتى سقوا ، فأطبقت السماء عليهم
أياماً ، و فيها فتحت الأهواز صلحاً .
و في سنة ثمان عشرة فتحت جند يسابور صلحاً ، و حلوان عنوة ، و فيها كان طاعون عمواس
، و فيها فتحت الرها ، و سميساط عنوة ، و حران ، و نصيبين ، و طائفة من الجزيرة
عنوة ـ و قيل : صلحاً ـ و الموصل و نواحيها و الموصل و نواحيها عنوة . و في سنة تسع
عشرة فتحت قيسارية عنوة .
و في سنة عشرين فتحت مصر عنوة ، و قيل : مصر كلها صلحاً إلا الإسكندرية فعنوة ، و
قال علي بن رباح : المغرب كله عنوة ، و فيها فتحت تستر
، و فيها هلك قيصر عظيم الروم ، و فيها أجلى عمر اليهود عن خيبر و عن نجران ، و قسم
خيبر و وادي القرى .
و في سنة إحدى و عشرين فتحت الإسكندرية عنوة ، و نهاوند ، و لم يكن للأعاجم بعدها
جماعة ، و برقة و غيرها .
و في سنة اثنتين و عشرين فتحت أذربيجان عنوة ، و قيل : صلحاً ، و الدينور عنوة ، و
ماسبذان عنوة ، و همذان ، و طرابلس المغرب ، و الري ، و عسكر و قومس .
و في سنة ثلاث و عشرين كان فتح كرمان ، و سجستان ، و مكران من بلاد الجبل ، و
أصبهان و نواحيها .
- مقتله ووصيته
و في آخرها كانت وفاة سيدنا عمر رضي الله عنه ، بعد صدوره من الحج ، شهيداً ، قال
سعيد بن المسيب : لما نفر عمر من منى أناخ بالأبطح ،
ثم استلقى و رفع يديه إلى السماء ، و قال : اللهم كبرت سني ، و ضعفت قوتي ، و
انتشرت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع و لا مفرط ، فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل ،
أخرجه الحاكم . و قال أبو صالح السمان : قال كعب
الأحبار ل عمر : أجدك في التوراة تقتل شهيداً ، قال و أنى لي بالشهادة و أنا بجزيرة
العرب ؟
و قال أسام : قال عمر : اللهم ارزقني شهادة في سبيلك ،
و اجعل موتي في بلد رسولك ، أخرجه البخاري .
و قال معدان بن أبي طلحة : خطب عمر فقال : رأيت كأن
ديكاً نقرني نقرة أو نقرتين ، و إني لا أراه إلا حضور أجلي ، و إن قوماً يأمروني أن
أستخلف ، و إن الله لم يكن ليضيع دينه و لا خلافته ، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى
بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو راض عنهم ، أخرجه
الحاكم .
قال الزهري : كان عمر رضي الله عنه لا يأذن لسبي قد
احتلم في دخول المدينة حتى كتب إليه المغيرة بن شعبة و هو على الكوفة يذكر له
غلاماً عنده جملة صنائع ، و يستأذنه أن يدخل المدينة ، و يقول : إن عنده أعمالاً
كثيرة فيها منافع للناس ، إنه حداد ، نقاش ، نجار ، فأذن له أن يرسله إلى المدينة ،
و ضرب عليه المغيرة مائة درهم في الشهر ، فجاء إلى عمر يشتكي شدة الخراج ، فقال :
ما خراجك بكثير ، فانصرف ساخطاً يتذمر ، فلبث عمر ليالي ثم دعاه فقال : ألم أخبر
أنك تقول : لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح ؟ فالتفت إلى عمر عابساً و قال : لأصنعن
لك رحى يتحدث بها ، فلما ولى قال عمر لأصحابه : أوعدني العبد آنفاً ، ثم اشتمل أبو
لؤلؤة على خنجر ذي رأسين ، نصابه في وسطه ، فكمن بزاوية من زوايا المسجد في الغلس ،
فلم يزل هناك حتى خرج عمر يوقظ الناس للصلاة ، فلما دنا منه طعنه ثلاث طعنات ،
أخرجه ابن سعد .
