البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

 

المكتبـــة العـــامـــه

العولمــة في المنظــور الأسلامـي

المقد مه

تفاصيل مخططــات العولمة ونتائجها 

العالمية والعولمة 

معارضة العولمة 

جذور العولـمة

المنظـور الإسلامي تجاه العو لمه

قـيادة الـعولمة 

ماذا يمـكن أن تـفعل العولمـة بـالمسـلمين ؟

نحو وحدة الأمه

 

هناك فرق كبير بين المصطلحين العالمية والعولمة ، فالمصطلح الأول يعني أن أبناء هذا العالم بمختلف قبائله وشعوبه ولغاته وملله ونحله ، يعيشون على هذه الأرض ، فلابد أن يتفاهموا فيما بينهم ، تمهيداً للتعاون الدائم على خير الجميع ، ولامانع من أن يأخذوا بعضهم من بعض ، ولايجوز أن يفرض بعضهم على بعض لغته أو دينه أو مبادئه أو موازينه ، فالاختلاف في هذا الاطار طبيعي جداً ، والتعاون ضروري أبداً ، لمنع الصدام والحروب والعدوان .

وهذه العملية العالمية قد تسمى بالتثاقف الحضاري بين الشعوب والأمم ، وهي واقع البشرية منذ أقدم العصور إلى اليوم ، فاللغات تلاحقت والمجتمعات تعاونت والحضارات عبرت من مكان إلى مكان .

والحروب والمظالم التي قامت ويمكن أن تقوم بين أبناء البشرية ، تستنكرها العقول السليمة ومبادئ الأديان الحقة ، والمصالح المشتركة ، لأن سعادة البشرية مطلوبة لذاتها ، والتعاون فيما بينها على الخير من أعظم الفضائل التي تقرها وتشجع عليها القيم الفاضلة ، التي أجمع عليها البشر في هذه الحياة .

وأوضح مثال على ذلك الإسلام ، فعندما جاء خاتماً للأديان وهداية للعالمين ، دعا الناس إلى عقيدته وشريعته وقيمه الأخلاقية ، من خلال الدعوة الوادعة ، والجدال الحسن ، دون إكراه لأحد ، ومعترفاً بواقع الخلاف الموجود في الأرض منطلقاً من القرآن الذي يقول : { وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أٌمَّةً وَاَحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمٍ فِي مَاآتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} وقوله تعالى : { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ }

وقوله تعالى : { وَقُلْ للَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ } ، وقوله عز وجل :{  لَايَنْهَاكُمُ اللهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّيِنِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوآ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يٌحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }

وبنيت هذه التوجيهات الربانية على قوله تعالى : { الحمد لله رب العالمين } ولم يقل ربّ المسلمين فحسب . لماذا ؟ 

لأن هذه الدار دار عمل للجميع وليست دار جزاء ، وإنما الجزاء يكون في الآخرة

قال تعالى :{  وَمَنْ يَبَتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينَاً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ }

وهذا تاريخ البشرية عامة ، تاريخ الإسلام خاصة ، لم يرد فيه دليل على أن المسلمين رسموا للبشرية طريقاً واحداً ووجهة واحدة وحكماً واحداً ونظاماً واحداً وعالماً واحداً بقيادة واحدة بالإجبار والإكراه .

بل اعترفوا كما ذكرنا بواقع الأديان واللغات والقوميات ، عاملوها معاملة كريمة ، بلا خداع ولاسفه ولاطعن من الخلف . ولذلك عاش في المجتمع الإسلامي اليهودي والنصراني والصابئي والمجوسي وسائر أهل الشرك بأمان واطمئنان .

وأما الأمم التي كانت تعيش خارج العالم الإسلامي ، فقد عقدت الدولة الإسلامية معها مواثيق ومعاهدات في قضايا الحياة المتنوعة . ومن الممكن مراجعة ذلك في الكتب التي تتحدث عن العلاقات الدولية في التشريع الاسلامي .

والتوجيه الأساس في بناء العلاقات الدولية في الإسلام قوله تعالى :{  يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوبَاً وقَبَائلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ }

أما العولمة التي هي الترجمة العربية للكلمة الإنجيليزية

( GLOBALISATION )

فهي مصطلح يعني جعل العالم عالماً واحداً ، موجهاً توجيهاً واحداً في إطار حضارة واحدة ، ولذلك قد تسمى الكونية أو الكوكبة .

