إن
أوضاع البلاد الإسلامية المتأخرة في
القرن الأخير شجعت المستعمرين على التقدم
في احتلال بلاد الإسلام ،ولم تفد المقاومة
غير الموحدة وغير الحضارية في منع وقوع
ذلك الاحتلال . فبذل هؤلاء الأعداء
المحتلون جهوداً ثقافية إعلامية تربوية
كبيرة في سبيل نشر مبادئهم في الوسط
الإسلامي . فآمن البعض بالمبادئ
الرأسمالية الفردية ، وآخرون آمنوا
بالشيوعية ، وجماعة ثالثة آمنت بالقومية
ورابعة بالوطنية الديمقراطية وأخرى
بالاشتراكية الثورية وهكذا دون رجوع إلى
محور إلهي ثابت يتحاكم إليه الجميع .
وتقبل
الأفكار المفرقة للأمة في أسسها لم يأت
فقط عن طريق الفرض الاستعماري فحسب ،
وإنما ظهر أيضاً نتيجة للاحتكاك الحضاري ،
بين أمة متأخرة جامدة غير منتجة للفكر
والعلم والمدنية ، وبين أمم استعمارية
غربية قوية دخلت في العصر الحضاري الجديد
، فأبدعت في التنظيم وبناء الحياة المادية
أيما إبداع فحصلت من هنا الكارثة الكبرى
في بلاد الإسلام ،حيث قانون تقليد المغلوب
للغالب قد عمل عمله ، وسقطت أجيالنا
المتلاحقة أمام الأفكار المغرية التي
أتتهم من الغرب ، دون أن تكون لهم بها قوة
في الوعي والتمييز والتمحيص والاختيار .
وقد
ظهر ردة الفعل الإسلامي المسالم أو العنيف
على هذه الأوضاع المزرية في التشرذم
والفرقة والصراع والصدام . فدعا
الإسلاميون الى الرجوع إلى كتاب الله وسنة
رسوله عليه الصلاة والسلام . ومن هنا حدث
صدام فكري ودموي بينهم وبين أصحاب تلك
المبادئ اللادينية المناقضة لأسس الإسلام
، والذين مكنتهم القوى الاستعمارية من حكم
البلاد الإسلامية . واستمر الحال قرابة
قرن كامل من الزمان ، بحيث ألحق ذلك الصراع
اضراراً فادحة بمجمل حركة التطور
الإسلامي إلى الأمام ، لأن القوميين
العلمانيين والوطنيين اللادينيين ،
والوجوديين الملاحدة ، والشيوعيين
الماديين ، لم يكونوا على استعداد أن
يلتفتوا إلى الإسلام أي التفات ، بل عدوا
الإسلام ومن يؤمنون به وينادون بالتحاكم
إليه أعداء حقيقيين لهم وللبلاد ، فألصقوا
بهم التهم الباطلة ، واتهموهم بإعاقة تقدم
الأمة وأدخلوهم في محن طويلة من السجون
والتشريد والقتل ، وانفردوا هم بحكم
البلاد وتدبير أمور السياسة قرابة قرن
كامل من أخصب زمان الأمة .
وبدا
العقلاء شيئاً فشيئاً يتساءلون :ياترى
ماذا فعل الحكام اللادينيون الذين كانوا
يحكمون بلاد الإسلام ، والذين كانوا
ينتمون إلى القومية والوطنية والماركسية
؟
هل
قدموا المجتمع إلى الأمام ؟ هل وحدوه ؟ هل
بنوا مجتمعاً متماسكاً ؟ هل قادوا تنمية
ناجحة ؟ هل أسسوا فيها قضاءً عادلاً ؟ هل
بنو فيها تعليماً منسجماً وتربية محصنة ؟
هل حافظوا على كرامة الإنسان المسلم ؟ هل
كانوا يحكمون بشورى حقيقية ؟ هل سخروا
المنافقين من الكتاب والأدباء والشعراء
وأهل الصحافة لمصالح الجماهير المخدوعة
أم لمصالحهم الطاغوتية ؟ هل قضوا على
الفقر ؟ هل أوجدوا اقتصادا" قنوعا في
العالم الإسلامي ؟ أم ضيعوا ثروات الأمة
في رغبات النفس الأمارة بالسوء ، وبناء
القصور وتزيينها ، والمحافظة على
استمرارهم في الحكم والسلطان والطغيان ؟
ألم
يأن لهؤلاء أن يعترفوا أنهم مسخوا الأمة
بالتقليد وصنعوا لها الكوارث تلو الكوارث
، وأوقعوها راكعة ذليلة أمام الطغيان
الأمريكي والصهيونية العالمية .
