البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

 

المكتبـــة العـــامـــه

العولمــة في المنظــور الأسلامـي

المقد مه

تفاصيل مخططــات العولمة ونتائجها 

العالمية والعولمة 

معارضة العولمة 

جذور العولـمة

المنظـور الإسلامي تجاه العو لمه

قـيادة الـعولمة 

ماذا يمـكن أن تـفعل العولمـة بـالمسـلمين ؟

نحو وحدة الأمه

 

أولاً : العولمة تستند استناداً مباشراً إلى الحضارة الغربية المعاصرة التي توجهها المبادئ اللادينية الوضعية التي لاتؤمن بوجود الله أو لاتسأل عنه أساساً ولاتعترف بالعقائد الدينية الأخرى من الإيمان بوجود النبوات العامة وبنبوة النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا باليوم الآخر ولابالمغيبات الثابتة في نصوص قاطعة من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام . ومن هنا تنشر الحياة المادية والإلحادية عبر شبكاته الكونية بأساليب في غاية الإغراء والتأثير في النفس الإنسانية فتؤثر في مئات الملايين من المسلمين مباشرة أوغير مباشرة ، فتؤدي إلى الإنكار والتشكيك أو اللامبالاة في العقيدة ، أي أن تفقد الإنسان المسلم كيانه عقلاً وقلباً وروحاً ونفساً وتفرغه من أصول الإيمان .

ثانياً : إن الأجهزة العولمية الكونية التي تلف حول العالم في كل لحظة ، وتتسلل إلى البيوت على وجه الأرض كلها دون استئذان وتلعب بكيان الأفراد جميعاً تثير في أنشطتها الشهوات الجنسية ، وتزين عبادة الجسد وتشيع أنواع الشذوذ ، وتحطم قيم الفطرة الإنسانية الرفيعة ، فتتناقض بذلك مع النظام الإسلامي الاجتماعي والأخلاقي الذي أراد الإسلام في ظلها أن يبني أمة مؤمنة عفيفة فاضلة ملتزمة .

ثالثاً : إن هذه الهجمة الإلحادية الإباحية الشرسة التي تلعب بالإنسانية الرفيعة وتحط بها من عليائها ، وتقود أبنائها إلى الحياة البوهيمية اللامسؤولة ، وتبذر في نفوسهم اليأس والحيرة ، وتحدث فيها خواءً روحياً رهيباً لتلحق بالمسلمين أفدح الأضرار وتحولهم من أمة شاهدة مجاهدة حركة ، لاتيأس من رحمة الله إلى أمة خاوية ، تكتفي بشهوات النفس في حيوانيتها الهابطة وتفتقد الأهداف النبيلة التي تسعى إليها

رابعاً : إن نتيجة ذلك المخطط الجهنمي الرهيب تلغى شخصانية المسلمين ، وتلحقهم بالغير ، وتفقدهم أصالتهم وتقعدهم عن طلب المعالي ومحاولة بناء حضارتهم الإسلامية الإنسانية المتوازنة ، كي ينقذوا أنفسهم من السقوط ويرشدوا غيرهم لينتشلوهم مما هم فيه من الحياة البوهيمية والوهدة الحيوانية .

خامساً : إن العولمة الأمريكية لاتكتفي بواقع التجزئة العربية والإسلامية الآن ، بل تحاول إحداث تجزئة داخلية فيي كل بلد عربي أو إسلامي ، حتى ينشغلوا بأنفسهم وينسوا تماماً أنهم أمة عربية واحدة ، أو ينتمون إلى جامعة إسلامية واحدة .

سادساً : إنهم في هذه الحالة ، لايستيقظون من غفلتهم ولا يحققون مصالحهم المادية ، ويتنازلون عن ثروات بلادهم لتمتصها تلك الشركات العولمية الرأسمالية البشعة ، فينتشر فيهم الفقر وتفتك بهم البطالة ، لتظهر الأمراض الاجتماعية والجرائم المتنوعة التي تردي بحياتهم من حياة البأس والقوة إلى حياة الضعة والذلة والهوان . بينما أراد لهم الإسلام القوة والوحدة والعزة وعدم التفريط بأموال المسلمين وثرواتهم ومصالحهم .

سابعاً : إن العولمة الأمريكية الصهيونية تخطط للتدخل العسكري وإعلان الحرب في أية بقعة من العالم ، تفكر بالخروج على سيطرتها وتحكمها ، لأن العالم يراد له أن يقع تحت براثن الاستبداد الأمريكي والقانون الأمريكي والقوة العسكرية الأمريكية . وهو أمر يكشفه تقريرات خطيران كانا سريين للغاية ، ثم نشرا ، وهما تقريرا "جريميا " و " ولفوفتيز " .

