البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

 الأول والأخر و...
 الغني و ...
 الرب و ..
 الوكيل و ...
 القابض والباسط و ..
 المولى و ....

 
 

المكتبـــة العـــامـــه

أسـماء الله الحســنى

 

 القَابضُ ، البَاسِطُ ، المُعطي 

قال الله تعالى : { واللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } . سورة البقرة الآية 245 .
وقال (صلى الله عليه وسلم ) " إن الله هو المُسَعرُ ، القابضُ ، البَاسِطُ ، الرازقُ ، .." وقال (صلى الله عليه وسلم ) " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين واللهُ المُعطي وأنا القاسم .. " .
وقال (صلى الله عليه وسلم ) " إن الله عز وجل لاينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفَعُهُ يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل " . 
وقال تعالى : { قُلِ اللهُم مَالِكُ المُلْكِ تُؤْتِى المُلْكَ مَنْ تَشَآءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ ممن تَشَآءُ وتُعِز مَن تشآءُ وَتُذِل من تشاءُ بِيَدِكَ الخَيرُ إِنكَ عَلَى كُل شَىءٍ قَدِيرٌ } سورة آل عمران الآية 26 .
وقال (صلى الله عليه وسلم ) إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويَضعُ به أقواماً آخرين " وقد كان (صلى الله عليه وسلم ) يقول بعد السلام من الصلاة حينما ينصرف إلى الناس " لاإله إلا الله وحده لاشريك له . له الملك وله الحمدُ وهو على كل شىءٍ قدير . اللهم لامانع لما أعطيت ولما مُعطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " . 
هذه الصفات الكريمة من الأسماء المتقابلات التي لاينبغي أن يُثنى على الله بها إلا كل واحد منها مع الآخر ، لأن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين ، فهو القابض للأرزاق والأرواح والنفوس ، والباسط للأرزاق والرحمة والقلوب . وهو الرافع لأقوام قائمن بالعلم والإيمان ، الخافض لأعدائه . وهو المعز لأهل طاعته ، وهذا عز حقيقي ، فإن المطيع لله عزيز وإنْ كان فقيراً ليس له أعوان ، المذل لأهل معصيته وأعدائه ذلاً في الدنيا والآخرة . فالعاصي وإن ظهر بمظاهر العز فقلبه حشوه الذل وإن لم يشعر به لانغماسه في الشهوات فإن العز كل العز بطاعة الله والذل بمعصيته { وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكرِمٍ} سورة الحج الآية 18 . { مَن كَانَ يُريدُ العِزةَ فَلِلهِ العِزة جَميعَاً } سورة فاطر الآية 10 .
{وَلِلهِ العِزةُ وَلِرَسُولِه وَلِلمُؤمِنِينَ }  سورة المنافقون الآية 8 . وهو تعالى المانع المعطي فلا معطي لما منع ، ولا مانع لما أعطى . وهذه الأمور كلها تبع لعدله وحكمته وحمده ، فإن له الحكمة في  خفض من يخفضه ويذله ويحرمه ، ولا حجة لأحد على الله ، كما له الفضل المحض على من رفعه وأعطاه وبسط له الخيرات ، فعلى العبد أن يعترف بحكمة الله ، كما عليه أن يعترف بفضله ويشكره بلسانه وجنانه وأركانه . وكما انه هو المنفرد بهذه الأمور وكلها جارية تحت أقداره ، فإن الله جعل لرفعه وعطاءه وإكرامه أسباباً ، ولضد ذلك أسباباً من قام بها ترتبت عليه مسبباتها ، وكل ميسر لما خلق له ، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ، وهذا يُوجب للعبد القيام بتوحيد الله ، والإعتماد على ربه في حصول مايحب ، ويجتهد في فعل الأسباب النافعة فإنها محل حكمة الله . 