ألم
يأن لهم أن يلتفتوا إلى إسلامهم ،
فيحاسبوا أنفسهم ماذا جنوا بحقه
ويتساءلوا بينهم :هل فهموا حقائقه ؟ ألا
يجب عليهم أن يجربوه تجربة اصولية عصرية
منورة فيعلموا ماذا ستكون النتيجة ؟
ـ
لو ربوا الأجيال على الإيمان والإخلاص
والابتعاد عن الذنوب عامة وخاصة ماذا
سيحصدون ؟
ـ
لو عادوا إلى استشارة الأمة استشارة ملزمة
، ماذا ستكون العاقبة ؟
ـ
لو طبقوا الأنظمة العامة في الشريعة
الإسلامية الثابتة بالوحي الإلهي من أجل
إحداث تنمية شاملة ، ماذا ستنتهي إليه
الأمة ؟
ـ
لو رجعوا إلى نظام التربية والتعليم نصيب
كل إنسان في أسماء الله الحسنى ، كيف ستنمو
القيم ، ويتوحد الشعور ويبدع العقل المنتج
وتنطلق الحركة المغيرة ؟
ثم
ألم يأن للإسلاميين أيضاً أن يقوموا
بمساءلة أنفسهم ماذا يجب أن يفعلوا مع
أنفسهم ؟ هل أفادهم خلط الوحي الإلهي
بآراء رجال استنبطووا لعصرهم وفكروا من
خلال واقعهم ؟
ألا
يجب عليهم أن يفصلوا الوحي الإلهي عن
التاريخ الذي هو صنع آبائهم وأجدادهم بكل
مافيه من حلو ومر .
ألا
يجب عليهم جميعاً أ دخلوا في العصر الحديث
ليبنوا مستقبل الأمة ، فيقللوا الحديث عن
الماضي المفرق أحياناً .
ـ
هل من الإخلاص لله ولرسوله أن نرجع إلى
واقعنا الجديد وصراعات السلفية والصوفية
والأشعرية والمعتزلة والحنبلية والجهمية
، والسنة والشيعة ، تلك الافكار التي ذهبت
مع صراعات عصرها ، ولنا اليوم عشرات
المعضلات الحضارية الحديثة التي تنتظر
الجواب السديد .
هل
يفيدنا في مواجهتنا الحضارية الحديثة
لبناء أمتنا الحلول الجزئية المرحلية
الماضية التي أكل عليها الدهر وشرب .
ألا
يجب على الإسلاميين حتى يقنعوا أهل
الأفكار الغربية الممزقة بأحقية الحل
الإسلامي أن يعودوا إلى المنهج الشمولي في
فهم الإسلام عقيدة وشريعة وسلوكاً بأسلوب
جديد ومنهج واع ، يعتمد العلم والعقل
لاغيرهما .
إن
أمتنا تواجه اليوم العولمة الطاغية
الباغية وهي ساقطة متأخرة بينها وبين أهل
الحضارة المسيطرة شأؤ بعيد .
فهل
من المعقول أن نسمح بأن يستمر الانحدار
ويتمكن التأخر وتزداد الهوة بيننا وبين
العصر الحديث .
