- نسبه ، و مولده ، و
لقبه
عثمان بن عفان : بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن
مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، القرشي ، الأموي ، المكي ، ثم المدني ، أبو عمرو ، و
يقال : أبو عبد الله ، و أبو ليلى .
ولد في السنة السادسة من الفيل ، و أسلم قديماً ، و هو ممن دعاه الصديق إلى الإسلام
، و هاجر الهجرتين : الأولى إلى الحبشة ، و الثانية إلى المدينة ، و تزوج رقية بنت
رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل النبوة ، و ماتت عنده في ليالي غزوة بدر ، فتأخر
عن بدر لتمريضها بإذن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ضرب له بسهمه و أجره ، فهو
معدود في البدريين بذلك .
وجاء البشير بنصر المسلمين ببدر يوم دفنوها بالمدينة ، فزوجه رسول الله صلى الله
عليه و سلم بعدها أختها أم كلثوم ، و توفيت عنده سنة تسع من الهجرة .
قال العلماء : و لا عرف أحد تزوج بنتي نبي غيره ، و لذلك سمي ذا النورين ، فهو من
السابقين ا لأولين ، و أول المهاجرين ، و أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، و أحد
الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و عنهم راض ، و أحد الصحابة الذين
جمعوا القرآن بل قال ابن عباد : لم يجمع القرآن من
الخلفاء إلا هو ، و المأمون .
و قال ابن سعد : استخلفه رسول الله صلى الله عليه و
سلم على المدينة في غزوته إلى ذات الرقاع و إلى غطفان .
روي له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة حديث ، و ستة و أربعون حديثا .
روى عنه زيد بن خالد الجهني ، و ابن الزبير ، و السائب بن يزيد ، و أنس بن مالك ، و
زيد بن ثابت ، و سلمة بن الأكوع ، و أبو أمامة الباهلي ، و ابن عباس ، و ابن عمر ،
و عبد الله بن مغفل ، و أبو قتادة ، و أبو هريرة و آخرون من الصحابة رضي الله عنهم
.
و خلائق من التابعين : منهم أبان بن عثمان ، و عبيد الله بن عدي ، و حمران ، و
غيرهم .
أخرج ابن سعد : عن عبد الرحمن بن حاطب قال : ما رأيت
أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا حدث أتم حديثاً ، و لا حسن ،
من عثمان بن عفان ، إلا أنه كان رجلاً يهاب الحديث .
و أخرج عن محمد بن سيرين قال : كان أعلمهم بالمناسك عثمان ، و بعده ابن عمر .
و أخرج البيهقي في سننه ، عن عبد الله بن عمر أبان
الجعفي قال : قال لي خالي حسين الجعفي : تدري لم سمي عثمان ذا النوريين ؟ قلت : لا
، قال : لم يجمع بين بنتي نبي منذ خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة غير عثمان ،
فلذلك سمي ذا النوريين .
و أخرج أبو نعيم عن الحسن قال : إنما سمي عثمان ذا
النورين ، لأنه لا نعلم أحداً أغلق بابه على ابنتي نبي غيره .
و أخرج خيثمة في فضائل الصحابة
، و ابن عساكر عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن
عثمان ؟ فقال : ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النورين ، كان ختن رسول الله صلى
الله عليه و سلم على ابنتيه .
و أخرج الماليني بسند فيه ضعف ، عن سهل بن سعد قال : قيل لعثمان [ذو النورين ] لأنه
ينتقل من منزل إلى منزل في الجنة ، فتبرق له برقتين ، فلذلك قيل له ذلك .
و قال : إنه كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو ، فلما كان الإسلام ولدت له رقية عبد
الله ، فاكتنى به .
و أمه : أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ، و أمها أم حكيم البيضاء بنت
عبد المطلب بن هاشم ، توأمة أبي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأم عثمان بنت عمة
النبي صلى الله عليه و سلم .
قال : ابن إسحاق : و كان أول الناس إسلاماً بعد أبي
بكر ، و علي ، و زيد بن حارثة و أخرج ابن عساكر من طرق
أن عثمان كان رجلاً ربعة : ليس بالقصير ، و لا بالطويل ، حسن الوجه ، أبيض ، مشرباً
حمرة ، بوجهه نكتات جدري ، كثير اللحية ، عظيم الكراديس ، بعيد ما بين المنكبين ،
خدل الساقين ، طويل الذراعين شعره قد كسا ذراعيه ، جعد الرأس ، أحسن الناس ثغراً ،
جمته أسفل من أذنيه ، يخضب بالصفرة ، و كان قد شد أسنانه بالذهب .
و أخرج ابن عساكر عن عبد الله بن حزم المازني قال :
رأيت عثمان بن عفان فما رأيت قط ذكراً و لا انثى أحسن وجهاً منه .
و أخرج عن موسى بن طلحة قال : كان عثمان بن عفان أجمل الناس .
