البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــــة العـــــامـــه

الأدلـــة المــادية على وجود الله سبحانه وتعالى

لفضيلـة الشيخ المرحـوم محمد متولـي الشعراوي طيب الله ثراه


الدليل الغيبى

قد يكون عنوان هذا الفصل فيه تناقض ظاهرى مع موضوع الكتاب .. ذلك أننا لا نتحدث هنا عن الغيب .. ولكننا نتحدث عن الأدلة المادية التى يتحكم فيها العقل وحده ويشهد بها .. ولذلك قد يقال ما دمتم تتحدثون عن الدليل العقلي على وجود الله . فلماذا لجأتم إلى ..الغيب؟

نقول : إننا لم نلجأ إلى ما هو غيب كالملائكة والجنة والنار وحياة البرزخ إلى غير ذلك مما يغيب عن عقولنا .. ولكننا نأخذ من الدليل المادى ما يؤكد لنا أن الغيب قائم وموجود .. وأننا إن لم ندركه بعقولنا وأبصارنا . فليس معنى ذلك أنه غير موجود يؤدى مهمته فى الحياة .. ذلك أن وجود الشئ مختلف تماماً عن إدراك هذا الوجود .. فقد يوجد الشئ وأنت لا تدركه .. ومع ذلك فهو يؤدى مهمته فى .الحياة .. ثم تأتى نفحة من رحمة الله تجعلنا ندرك بعقولنا أن ما حسبنا أنه ليس موجوداً إنما هو موجود وقائم ويؤدى مهمته

وقبل أن نبدأ الحديث لابد أن نعرف أن هناك نوعين من الغيب .. غيباً نسبياً ، وغيباً مطلقاً  الغيب النسبي لا يعتبر غيباً فى علم الله وحده .. بل يمكن أن يعرفه البشر .. والغيب المطلق لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ما هو الغيب النسبي ؟ .. هو ما لا تعلمه أنت ولكن يعلمه غيرك  هب أن رئيس دولة ما اختار أحد الناس ليتولى منصب الوزارة .. ولكن هذا الاختيار لم يبلغ صاحبه .. إذن فهو غيب عن صاحبه .. ولكنه معلوم لرئيس الدولة ومكتبه إلى آخره .. ولنفرض أن لصاً سرق من بيتك شيئاً .. أنت حين اكتشفت السرقة لا .تعرف من الذى سرق .. ولا أين المسروقات ولكن الذى سرق يعرف نفسه ويعرف أين أخفى المسروقات .. الخ

إذن هذا غيب نسبى .. أى بالنسبة لك ولكنه معلوم بالنسبة لغيرك .. هذا الغيب قد يعرفه بعض الناس .. ولكن الغيب المطلق لا يعرفه .أحد

الله سبحانه وتعالى كشف لنا أنه يعلم الغيب النسبى والغيب المطلق .. وأعطانا الدليل على ذلك حتى نعرف أن ما سيقع فى هذا الكون ..موجود عند الله ، ومعلوم ومعد ، بحيث يخرج إلى الدنيا بكلمة كن .. ولذلك فإننا لابد أن نلتفت إلى آيتين كريمتين فى القرآن الكريم

:الآية الأولى قوله تعالى

 إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 82  

الآية 82 من سورة يس

أى أن الله سبحانه وتعالى حين أن يريد أن يظهر لنا شيئاً يمارس مهمته فى الحياة .. فإنما يقول له كن .. فيخرج بكلمة كن من علم الله

سبحانه وتعالى إلى كون الله فنعرفه..فى هذه الآية لابد أن نلتفت إلى قوله تعالى: {يقول له} وما دام الحق سبحانه وتعالى يقول: {يقول .له} .. فمعنى ذلك أن هذا الشئ موجود .. وإلا لما قال الله : {يقول له} .. لأن الخطاب هنا لشئ موجود فعلا

..إذن فكل أحداث الكون وكل أحداث الدنيا والآخرة موجودة فى علم الله سبحانه وتعالى .. فإذا قال لها  {كن} خرجت إلى علم الناس

ولذلك فإن يوم البعث مثلا موجود بكل تفاصيله وأحداثه فى علم الله .. والجنة موجودة ، والنار أيضاً موجودة .. لذلك إذا قيل فى .{الحديث الشريف : {هذا رمضان قد جاء ، تفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب النار ، وتغل فيه الشياطين