ألا
نحتاج في هذه المواجهة التاريخية الكبرى
لتوحيد أمتنا وتقويتها ، وبنائها على
أصالتها وخصائصها الذاتية والإنسانية إلى
محور ثابت اصيل متوازن ، يعود الجميع إلى
الاحتكام إليه وينسوا صراعاتهم وخصوماتهم
من أجل الانطلاق إلى بناء أمتنا المجيدة
من جديد ؟
وهل
سنجد هذا المحور الثابت الأصيل المتوازن
في غيري ديننا الخالد ، الإسلام الحق الذي
لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟
وهذا
الإسلام يشكل المعادلة الأساسية الجوهرية
في حياة الأمة ، وأعداء الإسلام اليوم
بوسائلهم الخبيثة كلها يريدون أن يضربوا
هذا الأساس المتين ، كي تضيع وحدة الأمة ،
فتستسلم إلى التبيعة الذليلة وتتخلى عن
العزة والوحدة والحقوق الأساسية .
إن
تجربة قرن كامل في قيادة المجتمعات
الإسلامية بمعزل عن النظام الإسلامي
أثبتت للعلمانيين أنفسهم أنهم كانوا
مخطئين في عزل السلام عن الحياة ، فبدأوا
يلتفتون شيئاً فشيئاً إلى دينهم الإسلامي
بدرجات متفاوتة ، ويدعون إلى عقد ندوات
حوارية بينهم وبين الإسلاميين ، وهذا في
حد ذاته حالة صحية مطلوبة ، لأن الأخطار
التي تهدد الأمة من العولمة الصهيونية في
بلاد الإسلام كلها لاسيما في فلسطين
تستدعي اللقاء والحوار والتقارب ، حتى يصل
الجميع إلى صيغة تجمع الكل على القضايا
الجوهرية الواحدة في مواجهة تلك الأخطار ،
إلا فالعدو بالمرصاد ، ويمكن أن يسد علينا
نوافذ الضياء جميعاً .
إن
تعاون الجميع في إطار حكم شورى والاتفاق
على قضايا مصيرية عليا سيعيد التوازن إلى
كيان الأمة والأمل إلى الأجيال الجديدة ،
فيشعرون بلذة التعاون والوحدة ، ويتحركون
بمنتهى المسؤولية ، وحينئذ يمكن أن يقود
هذا إلى بداية قوية في أحداث تنمية حقيقية
شاملة ، تخرج الأمة من ظلمات القرون
الأخيرة إلى نور الخطوط المخلصة من أجل
القيام والنهوض والتقدم إلى الأمام .
وقد
يسأل باحث : ماالقضايا الجوهرية التي يمكن
أن يتفق عليها الإسلاميون والقوميون
والوطنيون في هذه الفترة الانقالية التي
تهدد بلادهم فيها أمريكا من ورائها
اليهودية العالمية .
نقول
: يمكن ان يتفق الجميع على ميثاق عام
تفصيله على الوجه الآتي :
ـ
المحافظة التامة على استقلال الأمة
السياسي وعدم السماح بتدخل القوى
الأجنبية الغاشمة لإضعافه مباشراً أو غير
مباشر .
ـ
المحافظة على ثروات الأمة من الضياع
والهدر والسرقة ووضع الخطوات الكفيلة
بمنع ذلك .
ـ
الوقوف الموحد أمام الحكام ومحاولة منعهم
من الانفراد والظلم والتجاوز ونصحهم
الدائم عبر الوسائل الإعلامية من دون عنف
وثورة وسفك ماء ، لأن ذلك لايأتي بخير ،
ولاسيما في ظروف أمتنا الحاضرة .
إن
الضغط الجماعي المستمر على الحكام من شأنه
أن يعيدهم إلى صوابهم وأن يقوي مواقفهم في
قضايا العلاقات الخارجية .
ـ
الوقوف مع الحكام مهما كانوا ظالمين ،
عندما يداهم البلد غزو أجنبي ونسيان كل
خلاف معهم . فمصالح الأمة العليا والحفاظ
على استقلالها وأرضها وشرفها مقدم على كل
اختلاف داخلي حتى ولو وصل إلى درجة الصراع
.
ـ
الاتفاق على كل مايعيد الروح في أي مظهر من
مظاهر الوحدة العربية أو التضامن العربي
أو التضامن الإسلامي وعدّ ذلك من أهم
الثوابت التي لايجوز النقاش فيها .
ـ
عدم الخروج على الثوابت القاطعة التي ثبتت
بالوحي الإلهي والتي لايكون المسلم
مسلماً موحداً إلا بها وعدم السماح
بمخالفتها في الثقافة والتربية والإعلام .