 المُقدمُ ، والمُؤخرُ 

كان من آخر مايقول النبي (صلى الله عليه وسلم ) بين التشهد والتسليم " اللهم اغفر لي ماقدمت ، وما أخرتُ ، وما أسررتُ ، وما أعلنتُ ، وما أسرفتُ ، وما أنت أعلمُ به مني . أنتَ المقدمُ ، وأنت المؤخرُ . لاإله إلا أنت " .
المقدمُ والمؤخر هما كما تقدم من الأسماء المزدوجة المتقابلة التي لايطلق واحد بمفرده على الله إلا مقروناً بالآخر ، فإن الكمال من اجتماعهما ، فهو تعالى المقدم لمن شاء والمؤخر لمن شاء بحكمته . 
وهذا التقديم يكون كونيا كتقديم بعض المخلوقات على بعض وتأخير بعضها على بعض ، وكتقديم الأسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها . وأنواع التقديم والتأخير في الخلق والتقدير بحر لاساحل له . ويكون شرعياً كما فضل الأنبياء على الخلق وفضل بعضهم على بعض ، وفضل بعض عباده على بعض ، وقدمهم في العلم ، والإيمان والعمل ، والأخلاق ، وسائر الأوصاف ، وأخر من أخر منهم بشيء من ذلك وكل هذا تبع لحكمته . وهذان الوصفان وما أشبههما من الصفات الذاتية لكونهما قائمين بالله والله متصف بهما ، ومن صفات الأفعال لأن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها ، وأفعالها ، ومعانيها ، وأوصافها ، وهي ناشئة عن إرادة الله وقدرته ، فهذا  هو التقسيم الصحيح لصفات الباري ، وإن صفات الذات متعلقة بالذات ، وصفات أفعاله متصفة بها الذات ومتعلقة بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال . 
قال الله عز وجل { وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُر فَلا كَاشِفَ لَهُّ إِلا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُل شَىْءٍ قَدِيرٌ } . سورة الأنعام الآية 17 . وقال الله تعالى { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِنَ اللهِ شَيْئَاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَراً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعَاً بَلْ كَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } . سورة الفتح الآية 11 .
وصفة الضر والنفع هما كما تقدم من الأسماء المزدوجة المتقابلة . فالله تعالى النافع لمن شاء من عباده بالمنافع الدينية والدنيوية ، الضار لمن فعل الأسباب التي توجب ذلك ، وكل هذا تبع لحكمته وسننه الكونية وللأسباب التي جعلها موصلة إلى مسبباتها ، فإن الله تعالى جعل مقاصد للخلق وأموراً محبوبة في الدين والدنيا ، وجعل لها أسباباً وطرقاً ، وأمر بسلوكها ويسرها لعباده غاية التيسير ، فمن سلكها أوصلته إلى المقصود النافع ، ومن تركها أو ترك بعضها أو فوت كمالها أو أتاها على وجه ناقص ففاته الكمال المطلوب فلا يلومن إلا نفسه ، وليس له حجة على الله ، فإن الله أعطاه السسمع ، والبصر ، والفؤاد ، والقوة ، والقدرة ، وهداه النجدين ، وبين له الأسباب ، والمسببات ، ولم يمنعه طريقاً يوصل إلى خير ديني ولا دنيوي ، فتخلفه عن هذه الأمور يوجب ان يكون هو الملوم عليها الذموم على تركها 
واعلم أن صفات الأفعال كلها متعلقة وصادرة عن هذه الصفات الثلاث : القدرة الكاملة ، والمشيئة النافذة ، والحكمة الشاملة التامة ، وهي كلها قائمة بالله ، والله متصف بها ، وآثارها ومقتضياتها جميع مايصدر عنها في الكون كله من التقديم والتأخير ، والنفع والضر ، والعطاء والحرمان ، والخفض ، والرفع ، لافرق بين محسوسها ومعقولها ، ولا بين دينيها ودنيويها . فهذا معنى كونها أوصاف أفعال لا كما ظنه أهل الكلام الباطل . 