ولاشك أن نصيب العالم الإسلامي سيكون كبيراً في ضوء تلك السياسة الغاشمة .

ثامناً : في ظل العولمة زاد التفرق بين الدول الإسلامية ، وضرب العالم الإسلامي في السلع الاستراتيجية كالبترول وغيره .

وأمام هذه الكارثة الكبرى ، لايمكن أن نتحرك في تقليل أضرارها أو الوقوف أمامها بأوضاعنا الحالية التي تعم العالم الإسلامي للأسباب الآتية : ـ

ـ نمر بمرحلة ضعف الإيمان ونفتقد إلى معرفة العقيدة الإسلامية الصحيحة ، ونتمزق مذهبياً وطائفياً وعنصرياً ، وتتمكن منا العقلية اللاسببية والنظرة التواكلية .

ـ غفلنا عن تسخير سنن الله في الكون والحياة ، بل جهلناها ، لعدم فهمنا كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة واسلام ، الأمر الذي أدى إلى تأخرنا الحضاري الذي أخرجنا من دائرة الصراع الحضاري والحوار الحضاري في الوقت نفسه ، فتقدم علينا واستعمر بلادنا وحرف أجيالنا عبر المنهج "الدنلوبي " المعروف ، ونشر فينا المبادئ اللادينية ، لتحث أزمة كبيرة بين مثقفينا تجاه الإسلام .

ـ نسينا أن الله تعالى رب العالمين وليس رب المسلمين فحسب ، فظننا أن مجرد كوننا مسلمين جغرافيين يكفى لإنجاز وعد الله لنا بالنصر ، في حين أن الله سبحانه وتعالى يقول :{ إِنْ تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم } فهل نحن نصرنا الله تعالى فيما أمر به ونهى عنه ؟

ـ لم نتمسك بأعظم شريعة ارتضاها اله تعالى لنا ، تنظم حياتنا ، وتربي أجيالنا وتبصرنا بحقائق الحياة ، وتدخل السلام والأمن في دواخل نفوسنا وأعماق أسرنا ، وجنبات مجتمعنا ، وتنشئ أمة موحدة مؤمنة مجاهدة ، تتحرك في اتجاهات الحياة كلها ، تريد البناء والتغيير والتجديد دائماً .

ـ ولما ضعف إيماننا وانحسر التزامنا ، انهارت أخلاقنا الفاضلة وقيمنا الرفيعة ، فتخلخل سلوكنا وانتشرت بيننا السلبية والانهزامية والنفاق والأنانية .

ـ افتقدنا القدوات الصالحة ، ونسينا أن نربي أجيالاً تقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين وصحابته الأكرمين والعلماء العاملين والدعاة الصادقين . فانحرفت أجيالنا إلى الاقتداء بصعاليك الشرق والغرب من التافهين والتافهات والساقطين والساقطات ، فتخرج عليهم أجيالٌ تافهة تعبد الشهوات وتركن إلى حياة الدعة والمجالس الفارغة الخالية من الرجولة والشهامة والفضيلة والصدق .

ـ لم نستفد من إمكانات العالم الإسلامي المادية والمعنوية وثرواته المتنوعة الهائلة ، كي نحدث تنمية حضارية واجتماعية شاملة ، نستطيع أن نقاوم التآمر العالمي علينا ونحفظ شخصيتنا المعنوية وكياننا المادي

ـ اعتمدنا في ضروريات حياتنا على أعدائنا سواء في السلاح أم في التقنيات أم الغذاء، التي لاتتمشى مع خصائص عناصرنا الإنتاجية حتى نظل تابعين للغرب، بذلك نبقى مهمشين في صناعات ناقصة غير ذات جدوى .

لدينا فائض يتجاز (800) مليار دولار في بنوك الغرب ، ومع ذلك نقترض منهم قروضاً مجحفة تعيق التنمية لأن الفوائد التي ندفعها تبلغ أضعاف أصل الدين بمرور الزمان .

ـ معظم حكوماتنا لمناهجها العلمانية ارتبطت بالاقتصاديات الغربية ، بلا ضوابط أو فهم دقيق لاتجاهاتها أو مضامينها ، وبلا مطابقتها لتنمية الحقيقية التي تحتاج إليها مجتمعاتنا ،ولما لم تصح المنطلقات كانت النتائج سيئة جداً .