و قال عمرو بن ميمون الأنصاري : إن أبا لؤلؤة عبد المغيرة طعن عمر بخنجر له رأسان ،
و طعن معه اثني عشر رجلاً مات منهم ستة ، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوباً ،
فلما اغتم فيه قتل نفسه .
و قال أبو رافع : كان أبو لؤلؤة عبد المغيرة يصنع
الأرحاء ، و كان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم ، فلقي عمر فقال : يا أمير
المؤمنين ، إن المغيرة قد أثقل علي فكلمه ، فقال : أحسن إلى مولاك ـ و من نية عمر
أن يكلم المغيرة فيه ـ فغضب و قال : يسع الناس كلهم عدله غيري ، و أضمر قتله ، و
اتخذ خنجراً و شحذه و سمه ، و كان عمر يقول [ أقيموا صفوفكم ] قبل أن يكبر ، فجاء
فقام حذاءه في الصف ، و ضربه في كتفه و في خاصرته فسقط عمر و طعن ثلاثة عشر رجلاً
معه فمات منهم ستة ، و حمل عمر إلى أهله ، و كادت الشمس أن تطلع ، فصلى عبد الرحمن
بن عوف بالناس بأقصر سورتين ، و أتى عمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه فلم يتبين ،
فسقوه لبناً فخرج من جرحه ، فقالوا : لا بأس عليك ، فقال : إن يكن القتل بأس فقد
قتلت ، فجعل الناس يثنون عليه و يقولون : كنت و كنت ، فقال : أما و الله و ودت أني
خرجت منها كفافاً لا علي و لا لي ، و أن صحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم سلمت
لي ، و أثنى عليه ابن عباس فقال : لو أن لي طلاع الأرض
ذهباً لافتديت به من هول المطلع ، و قد جعلتها شورى في عثمان ، و علي ، و طلحة ، و
الزبير ، و عبد الرحمن بن عوف ، و سعد ، و أمر صهيباً أن يصلي بالناس ، و أجل الستة
ثلاثاً . أخرجه الحاكم .
و قال ابن عباس : كان أبو لؤلؤة مجوسياً .
و قال عمر بن ميمون : قال عمر : الحمد لله الذي لم
يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام ، ثم قال لابنه : يا عبد الله ، انظر ما علي من
الدين ، فحسبوه فوجدوه ستة و ثمانين ألفاً أو نحوها ، فقال : إن وفى مال آل عمر
فأده من أموالهم ، و إلا فاسأل في بني عدي ، فإن لم تف أموالهم فاسأل في قريش ،
اذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل : يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه ، فذهب إليها ،
فقالت : كنت أريده ـ تعني المكان ـ لنفسي ، و لأوثرنه اليوم على نفسي ، فأتى عبد
الله فقال : قد أذنت ، فحمد الله تعالى ، و قيل له : أوص يا أمير المؤمنين و استخلف
، قال : ما أرى أحداً أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله
عليه و سلم و هو عنهم راض فسمى الستة ، و قال : يشهد عبد الله بن عمر معهم و ليس له
من الأمر شيء ، فإن أصابت الأمرة سعداً فهو ذاك ، و إلا فليستعن به أيكم ما أمر ،
فإني لم أعزله من عجز و لا خيانة ، ثم قال : أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله ، و
أوصيه بالمهاجرين و الأنصار ، و أوصيه بأهل الأمصار خيراً ، في مثل ذلك من الوصية ،
فلما توفي خرجنا به نمشي ، فسلم عبد الله بن عمر و قال : عمر يستأذن ، فقالت عائشة
: أدخلوه ، فأدخل فوضع هناك مع صاحبيه ، فلما فرغوا من دفنه و رجعوا اجتمع هؤلاء
الرهط ، فقال عبد الرحمن بن عوف : اجعلوا أمركم إلى
ثلاثة منكم ، فقال الزبير : قد جعلت أمري إلى علي ، و
قال سعد : قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن ، و قال طلحة : قد جعلت أمري إلى عثمان ،
قال : فخلا هؤلاء الثلاثة ، فقال عبد الرحمن ، أنا لا أريدها ، فأيكما يبرأ من هذا
الأمر و نجعله إليه ؟ و الله عليه و الإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه و ليحرصن عل
صلاح الأمة ، فسكت الشيخان علي و عثمان ، فقال عبد الرحمن : اجعلوه إلي و الله علي
لا آلوكم عن أفضلكم ، قالا نعم ، فخلا بعلي و قال : لك من القدم في الإسلام و
القربة من رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قد علمت ، الله عليك لئن أمرتك لتعدلن
و لئن أمرت عليك لتسمعن و لتطيعن ؟ قال : نعم ، ثم خلا بالآخر فقال له كذلك ، فلما
أخذ ميثاقهما بايع عثمان و بايعه علي .
