- نسبه ، و فضله ، و حب
الرسول إياه 40هـ ـ 41 هـ
الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أبو محمد ، سبط رسول الله صلى الله عليه و
سلم و ريحانته ، و آخر الخلفاء بنصه .
أخرج ابن سعد عن عمران بن سليمان ، قال : الحسن و
الحسين أسمان من أسماء أهل الجنة ، ما سمت العرب بهما في الجاهلية .
ولد الحسن رضي الله عنه في نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، و روي له عن النبي صلى
الله عليه و سلم أحاديث ، و روت عنه عائشة رضي الله عنها و خلائق من التابعين :
منهم ابنه الحسن ، و أبو الحوراء ربيعة بن سنان ، و الشعبي ، و أبو وائل ، و ابن
سيرين . و كان شبيهاً للنبي صلى الله عليه و سلم سماه النبي صلى الله عليه و سلم
الحسن ، و عق عنه يوم سابعه ، و حلق شعره ، و أمر أن يتصدق بزنة شعره فضة ، و هو
خامس أهل الكساء .
قال العسكري : لم يكن هذا الاسم يعرف في الجاهلية .
و قال المفضل : إن الله حجب اسم الحسن و الحسين حتى
سمى بهما النبي صلى الله عليه و سلم ابنيه . و أخرج البخاري
عن أنس قال : لم يكن أحد أشبه النبي صلى الله عليه و سلم من الحسن بن علي .
و أخرج الشيخان عن البراء قال : رأيت رسول الله صلى
الله عليه و سلم و الحسن على عاتقه و هو ينظر إلى الناس مرة و إليه مرة يقول :
إن ابني هذا سيد ، و لعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين
.
و أخرج البخاري عن ابن عمر قال :
قال النبي صلى الله عليه و سلم : هما ريحانتاي من الدنيا يعني الحسن و
الحسين .
و أخرج الترمذي و الحاكم
عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .
و أخرج الترمذي عن أسامة بن زيد ، قال : رأيت النبي
صلى الله عليه و سلم و الحسن و الحسين على وركيه فقال : هذان
ابناي و ابنا ابنتي ، اللهم إني احبهما فأحبهما و أحب من يحبهما .
و أخرج عن أنس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم : أي
أهل بيتك أحب إليك ؟ قال : الحسن و الحسين . و أخرج
الحاكم عن ابن عباس قال : أقبل النبي صلى الله عليه و
سلم و قد حمل الحسن على رقبته ، فلقيه رجل فقال : نعم المركب ركبت يا غلام ، فقال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : و نعم الراكب هو .
و أخرج ابن سعد عن عبد الله بن الزبير قال : أشبه أهل
النبي صلى الله عليه و سلم به و أحبهم إليه الحسن بن علي ، رأيته يجيء و هو ساجد
فيركب رقبته ـ أو قال : ظهره ـ فلما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ، و لقد رأته و هو
راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر .
و أخرج ابن سعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : كان
رسول الله يدلع لسانه للحسن بن علي ، فإذا رأى الصبي حمرة اللسان يهش إليه .
و أخرج الحاكم عن زهير بن الأرقم
قال : قام الحسن بن علي يخطب ، فقام رجل من أزد شنوءة فقال : أشهد لقد رأيت رسول
الله صلى الله عليه و سلم واضعه في حبوته و هو يقول : من أحبني فليحبه ، و ليبلغ
الشاهد الغائب و لولا كرامة رسول الله صلى الله عليه و سلم ما حدثت به أحداً
.
و كان الحسن رضي الله عنه له مناقب كثيرة ، سيداً ، حليماً ، ذا سكينة و وقار و
حشمة ، جواداً ، ممدوحاً ، يكره الفتن و السيف ، تزوج كثيراً ، و كان يجيز الرجل
الواحد بمائة ألف .
و أخرج الحاكم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : حج
الحسن خمساً و عشرين حجة ماشياً ، و إن النجائب لتقاد معه .
و أخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال : ما تكلم عندي
أحد كان أحب إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي ، و ما سمعت منه كلمة فحش قط إلا
مرة ، فإنه كان بين الحسن و عمرو بن عثمان خصومة في أرض ، فعرض الحسن أمراً لم يرضه
عمرو ، فقال الحسن : فليس له عندنا إلا ما رغم أنفه ، قال : فهذه أشد كلمة فحش
سمعتها منه .
و أخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال : كان مروان
أميراً علينا فكان يسب علياً كل جمعة على المنبر ، و حسن يسمع فلا يرد شيئاً ، ثم
أرسل إليه رجلاً يقول له : بعلي و بعلي و بعلي و بك و بك ، و ما وجدت إلا مثل
البغلة ، يقال لها : من أبوك ؟ فتقول : أمي الفرس ، فقال له الحسن : ارجع إليه فقل
له : إني و الله لا أمحو عنك شيئاً مما قلت بأن أسبك ، و لكن موعدي و موعدك الله ،
فإن كنت صادقاً جزاك الله بصدقك ، و إن كنت كاذباً فالله أشد نقمة .
و أخرج ابن سعد عن زريق بن سوار قال : كان بين الحسن و
بين مروان كلام ، فأقبل عليه مروان ، فجعل يغلظ له ـ و الحسن ساكت ـ فامتخط مروان
بيمينه ، فقال له الحسن : ويحك ! أما علمت أن اليمين للوجه ، و الشمال للفرج ؟ أف
لك ! فسكت مروان .
و أخرج ابن سعد عن أشعث بن سوار عن رجل قال : جلس رجل
إلى الحسن فقال : إنك جلست إلينا على حين قيام منا ، أفتأذن ؟
و أخرج ابن سعد عن علي بن زيد بن جدعان قال : أخرج
الحسن من ماله لله مرتين ، و قاسم الله ماله ثلاث مرات ، حتى إنه كان يعطي نعلاً و
يمسك نعلاً ، و يعطي خفاً و يمسك خفاً .
و أخرج ابن سعد عن علي بن الحسين : قال : كان الحسن
مطلاقاً للنساء ، و كان لا يفارق امرأة إلا و هي تحبه ، و أحصن تسعين امرأة .
و أخرج ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه ، قال : كان
الحسن يتزوج و يطلق ، حتى خشيت أن يورثنا عداوة في القبائل .
و أخرج ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه ، قال : قال
علي : يا أهل الكوفة ، لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق ، فقال رجل من همدان : و
الله انزوجنه ، فما رضي امسك ، و ما كره طلق .
و أخرج ابن سعد عن عبد الله بن حسن ، قال : كان حسن
رجلاً كثير نكاح النساء ، و كن قلما يحظين عنده ، و كان قل امرأة تزوجها إلا أحبته
و صبت إليه .
و أخرج ابن عساكر عن جويرية بن أسماء قال : لما مات
الحسن بكى مروان في جنازته ، فقال له الحسين : أتبكيه و قد كنت تجرعه ما تجرعه ؟
فقال : إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا ، و أشار بيده إلى الجبل .
و أخرج ابن عساكر عن المبرد قال : قيل للحسن بن علي :
إن أبا ذر يقول : الفقر أحب إلي من الغنى ، و السقم أحب إلي من الصحة ، فقال : رحم
الله أبا ذر ، أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله لم يتمن أنه في غير
الحالة التي اختارها الله له ، و هذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء
.
- خلافته ،و تنازله عنها
و لي الحسن رضي الله عنه الخلافة بعد قتل أبيه بمبايعته أهل الكوفة ، فأقام فيها
ستة أشهر و أياماً ، ثم
سار إليه معاوية ـ و الأمر إلى الله ـ فأرسل إليه الحسن يبذل له تسليم الأمر إليه ،
على أن تكون له الخلافة من بعده ، و على أن لا يطالب أحداً من أهل المدينة و الحجاز
و العراق بشيء مما كان أيام أبيه ، و على أن يقضي عنه ديونه ، فأجابه معاوية إلى ما
طلب ، فاصطلحا على ذلك ، فظهرت المعجزة النبوية في قوله صلى الله عليه و سلم :
يصلح الله به بين فئتين من المسلمين و نزل له عن الخلافة
، و قد استدل البلقيني بنزوله عن الخلافة ـ التي هي أعظم المناصب ـ على جواز النزول
عن الوظائف ، و كان نزوله عنها في سنة إحدى و أربعين ، في شهر ربيع الأول ـ و قيل :
الآخر ، و قيل : في جمادى الأولى ـ فكان أصحابه يقولون له : يا عار المؤمنين ،
فيقول : العار خير من النار ، و قال له رجل : السلام عليك يا مذل المؤمنين ، فقال :
لست بمذل المؤمنين ، و لكني كرهت أن أقتلكم على الملك .
ثم ارتحل الحسن عن الكوفة إلى المدينة فأقام بها .
و أخرج الحاكم عن جبير بن نفير قال : قلت للحسن : إن
الناس يقولون : إنك تريد الخلافة ، فقال : قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من
حاربت و يسالمون من سالمت ، فتركتها ابتغاء وجه الله و حقن دماء أمة محمد صلى الله
عليه و سلم ، ثم أبتزها باتياس أهل الحجاز .