ـ لم نستطع أن نبني المؤسسات الشورية ، حتى تنتهي من حياتنا مظاهر الاستبداد ، التي زرعت في أمتنا بعد معركة "صفين " الطغيان خلافاً لما أراده الإسلام لنا من بناء الحُكم على أساس المشاورة ، كي تبني الأمة حياتها ، وتقرر القضايا الخطيرة التي تتصل بمستقبلها . ومن هنا فقد انفرد الحكام في تاريخنا دائماً ببناء حياتنا كما كانت تفرضه عليهم أهواؤهم ومصالحهم . لاسيما حكام المسلمين في العصر الحديث الذين بتفرقهم وخلافاتهم واستبدادهم بالرأي كله ضيعو على الأمة فرصاً تاريخية كبيرة ، ومكنوا الأعداء من حياة الأمة الواحدة ، وأرضها وكرامتها ولاسيما الصهاينة الطغاة الذين سلبوا أرض فلسطين مستغلين هذا الواقع الأليم .

ولذلك صدق من قال : " السياسة هي مركز العصب في الحياة الاجتماعية العربية العامة . وهي في الوقت نفسه مركز العطب في عموم الحركة الاجتماعية " .

ـ لقد سحق أمتنا الجهل والجوع والمرض ، نتيجة للمخططات الظالمة التي طبقت في مجتمعاتنا الإسلامية . إن هم الإسلام الكبير كان تمكين أبناء الطبقات المسحوقة بالعيش الكريم الذي يحفظ إنسانيتهم وكرامتهم . وهذا معلوم بالضرورة لكل من يدرس تشريعات الإسلام للقضاء على الفقر والأمية والمرض .

ـ لم نستطع أن نقضي على البيروقراطية والروتين والاستهانة بالزمن في حياتنا . ومن هنا ارتفعت معدلات البطالة ، ولم نستطع أن نطور نمو ثرواتنا فاحتجنا إلى الوقوع تحت المديونيات الثقيلة للمؤسسات المالية العولمية .

لقد كانت نتيجة العولمة خطيرة في حياتنا الاقتصادية فضلاً عن الجوانب الأخرى ، حصرها بعض الاقتصاديين العرب بالنقاط الآتية : ـ

1 ـ إنهاء دور القطاع العام وإبعاد الدولة عن إدارة الاقتصاد الوطني .

2 ـ عولمة الوحدات الاقتصادية وإلحاقها بالسوق الدولية لإدارتها مركزياً من الخارج .

3 ـ العمل على اخترق السوق العربية من قبل السوق الأجنبي .

4 ـ إدارة الاقتصادات الوطنية وفق اعتبارات السوق العالمية بعيداً عن متطلبات التنمية الوطنية .

5 ـ العمل على إعادة تركيب هيكلة المنطقة العربية في ضوء التكتلات الدولية .

إن العولمة ليست ظاهرة مؤقتة ، ولا هي قضية محدودة ، وإنما هي مؤامرة عالمية كبرى على البشرية ، تقف وراءها دول قوية ، وأموال جبارة وخبرة علمية تقنية عالية ومخططات ذكية للسيطرة رهيبة ، فلايمكن والحالة هذه أن نحمي أنفسنا منها ونتعامل معها بقوة واستقلالية وذكاء إلا إذا غيرنا حياتنا منطلقين من قوله تعالى :{ إِنَّ اللهَ لايُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَابِأَنفُسِهِمْ }

وتغيير حياتنا لايتم إلا باتباع الحقائق الآتية : ـ

1ـ نزل الإسلام ديناً خاتماً كاملاً شاملاً على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فواجه الجاهليات العالمية ، ونقل العباد من عبادة الأنداد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، وأنشأ لهم مجتمعاً إنسانياً عابداً عالماً عادلاً عاقلاً ، قضى على الشرك والخرافة واللاسببية واللاعقلانية في المجتمع الإسلامي . وكان نظام مجتمعه الشريعة الإسلامية التي أمرت بالمعروف والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، ونهت عن الفحشاء والمنكر والبغي . وسببت قيام أعظم تنمية حضارية في المجتمع الوسيط ، قامت على التجربة والعلم ، فنشأت المدارس والجامعات والمستشفيات . وحكم القضاء الإسلامي بالقسطاس المستقيم بين الناس ، وعرف الإنسان المسلم أن له نصيباًمن كل اسم من أسماء الله الحسنى ، فتمسك به ، وأدب نوازع نفسه الأمارة بالسوء ، فكانت حياته متوازنة دقيقة بين تلك الأنصبة التي أدت إلى نشر القيم الإسلامية الرفيعة التي كانت تتحرك في دائرة الإسلام ودائرة الأديان ودائرة الإنسانية جميعاً

لقد غير الإسلام حياة الإنسان تغييراً شاملاً ، فكانت سلسلة حركة وجهاد في مناحي الدنيا كلها .