و في سند أحمد عن عمر أنه قال : إن أدركني أجلي و أبو
عبيدة بن الجراح حي استخلفه ، فإن سألني ربي قلت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و
سلم يقول : إن لكل نبي أميناً و أميني أبو عبيدة بن الجراح
فإن أدركني أجلي ـ و قد توفي أبو عبيدة ـ استخلف معاذ بن جبل ، فإن سألني
ربي : لم استخلفته ؟ قلت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
إنه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء نبذة و قد ماتا في
خلافته .
و في المسند أيضاً عن أبي رافع أنه قيل لعمر عند موته في الإستخلاف ، فقال : قد
رأيت من أصحابي حرصاً سيئاً ، و لو أدركني أحد رجلين ثم جعلت هذا الأمر إليه لوثقت
به : سالم مولى أبي حذيفة ، و أبو عبيدة بن الجراح .
أصيب عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة ، و دفن يوم الأحد مستهل المحرم
الحرام ، و له ثلاث و ستون سنة ، و قيل : ست و ستون سنة ، و قيل : إحدى و ستون ، و
قيل : ستون ، و رجحه الواقدي و قيل : تسع و خمسون ، و
قيل : خمس أو أربع و خمسون ، و صلى عليه صهيب في المسجد .
و في تهذيب المزني كان نقش خاتم عمر [ كفى بالموت واعظاً يا عمر ] .
و أخرج الطبراني عن طارق بن شهاب قال : قالت أم أيمن
يوم قتل عمر : اليوم و هى الإسلام . و أخرج عبد الرحمن بن
يسار قال : شهدت موت عمر بن الخطاب فانكسفت الشمس يومئذ ، رجاله ثقات
.
- أوليات عمر ، رضي الله
عنه
قال العسكري : هو أول من سمي أمير المؤمنين ، و أول من
كتب التاريخ من الهجرة ، و أول من اتخذ بيت المال ، و أول من سن قيام شهر رمضان ، و
أول من عس بالليل ، و أول من عاقب على الهجاء ، و أول من ضرب في الخمر ثمانين ،
وأول من حرم المتعة ، و أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد ، و أول من جمع الناس في
صلاة الجنائز على أربع تكبيرات ، و أول من اتخذ الديوان ، و أول من فتح الفتوح و
مسح السواد ، و أول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة إلى المدينة ، و أول من احتبس
صدقة في الإسلام و أول من أعال الفرائض و أول من أخذ زكاة الخيل ، و أول من قال :
أطال الله بقاءك ، قاله لعلي ، و أول من قال : أيدك الله ، قاله لعلي ، هذا آخر ما
ذكر العسكري .
و قال النووي في تهذيبه : هو أول من اتخذ الدرة ، و
كذا ذكره ابن سعد في الطبقات ، قال : و لقد قيل بعده :
لدرة عمر أهيب من سيفكم ، قال : و هو أول من استقضى القضاء في الأمصار ، و أول من
مصر الأمصار : الكوفة ، و البصرة ، و الجزيرة ، و الشام ، و مصر ، و الموصل .
و أخرج ابن عساكر عن إسماعيل بن زياد قال : مر علي بن
أبي طالب على المساجد في رمضان و فيها القناديل فقال : نور الله على عمر في قبره
كما نور علينا في مساجدنا .
قال ابن سعد : اتخذ عمر دار الدقيق فجعل فيها الدقيق ،
و السويق ، و التمر ، و الزبيب ، و ما يحتاج إليه : يعين به المنقطع ، و وضع فيما
بين مكة و المدينة بالطريق ما يصلح من ينقطع به ، و هدم المسجد النبوي ، و زاد فيه
و وسعه و فرشه بالحصباء ، و هو الذي أخرج اليهود من الحجاز إلى الشام ، و أخرج أهل
نجران إلى الكوفة ، و هو الذي أخر مقام إبراهيم إلى موضعه اليوم ، و كان ملصقاً
بالبيت .