يقول الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي عن العولمة : " نظام يمكن الأقوياء من فرض الدكتاتوريات اللاإنسانية التي تسمح بافتراس المستضعفين بذريعة "التبادل الحر وحرية السوق

ويثبت هانس بيتر مارتن وهار الدشومان ، صاحبا كتاب ( فخ العولمة ) إن العولمة هي إيصال البشرية إلى نمط واحد في التغيير والأكل والملبس والعادات والتقاليد .

ويقول جيمز روزانو ، أحد علماء السياسة الأمريكيين عن العولمة : " إنها العلاقة بين مستويات متعددة لتحليل الاقتصاد والسياسة والثقافة والأيديولوجيا ، وتشمل إعادة الإنتاج وتداخل الصناعات عبر الحدود وانتشار أسواق التمويل وتماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول نتيجة الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة ."

ويقول أحد الكتاب الفرنسيين عن النظام الرأسمالي الأمريكي : " فكلما ازداد هذا النظام الرأسمالي الجشع إمعاناً وانتشاراً بالعولمة ، ازدادت الانتفاضات والحروب العرقية والقبلية والعنصرية والدينية للتفتيش عن الهوية القومية في المستقبل ، وكلما تفشت المعلوماتية والأجهزة التلفزيونية والسلكية واللاسلكية ، تكبلت الأيدي بقيود العبودية ، وازدادت مظاهر الوحدة والانعزال والخوف والهلع دون عائلة ولاقبيلة ولاوطن ، وكلما ازداد معدل الحياة سوف تزداد وسائل القتل ، وكلما ازدادت وسائل الرفاهية تزداد أكثر فأكثر جرائم البربرية والعبودية .

وإذا رجعنا فألقينا نظرة على دراسات المفكرين العرب عن العولمة نجد أنهم جميعاً يعرفون العولمة في إطار المقولات الآتية التي تلتقي على بيان حقيقة واحدة .

يقول الدكتور حسن حنفي " العولمة لصالح الآخر على حساب الأنا وقوة الآخر في مقابل ضعف الأنا وتوحيد الآخر في مقابل تفتيت الأنا "

ويقول : " هي حضارة المركز وتبعية الآخر ، وهي مركزية دفينة في الوعي الأوروبي تقدم على عنصرية عرقية ، وعلى الرغبة في الهيمنة والسيطرة " .

ويقول الدكتور سيار الجميل : " إنها عملية اختراق كبرى للإنسان وتفكيره ، وللذهنيات وتراكيبها ، وللمجتمعات وانساقها ، وللدول وكياناتها ، وللجغرافية ومجالاتها ، وللاقتصاديات وحركاتها ، وللثقافات وهوياتها ، وللإعلاميات ومدياتها " .

ـ ويشبه الدكتور نجيب غزاوي إمبراطوية العولمة بالإمبراطوريات التي سادت في العصر الأخير فيقول :" الإمبراطورية التي عمدت على فرض مبادئها ونظمها في الحكم وأنماط حياتها السياسية والاجتماعية والثقافية بالقوة وكذلك حال الإمبراطوريات مثل بريطانيا في مستعمراتها ثم الكومنولث . وفرنسا في مستعمراتها ثم الفرانكفونية . وفي نهاية الحرب العالمية الثانية برزت الشيوعية متمثلة بالاتحاد السوفيتي وعولمته " .

وأما الدكتور مصطفى محمود فيقول : " العولمة مصطلح بدا لينتهي بتفريغ الوطن من وطنيته وقوميته وانتمائه الديني والاجتماعية والسياسي ، بحيث لايبقى منه إلا خادم للقوى الكبرى " .

والعولمة عند الدكتور محمد عابد الجابري تستهدف ثلاثة كيانات ، الدولة والأمة والوطن ، ويسميها أيضاً ثقافة الاختراق ، واختراق مقدسات الأمم والشعوب في لغاتها ودولها وأوطانها وأديانها " .

وتنتهي الدكتورة نعيمة شومان إلى أنه في ظل العولمة " تسلم البلاد الفقيرة لا إلى فقدان الاستقلال السياسي وإنما إلى العبودية ، فكأن البلدان مدينة وكافة البلدان متوقفة عن تسديد الديون ولاتملك الخيار أو الرفض للمشاريع المعروضة عليها " .