و أخرج ابن عساكر عن أسامة بن زيد
قال :بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى منزل عثمان بصحفة فيها لحم ، فدخلت ،
فإذا رقية رضي الله عنها جالسة فجعلت مرة أنظر إلى وجه رقية و مرة أنظر إلى وجه
عثمان ، فلما رجعت سألني رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال لي :
دخلت عليهما ؟ قلت نعم ، قال : فهل رأيت زوجاً أحسن منهما ؟ قلت لا يا رسول الله
.
و أخرج ابن سعد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ،
قال : لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية ، فأوثقه رباطاً
، و قال : ترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث ؟ و الله لا أدعك أبداً حتى تدع ما أنت
عليه ، فقال عثمان : و الله لا أدعه أبداً ، و لا أفارقه ، فلما رأى الحكم صلابته
في دينه تركه .
و أخرج أبو يعلى عن أنس ، قال : أول من هاجر من
المسلمين إلى الحبشة بأهله عثمان بن عفان ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم صحبهما
الله ! إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط .
و أخرج ابن عدي عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما زوج
النبي صلى الله عليه و سلم ابنته أم كلثوم قال لها : إن بعلك أشبه الناس بجدك
إبراهيم و أبيك محمد .
و أخرج ابن عدي و ابن عساكر
عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم .
- الأحاديث الواردة في
فضله
و أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله
عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم جمع ثيابه حين دخل عثمان قال : ألا أستحي من رجل
تستحي منه الملائكة ؟ .
و أخرج البخاري عن أبي عبد الرحمن
السلمي أن عثمان حين حوصر أشرف عليهم ، فقال : أنشدكم بالله ، و لا أنشد إلا أصحاب
النبي صلى الله عليه و سلم ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
من جهز جيش العسرة فله الجنة ؟ فجهزتهم ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه
و سلم قال : من حفر بئر رومة فله الجنة ، فصدقوه بما قال .
و أخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب قال : شهدت
النبي صلى الله عليه و سلم و هو يحث على جيش العسرة ، فقال عثمان بن عفان : يا رسول
الله علي مائة بعير بأحلاسها و أقتابها في سبيل الله ، ثم حض على الجيش ، فقال
عثمان : يا رسول الله علي مائتا بعير أحلاسها و أقتابها في سبيل الله ، ثم حض على
الجيش ، فقال عثمان : يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها و أقتابها في سبيل
الله ، فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يقول : ما على
عثمان ما عمل بعد هذه شيء .
و أخرج الترمذي عن أنس ، و
الحاكم و صححه ، عن عبد الرحمن بن سمرة قال : جاء
عثمان إلى النبي صلى الله عليه و سلم بألف دينار حين جهز العسرة فنثرها في حجره ،
فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلها و يقول : ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم
، مرتين .
و أخرج الترمذي عن أنس قال : لما أمرنا رسول الله صلى
الله عليه و سلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان رسول رسول الله صلى الله عليه و
سلم إلى أهل مكة ، فبايع الناس ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
إن عثمان بن عفان في حاجة الله و حاجة رسوله ، فضرب بإحدى يديه
على الأخرى ، فكانت يد رسول الله صلى الله عليه و سلم لعثمان خير من أيديهم لأنفسهم
.
و أخرج الترمذي عن ابن عمر قال :
ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم فتنة فقال : يقتل فيها هذا مظلوماً ، لعثمان
.
و أخرج الترمذي ، و الحاكم
و صححه ، و ابن ماجه ، عن
مرة بن كعب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر فتنة يقربها ، فمر رجل
مقنع في ثوب فقال : هذا يومئذ على الهدى ، فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان ،
فأقبلت إليه بوجهي ، فقلت : هذا ؟ قال نعم .
و أخرج الترمذي و الحاكم
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يا
عثمان ، إنه لعل الله يقمصك قميصاً ، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى
تلقاني .
و أخرج الترمذي عن عثمان أنه قال يوم الدار : إن رسول
الله صلى الله عليه و سلم عهد إلي عهداً فأنا صابر عليه .
و أخرج الحاكم عن أبي هريرة قال : اشترى عثمان الجنة
عن النبي صلى الله عليه و سلم مرتين : حيث حفر بئر رومة ، و حيث جهز جيش العسرة .
و أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : عثمان من أشبه أصحابي بي خلقاً
.
و أخرج الطبراني عن عصمة بن مالك
قال : لما ماتت بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت عثمان قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : زوجوا عثمان ، لو كان لي ثالثة لزوجته ، و ما زوجته إلا بالوحي
من الله .
و أخرج ابن عساكر عن علي رضي الله
عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لعثمان : لو أن لي أربعين ابنة زوجتك
واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن واحدة .
و أخرج ابن عساكر عن زيد بن ثابت
قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : مر بي عثمان و عندي ملك من
الملائكة فقال : شهيد يقتله قومه ، إنا نستحي منه .
و أخرج أبو يعلى عن ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الملائكة لتستحي من عثمان كما تستحي من الله و
رسوله .