ـ
رفض مخططات الصهيونية وعدم الاعتراف بأية
تسوية معها على حساب أرض فلسطين المقدسة
واللجوء إلى إعداد الأمة للجهاد ضدها ،
والإيمان الكامل بأن ما أخذ بالقوة في
فلسطين بالذات ، لايمكن أن يسترد إلا
بالقوة ولو طال الأمر عشرات أخرى من
السنين باعتبارهاقضية العرب الأولى ، أو
قضية المسلمين الأولى
ـ
رفض كل جماعة أو هيئة أو حزب لاتنبع
أفكارها من مقدسات الدين والوطن وأرضه
وتاريخه وحضارته ، وعدّ ذلك عمالة لقوى
أجنبية سرية أو علنية .
ـ
تداول السلطات سلمياً بين التيارات
السياسية المذكورة ، لابد أن يكون قانوناً
عاماً في المجتمع حتى لاتهدم أركانه
الصراعات السياسية ، التي اضرت بمصالح
الأمة في القرن الأخير ضرراً بالغاً ،
ولاسيما في النصف الأخير من القرن العشرين
.
ـ
الاتفاق على أسس عامة في إعمار البلاد عبر
خطط متنوعة ، يتفق عليها أهل الخبرة
العلمية من الأطراف جميعاً ، وهي خطط
علمية محايدة .
ـ
عدم فرض الرأي الواحدة في القضايا الخطيرة
التي تتعلق بها مصلحة البلاد والعباد ،
والإيمان بأن تنازل كل طرف عن شيء من رأيه
أو خططه سيؤدي إلى وضع مشترك يريح الجميع .
ـ
اتفاق الجميع على أن يبقى الجيش سوراً
قوياً للوطن ولايستعمل أبداً في اللعبة
السياسية ، وإنما يتوجه به إلى حياة
الجندية والتدريب والتسلح استعداداً
فورياً لقطع دار المعتدين الباغين من
الصهاينة ومن وراءهم من المجرمين
الاستعماريين .
ـ
الاتفاق على قيم أخلاقية عليا نابعة من
دين الأمة وأصالتها وحضارتها الشامخة حتى
تتربى الأجيال على الحد المشترك الذي يرضي
الجميع في هذه المرحلة الحرجة التي نحتاج
فيها إلى الأخلاق النبيلة التي تبذر بذور
المحبة والتراحم والواد بين أبناء الأمة
الواحدة .
ـ
إن هذا يستدعي الاتفاق على رفض النظام
الاجتماعي الذي يبيح الشذوذ الجنسي
والحرية الجنسية للرجال والنساء . وكذلك
رفض الالحاد والردة عن الدين .
ـ
الاتفاق على وضع الخطط للقضاء على الجهل
والجوع والمرض بين أبناء الأمة الواحدة ،
وهي خطط دنيوية عامة .
ـ
الاتفاق على عدم اتباع اللاأخلاقيات التي
يتبعها الديمقراطيون الغربيون في صراعات
الأحزاب والانتخابات وفضح بعضهم البعض
بالحق والباطل في سبيل المنافسة والتقدم
في الانتخابات أو إسقاط الحكومات .
ـ
الحوار الدائم بين الأطراف المذكورة من
شأنه أن يقارب بين العقول والقلوب ،
تمهيداً لإذابة الجميع في مفهوم الأمة
الواحدة أخوة في الدين والقوم والوطن
وتأليف لجان دائمة مشتركة من الخبراء ،
تبحث القضايا الكبرى وتعد الخطط
والبيانات في أنشطة الحياة المتنوعة .
ـ
زرع هذه المعاني العليا كل من جهته بين
جماهير الأمة العربية والإسلامية ، كي
تتحول إلى اقتناع عميق لايتزحزح ، مهما
تغيرت الظروف والأحوال ، حتى تقوم بواجبها
في الوقوف الجماعي الكاسح أمام العولمة
الأمريكية اليهودية .
فعزل
الجماهير في العقود الماضية وعدم السماح
لها بصنع حاضرها ومستقبلها من لدن الحكام
المستبدين ، قد ألحق بحركة الأمة ووحدتها
نكسات كبيرة .