توفي الحسن رضي الله عنه بالمدينة مسموماً ، سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس ،
دس إليها يزيد بن معاوية أن تسمه فيتزوجها ، ففعلت ، فلما مات الحسن بعثت إلى يزيد
تسأله الوفاء بما وعدها ، فقال : إنا لم نرضك للحسن أفنرضاك لنفسنا ؟ و كانت وفاته
سنة تسع و أربعين ، و قيل : في خامس ربيع الأول سنة خمسين ، و قيل : سنة إحدى و
خمسين ، و جهد به أخوه أن يخبره بمن سقاه ، فلم يخبره ، و قال : الله أشد نقمة إن
كان الذي أظن ، و إلا فلا يقتل بي و الله بريء .
و أخرج ابن سعد عن عمران بن عبد الله بن طلحة قال :
رأى الحسن كأن بين عينيه مكتوباً قل هو الله أحد فاستبشر
به أهل بيته ، فقصوها على سعيد بن المسيب ، فقال : إن صدقت رؤياه فقل ما بقي من
أجله ، فما بقي إلا أيام حتى مات .
و أخرج البيهقي و ابن عساكر
عن طريق ابن المنذر هشام بن محمد عن أبيه قال : أضاق الحسن بن علي ، و كان
عطاؤه في كل سنة مائة ألف ، فحسبها عنه معاوية في إحدى السنين ، فأضاق إضاقة شديدة
، قال : فدعوت بدواة لكتب إلى معاوية لأذكره نفسي ، ثم أمسكت ، فرأيت رسول الله صلى
الله عليه و سلم في المنام فقال : كيف أنت يا حسن ؟ فقلت : بخير يا أبت ، و شكوت
إليه تأخر المال عني ، فقال : أدعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكره ذلك ؟ فقلت :
نعم يا رسول الله ، فكيف أصنع ؟ فقال : قل : اللهم اقذف في قلبي رجاءك ، و اقطع
رجائي عمن سواك ، حتى لا أرجوا أحداً غيرك ، اللهم و ما ضعفت عنه قوتي ، و قصر عنه
عملي ، و لم تنته إليه رغبتي ، و لم تبلغه مسألتي ، و لم يجر على لساني مما أعطيت
أحداً من الأولين و الآخرين من اليقين فخصني به يارب العالمين . قال : فو الله ما
ألححت به أسبوعاً حتى بعث إلى معاوية بألف ألف و خمسمائة ألف ، فقلت : الحمد لله
الذي لا ينسى من ذكره ، و لا يخيب من دعاه ، فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم في
المنام ، فقال : يا حسن كيف أنت ؟ فقلت : بخير يا رسول الله ، و حدثته بحديثي ،
فقال : يا بني هكذا من رجا الخالق ، و لم يرج المخلوق .
- وفاته
و في الطيوريات عن سليم بن عيسى قارىء أهل الكوفة قال
: لما حضرت الحسن الوفاة جزع ، فقال له الحسين : يا أخي ما هذا الجزع ؟ إنك ترد على
رسول الله صلى الله عليه و سلم و على علي و هما أبواك ، و على خديجة و فاطمة و هما
أماك ، و على القاسم و الطاهر و هما خلاك ، و على حمزة و جعفر و هما عماك ، فقال له
الحسن ، أي أخي إني داخل في أمر من أمر الله تعالى لم أدخل في مثله ، و أرى خلقاً
من خلق الله لم أر مثله قط .
قال ابن عبد البر : و روينا من و جوه أنه لما احتضر
قال لأخيه : يا أخي إن أباك استشرف لهذا الأمر ، فصرفه الله عنه و وليها أبو بكر ،
ثم استشرف لها و صرفت عنه إلى عمر ، ثم لم يشك و قت الشورى أنها لا تعدوه ، فصرفت
عنه إلى عثمان ، فلما قتل عثمان بويع علي ، ثم نوزع حتى جرد السيف فما صفت له ، و
إني و الله ما أرى أن يجمع الله فينا النبوة و الخلافة ، فلا أعرفن ما استخلفك
سفهاء الكوفة فأخرجوك ، و قد كنت طلبت من عائشة رضي الله عنها أن أدفن مع رسول الله
صلى الله عليه و سلم فقالت : نعم ، فإذا مت فاطلب ذلك إليها ، و ما أظن القوم إلا
سيمنعوك ، فإن فعلوا فلا تراجعهم ، فلما مات أتى الحسين إلى أم المؤمنين عائشة رضي
الله عنها فقالت : نعم و كرامة ، فمنعهم مروان ، فلبس الحسين و من معه السلاح حتى
رده أبو هريرة ، ثم دفن بالبقيع إلى جنب أمه رضي الله عنها.
|