و أخرج ابن عساكر عن الحسن أنه ذكر عنده حياء عثمان ،
فقال : إن كان ليكون في جوف البيت ـ و الباب عليه مغلق ـ فيضع ثوبه ليفيض عليه
الماء فيمنعه الحياء أن يرفع صلبه .
- خلافته ، و ما حدث في
عهده من الأحداث
بويع بالخلافة بعد دفن عمر بثلاث ليال ، فروي أن الناس كانوا يجتمعون في تلك الأيام
إلى عبد الرحمن بن عوف يشاورونه و يناجونه ، فلا يخلوا به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان
أحداً ، و لما جلس عبد الرحمن للمبايعة حمد الله و أثنى عليه و قال في كلامه : إني
رأيت الناس يأبون إلا عثمان . و أخرجه ابن عساكر عن
المسور بن مخرمة ، و في رواية : أما بعد يا علي فإني نظرت في الناس فلم أرهم يعدلون
بعثمان ، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً ، ثم أخذ بيد عثمان فقال : نبايعك على سنة الله
و سنة رسوله و سنة الخليفتين بعده ، فبايعه عبد الرحمن ، و بايعه المهاجرون و
الأنصار .
و أخرج ابن سعد عن أنس قال : أرسل عمر إلى أبي طلحة
الأنصاري قبل أن يموت بساعة ، فقال : كن في خمسين من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب
الشورى ، فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت ، فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك
أحداً يدخل عليهم ، و لا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم .
و في مسند أحمد عن أبي وائل قال : قلت لعبد الرحمن بن
عوف : كيف بايعتم عثمان و تركتم علياً ؟ قال : ما ذنبي ؟ قد بدأت بعلي فقلت :
أبايعك على كتاب الله و سنة رسوله و سيرة أبي بكر و عمر ؟ فقال : فيما استطعت ، ثم
عرضت ذلك على عثمان فقال : نعم .
و يروى أن عبد الرحمن قال لعثمان في خلوة : إن لم أبايعك فمن تشير علي ؟ قال : علي
، و قال لعلي : إن لم أبايعك فمن تشير علي ؟ قال : علي أو عثمان ، ثم دعا سعداً
فقال : من تشير علي ؟ فأما أنا و أنت فلا نريدها ، فقال : عثمان ، ثم استشار عبد
الرحمن الأعيان فرأى هوى أكثرهم في عثمان .
و أخرج ابن سعد و الحاكم
عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال لما بويع عثمان : أمرنا خير من بقي و لم نأل .
و في هذه السنة من خلافته فتحت الري ، و كانت فتحت و انتقضت ، و فيها أصاب الناس
رعاف كثير ، فقيل لها : سنة الرعاف ، و أصاب عثمان رعاف حتى تخلف عن الحج و أوصى ،
و فيها فتح من الروم حصون كثيرة ، و فيها ولى عثمان الكوفة سعد بن أبي وقاص و عزل
المغيرة .
و في سنة خمس و عشرين عزل عثمان سعداً عن الكوفة ، و ولى الوليد بن عقبة بن أبي
معيط ـ و هو صحابي أخو عثمان لأمه ـ و ذلك أول ما نقم عليه ، لأنه آثر أقاربه
بالولايات ، و حكي أن الوليد صلى بهم الصبح أربعاً و هو سكران ، ثم التفت إليهم
فقال : أزيدكم ؟ .
و في سنة ست و عشرين زاد عثمان في المسجد الحرام و وسعه و اشترى أماكن للزيادة ، و
فيها فتحت سابور .
و في سنة سبع و عشرين غزا معاوية قبرس ، فركب البحر بالجيوش ، و كان معهم عبادة بن
الصامت و زوجته أم حرام بنت ملحان الأنصارية ، فسقطت عن دابتها ، فماتت شهيدة هناك
ـ و كان النبي صلى الله عليه و سلم أخبرها بهذا الجيش ، و دعا لها بأن تكون منهم ـ
فدفنت بقبرس ، و فيها فتحت أرجان ، و درا بجرد ، و فيها عزل عثمان عمرو بن العاص عن
مصر و ولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فغزا أفريقية فافتتحها سهلاً و جبلاً
، فأصاب كل إنسان من الجيش ألف دينار ، و قيل : ثلاثة آلاف دينار ، ثم فتحت الأندلس
في هذا العام .
- لطيفة
كان معاوية يلح على عمر بن الخطاب في غزوة قبرس ، و ركوب البحر لها ، فكتب عمر إلى
عمرو بن العاص أن صف لي البحر و راكبه ، فكتب إليه : إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه
خلق صغير ، إن ركد خرق القلوب ، و إن تحرك أراع العقول ، تزداد فيه العقول قلة و
السيئات كثرة ، و هم فيه كدود على عود ، إن مال غرق ، و إن نجا فرق ، فلما قرأ عمر
الكتاب كتب إلى معاوية : و الله لا أحمل فيه مسلماً أبداً ، قال
ابن جرير : فغزا معاوية قبرس في أيام عثمان فصالحه
أهلها على الجزية .