وانتشر الإسلام من الصين حتى الأندلس ، ومن أواسط آسيا إلى مشارف جنوب أفرقيا ، وهدى الله به أعيناً عميا وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً . وقامت عليه مجتمعات ودول حققت انتصارات ساحقة على البغاة والطغاة والمعتدين ، وتربت أجيال كانت تحب الموت في سببيل الله ، كما كان المشركون يحبون الحياة في سبيل الشيطان

وأوجد الإسلام أمة موحدة راحمة ، تتكافأ دماء أبنائها ويقوم بذمتهم أدناهم وكانوا يداً على من سواهم ، جنسيتهم الأولى كانت هي الإسلام . ذابت فيها فوارق القوميات واللغات والأوطان .

ثم اصاب المسلمين ماأصابهم من الضعف الإيماني في القرون الأخيرة كما ذكرنا قبل صفحات .

واليوم ونحن نواجه خطر العولمة بثقلها وأجنحتها الماكرة .

# ماالذي يمكن أن يرجع إلينا حرارة الإيمان من جديد ؟

# مالذي يجعلنا أم واحدة متآخية ؟

# مالذي يدفعنا إلى الالتزام بقيم عليا مشتركة ؟؟

# والذي يثبت أصالة أمتنا وجوهر حضارتنا ؟

الباحث عن الحق يقول : هو الإسلام ، الدين الخالد ، بعقيدته الخالصة وشريعته السمحة وقيمه الأخلاقية العالية ، وحضارته الإنسانية اليانعة وتجاربه التاريخية المشهودة ، وعظمة رجالاته الخالدين .

الإسلام ، الكنز العظيم ، الذي هو وحده يستطيع أن يعيد الحياة إلى الجسد الذي لايتحرك والعقل الذي لايفكر والقلب الذي لاينبض بالحيوية .

منذ أكثر من قرن ونحن نبتعد عنه بتقصد وتخطيط ، سواء أكان التأثير في ذلك داخلياً أم خارجياً ، داخلياً في قابليتنا للسقوط وخارجياً في هجمة التبشير والاستشراق والتغريب والاستعمار علينا .

عودتنا هذه المرة إلى إسلامنا والانطلاق منه إلى عصرنا يقتضي منا إعادة النظر في الأمور الآتية : ـ

الفكـــــــر الإسلامــــــــي :-

ـ لابد لنا أن نؤكد على أصول العقيدة الثابتة القاطعة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفصلها من فروعها ، والتأكيد على الأصول ، وترك الفروع التي اختلف حولها العلماء حتى لانتمزق من جديد ، كي تتربى أجيالنا وهم منسجمون عقائدياً .

ـ عد تيارات الفكر الإسلامي القديم تيارات اجتهادية جابهت الفلسفات والتيارات الفكرية في زمانها فأصابت وأخطأت ، وليس من المصلحة إحياؤها اليوم وإدارة صراعات جديدة عليها .

ـ مواجهة الأفكار الجديدة بأسلوب جديد ومادة معرفية جديدة ، منطلقين من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

ـ تبني المنهج الشمولي في فهم الاسلام الذي يجمع بين العقيدة والشريعة والسلوك والحركة والبناء الحضاري من خلال منهج عقلي أصولي سليم وتفكير علمي سديد ، يؤمن بالتقدم من خلال قانون السبب والغاية .

ـ الإيمان بأن الفقه الإسلامي ، فقه متجدد لايقف عند زمن معين ولامذهب معين ومواجهة مشكلات العصر من خلال مقاصد الشريعة وقاعدة الأيسر وليس الأحوط .

ـ دراسة الأنظمة العامة والمبادئ الكلية في الشريعة الإسلامية بمواجهة ماعند الغرب من مبادئ ونظريات قانونية كلية

ـ دراسة السنن الكونية دراسة علمية موضوعية والاستفادة منها في الدخول إلى العصر الحضاري الإسلامي الجديد .

ـ محاربة مظاهر البدع والخارفة والتواكلية التي أخرت تقدم الأمة وقيامها عبر العصور الأخيرة .