قد يتساءل البعض كيف يحدث هذا والجنة لم تخلق بعد ، والنار لم تخلق كذلك .. لأن وقتهما لم يأت  نقول لا .. إنهما مخلوقتان فى :علم الله بكل ما فيهما .. فإذا جاء وقتهما أظهرهما الله .. وفى هذا يلفتنا الحق سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ 187  

من الآية 187 من سورة الأعراف

اى ان الساعة بكل أحداثها موجودة عند الحق سبحانه وتعالى .. ولكنه لا يظهرها إلا عندما يشاء .. إذن فكل شئ موجود فى علم الله .وهو يظهره متى شاء وكيف شاء

:الاية الثانية قوله تعالى

أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ 1

الآية الأولى من سورة النحل

كيف يقول الحق سبحانه وتعالى {أتى} أى حدث باستخدام الزمن الماضى ، ثم يقول : لا تستعجلوه باستخدام الزمن المستقبل .. أليس .هذا تناقضاً ؟

أعلى

الماضى والحاضر

نقول : إنه لا يوجد اى تناقض لأن هذا الأمر الذى تتحدث عنه الاية الكريمة أتى فى علم الله .. أى تقرر .. ومادام قد تقرر فإنه حادث بلاشك لأنه لا توجد قوة ولا قدرة تستطيع أن تمنع ما يريده الله .. والله سبحانه وتعالى دائم الوجود لا تأخذه سنة ولا نوم حتى تظن أنه .قد يغفل عن شئ دائم القوة والقدرة .. وكل من فى هذا الكون يستمد قدرته من الله سبحانه وتعالى

ولذلك مادام الله هو القاهر فوق عباده جميعاً .. فمتى قال : {أت} يكون قد حدث فعلا .. أما قوله : {فلا تستعجلوه} أى لا تستعجلوا ظهوره وخروجه إلى دنياكم المادية .. او لا تستعجلوا ظهوره لكى يصبح مشهوداً لديكم .. وهكذا نرى أنه لا يوجد أى تناقض أو {تضارب فى قوله تعالى : {أتى أمر الله فلا تستعجلوه

..نأتى بعد ذلك إلى الدليل الغيبى على وجود الله .. ونبدأ الحديث بالدليل من الإنسان أولا ، ومن الأحداث ثانياً ، ومن قضايا الكون ثالثاً

فتلك هى النقاط الثلاث التى سنتحدث عنها فى هذا الفصل .. وإن كانت هناك نقاط كثيرة لا يتسع المجال لها .. لأننا سنتناول الدليل الكونى ، والدليل الاحصائى ، والدليل العلمى وغيره من الأدلة  ونحن هنا نعطى أمثلة يستطيع الناس أن يقيسوا عليها بعد ذلك.. لأنه .كما قلنا كل شئ فى هذا الكون يشهد أنه لا إله إلا الله .. ويشهد بالدليل المادى

إذا أردنا أن نبدأ بالنفس البشرية .. فإن الله سبحانه وتعالى أعطانا الدليل على أنه يعلم غيب لنفس البشرية وما تخفيه .. وإذا أردنا أن :نبدأ بالنفس البشرية فإننا نبدأ بأن الله يسيطر على غيب هذه النفس سيطرة كاملة .. ولذلك قال الله تعالى فى القرآن الكريم

 وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ 7

الآية 7 من سورة القصص

إذن خواطر النفس البشرية هى فى يد الله سبحانه وتعالى.. والعقل البشرى هو فى يد الله سبحانه وتعالى يعطيه من الخواطر ما يشاء ، ويمنع عنه ما يشاء ولكن الإنسان خلق حراً فى الاختيار  نقول نعم حر فيما أراد له الله أن يكون حراً فيه وهو المنهج .. ولكنه ليس حراً حرية مطلقة رغم أن الكثيرين ينكرون هذه الحقيقة .. فالإنسان حر .. نعم فيما قال له الله فيه أفعل ولا تفعل .. هذا نطاق الحرية الأولى فى تطبيق المنهج وهو حر فى أن ينطق شهادة الإيمان أو أن ينطق شهادة الإيمان أو أن ينطق شهادة الكفر والعياذ بالله.. وهو .حر فى أن يفعل ما وضعه الله فى منهجه وفى تطبيق هذا المنهج .. ومنهج الله يشمل كل نشاطات الحياة