ويجمع أطراف الندوة التي كانت بعنوان ( طوفان العولمة واقتصادياتنا المسلمة ) والتي نشرت في مجلة البيان على هذه المعاني التي مرت والخطورة الكبيرة للعولمة على اقتصاديات العالم الإسلامي خاصة .

وأخيراً يعرف محمد فهيم يوسف العولمة بأنها : " الغرض الانفرادي لفهم يستند إلى مرجعية تخص حضارة معينة ، باعتباره المفهوم الاسمي لحقوق الانسان الذي ينبغي أن يسود العالم "

لقد سقت آراء مفكرين ، غربيين وعرباً درسوا العولمة دراسة علمية شاملة ، من أجل أن أقول للقارئ أن قضية العولمة ليست مسألة أراء فردية مناهضة ، وإنما اتفاق الرأي العام العلمي المنصف على حقيقة العولمة وآفاقها ، لظهورها ووضوحها ونتائجها التي شملت الكرة الأرضية من دون أن يكون هنالك أدنى شك في المقولات المقررة حول حقيقة العولمة وطبيعتها المستغلة المهيمنة والدليل على ذلك النتائج الرهيبة التي بدأت تظهر في العالم أجمع والتي يجمع عليها الباحثون أيضاً .

 

أولاً :

لقد قضى حوار الشمال والجنوب نحبه ، كما قضى نحبه صراع الشرق والغرب ، فقد أسلمت فكرة التطور الاقتصادي الروح ، فلم تعد هنالك لغة مشتركة ، بل لم يعد هناك قاموس مشترك لتسمية المشكلات ، فالمصطلحات من قبيل الجنوب والشمال والعالم الثالث والتحرر لم يبق لها معنى .

ثانياً :

من وجهة نظر العولمة : إن المجتمعات العاجزة عن إنتاج غذائها أو شرائها بعائد صادراتها الصناعية مثلاً لاتستحق البقاء وهي عبء على البشرية أو الاقتصاد العالمي يمكن أن يعرقل نموها الذي يحكمه قانون البقاء للأصلح . ولذلك يجب إسقاطها من الحساب . ولاضرورة بالتالي لوقوف حروبها الأهلية أو مساعدتها أو نجدتها 

ثالثاً :

عاد الاستعمار الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي من جديد في صورة العولمة بالاقتصاد الحر واتفاقية الجات ( التجارة الحرة ) والمنافسة والربح ، والعالم قرية واحدة ، والتبعية السياسية ، وتجاوز الدولة القومية ، ونشر القيم الاستهلاكية ، مع الجنس والعنف والجريمة المنظمة 

رابعاً :

غدا العالم الذي خضع للعولمة ، بدون دولة ، بدون أمة بدون وطن ، لأنه حول هذا العالم إلى مؤسسات والشبكات ، وعالم الفاعلين والمسيرين ، وعالم آخر هم المستهلكون للمأكولات والمعلبات والمشروبات والصور والمعلومات والحركة والسكنات التي تفرض عليهم ، أما وطنهم فهو "السيبر سبيس " وهو الفضاء الذي تصنعه شبكات الاتصال ويحتوي الاقتصاد والسياسة والثقافة .

ودراسة فخ " العولمة " تثبت النتائج الآتية 

 ـ زيادة البطالة

 ـ انخفاض الأجور

  ـ تدهور المستوى المعاشي

 ـ تقلص الخدمات الاجتماعية 

 ـ إطلاق آليات السوق 

 ـ ابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي وقصر دورها في حراسة النظام 

 ـ تفاقم التفاوت في توزيع الثروة بين المواطنين 

وقد تسأل قارئي الكريم عن مدى علمية وموضوعية الذين كتبوا في العولمة ، سواء أكانوا أجانب أم عرباً ؟

يجيبنا على ذلك الدكتور نجيب غزاوي فيقول :

" إن آراء دعاة العولمة فيها الكثير من التقريرية والتعميم والاستعجال والبعد عن الروح العلمية . أما آراء خصوم العولمة فيغلب عليها الطابع العلمي الموضوعي ، فهي تستقرئ ملامح العولمة في مختلف مجالات الحياة وترصدها وتحللها إلى مافيها من خطر على الهوية والكيان والسلاح والأمن العالميين "

 
 

يتبع لطفا"