ـ الرد على الغزو الثقافي العولمي الأمريكي الصهيوني من خلال المنهج السابق في الفكر الإسلامي ، بجميع الوسائل التي يعتمد عليها سواء من خلال الأنماط الفكرية أم الفنية أم الأدبية التي يعرضونها من خلال أفكارهم المناقضة لإسلام .

يقول الأستاذ منير شفيق :

" فلا بد أن نرد في عصرنا الراهن على الثقافة بالثقافة والشعر بالشعر والقصة بالقصة والعلوم بالعلوم والفنون بالفنون والمسرح بالمسرح والتلفزيون بالتلفزيون ولاينبغي لهذا الجهد أن يكون لمجرد الرد والدحض وإنما يكون مجالاً للإبداع الحقيقي ووفقاً للشروط التي يقتضيها كل مجال حتى يكون ذلك جزءً من المعركة الحضارية الأكبر "

ويقول : " إذا كانت الأمة تواجه اجتياحاً في ميادين المفاهيم والأفكار والثقافة فيصبح من الضروري أن تتشكل الجبهات الثقافية والفنية والإعلامية للصمود أمام هذا الاجتياح الخطير ، فلابد من أن تتشكل الروابط الثقافية ضد الصهيونية وقيمها وتغلغلها ، وضد التعامل وإياها في ظل مشاريع التطبيع والمصالحة . ولابد من ان تتشكل الجبهات الثقافية ضد القيم الأمريكية والمعايير الأمريكية التي يراد لها أن تصفي هويتنا العربية والإسلامية فضلاً عن استبعاد قيم الإسلام أو قيم الوحدة العربية ، أو قيم الاستقلال الوطني أوقيمنا العائلية والأخلاقية " .

 الفكـــــر الســــياســــــــــي :-

لابد من القيام بنقد تاريخي شامل لنظام الحكم في المجتمات الإسلامية بعد " صفين " وإلى اليوم ، وإثبات أن الاستفراد بالحكم والاستبداد فيه هو الذي كان سائداً في تاريخنا سواء أكان في الدولة الأموية أم العباسية أم العثمانية أم في دول الأندلس وغيرها من الدول والدويلات التي حكمت العالم الإسلامي عبر القرون ، وكذلك في الدول الحديثة والمعاصرة على تنوع أنظمتها العلمانية أو ادعائها تبني الإسلام والعمل الزيف أو المنقطع المجزأ بالكتاب والسنة وإن هذا المنهج الاستبدادي مخالف لنظام الحكم الشوري في الإسلام ، مخالفة أكيدة وإنه جلب على الأمة الإسلامية عبر العصور مآسي جمة وخرابً شاملاً ، وإنه من أعظم أسباب سقوط المجتمع الإسلامي وأزماته قديماً وحديثاً .

إن نظام الشورى في الإسلام كما طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم وكما يمكن أن يلجأ اليوم إلى الآليات والأساليب المعاصرة المنسجمة مع روح الإسلام لتحقيق مقاصد الشورى ، هو الذي يحقق كرامة الإنسان المسلم ، ويعيد إليه حقه في المعارضة والتعبير عن آرائه بحرية أخلاقية منضبطة .

ومالم يتحول الإيمان بالشورى إلى ممارسة شاملة تدخل في الواقع الإسلامي ستبقى أزمة الحكم قائمة ، وتستمر أضراره على المستويات كافة .

ومالم يتوقف الحكام الجدد عن إلحاق الأذى بمعارضيهم وحجب حرية الرأي عنهم ، والقيام بتعذيبهم وسجنهم وقتلهم من خلال سن قوانين استثنائية جائرة لا تمثل إلا مصالحهم والحفاظ على كراسيهم ، فإن الأمة ستدور في حلقة مفرغة ، ولا تشترك في بناء حاضرها ومستقبلها .

إن بقاء النظام السياسي في المجتمع الإسلامي إلى لحظة كتابة هذه الكلمات نظاماً تسلطياً فردياً استبدادياً ، لن يكون إلا في مصلحة قادة العولمة ، وأعداء هذه الأمة ، إن الصدام بين الشعوب وحكامها لن يكون إلا في صالحهم . ولذلك نجد أن العولمة تشجع بقاء الأنظمة الظالمة في بلاد الإسلام ، مع أنها تدعي أنها تريد الديمقراطية والحرية في العالم .