ففرض
الطريق الواحد على العلماء والمثقفين
والسياسيين والأدباء والإعلاميين
والفنانين وغيرهم عن سبيل الإرهاب
والتعذيب والسجن والاغتيال والإعدام ،
كان طامة كبرى في حياة هذه الأمة المظلومة
، بيد أولياء أمورها قبل أعدائها . لأنه
أدى إلى هدر طاقات الأمة وحسها الفطري في
الوحدة ، لأن الشعوب إذا أخذت المبادرة ،
فلن تختلف ، بينما الحكام الذين يقوم
حكمهم على غير القواعد الشعبية يختلفون
واختلافهم دائماً في صالح الأعداء ,
ولاسيما الصهيونية وتدمير الأمة في
مجالات الحياة كافة .
إن
الطريق الوحيد أمام العولمة الأمركية
الصهيونية ، مواجهتها في اضعف الإيمان
بالانطلاق من عقيدة الأمة والتضامن بين
العرب والمسلمين في مجالات الحياة كافة
والوقوف وقفة موحدة أمام السياسات
العولمية الغاشمة .
أما
التفرق والخضوع فلن يخدم أحداً ، وسيؤدي
إلى مزيد من النكسات والسقوط أمام الغطرسة
الأمريكية والطغيان الصهيوني .
إن
العولمة الأمريكية لن تركع إلا أمام إرادة
أربع وخمسين دولة عربية وإسلامية ، حين
يتبعون سياسة واحدة في المواجهة السلمية
وحتى الحربية .
إن
أمريكا لها مصالحها الضخمة في العالم
الإسلامي ، فستضطر إلى التفاهم حين تجد
نفسها أمام إرادة عربية واحدة أو إسلامية
واحدة .
إن
العرب والمسلمين ، لابد أن يصبوا جهدهم
في تحقيق الوحدة في العالم العربي
والإسلامي . لاأقول وحدة الدولة ، فهذا
عسير جداً في عالمنا المعاصر ، وإنما وحدة
العقول والقلوب والمصالح والتضامن الكامل
في إطار جامعة إسلامية واحدة أو في إطار
المؤتمر الإسلامي الحالي ، والذي تتولد
منه سياسة واحدة ، على أساس وحدة الأمة
الواحدة .
والوحدة
العاطفية لاتكفي أيضاً ، إلا إذا عرفت هذه
الوحدة ، كيف تدخل في العصر الجديد ، وكيف
تستفيد من الفرص المتاحة ، ومن خلال حسن
الاختيار ، كي تصل إلى أفضل النتائح .
إن
الغرب الصليبي بدوافع الأحقاد التاريخية
المتأصلة ضد الإسلام وأهله ، لن يسمح
بقيام المسلمين ونهضتهم ووحدتهم ودخولهم
في عصر التقنيات العالية .
وإن
اليهودية العالمية ستبذل المستحيل
للحيلولة دون قوة ووحدة الأمة العربية
خاصة والإسلامية عامة .
لكن
إذا أخلصت الأمة مع ربها ، وانطلقت إلى
بناء الحياة من ذاتها ، فإنها ـ بإذن الله
ـ ستصل إلى ماتريد ، دون مساعدة الأقوياء ،
وأمامنا اليابان وألمانيا بعد الحرب
العالمية الثانية ، فقد رفضتا المساعدة
الخارجية المقيدة المشروطة ، وواجهتا
قدريهما بنفسيهما ووصلتا اليوم إلى
ماوصلتا إليه من القوة والحصانة .
:يقول
الاقتصادي المصري رفعت العوضي
((
مسألة التكامل الإسلامي ، وكيف يمكن
للدولة الإسلامية اليوم أن تكمل في إطار
هذا التكامل في ظل الظروف الراهنة ليس
بمقدور أي دولة إسلامية أن تخرج عن
الإجماع العولمي الذي تمليه الدول السبع
الكبار عبر المؤسسات والمنظمات الدولة ،
ومن ثم فإن المتنفس أمام الدول الإسلامية
يبدأ عبر الساحة الإسلامية ذات الامتداد
الجغرافي والاستراتيجي والسكاني والمادي
بدءاً بالتكامل وانتهاءً بالتوحد عبر
سياسات منضبطة .