- نبذ من أخباره ، و
قضاياه
أخرج العسكري في الأوائل ، و
الطبراني في الكبير ، و
الحاكم ، من طريق ابن شهاب ، أن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن
أبي حثمة : لأي شيء كان يكتب [ من خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم ] في عهد
أبي بكر ؟ ثم كان عمر كتب أولاً [ من خليفة أبي بكر ] فمن أول من كتب [ من أمير
المؤمنين ] ؟ فقال : حدثتني الشفاء ـ و كانت من المهاجرات ـ أن أبا بكر كان يكتب من
خليفة رسول الله ، و كان عمر يكتب من خليفة خليفة رسول الله حتى كتب عمر إلى عامل
العراق أن يبعث إليه رجلين جلدين يسألهما عن العراق و أهله ، فبعث إليه لبيد بن
ربيعة ، و عدي بن حاتم ، فقدما المدينة ، و دخلا المسجد ، فوجدا عمرو بن العاص ،
فقالا : استأذن لنا على أمير المؤمنين ، فقال عمرو : أنتما و الله أصبتما اسمه ،
فدخل عليه عمرو ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فقال : ما بدا لك في هذا
الا سم ؟ لتخرجن مما قلت ، فأخبره و قال : أنت الأمير و نحن المؤمنين ، فجرى الكتاب
بذلك من يومئذ .
و قال النووي في تهذيبه : سماه بهذا الاسم عدي بن حاتم
و لبيد بن ربيعة حين وفدا عليه من العراق ، و قيل : سماه به المغيرة بن شعبة ، و
قيل : إن عمر قال للناس : أنتم المؤمنين و أنا أميركم ، فسمي أمير المؤمنين ، و كان
قبل ذلك يقال له : خليفة خليفة رسول الله ، فعدلوا عن تلك العبارة لطولها .
و أخرج ابن عساكر عن معاوية بن قرة قال : كان يكتب من
أبي بكر خليفة رسول الله ، فلما كان عمر بن الخطاب أرادوا أن يقولوا : خليفة خليفة
رسول الله ، قال عمر : هذا يطول : قالوا : لا ، و لكنا أمرناك علينا ، فأنت أميرنا
، قال : نعم ، أنتم المؤمنين ، و أنا أميركم ، فكتب [ أمير المؤمنين ] .
و أخرج البخاري في تاريخه
، عن أبي المسيب قال : أول من كتب التاريخ عمر بن الخطاب لسنتين و نصف من خلافته ،
فكتب لست عشرة من الهجرة بمشورة علي .
و أخرج السلفي في الطيوريات بسند صحيح ، عن ابن عمر ،
عن عمر أنه أراد أن يكتب السنن ، فاستخار الله شهراً ، فأصبح و قد عزم له ، ثم قال
: إني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتاباً ، فأقبلوا عليه و تركوا كتاب الله .
و أخرج ابن سعد عن شداد قال : كان أول كلام تكلم به
عمر حين صعد المنبر أن قال : اللهم إني شديد فليني ، و إني ضعيف فقوني ، و إني بخيل
فسخني .
و أخرج ابن سعد و سعيد بن منصور
و غيرهما من طرق ، عن عمر أنه قال : إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة والي
اليتيم من ماله : إن أيسرت استعففت ، و إن افتقرت أكلت بالمعروف ، فإن أيسرت قضيت .
و أخرج ابن سعد عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب كان إذا
احتاج أتى صاحب بيت المال ، فاستقرضه ، فربما أعسر فيأتيه صاحب بيت المال يتقاضاه
فيلزمه ، فيحتال له عمر ، و ربما خرج عطاؤه ، فقضاه .
و أخرج ابن سعد عن البراء بن معرور أن عمر خرج يوماً
حتى أتى المنبر ، و كان قد اشتكي شكوى ، فنعت له العسل و في بيت المال عكة ، فقال :
إن أذنتم لي فيها أخذتها و إلا فهي علي حرام ، فأذنوا له .