 المُبِينُ 

المُبِينُ : اسم الفاعل من أبان يُبينُ فهو مبين إذا أظهر وبين إما قولاً ، وإما فعلاً .
والبينة هي الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة والبيان هو الكشف عن الشيء .. وسمي بياناً لكشفه عن المقصود واظهاره نحو { هذا بيانٌ للناس }
فالله عز وجل هو المُبين لعباده سبيل الرشاد والموضح لهم الأعمال التي يستحقون الثواب على فعلها والأعمال التي يستحقون العقاب عليها ، وبين لهم مايأتون ، ومايذرون يقال : أبان الرجلُ في كلامه ومنطقه فهو مُبين والبيان : الكلام ويقال : "بان الكلامُ ومنطقه فهو مُبينٌ والبيان : الكلام ويقال : "بان الكلامُ وأبان بمعنىً واحد فهو : مُبينٌ ومُبينٌ ، وقد سمى الله نفسه بالمبين  { يومئذٍ يوفيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحق وَيَعْلَمُونَ أن اللهَ هُوَ الحق المبينُ } .سورة النور الآية 25 .
وهو سبحانه الذي بين لعباده طرق الهداية وحذرهم وبين لهم طرق الضلال وأرسل إليهم الرسل وأنزل الكتب ليبين لهم قال الله عز وجل : { إِن الذينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنْزَلْنَا مِنَ البينَاتِ وَالهُدَى مِن بَعْدِمَا بَينَاهُ للناسِ في الكِتَابِ أًولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ } سورة البقرة الآية 159 .
وهذا وعيد شديد لمن كتم ماجاءت به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة والهدى النافع للقلوب من بعدما بينه الله تعالى في كتبه التي أنزلها على رسله عليهم الصلاة والسلام .
وقال عز وجل { وَقَالَ الذينَ لايَعْلَمُوَن لَوْلا يُكَلمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الذينَ مِن قَبْلِهِم مِثْلَ  قَوْلهَمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَينا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } . سورة البقرة الآية 118 .
{ كَذَلِكَ يُبَينُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلكُمْ تَتَفَكَرُونَ } . سورة البقرة الآية 266 . 
{يُرِيدُ اللهُ لِيُبِينَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُم واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } سورة النساء الآية 26 .
وقال عز وجل: { قَدْ جَآءَكُم منَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مٌبِينٌ  * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتبَعَ رِضْوَانَهُ  سُبُلَ السلامِ وَيُخْرِجُهُم منَ الظلُمَاتِ إِلى النورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } . سورة المائدة الآية 15ـ16 . 

ويقول عز وجل { انظُرْ كَيْفَ نُبَينُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُم انظُر أَنى يُؤْفَكُونَ } سورة المائدة الآية 75 .
{ وَيُبَينُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } سورة النور الآية 18 .والله عز وجل يبين للناس الأحكام الشرعية ويوضحها ويبين الحكم القدرية بما يصلح عباده حكيم في شرعه وقدره فله الحكمة البالغة والحجة الدامغة .
قال عز وجل : { كَذَلِكَ يُبينُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلكُمْ تَهْتَدُونَ }  . سورة آل عمران الآية 103 .
وقال :{ وَمَا كَانَ اللهُ ليُضِل قَوْمَاً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتى يُبَينَ لَهُم ما يتقُونَ إِن اللهَ بِكُل شَيْءٍ عَلِيمٌ } سورة التوبه 115 ، يخبر الله عن نفسه الكريمة وحكمه العادل أنه لايضل قوماً إلا بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة .

 المنانُ

المنان من أسماء الله الحسنى التي سماه بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمع النبي (صلى الله عليه وسلم ) يقول : " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لاإله إلا أنت [وحدك لاشريك لك ] المنان [يا] بديع السموات والأرض ، ياذا الجلال والإكرام ، ياحي ياقيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار . فقال النبي (صلى الله عليه وسلم ) " لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دُعي به أجاب " . 
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (المنان ) هو المنعم المعطي من المن : العطاء ، لامن المنة . وكثيراً مايرد المن في كلامهم : بمعنى الإحسان إلى من لايستثيبه ولايطلب الجزاء عليه فالمنان من أبنية المبالغة .. كالوهاب . ومنه الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : "إنه ليس من الناس أحدٌ أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن خلة الإسلام أفضل " . ومعنى " إن من أمن الناس " أكثرهم جوداً لنا بنفسه ، وماله وليس هو من المن الي هو الاعتداد بالصنيعة " . والله عز وجل هو المنان : من المن والعطاء والمنان : هو عظيم المواهب ، فإنه أعطى الحياة ، والعقل ، والنطق ، وصور فأحسن ، وأنعم فأجزل ،وأسنى النعم ، وأكثر العطايا والمنح " قال وقوله الحق { وَإِن تَعُدوا نِعْمَةَ اللهِ لاتُحْصُوهَآ إِن الإنسَانَ لَظَلُومٌ كَفارٌ } . سورة إبراهيم الآية 34 .
ومن أعظم النعم بل أصل النعم التي امتن الله بها على عباده الإمتنان عليهم بهذا الرسول (صلى الله عليه وسلم ) الذي أنقذهم الله به من الضلال وعصمهم به من الهلاك . قال الله تعالى : { لَقَدْ مَن اللهُ عَلَى المؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِيهِمْ وَيُعَلمُهُمُ الكِتَابَ والحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلالٍ مبينٍ } . سورة آل عمران الآية 164 .
فالله عز وجل هو الذي من على عباده :بالخلق ، والرزق ، والصحة في الأبدان ، والأمن في الأوطان ، وأسبغ عليهم النعم الظاهرة والباطنة ، ومن أعظم المنن وأكملها وأنفعها ـ بل أصل النعم ـ الهداية للإسلام ومنته بالإيمان وهذا أفضل من كل شيء . 
ومعنى "لقد من الله على المؤمينين " أي تفضل على المؤمنين المصدقين والمنان المتفضل " . 
والمنة : النعمة العظيمة . قال الأصفهاني : المنة : النعمة الثقيلة وهي على نوعين : 
النوع الأول : أن تكون هذه المنة بالفعل فيقال : من فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله تعالى : { لقد من اللهُ على المؤمنينَ } . سورة آل عمران الآية 164 .وقوله تعالى { كَذَلك كُنتُم مِن قَبْلُ فَمَن اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَنُوّاْ إِن اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } . سورة النساء الآية 94 . وقال عز وجل : { وَلَقَدْ مَنَنا عَلَى مُوسَى وَهَارُون }   وقال عز وجل :{ وَلَقَدْ مَنَنا عَلَيْكَ مَرَةً أُخْرَىّ } . سورة طه الآية 37 . { وَنُرِيدُ أَن نمن عَلَى الذِينَ اسْتُضْعَفُوا في الأَرْضِ وَنجعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ } . سورة القصص الآية 5 . {فَمَن اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السمومِ} . سورة الطور الآية 27 . { ولَكِن اللهَ يَمُن عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } . سورة ابراهيم الآية 11 .