العالم
الإسلامي يمتلك مخزوناً جباراً من رؤوس
الأموال ومن الثروات الحيوية والمعدنية
بالإضافة إلى التلاحم الجغرافي والتكامل
في الموارد . ولهذا لو قامت تجارة فعلية
بين العالم الإسلامي لأمكننا الاستغناء
عن العالم الخارجي على الأقل في
الاحتياجات الاستراتيجية
وهنا
يبرز دور مؤسسات التكامل سواء على مستوى
الإطار الإسلامي العام كمنظمة المؤتمر
الإسلامي ، أو حتى على المستوى الإقليمي
كالاتحاد المغربي ومجلس التعاون الخليجي
أو اتحاد جمهوريات وسط آسيا الاسلامية أو
على المستوى الوظيفي كمجموعة الدول
الثمانية الإسلامية ، لكن المثير للعجب إن
دور هذه المؤسسات لم يزل مقصوراً على
الدور الاستشاري ولايحمل أي صورة من
الإلزام
إننا
بحاجة إلى بناء الإنسان المسلم بناءً
إيمانياً قوياً راشداً معتزاً بذاته ،
مغيراً لظروف حياته ، عارفاً بظروف الأمم
الأخرى ، قادراً على نهوض حقيقي في مواجهة
أخطار العولمة .
والشرط
الأساس أن نعيد إليه الاعتبار ، ونخلصه من
الاستلاب السياسي الذي تعرض له خلال
القرون الأخيرة ، كي يخطط لمشروعه الحضاري
المتكامل ، ليخدم نفسه ويخدم غيره .
إن
الغرب على التحقيق اليوم ليس بحاجة إلينا
في التقنيات المتقدمة ، بل نحن نحتاج إلى
ذلك كثيراً . ولكن الغرب يحتاج إلى قيمنا
كما نحتاج إليه . ولو أخذنا بوسائل العولمة
الحديثة التي يستعملها للتدمير ،
ووجهناها من خلال قيمنا وأخلاقنا إلى
التعمير ، لخدمناه وخدمنا البشرية جميعاً ،
وخدمنا قبل ذلك أجيالنا وحصناهم كي
لايقعوا فريسة سهلة أمام مغريات العولمة
الأمريكية الصهيونية اللادينية
والإباحية .
:يقول
الدكتور عبد الحميد الغزالي
بعد
سقوط الاشتراكية وتبنى جورباتشوف
البروستريكا التي أراد من خلالها أن يبحث
عن طريق غير الرأسمالية ، لأنه أعلم
بمشاكلها ، أرسل وفداً ليدرس النظام
الإسلامي للاستفادة منه وشكلت لجان في
مركز الاقتصاد الإسلامي التابع لجامعة
الأزهر من المتخصصين ، وعكفت هذه اللجان
على صياغة برنامج متكامل للنظام الإسلامي
في شكل بنود وفقرات قدمنا فيه نظاماً
اقتصادياً تشغيلياً يبدأ بفلسفة النظام
والعمل والأجور ونظام الملكية المتعددة ،
الاستهلاك والاستثمار والادخار والشركات
وصيغ الاستثمار والسياسة النقدية
والسياسة المالية ... إلى آخر مكونات
النظام الاقتصادي الفاعل .
وعندما
قدمنا هذا النظام للوفد تساءل رئيسه
الوزير (بافلوف ) لديكم مثل هذا النظام
وأنتم على هذه المسألة من التخلف ، وأسندت
أمانة المؤتمر الرد إلي . وكان ردي : لأننا
بعيدون تماماً عن هذا النظام .
ولكن
توالت أحداث تفكك الاتحاد السوفيتي ، ولم
تعد للقيادة الروسية الفرصة للاستفادة من
هذا المشروع الذي اصر الوفد الروسي على
مناقشته تفصيلاً في جلسة ثانية في موسكو ..
إلا أن الجولة المقترحة لم تتم بسبب هذه
الأحداث |