و أخرج عن سالم بن عبد الله أن عمر كان يدخل يده في دبرة البعير ، و يقول : إني
لخائف أن أسالك عما بك .
و أخرج عن ابن عمر قال : كان عمر إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدم إلى أهله ،
فقال : لا أعلمن أحداً وقع في شيء مما نهيت عنه إلا أضعفت عليه العقوبة .
و روينا من غير وجه أن عمر بن الخطاب خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة ـ و كان يفعل ذلك
كثيراً ـ إذ مر بامرأة من نساء العرب مغلقاً عليها بابها ، و هي تقول :
تطاول هذا الليل تسري كواكبه و أرقني أن لا ضجيع ألاعبه
فو الله لو لا الله تخشى عواقبه لزحزح من هذا السرير
جوانبه
و لكنني أخشى رقيباً موكلاً بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه
مخافة ربي و الحياء يصدني و أكرم بعلي أن تنال مراتبه
فكتب إلى عماله بالغزو أن لا يغيب أحد أكثر من أربعة أشهر .
و أخرج ابن سعد عن زادان عن سلمان أن عمر قال له :
أملك أنا أم خليفة ؟ فقال له سلمان : إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً ، أو أقل
، أو أكثر ، ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة ، فاستعبر عمر .
و أخرج عن سفيان بن أبي العرجاء قال : قال عمر بن الخطاب : و الله ما أدري أخليفة
أنا أم ملك ؟ فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم ، فقال قائل : يا أمير المؤمنين إن
بينهما فرقاً ، قال : ما هو ؟ قال : خليفة لا يأخذ إلا حقاً و لا يضعه إلا في حق ،
و أنت بحمد الله كذلك ، و الملك يعسف الناس ، فيأخذ من هذا و يعطي هذا ، فسكت عمر .
و أخرج عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ركب عمر فرساً ، فانكشف ثوبه عن فخذه ،
فرأى أهل نجران بفخذه شامة سوداء ، فقالوا : هذا الذي نجد في كتابنا أنه يخرجنا من
أرضنا .
و أخرج عن سعد الجاري أن كعب الأحبار قال لعمر : إنا لنجدك في كتاب الله على باب من
أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها ، فإذا مت لم يزالوا يقتحمون فيها إلى يوم
القيامة .
و أخرج عن أبي معشر قال : حدثنا أشياخنا أن عمر قال : إن هذا الأمر لا يصلح إلا
بالشدة التي لا جبرية فيها ، و باللين الذي لا وهن فيه .
و أخرج ابن أبي شيبة في المصنف
عن حكيم بن عمير قال : كتب عمر بن الخطاب : ألا لا يجلدن أمير جيش و لا سرية
أحداً الحد حتى يطلع الدرب لئلا تحمله حمية الشيطان أن يلحق بالكفار .
و أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره
عن الشعبي قال : كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب : إن رسلي أتتني من قبلك فزعمت
أن قبلكم شجرة ليست بخليفة شيء من الشجر ، تخرج مثل آذان الحمير ، ثم تنشق عن مثل
اللؤلؤ ، ثم يخضر ، فيكون كالزمرد الأخضر ، ثم يحمر فيكون كالياقوت الأحمر ، ثم
يينع فينضج فيكون كأطيب فالوذج أكل ، ثم ييبس فيكون عصمة للمقيم و زاداً للمسافر ،
فإن تكن رسلي صدقتني فلا أدري هذه الشجرة إلا من شجر الجنة ، فكتب إليه عمر : من
عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم ، إن رسلك قد صدقوك ، هذه الشجرة
عندنا هي الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى ابنها ، فاتق الله و لا
تتخذ عيسى إلهاً من دون الله ، فإن إن مثل عيسى عند الله كمثل
آدم خلقه من تراب .
و أخرج ابن سعد عن ابن عمر أمر عماله فكتبوا أموالهم ،
منهم سعد بن أبي وقاص ، فشاطرهم عمر في أموالهم ، فأخذ نصفاً و أعطاهم نصفاً .
و أخرج عن الشعيب أن عمر كان إذا استعمل عاملاً كتب ماله .