إن العقلاء جميعاً متفقون على أنه مامن مصيبة من مصائب هذا القرن ، قد حلت بالإسلام والمسلمين إلا كانت نتيجة مباشرة لصراعات الحكام فيما بينهم واستبدادهم بالرأي ، ومحاربتهم لأهل الرأي السديد وعدم سماعهم قول الحق وعدم رجوعهم إلى موازين الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً . فضلاً عن ارتباط كثير منهم بأعداء الأمة والدين .

إن معظم حكام المسلمين في القرن الأخير قد أحدثوا فرقة كبيرة بين المسلمين أو لم يهيئوا صفوف الأمة للجهاد والحركة والتغيير والبناء ، وضيعوا ثروات الأمة على مباذلهم وقصورهم ، وعلى حياة البذخ والفخفخة الفارغة ، أو على حروب خاسرة لم يخططوا لها ولم تكن لهم فيها إرادة للقتال أصلاً .

إن نتيجة تلك السياسات هي التي أدت إلى طغيان الصهيونية واستيلائها على أرض فلسطين ، وهي التي تؤدي اليوم إلى خطر طغيان العولمة الشرسة علينا .

إنني أكاد أجزم مع الجازمين إن أي إصلاح لايمكن أن يجري على أصوله الصحيحة في بلاد الإسلام ، مالم تتغير طبيعة النظام السياسي في بلاد الإسلام ، من الاستبداد إلى الشورى ، ومن مصادرة الرأي إلى الحرية في الرأي والمعارضة ، ومن مصالح الأفراد والأسر إلى مصالح الأمة من حيث هي كل لايتجزأ ومن حكم الحكام إلى حكم المؤسسات الدستوية .

وهذا هو سر حرص أمريكا واليهودية العالمية ومن حولها من دول الطغيان على إبقاء الوضع السياسي في العالم الإسلامي على ماهو عليه ، لأنه يجلب لهم الأمن والأمان والسكوت على جرائمهم بحق الإسلام والمسلمين .

الفكـــــــــر الاقتصــــــــــــادي :-

لقد استنبط الاقتصاديون الإسلاميون النظام الاقتصادي الإسلامي المعاصر من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ومن معالجات الخلفاء الراشدين واجتهادات الفقهاء المجتهدين عبر العصور . وزادوا على ذلك ما استجد من قضايا الاقتصاديات المعاصرة والتي تتلاءم مع درو الإسلام . وأستطيع أن أزعم أن التوجه الإسلامي في بناء الاقتصاد هو الذي ينقذ الأمة من التخلخل الاقتصادي ، ويقضي على التفاوت الظالم في الثروات ، ويعيد التوازن إلى المجتمع الإسلامي ، ويحدد وظيفة الدولة الاقتصادية من خلال ذلك التوازن .

لماذا ؟ !!

ـ لأن الاقتصاد الإسلامي اقتصاد مرن لايعين معالجة واحدة في كل حالة زمانية أو مكانية ، وإنما يقرر الأصول ويفتح حرية الحركة أمام الاقتصاديين ، لحل المشكلات الاقتصادية حسب الظروف المختلفة .

ـ منع الاستغلال والاستلاب للقضاء على سوء توزيع الثروات الحيلولة دون قيام المجتمع الظالم .

ـ التملك مشروع ولكنه محاط بسياج من القيود حتى لايؤدي إلى التعسف في استعمال حق الملكية ، ويشرع الإسلام مع الملكية الفردية الملكية العامة وملكية الدولة .

ـ لابد من وجود التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي ، لأنه هو الي ينتهي إلى التوازن

ـ تكافؤ الفرص أمام الجميع وعدم تعطيل الطاقات الإنسانية .

ـ تغليب الاتجاه الجماعي في الاقتصاد الإسلامي لتغليب مصالح الأكثرية الكادحة .

ـ حرمة الكنز وحبس الثروات ، وتوظيفها لأداء وظيفتها الاجتماعية .

ـ الدولة لها الحق في التدخل في الحياة الاقتصادية ، كلما رأت الضرورة في تحقيق مصالح العباد .

ـ العمل هو المعيار الأساسي ، وهو نابع من فكرة الاستخلاف ، ويلتزم المجتمع بإيجاد عمل لكل قادر .

ـ المحافظة على الرأسمال وإنمائه وعدم إضاعته ، ولذلك شرع الإسلام مبدأ الحجر على أموال السفهاء .

ـ في ظل الاقتصاد الإسلامي تكفي الموارد ، لأنه ليس اقتصاد ترف . كل تنظيم اقتصادي معاصر ، يزيد في الثروة ويحقق مقاصد الإسلام في إسعاد الناس ، هو من الاقتصاد الإسلامي ، من منطلق القاعدة الشرعية ، حيثما كانت مصالح العباد ، فثمة شرع الله .