وهذا كله على الحقيقة لايكون إلا من الله تعالى فهو الذي من على عباده بهذه النعم العظيمة فله الحمد حتى يرضى وله الحمد بعد رضاه وله الحمد في الأولى والآخرة . 
النوع الثاني : أن يكون المن بالقول . وذلك مستقبح فيما بين الناس ولقبح ذلك قيل المنة تهدم الصنيعة قال الله تعالى { يَمُنون عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاتَمُنوا عَلَي إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُن عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } . سورة الحجرات الآية 17 ، فلمنة من الله عليهم بالفعل وهو هدايتهم للإسلام ، والمنة منهم بالقول المذموم وقد ذم الله في كتابه ونهى عن المن المذموم : وهو المنة بالقول فقال { وَلَاتَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } سورة المدثر الآية 6 . قال ابن كثير : " لاتمنن بعملك على ربك تستكثره" وقيل غير ذلك . 
وقال عز وجل : { الذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ في سَبِيلِ اللهِ ثُم لايُتْبِعُونَ مَاأَنْفَقُوا مَناً وَلا أَذَىً لهُمْ أَجْرُهُم عِنْدَ رَبهِمْ وَلَا خَوفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون . قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتْبِعُهَآ أَذَىً وَاللهُ غَنِيٌ حَلِيمٌ . يَآأيهَا الذِينَ ءامَنُوا لَاتُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَن وَالْأَذَى كَالذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ الناسِ وَلَا يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدَاً لَايَقْدِرُونَ عَلَى شَىءً مَما كَسَبُوا وَاللهُ لَايَهْدِىِ الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } . سورة البقرة . الآيات : 262 ـ 264 .
وقد ذم رسول الله (صلى عليه وسلم ) المن بالعطية فقال عليه الصلاة والسلام " ثلاثة " لايكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم " فقرأها رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ثلاث مرات . قال أبو ذر : خابوا وخسروا . من هم يارسول الله ؟ قال " المُسبلُ ، والمنان ، والمنفق سلعته بالحِلفِ الكاذب " . هذا هو المن المذموم أما المن بمعنى العطاء والإحسان ، والجود فهو المحمود والخلاصة : أن الله تبارك وتعالى هو المنان الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وهو عظيم المواهب ، أعطى الحياة ، والعقل ، والنطق ، وصور فأحسن ، وأنعم فأجزل ، وأكثر العطايا ، والمنح ، وأنقذ عباده المؤمنين ومن عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وإخراجم من الظلمات إلى النور بمنه وفضله . ومن على عباده أجمعين : بالخلق ، والرزق ، الصحة ، والأمن لعباده المؤمنين . وأسبغ على عباده النعم مع كثرة معاصيهم وذنوبهم . فاللهم من علينا بنعمة الإيمان واحفظنا وأجزل لنا من كل خير واصرف عنا كل شر وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ياكريم يامنان ، ياذا الجلال والإكرام ياحي ياقيوم ، يابديع السموات والأرض ، ياالواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد . 