و في سنة تسع و عشرين فتحت إصطخر عنوة ، و فسا ، و غير ذلك ، و فيها زاد عثمان في
مسجد المدينة و وسعه ، و بناه بالحجارة المنقوشة ، و جعل عمده من حجارة ، و سقفه
بالساج ، و جعل طوله ستين و مائة ذراع ، و عرضه خمسين و مائة ذراع .
و في سنة ثلاثين فتحت جور و بلاد كثيرة من أرض خراسان ، و فتحت نيسابور صلحاً ، و
قيل : عنوة ، و طوس و سرخس كلاهما صلحاً ، و كذا مرو ، و بيهق ، و لما فتحت هذه
البلاد الواسعة كثر الخراج على عثمان ، و أتاه المال من كل وجه ، حتى اتخذ له
الخزائن و أدر الأرزاق ، و كان يأمر للرجل بمائة ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف
أوقية .
و في سنة إحدى و ثلاثين توفي أبو سفيان بن حرب والد معاوية ، و فيها مات الحكم بن
أبي العاص عم عثمان رضي الله عنه .
و في سنت اثنتين و ثلاثين توفي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه و
سلم و صلى عليه عثمان ، و فيها توفي عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة من السابقين
الأولين ، تصدق مرة بأربعين ألفاً و بقافلة جاءت من الشام كما هي ، و فيها مات عبد
الله بن مسعود الهذلي أحد القراء الأربعة ، و من أهل السوابق في الإسلام ، و من
علماء الصحابة المشهورين بسعة العلم ، و فيها مات أبو الدرداء الخزرجي الزاهد
الحكيم ، ولي قضاء دمشق لمعاوية ، و فيها توفي أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري صادق
اللهجة ، و فيها مات زيد بن عبد ربه الأنصاري الذي أري ا لأذان .
و في سنة ثلاث و ثلاثين توفي المقداد بن الأسود في أرضه بالجرف و حمل إلى المدينة ،
و فيها غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح الحبشة . و في سنة أربع و ثلاثين أخرج أهل
الكوفة سعيد بن أبي العاص و رضوا بأبي موسى الأشعري .
و في سنة خمس و ثلاثين كان مقتل عثمان .
قال الزهري : ولي عثمان الخلافة اثنتي عشرة سنة يعمل
ست سنين لا ينقم الناس عليه شيئاً ، و إنه لأحب إلى قريش من عمر بن الخطاب ، لأن
عمر كان شديداً عليهم ، فلما وليهم عثمان لان لهم و وصلهم ، ثم توانى في أمرهم و
استعمل أقرباءه و أهل بيته في الست الأواخر ، و كتب لمروان بخمس إفريقية ، و أعطى
أقرباءه و أهل بيته المال ، و تأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها ، و قال : إن
أبا بكر و عمر تركا من ذلك ما هو لهما ، و إني أخذته فقسمته في أقربائي ، فأنكر
الناس عليه ذلك ، أخرجه ابن سعد .
و أخرج ابن عساكر من وجه آخر عن الزهري قال : قلت
لسعيد بن المسيب : هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان ؟ و ما كان شأن الناس و شأنه ؟ و
لم خذله أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ؟ فقال ابن المسيب : قتل عثمان مظلوماً ، و
من قتله كان ظالماً ، و من خذله كان معذوراً ، فقلت : كيف كان ذلك ؟ قال : إن عثمان
لما ولي كره ولايته نفر من الصحابة ، لأن عثمان كان يحب قومه ، فولي الناس اثنتي
عشرة سنة ، و كان كثيراً ما يولي بني أمية ممن لم يكن له مع رسول الله صلى الله
عليه و سلم صحبه ، فكان يجيء من أمرائه ما ينكره أصحابه محمد ، و كان عثمان يستعتب
فيهم فلا يعزلهم ، و ذلك في سنة خمس و ثلاثين ، فلما كان في الست الأواخر استأثر
بني عمه فولاهم و ما أشرك معهم ، و أمرهم بتقوى الله ، فولى عبد الله بن أبي سرح
مصر فمكث عليها سنين ، فجاء أهل مصر يشكونه و يتظلمون منه ، و قد كان قبل ذلك من
عثمان هنات إلى عبد الله بن مسعود ، و أبي ذر ، و عمار بن ياسر ، فكانت بنو هذيل و
بنو زهرة في قلوبهم ما فيها لحال ابن مسعود ، و كانت بنو غفار و أحلافها و من غضب
لأبي ذر في قلوبهم ما فيها ، و كانت بنو مخزوم قد حنقت على عثمان لحال عمار بن ياسر
، و جاء أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح ، فكتب إليه كتاباً يتهدد فيه ، فأبى ابن أبي
سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان ، و ضرب بعض ، و ضرب بعض من أتاه من قبل عثمان من