ـ من الواجب أن يتعاون الجهد الإنساني في أجنحته كافة في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة .

هذه هي بعض الملامح العامة لمذهبية الاقتصاد الإسلامي المتميز عن باقي الأنظمة الاقتصادية المعروفة اليوم تمام التميز ، لابد أن يؤدي عند تطبيقه إلى طريق ثالث للتنمية في المجتمع الإنساني ، طريق ليس آلياً يبغي الربح وحده أو الكفاية الاقتصادية وحدها ، إنما هو طريق إنتاج اقتصادي أخلاقي إنساني ، يفي حاجة الإنسان وضروراته وشيئاً من كمالياته ، إن أمكن ذلك .

يقول الاقتصادي الفرنسي "جاك أوستروي " : " إن طريق الإنماء الاقتصادي ليس مقصوراً في المذهبين المعروفين ، الرأسمالي والاشتراكي . بل هنالك مذهب اقتصادي ثالث راجح ، هو المذهب الاقتصادي الإسلامي " ويقول : " إن هذا المذهب سيسود عالم المستقبل ، لأنه أسلوب كامل للحياة " .

فإذا انطلق المسلمون من مذهبية الاقتصاد الإسلامي التي تتفرع من مذهبية الإسلام العامة في الكون وخالقه والمجتمع والإنسان ، فاستفادوا من إمكانية المسلمين الاقتصادية الضخمة المتنوعة ، وكانوا أقوياء الأداء في جانب التشييد والمعادن والزراعة وقابلوا العولمة المركزية الأمريكية الصهيونية ، بعالمية عربية وإسلامية وشرقية ، وتعاملوا مع الاقتصاد العالمي من خلال تبادل المنافع وخططوا للتنمية تخطيطاً ذاتياً جيداً مستفيدين من خبرات وتنظيمات الحضارة الغربية وأقاموا سوقاً إسلامية مشتركة ، ونقلوا أرصدتهم الضخمة إلى العالم بعد إعادة الثقة إلى وحدة الأمة وأخوة أبنائها ، فإنهم يستطيعون في هذه الحالة أن يقللوا كثيراً من أخطار العولمة عليهم ، لأن العولمة كالذئب لايأكل إلا من الغنم القاصية .

الفكـــر الاجتماعـــــي الإسلامـــــي :-

لابد من التأكيد على النظام الاجتماعي الإسلامي في الأمور الآتية :

1ـ يقوم المجتمع الإسلامي على جهود الرجال والنساء ، يكمل بعضهم بعضاً .

2ـ ليست هنالك مفاضلة في أصول الخلقة والمفاضلة لجنس على آخر في أصل الخلقة ، بل كل جانب يفضل الآخر فيما كلف به من واجبات شرعية .

3 ـ أقر الإسلام في تشريعاته بإنسانية المرأة واستقلال شخصيتها وعدها أهلاً للتدين والعبادة وأقر حق المبايعة لها كالرجل ودعوتها إلى المشاركة في النشاط الاجتماعي المنضبط بضوابط الأخلاق ، وقد سمح لها بالأعمال التي تتفق مع طبيعتها ، وشرع لها نصيبها في الميراث وإشراكها في إدارة شؤون الأسرة وتربية الأولاد ، وأوجب معاملتها بالمعروف واحترام آدميتها كما أنه ساوى بينها وبين الرجال في الولاية على المال والعقود ، وأقر لها شخصيتها القضائية والمستقلة .

ومن هنا فإنه لابد أن نجتاز بالمرأة المسلمة عصر التخلف والجهالة وسوء التأويل لتشريعات الإسلام لحياة المرأة ، والاعتراف الكامل بكونها نصف المجتمع ، ولابد من إعادة النظر في مشكلاتها الاجتماعية في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية العامة ومقاصدها الحكيمة وغاياتها في الحياة لتحديد مسؤوليتها الأسرية والاجتماعية والدعوة إلى ترك الاجتهادات الماضية التي تمثل عصورها وأعرافها ، التي قيدت المرأة في التربية والتعليم ، والاشتراك في مضامير الحياة الممتنوعة التي تتفق مع فطرتها وتكوينها ومصلحتها ومصلحة مجتمعها ، دون الانجراف وراء مغريات الحياة الإباحية التي انتهت إليها الحضارة الغربية .

4 ـ يقوم المجتمع الإسلامي على القاعدة الإيمانية التي تجمع بين المسلمين جميعاً دون الالتفات إلى اختلافات اللغة أو العرق .