و أخرج عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : مكث عمر زماناً لا يأكل من مال بيت المال
شيئاً ، حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة ، فأرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و
سلم ، فاستشارهم ، فقال : قد شغلت في نفسي هذا الأمر فما يصلح لي منه ؟ فقال علي :
غداء و عشاء ، فأخذ بذلك عمر .
و أخرج عن ابن عمر أن عمر حج سنة ثلاث و عشرين فأنفق في حجته ستة عشر ديناراً ،
فقال : يا عبد الله ، أسرفنا في هذا المال .
و أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن قتادة و الشعبي قالا :
جاءت عمر امرأة فقالت : زوجي يقوم الليل و يصوم النهار ، فقال عمر : لقد أحسنت
الثناء على زوجك ، فقال كعب بن سوار : لقد شكت ، فقال عمر : كيف ؟ قال تزعم أنه ليس
لها من زوجها نصيب ، قال : فإذا قد فهمت ذلك فاقض بينهما ، فقال : يا أمير المؤمنين
أحل الله له من النساء أربعاً ، فلها من كل أربعة أيام يوم ، و من كل أربع ليال
ليلة .
و أخرج عن ابن جريج قال : أخبرني من أصدقه أن عمر بينما هو يطوف سمع امرأة تقول :
تطاول هذا الليل واسود جانبه و أرقني أن لا خليل ألاعبه
فلولا حذار الله لا شيء مثله لزحزح من هذا السرير جوانبه
فقال عمر : مالك ؟ قالت : أغزيت زوجي منذ أشهر و قد اشتقت إليه ، قال : أردت سوءاً
؟ قالت : معاذ الله ، قال : فاملكي عليك نفسك ، فإنما هو البريد إليه ، فبعث إليه ،
ثم دخل على حفصة فقال : إني سائلك عن أمر قد أهمني فافرجيه عني ؟ كم تشتاق المرأة
إلى زوجها ؟ فخفضت رأسها و استحيت ، قال : فإن الله لا يستحي من الحق ، فأشارت
بيدها ثلاثة أشهر ، و إلا فأربعة أشهر ، فكتب عمر أن لا تحبس الجيوش فوق أربعة أشهر
.
و أخرج عن جابر بن عبد الله أنه جاء إلى عمر يشكو إليه ما يلقى من النساء فقال عمر
: إنا لنجد ذلك ، حتى إني لأريد الحاجة فتقول لي : ما تذهب إلا إلى فتيات بني فلان
تنظر إليهن ، فقال له عبد الله بن مسعود : أما بلغك إن
إبراهيم عليه السلام شكا إلى الله خلق سارة ، فقيل له : إنها خلقت من ضلع فالبسها
على ما كان فيها ما لم تر عليها خربة في دينها .
و أخرج عن عكرمة بن خالد قال : دخل ابن لعمر بن الخطاب عليه و قد ترجل و لبس ثياباً
حساناً ، فضربه عمر بالدرة حتى أبكاه ، فقالت له حفصة : لم ضربته ؟ قال : رأيته قد
أعجبته نفسه ، فأحببت أن أصغرها إليه .
و أخرج عن معمر عن ليث بن أبي سليم أن عمر بن الخطاب قال : لا تسموا الحكم و لا أبا
الحكم ، فإن الله هو الحكم ، و لا تسموا الطريق السكة . و أخرج
البيهقي في شعب الإيمان عن الضحاك قال : قال أبو بكر :
و الله لوددت أني كنت شجرة إلى جنب الطريق ، فمر علي بعير فأخذني فأدخلني فاه
فلاكني ثم ازدردني ثم أخرجني بعراً ، و لم أكن بشراً . فقال عمر : يا ليتني كنت كبش
أهلي سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت كأسمن ما يكون زارهم من يحبون ، فذبحوني لهم
فجعلوا بعضي شواء و بعضي قديداً ، ثم أكلوني ، و لم أكن بشراً .
و أخرج ابن عساكر عن أبي البختري قال : كان عمر بن
الخطاب يخطب على المنبر ، فقام إليه الحسين بن علي رضي الله عنه ، فقال : انزل عن
منبر أبي ، فقال عمر : منبر أبيك لا منبر أبي ،من أمرك بهذا ؟ فقام علي فقال : و
الله ما أمره بهذا أحد ، أما لأوجعنك يا غدر ، فقال : لا توجع ابن أخي ، فقد صدق
منبر أبيه ، إسناده صحيح .