أهل مصر ممن كان أتى عثمان فقتله ، فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل ، فنزلوا المسجد و
شكوا إلى الصحابة في مواقيت الصلاة ما صنع ابن أبي سرح بهم ، فقام طلحة بن عبيد
الله فكلم عثمان بكلام شديد ، و أرسلت عائشة رضي الله عنها إليه فقالت : تقدم إليك
أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم و سألوك عزل هذا الرجل فأبيت ؟ فهذا قد قتل منهم
رجلاً فأنصفهم من عاملك ، و دخل عليه علي بن أبي طالب فقال : إنما يسألونك رجلاً
مكان رجل ، و قد ادعوا قبله دماً ، فاعزله عنهم و اقض بينهم ، فإن وجب عليه حق
فأنصفهم منه ، فقال لهم : اختاروا رجلاً أوليه عليكم مكانه ، فأشار الناس عليه
بمحمد بن أبي بكر ، فقالوا : استعمل علينا محمد بن أبي بكر ، فكتب عهده و ولاه و
خرج معهم عدد من المهاجرين و الأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر و ابن أبي سرح ، فخرج
محمد و من معه ، فلما كان على مسيرة ثلاثة أيام من المدينة إذا هم بغلام أسود على
بعير يخبط البعير خبطاً يطلب أو يطلب ، فقال له أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم :
ما قصتك و ما شأنك ؟ كأنك هارب أو طالب ، فقال لهم : أنا غلام أمير المؤمنين ،
وجهني إلى عامل مصر ، فقال له رجل : هذا عامل مصر ، قال : ليس هذا ما أريد ، و أخبر
بأمره محمد بن أبي بكر ، فبعث في طلبه رجلاً ، فأخذه ، فجاء به إليه ، فقال : غلام
من أنت ؟ فأقبل مرة يقول : أنا غلام أمير المؤمنين ، و مرة يقول : أنا غلام مروان ،
حتى عرفه رجل أنه لعثمان ، فقال له محمد : إلى من أرسلت ؟ قال : إلى عامل مصر ، قال
: بماذا ؟ قال : برسالة ، قال : معك كتاب ؟ قال : لا ، ففتشوه فلم يجدوا معه كتاباً
، و كانت معه إداوة قد يبست فيها شيء يتقلقل فحركوه ليخرج ، فلم يخرج ، فشقوا
الإداوة فإذا بها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح ، فجمع محمد من كان عنده من
المهاجرين و الأنصار و غيرهم ، ثم فك الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه : إذا أتاك محمد و
فلان و فلان فاحتل في قتلهم ، و أبطل كتابه ، و قر على عملك حتى يأتيك رأيي ، و
احبس من يجيء إلي يتظلم منك ليأتيك رأيي في ذلك إن شاء الله تعالى ، فلما قرأوا
الكتاب فزعوا و أزمعوا فرجعوا إلى المدينة ، و ختم محمد الكتاب بخواتيم نفر كانوا
معه ، و دفع الكتاب إلى رجل منهم ، و قدموا المدينة ، فجمعوا طلحة ، و الزبير ، و
علياً و سعداً ، و من كان من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ، ثم فضوا الكتاب
بمحضر منهم و أخبروهم بقصة الغلام و أقرؤوهم الكتاب ، فلم يبق أحد من أهل المدينة
إلا حنق على عثمان و زاد ذلك من كان غضب لابن مسعود و أبي ذر و عمار بن ياسر حنقاً
و غيظاً ، و قام أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فلحقوا بمنازلهم ، ما منهم أحد إلا
و هو مغتم لما قرؤوا الكتاب ، و حاصر الناس عثمان سنة خمس و ثلاثين ، و أجلب عليه
محمد بن أبي بكر ببني تيم و غيرهم ، فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة و الزبير و سعد
، و عمار و نفر من الصحابة كلهم بدري ، ثم دخل على عثمان و معه الكتاب ، و الغلام ،
و البعير ، فقال له علي : هذا الغلام غلامك ؟ قال : نعم ، قال : و البعير بعيرك ؟
قال : نعم ، قال : فأنت كتبت هذا الكتاب ؟ قال : لا ، و حلف بالله ما كتبت هذا
الكتاب ، و لا أمرت به ، و لا علم لي به ، قال له علي : فالخاتم خاتمك ؟ قال : نعم
، قال : فكيف يخرج غلامك ببعيرك و بكتاب عليه خاتمك لا تعلم به ؟ فحلف بالله ما
كتبت هذا الكتاب ، و لا أمرت به ، و لا وجهت هذا الغلام إلى مصر قط ، و أما الخط
فعرفوا أنه خط مروان ، و شكوا في أمر عثمان و سألوه أن يدفع إليهم مروان ، فأبى ، و
كان مروان عنده في الدار ، فخرج أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم من عنده غضاباً ، و