الوَلِي 

الولي : يطلق على كل من وَلِيَ أمراً أو قام به ، والنصير ، والمحب ، الصديق والحليف ، الصهر ، والجار ، والتابع ، والمُعتق ـ والمُطيع يقال : المؤمنُ ولي الله ، والمطر يسقط بعد المطر ، والولي ضد العدو ، والناصر والمتولي لأمور العالم والخلائق ، ويقال للقيم على اليتيم الولي ، وللأمير الوالي . 
وقال الراغب الأصفهاني : الوَلاءُ والتولي يطلق على القرب من حيثُ المكان ومن حيث النسب ومن حيث الدين ، ومن حيث الصداقة ، ومن حيث النُصرة ، ومن حيث الاعتقاد ، والولاية النصرة ، والولاية تولي الأمر .. والوَلي والموْلى يستعملان في ذلك كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل أى  المُوَالي وفي معنى المفعول أي المُوالَى : يقال للمؤمن هو ولي الله، ويقال الله ولي المؤمنين .
وولاية الله عز وجل ليست كغيرها { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السمِيعُ البَصِيرُ } سورة الشورى الآية 11 . فهو سبحانه الولي الذي تولى أمور العالم والخلائق ، وهو مالك التدبير ، وهو الولي الذي الذي صرف لخلقه ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وأخراهم " وقد سمى نفسه بهذا الإسم فهو من الأسماء الحسنى قال الله عز وجل : { أَمِ اتخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فاللهُ هُوَ الوَلي وَهُوَ يُحْىِ الموتَى وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ } . سورة الشورة الآية 9 . وقال عز وجل : { وَهُوَ الذِي يُنْزِلُ الغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الولي الحمِيدُ } . سورة الشورى الآية 28 .
فالله عز وجل هو الولي الذي يتولاه عبده بعبادته وطاعته والتقرب إليه بما أمكن من القُربَات وهو الذي يتولى عباده عموماً بتدبيرهم ونفوذ القدر فيهم ويتولى عباده بأنواع التدبير . 
ويتولى عباده المؤمنين خصوصاً بإخراجهم من الظلمات إلى النور ويتولى تربيتههم بلطفه ويعنيهم في جميع أمورهم وينصرهم ، ويؤيدهم بتوفيقه ، ويسددهم قال الله عز وجل :{ اللهُ وَلي الذِينَ ءَامَنُواْ يُخْرِجُهُم منَ الظُلُمَاتِ إِلى النورِ والذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النورِ إِلى الظلُمَاتِ أُوْلَــّئِكَ أصْحَابُ النارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُنَ } . سورة البقرة الآية 257 . وقال عز وجل : { وإن الظَالمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ واللهُ وَلي المتقينَ } . سورة الجاثية الآية 19 .
فالله عز وجل هو نصير المؤمنين ، وظهيرهم ، يتولاهم بعونه وتوفيقه ، ويخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان . . وإنما جعل الظلمات للكفر مثلاً ، لأن الظلمات حاجبة للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها وكذلك الكفر حاجب لأبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان ، والعلم بصحته وصحة أسبابه فأخبر عز وجل عباده أنه ولي المؤمنين ومبصرهم حقيقة الإيمان ، وسبله ، وشرائعه ، وحججه ، وهاديهم لأدلته المزيلة عنهم الشكوك بكشفه عنهم دواعي الكفر ، وطلم سواتر أبصار القلوب . 
والخلاصة : أن الله تعالى أخبر إن الذين آمنوا بالله ورسله ، وصدقوا إيمانهم بالقيام بواجبات الإيمان ، وتَرْك كل ماينافيه ، أنه وليهم ، يتولاهم بولايته الخاصة ، ويتولى تربيتهم فيخرجهم من ظلمات الجهل والكفر ، والمعاصي ، والغفلة ، والإعراض ، إلى نور العلم ، والقين ، والإيمان والطاعة ، والإقبال الكامل على ربهم ، وينور قلوبهم بما يقذف فيها من نور الوحي والإيمان ، وييسرهم لليسرى ، ويجنبهم العسرى ، ويجلب لهم المنافع ، ويدفع عنهم المضار فهو يتولى الصالحين :{ إِن وَلِى اللهُ الذِي نزلَ الكتَابَ وَهُوَ يَتَوَلى الصالحِينَ } سورة الأعراف الآية196 . الذين صلحت نياتهم ، وأقوالهم ، فهم لما تولوا ربهم بالإيمان والتقوى ولم يتولوا غيره ممن لاينفع ولايضر تولاهم الله ولطف بهم ، وأعانهم على مافيه الخير ، والمصلحة في دينهم ودنياهم ودفع عنهم بإيمانهم كل مكروه كما قال عز وجل : { إِن اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الذِينَ آمَنُوا } . سورة الحج الآية 38 .
وأما الذين كفروا ، فإنهم لما تولوا غير وليهم ولاهم الله ماتولوا لأنفسهم ، وخذلهم ووكلهم إلى رعاية من تولاهم ممن ليس عنده نفع ولاضر ، فأضلوهم ، وأشقوهم ، وحرموهم هداية العلم النافع ، والعمل الصالح ، وحرموهم السعادة الأبدية وصارت النار مثواهم خالدين فيها مخلدين : اللهم تولنا فيمن توليت . 
والله عز وجل يحب أولياءه وينصرهم ويسددهم والولي لله هو العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته المبتعد عن معصية الله . ومن عادى هذا الولي لله فالله عز وجل يعلمه بالحرب قال (صلى الله عليه وسلم ) فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى :(إن الله يقول : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه . ومايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ولئن أستعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ) والمعنى أنه إذا كان ولياً لله عز وجل فالله يحفظه ويسدده ، ويوفقه حتى لايسمع إلا مايرضي مولاه ، ولا ينظر إلا إلى مايحبه مولاه ولاتبطش يداه إلا فيما يرضي الله ولا تمشي قدماه إلا إلى الطاعات فهو موفق مسدد مهتد ملهم من المولى وهو الله عزوجل ولهذا فسر هذا الحديث بهذا أهل العلم كابن تيمية وغيره ولأنه جاء في رواية الحديث رواية أخرى " فبي يسمع ، وبي يبصر ، وبي يبطش وبي .. يمشي " هذا يدل على نصرة الله لعبده ، وتأييده ، وإعانته ، فيوفقه الله للأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء ، ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله عز وجل .