و أخرج الخطيب في أدب الراوي
عن مالك من طريقه عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و سعيد بن المسيب
أن عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان كانا يتنازعان في المسألة بينهما حتى يقول الناظر
: إنهما لا يجتمعان أبداً ، فما يفترقان إلا على أحسنه و أجمله .
و أخرج ابن سعد عن الحسن قال : أول خطبة خطبها عمر حمد
الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعد فقد ابتليت بكم و ابتليتم بي ، و خلفت فيكم بعد
صاحبي ، فمن كان بحضرتنا باشرناه بأنفسنا ، و من غاب عنا وليناه أهل القوة و
الأمانة ، و من يحسن نزده حسناً ، و من يسيء نعاقبه ، و يغفر الله لنا و لكم .
و أخرج عن جبير بن الحويرث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار المسلمين في تدوين
الديوان ، فقال له علي : تقسم كل سنة ما اجتمع إليك من مال ، و لا تمسك منه شيئاً ،
و قال عثمان : أرى مالاً كثيراً يسع الناس و إن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ ممن لم
يأخذ خشيت أن يلتبس الأمر ، فقال له الوليد بن هشام بن المغيرة : يا أمير المؤمنين
قد جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديواناً و جندوا جنوداً ، فدون ديواناً و جند
جنوداً ، فأخذ بقوله ، فدعا عقيل بن أبي طالب ، و مخرمة ابن نوفل ، و جبير بن مطعم
ـ و كانوا من نساب قريش ـ فقال : اكتبوا الناس على منازلهم ، فكتبوا فبدؤا ببني
هاشم ، ثم أتبعوهم أبا بكر و قومه ، ثم عمر و قومه على الخلافة ، فلما نظر فيه عمر
قال : ابدؤوا بقرابة النبي صلى الله عليه و سلم الأقرب فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث و
ضعه الله .
و أخرج عن سعيد بن المسيب قال : دون عمر الديوان في المحرم سنة عشرين .
و أخرج عن الحسن قال : كتب عمر إلى حذيفة أن أعط الناس أعطيتهم و أرزاقهم ، فكتب
إليه : إنا قد فعلنا و بقي شيء كثير ، فكتب إليه عمر ، إنه فيئهم الذي أفاء الله
عليهم ، ليس هو لعمر و لا لآل عمر ، أقسمه بينهم .
و أخرج ابن سعد عن جبير بن مطعم قال : بينما عمر واقف
على جبل عرفة سمع رجلاً يصرخ و يقول : يا خليفة الله ، فسمعه رجل آخر و هم يعتافون
فقال : مالك فك الله لهواتك ؟ فأقبلت على الرجل فصحت عليه ، فقال
جبير : فإني الغد واقف مع عمر على العقبة يرميها إذ
جاءت حصاة عائرة ففتقت رأس عمر ، فقصدت فسمعت رجلاً من الجبل يقول : أشعرت ورب
الكعبة ، لا يقف عمر هذا الموقف بعد العام أبداً ، قال جبير
: فإذا هو الذي صرخ فينا بالأمس ، فاشتد ذلك علي .
و أخرج عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما كان آخر حجة حجها عمر بأمهات المؤمنين إذ
صدرنا عن عرفة مررت بالمحصب فسمعت رجلاً على راحلته يقول : أين كان عمر أمير
المؤمنين ؟ فسمعت رجلاً آخر يقول : ههنا كان أمير المؤمنين : فأناخ راحلته ثم رفع
عقيرته فقال :
عليك سلام من إمام ، و باركت يد الله في ذاك الأديم
الممزق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق
قضيت أموراً ثم غادرت بعدها بوائق في أكمامها لم تفتق
فلم يتحرك ذاك الراكب ، و لم يدر من هو ، فكنا نتحدث أنه من الجن فقدم عمر من تلك
الحجة ، فطعن بالخنجر ، فمات .
و أخرج عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمر أنه قال : هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم
أحد ، ثم في أهل أحد ، ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد ، و في كذا و كذا ، و ليس
فيها لطليق و لا لولد طليق و لا لمسلمة الفتح شيء .