شكوا في أمره ، و علموا أن عثمان لا يحلف بباطل ، ، إلا أن قوماً قالوا : لن يبرأ
عثمان من قلوبنا إلا أن يدفع إلينا مروان حتى نبحثه ، و نعرف حال الكتاب ، و كيف
يأمر بقتل رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم بغير حق ؟ فإن يكن عثمان كتبه
عزلناه و إن يكن مروان كتبه على لسان عثمان نظرنا ما يكون منا في أمر مروان ، و
لزموا بيوتهم ، و أبى عثمان أن يخرج إليهم مروان ، و خشي عليه القتل ، و حاصر الناس
عثمان ، و منعوه الماء ، فأشرف على الناس فقال : أفيكم علي ؟ فقالوا : لا ، قال :
أفيكم سعد ؟ قالوا : لا ، فسكت ثم قال : ألا أحد يبلغ علياً فيسقينا ماء ؟ فبلغ ذلك
علياً ، فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء ، فما كادت تصل إليه ، و جرح بسببها عدة من
موالي بني هاشم و بني أمية حتى وصل الماء إليه ، فبلغ علياً أن عثمان يراد قتله ،
فقال : إنما أردنا منه مروان ، فأما قتل عثمان فلا ، و قال للحسن و الحسين : اذهبا
بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحداً يصل إليه ، و بعث الزبير ابنه ، و
بعث طلحة ابنه ، و بعث عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أبناءهم يمنعون
الناس أن يدخلوا على عثمان ، و يسألونه إخراج مروان ، فلما رأى ذلك الناس رموا باب
عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بن علي بالدماء على بابه ، و أصاب مروان سهم و هو في
الدار ، و خضب محمد بن طلحة ، و شج قنبر مولى علي ، فخشي محمد بن أبي بكر أن يغضب
بنو هاشم لحال الحسن و الحسين فيثيروها فتنة ، فأخذ بيد الرجلين فقال لهما : إن
جاءت بنو هاشم فرأوا الدماء على وجه الحسن كشف الناس عن عثمان و بطل ما نريد ، و
لكن اذهبوا بنا حتى نتسور عليه الدار فنقتله من غير أن يعلم به أحد ، فتسور محمد و
صاحباه من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا على عثمان و لا يعلم أحد ممن كان معه ، لأن
كل من كان معه كانوا فوق البيوت ، و لم يكن معه إلا امرأته ، فقال لهما محمد :
مكانكما ، فإن معه امرأته حتى أبدأكما بالدخول ، فإذا أنا ضبطته فادخلا فتوجآه حتى
تقتلاه ، فدخل محمد فأخذ بلحيته ، فقال له عثمان : و الله لو رآك أبوك لساءه مكانك
مني ، فتراخت يده ، و دخل يده الرجلان عليه فتوجآه حتى قتلاه ، و خرجوا هاربين من
حيث دخلوا ، ، و صرخت امرأته فلم يسمع صراخها لما كان في الدار من الجلبة ، و صعدت
امرأته إلى الناس فقالت : إن أمير المؤمنين قد قتل ، فدخل الناس فوجدوه مذبوحاً ، و
بلغ الخبر علياً ، و طلحة ، و الزبير ، و سعداً ، و من كان بالمدينة فخرجوا ـ و قد
ذهبت عقولهم للخبر الذي أتاهم ـ حتى دخلوا على عثمان ، فوجدوه مقتولا ، فاسترجعوا ،
و قال علي لابنيه : كيف قتل أمير المؤمنين و أنتما على الباب ؟ و رفع يده فلطم
الحسن و ضرب صدر الحسين و شتم محمد بن طلحة ، و عبد الله بن الزبير ، و خرج ـ و هو
غضبان ـ حتى أتى منزله و جاء الناس يهرعون إليه ، فقالوا له : نبايعك فمد يدك فلا
بد من أمير ، فقال علي : ليس ذلك إليكم إنما ذلك إلى أهل بدر ، فمن رضي به أهل بدر
فهو خليفة ، فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى علياً ، فقالوا له : ما ترى أحداً أحق
بها منك ؟ مد يدك نبايعك ، فبايعوه ، و هرب مروان و ولده ، و جاء علي إلى امرأة
عثمان فقال لها : من قتل عثمان ؟ قالت : لا أدري ، دخل عليه رجلان لا أعرفهما و
معهما محمد بن أبي بكر ، و أخبرت علياً و الناس بما صنع محمد ، فدعا على محمداً
فسأله عما ذكرت امرأة عثمان ؟ فقال محمد : لم تكذب ، قد و الله دخلت عليه و أن قتله
فذكرني أبي فقمت عنه و أنا تائب إلى الله تعالى ، و الله ما قتلته و لا أمسكته
ابن سعد فقال امرأته : صدق و لكنه أدخلهما .
و أخرج ابن عساكر عن كنانة مولى صفية و غيره قالوا :
قتل عثمان رجل من أهل مصر أزرق أشقر ، يقال له : حمار .