5 ـ أهل الأديان جميعاً لهم ماللمسلمين وعليهم ماعلى المسلمين إلا فيما يخص القضايا التشريعية الخاصة بكل طرف .

6 ـ البشر جميعهم كرامتهم مصانة في أطار المجتمع الإنساني .

7ـ المجتمع الإسلامي يقوم على أساس نابع من قيم الإسلام والقيم العامة التي اجتمع عليها الإسلام .

8 ـ لابد أن تحقق العدالة المطلقة في المجتمع الإسلامي للجميع ، لا فرق في ذلك بين المسلمين وغير المسلمين .

9 ـ الأسرة في المجتمع الإسلامي تقوم على القواعد الإسلامية في المحافظة على العفاف والفطرة والابتعاد عن الفوضى الجنسية ، وخرق نظم الأخلاق التي يقرها الإسلام .

10 ـ تكافؤ الفرص أمام الجميع لإظهار القدرة والاستعداد لبناء المجتمع والحضارة .

الفكــــر التربــــوي الإسلامــــــي :-

أمام هجمة الفضائيات العولمية وتخطيطها العلمي والفني الذكي في عرض أفكارها بطرق متنوعة مؤثرة ، عبر الأنماط الفنية من المسلسلات والأفلام والتعليقات والتقارير التي تدخل يومياً مئات الملايين من أجهزة التلفزيون والإذاعة والانترنيت على وجه الأرض ، لايمكن الحفاظ على الذات والأصالة والخصوصية الدينية والفكرية ، إلا بتربية أبناء الأمة تربية مخططة تشعرهم بأنهم أبناء أمة التوحية والإيمان وتنشئتهم نشأة إسلامية ، وتحصنهم فكرياً وأخلاقياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً ، بحيث يعلمون بيقين كامل أنهم متميزون عما يشاهدون . وبذلك يستطيعون أن يكتشفوا الباطل من الأقوال والأفعال والسلوك . وإن لم نفعل ذلك ونتعاون عليه في العالم الإسلامي كله ، فسنجابه فتنة كبيرة وفساداً عظيماً وذوباناً تدريجياً مؤكداً في طغيان العولمة الرهيب .

ويكون ذلك بما يأتي : ـ

1 ـ الاهتمام تربية الأسرة المسلمة وتثقيف أفرادها وتوجيههم من خلال أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ومن خلال المساجد وخطب الجمعة والدورات التربوية القرآنية المستمرة أو المؤقتة والمواعظ والمحاضرات العلمية والتوجيهية .

2 ـ ومن خلال المناهج الرصينة في التربية الدينية وكتب اللغة العربية وكتب التاريخ والجغرافية والثقافة العربية والوطنية العامة وحتى الكتب العلمية الصرفة .

3 ـ ومن خلال الكتب والمجلات الجرائد والدوريات الخاصة والعامة .

4 ـ ومن خلال المخيمات الشبابية الصيفية في القطر الواحد أو الأقطار العربية أو الإسلامية .

5 ـ ومن خلال المهرجانات العامة والمؤتمرات التي يجب أن تقام بين حين وآخر في القطر الواحد أو الأقطار المتنوعة .

6 ـ ومن خلال العروض المسرحية والأفلام في المسارح ودور العرض السينمائية .

وعلى غير ذلك من الوسائل التي تشترك جميعاً في تكوين أجيال تشعر بانتمائها الإسلامي وانتسابها الحضاري للأمة العربية والإسلامية .

7 ـ ومن خلال وحدة المعرفة التي قامت عليها التربية الإسلامية التي تبغي صياغة الفرد صياغة إسلامية حضارية ، وإعداد شخصيته إعداداً كاملاً من حيث العقيدة والذوق والفكر والمادة ، حتى تتكون الأمة الواحدة المتحضرة التي لا تبقى فيها ثغرة تتسلل منها الاغراءات العولمية اللادينية الجنسية الإباحية .

إنا نحتاح في بلاد الإسلام كلها إلى أن تقوم بحملة إسلامية شاملة عبر مخطط حضاري معاصر ، تشترك فيها الدول والمؤسسات الرسمية والشعبية والجمعيات والأحزاب جميعاً . لأن مواجهة العولمة من الخطورة بحيث يجب أن نتعامل معها من مواقع قوية تشهد على وحدة الأمة ، وغاياتها النبيلة في هذه الحالة لخيرها ولخير البشرية جميعاً

 
 

يتبع لطفا"