و أخرج عن النخعي أن رجلاً قال لعمر : ألا تستخلف عبد الله بن عمر ؟ فقال : قاتلك
الله ! و الله ما أردت الله بهذا ، أستخلف رجلاً لم يحسن أن يطلق امرأته ؟
و أخرج عن شداد بن أوس عن كعب قال : كان في بني إسرائيل ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر ،
و إذا ذكرنا عمر ذكرناه ، و كان إلى جنبه نبي يوحي إليه ، فأوحى الله إلى النبي أن
يقول له : اعهد عهدك ، و اكتب إلي وصيتك ، فإنك ميت إلى ثلاثة أيام ، فأخبره النبي
بذلك ، فلما كان اليوم الثالث وقع بين الجدار و السرير ، ثم جاء إلى ربه ، فقال :
اللهم إن كنت تعلم أني كنت أعدل في الحكم ، و إذا اختلفت الأمور اتبعت هداك و كنت و
كنت ، فزد في عمري حتى يكبر طفلي و تربو أمتي ، فأوحى الله إلى النبي أنه قال قال
كذا و كذا ـ و قد صدق ـ و قد زدته في عمره خمس عشرة سنة ، ففي ذلك ما يكبر طفله و
تربو أمته ، فلما طعن عمر قال كعب : لئن سأل عمر ربه
ليبقينه الله ، فأخبر بذلك عمر ، فقال : اللهم اقبضني إليك غير عاجز و لا ملوم .
و أخرج عن سليمان بن يسار أن الجن ناحت على عمر .
و أخرج الحاكم عن مالك بن دينار قال : سمع صوت بجبل
تبالة حين قتل عمر رضي الله عنه :
لبيك على الإسلام من كان باكياً فقد أوشكوا صرعى و ما
قدم العهد
و أدبرت الدنيا و أدبر خيرها و قد ملها من كان يوقن
بالوعد
و أخرج ابن أبي الدنيا عن يحيى بن أبي راشد البصري قال
: قال عمر لابنه : اقتصدوا في كنفي ، فإنه إن كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير
منه ، و إن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي ، و اقتصدوا في حفرتي ، فإنه إن كان
لي عند الله خير أوسع لي فيها مد بصري ، و إن كنت علي غير ذلك ضيقها علي تختلف
أضلاعي ، و لا تخرج معي امرأة ، و لا تزكوني بما ليس في ، فإن الله هو أعلم بي فإذا
خرجتم فأسرعوا في المشي ، فإنه إن كان لي عند الله خير قدمتموني إلى ما هو خير لي ،
و إن كنت على غير ذلك ألقيتم عن رقابكم شراً تحملونه .
فصل
أخرج ابن عساكر عن ابن عباس ، أن العباس قال : سألت
الله حولاً بعدما مات عمر أن يرينيه في المنام ، فرأيته بعد حول ـ و هو يسلت العرق
عن جبينه ـ فقلت : بأبي أنت و أمي يا أمير المؤمنين ما شأنك ؟ فقال : هذا أوان فرغت
، و إن كاد عرش عمر ليهد لولا أني لقيت رؤوفاً رحيماً .
و أخرج أيضا عن زيد بن أسلم ، أن عبد الله بن عمرو بن العاص رأى عمر في المنام ،
فقال : كيف صنعت ؟ قال متى فارقتكم ؟ قال : منذ اثنتي عشرة سنة ، قال : إنما انفلت
الآن من الحساب .
و أخرج ابن سعد عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : سمعت
رجلاً من الأنصار يقول : دعوت الله أن يريني عمر في المنام ، فرأيته بعد عشر سنين ،
و هو يمسح العرق عن جبينه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما فعلت ؟ قال : الآن فرغت ، و
لولا رحمة ربي لهلكت .
و أخرج الحاكم عن الشعبي ، قال : رثت عاتكة بنت زيد بن
عمرو بن نفيل عمر ، فقالت :
عين جودي بعبرة و نحيب لا تملي على الإمام الصليب
فجعتني المنون بالفارس المع لم يوم الهياج و التأنيب
عصمة الدين و المعين على الده ر و غيث الملهوف و المكروب
قل لأهل الضراء و البؤس : موتوا إذ سقتنا المنون كأس شعوب
|