و أخرج أحمد عن المغيرة بن شعبة أنه دخل على عثمان ـ و
هو محصور ـ فقال : إنك إمام العامة ، و قد نزل بك ما نرى أعرض عليك خصالاً ثلاثا:
إحداهن : إما أن تخرج فتقاتلهم فإن معك عدداً و قوة ، و أنت على الحق و هم على
الباطل ، و إما لك بابلاً سوى الباب الذي هم عليه ، فقعد على راحلتك ، فتلحق بمكة ،
فإنهم لن يستحلوك و أنت بها ، و إما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام و فيهم معاوية
، فقال عثمان : أما أن أخرج فأقاتل فلن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه و
سلم يقول يلحد رجل من قريش بمكة عليه نصف عذاب العالم
فلن أكون أنا ، و أما ألحق بالشام فلن أفارق دار هجرتي و مجاورة رسول الله صلى الله
عليه و سلم .
و أخرج ابن عساكر عن أبي ثور الفهمي قال : دخلت على
عثمان ـ و هو محصور ـ فقال : لقد اختبأت عند ربي عشراً ، إني لرابع أربعة في
الإسلام ، و أنكحني رسول الله صلى الله عليه و سلم ابنته ، ثم توفيت فأنكحني ابنته
الأخرى ، و ما تغنيت ، و لا تمنيت ، و لا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها رسول
الله صلى الله عليه و سلم ، و ما مرت بي جمعة منذ أسلمت إلا و أنا أعتق فيها رقبة
إلا أن لا يكون عندي شيء فأعتقها بعد ذلك ، و لا زينت في جاهلية و لا إسلام قط ، و
لا سرقت في جاهلية و لا إسلام قط ، و لقد جمعت القرآن على رسول الله صلى الله عليه
و سلم . و كان قتل عثمان في أوسط أيام التشريق من سنة خمس و ثلاثين ، و قيل : قتل
يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة ، و دفن ليلة السبت ، بين المغرب و العشاء
في حش كوكب بالبقيع ، و هو أول من دفن به ، و قيل : كان قتله يوم الأربعاء ، و قيل
: يوم الاثنين لست بقين من ذي الحجة ، و كان له يوم قتل اثنتان و ثمانون سنة ، و
قيل : إحدى و ثمانون سنة ، و قيل : أربع و ثمانون ، و قيل : ست و ثمانون سنة ، و
قيل : ثمان أو تسع و ثمانون ، و قيل : تسعون ، قال قتادة
: صلى عليه الزبير و دفنه و كان أوصى بذلك إليه .
و أخرج ابن عدي و ابن عساكر
من حديث أنس مرفوعاً [ إن لله سيفاً مغموداً في غمده ما دام عثمان حياً ،
فإذا قتل عثمان جرد ذلك السيف فلم يغمد إلى يوم القيامة ] تفرد به عمرو بن فائد ، و
له مناكير .
و أخرج ابن عساكر عن يزيد بن أبي حبيب قال : بلغني أن
عامة الركب الذين ساروا إلى عثمان عامتهم جنوا .
و أخرج عن حذيفة قال : أول الفتن قتل عثمان ، و آخر الفتن خروج الدجال ، و الذي
نفسي بيده لا يموت رجل و في قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان إلا تبع الدجال إن
أدركه ، و إن لم يدركه آمن به في قبره .
و أخرج عن ابن عباس قال : لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء .
و أخرج عن الحسن قال : قتل عثمان و علي غائب في أرض له ، فلما بلغه قال : اللهم إني
لم أرض و لم أمالئ .
و أخرج الحاكم و صححه عن قيس بن عباد قال : سمعت علياً
يوم الجمل يقول : اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ، و لقد طاش عقلي يوم قتل عثمان
و أنكرت نفسي و جاؤوني للبيعة فقلت : و الله إني أبايع قوماً قتلوا عثمان و إني
لأستحي من الله أن أبايع و عثمان لم يدفن بعد ، فانصرفوا ، فلما رجع الناس فسألوني
البيعة ؟ قلت : اللهم إني مشفق مما أقدم عليه ، ثم جاءت عزيمة فبايعت ، فقالوا : يا
أمير المؤمنين ، فكأنما صدع قلبي ، و قلت : اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى .
و أخرج ابن عساكر عن أبي خلدة الحنفي قال : سمعت علياً
يقول : إن بني أمية يزعمون أني قتلت عثمان ، و لا و الله الذي لا إله إلا هو ما
قتلت و لا مالأت ، و لقد نهيت فعصوني .
و أخرج عن سمرة قال : إن الإسلام كان في حصن حصين ، و إنهم ثلموا في الإسلام ثلمة
بقتلهم عثمان لا تسد إلى يوم القيامة ، و إن أهل المدينة كانت فيهم الخلافة
فأخرجوها و لم تعد فيهم .
و أخرج عن محمد بن سيرين قال : لم تفقد الخيل البلق في المغازي و الجيوش حتى قتل
عثمان ، و لم يختلف في الأهلة حتى قتل عثمان ، و لم تر هذه الحمرة التي في آفاق
السماء حتى قتل الحسين .
و أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن حميد بن هلال قال : كان
عبد الله بن سلام يدخل على محاصري عثمان فيقول : لا تقتلوه ، فو الله لا يقتله رجل
منكم إلا لقي الله أجذم لا يد له ، و إن سيف الله لم يزل مغموداً ، و إنكم و الله
إن قتلتموه ليسلنه الله ، ثم لا يغمده عنكم أبداً ، و ما قتل نبي قط إلا قتل به
سبعون ألفاً ، و لا خليفة إلا قتل به خمسة و ثلاثون ألفاً قبل أن يجتمعوا .
و أخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن مهدي قال : خصلتان
لعثمان ليستا لأبي بكر و لا لعمر رضي الله عنهما : صبره على نفسه حتى قتل ، و جمعه
الناس على المصحف .
و أخرج الحاكم عن الشعبي قال : ما سمعت من مراثي عثمان
أحسن من قول كعب ابن مالك حيث قال :
فكف يديه ثم أغلق بابه و أيقن أن الله ليس بغافل
و قال لأهل الدار : لا تقتلوهم عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل
فكيف رأيت الله صب عليهم ال عداوة و البغضاء بعد التواصل ؟
و كيف رأيت الخير أدبر بعده عن الناس إدبار الرياح الجوافل ؟
أخرج ابن سعد عن موسى بن طلحة قال : رأيت عثمان يخرج
يوم الجمعة و عليه ثوبان أصفران فيجلس على المنبر فيؤذن المؤذن و هو يتحدث يسأل
الناس عن أسعارهم و عن مرضاهم ؟
و أخرج عن عبد الله الرومي قال : كان عثمان يلي و ضوء الليل بنفسه ، فقيل له : لو
أمرت بعض الخدم فكفوك ، قال : لا الليل لهم يستريحون فيه .
و أخرج ابن عساكر عن عمرو بن عثمان بن عفان قال : كان
نقش خاتم عثمان [ آمنت بالذي خلق فسوى ] .
و أخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عمر أن جهجاه
الغفاري قام إلى عثمان و هو على المنبر يخطب ، فأخذ العصا من يده فكسرها على ركبته
، فما حال الحول على جهجاه ، حتى أرسل الله في رجله الأكلة ، فمات منها .
- أولياته
قال العسكري في الأوائل : هو أول من أقطع القطائع ، و
أول من حمى الحمى ، و أول من خفض صوته بالتكبير ، و أول من خلق المسجد ، ، و أول من
أمر بالأذان الأول في الجمعة ، و أول من رزق المؤذنين ، و أول من أرتج عليه في
الخطبة فقال : أيها الناس ، إن أول مركب صعب ، و إن بعد اليوم أياماً ، و إن أعش
تأتكم الخطبة على وجهها ، و ما كنا خطباء و سيعلمنا الله . أخرجه
ابن سعد ، و أول من قدم الخطبة في العيد على الصلاة ،
و أول من فوض إلى الناس إخراج زكاتهم ، وأول من ولي الخلافة في حياة أمه ، و أول من
اتخذ صاحب شرطة ، و أول من اتخذ المقصورة في المسجد خوفاً أن يصيبه ما أصاب عمر ،
هذا ما ذكره العسكري قال : و أول ما وقع الاختلاف بين
الأمة فخطأ بعضهم بعضاً في زمانه في أشياء نقموها عليه ، و كانوا قبل ذلك يختلفون
في الفقه ، و لا يخطئ بعضهم بعضاً .
قلت : بقي من أوائله أنه أول من هاجر إلى الله بأهله من هذه الأمة كما تقدم ، و أول
من جمع الناس على حرف واحدة في القراءة .
و أخرج ابن عساكر عن حكيم بن عباد بن حنيف قال : أول
منكر ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا و انتهى سمن الناس ، طيران الحمام ، و الرمي على
الجلاهقات فاستعمل عليها عثمان رجلاً من بني ليث سنة ثمان من خلافته فقصها و كسر
الجلاهقات .
- الذين ماتوا في عهده من
الأعلام
مات في أيام عثمان من الأعلام : سراقة بن مالك بن جعشم ، و جبار بن صخر ، و حاطب بن
أبي بلتعة ، و عياض بن زهير ، و أبو أسيد الساعدي ، و أوس بن الصامت ، و الحارث بن
نوفل ، و عبد الله بن حذافة و زيد ابن خارجة الذي تكلم بعد الموت ، و لبيد الشاعر ،
و المسيب والد سعيد ، و معاذ بن عمرو بن الجموح ، و معبد بن العباس ، و معيقب ابن
أبي فاطمة الدوسي ، و أبو لبابة بن عبد المنذر ، و نعيم بن مسعود الأشجعي ، و آخرون
من الصحابة .
و من غير الصحابة : الحطيئة الشاعر ، و أبو ذؤيب الشاعر الهذلي .
|