فالإسلام ليس مجرد شهادة بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع .إليه سبيلا .. تلك هى أركان الإسلام .. الأركان التى بنى عليها هذا الدين

.الإسلام أشمل من ذلك بكثير .. ولكن العقل البشري فيما لا يخص المنهج خاضع لطلاقة قدرة الله

أعلى

.!ما هو الدليل على القدرة ؟

:ولكن ما هو الدليل ؟ .. نقول اقرأ الله سبحانه وتعال

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 1 مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ 2 سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ 3 وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ 4 فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ 5

سورة المسد

هذه السورة الكريمة نزلت فى أبى لهب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقد كان كافراً رفض الإيمان .. محارباً لدين الله ورسوله .. ونزلت هذه السورة وأبو لهب كافر .. وكثير من صناديد قريش وزعماء مكة كانوا كفاراً .. ثم هداهم الله فأسلموا .. مثل أبى سفيان وخالد بن الوليد وعكرمة بن أبى جهل وغيرهم .. وكان من الممكن أن يكون أبو لهب من هؤلاء وأن يهتدى للإسلام .. ولو حدث ذلك لانهدمت قضية الإيمان كلها .. لأن القرآن قال إن أبا لهب سيموت كافراً .. ولكن هناك شيئاً آخر لابد أن ننتبه إليه وهو أن .هذا الإخبار بغيب .. بأن أبا لهب سيموت كافراً جاء فى أمر اختيارى اى يخضع ظاهرياً لإرادة أبى لهب

ماذا كان يمكن أن يحدث لو ان أبا لهب ذهب إلى مكان يتجمع فيه أهل مكة أو دعا زعماء مكة إلى اجتماع وقال لهم : لقد قال عنى محمد فى قرآن ادعى انه ينزل من السماء إننى سأموت كافراً وسأدخل النار ولكنى أقول أمامكم أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً .رسول الله .. لتعلموا أن هذا الكلام غير صادق .. وأن محمداً لا يوحى إليه بشئ

ماذا كان يمكن أن يحدث .. لو نطق أبو لهب بالشهادتين رياء أو نفاقاً ليهدم قضية الدين .. ولكن حتى هذا التصرف الذى كان يمكن أن يخدم قضية الكفر التى كان أبو لهب أكبر أقطابها .. حتى هذا الكلام لم يخطر على عقل أبى لهب ولم يقله .. أليس هذا دليلا على أن ما يريده الله لابد أن يحدث .. أيوجد تحد أكبر من أن يعطى الله أكبر أعداء الإسلام القضية التى يهدم بها هذا الدين .. ثم لا يستطيع أن يستخدمها .. أليس هذا دليلا على أن ما يقضى به الله غيباً لابد أن ينفذ مهما بدا غير ذلك .. وهل يوجد دليل أكبر من ذلك على أن الغيب .عند الله لابد أن يقع ؟

:ثم نأتى بعد ذلك إلى دليل آخر .. عندما تحولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة .. نزل القرآن يقول

من الآية 142 من سورة البقرة

سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 142

واستخدام حرف السين هنا دليل على أن الأمر لم يحدث بعد .. ولو أنه حدث لقال الله سبحانه وتعالى  قال السفهاء .. ولكن قوله تعالى: سيقول ، دليل على أن ذلك سيحدث مستقبلا .. والآية نزلت فى غير المؤمنين وتليت عليهم قبل أن يقولوا .. ولو أنهم فكروا :قليلا لسكتوا ولم يقولوا شيئاً  وحينئذ كان الناس سيتساءلون عن قول الله

ويقولون لم يأت هؤلاء الذين وصفهم الله بالسفهاء الذين ويقولون : ماولاهم عن قبلتهم .. ولكنهم رغم أنهم يريدون هدم الدين .. ورغم ان الدليل المادى لهدم قضية الإيمان وضع فى أيديهم إلا إنه لم يخطر على بالهم أن يمتنعوا عن القول .. بل جاءوا وقالوا .. لنعلم أن .أمر الله وغيب الله لابد أن ينفذا مهما كانت هناك إرادة بشرية

:الحق سبحانه وتعالى أعطانا الدليل المادى على صدق قوله سبحانه وتعالى

من الآية 235 من سورة البقرة

 وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ 235

أعلى

وهذا هو الدليل

فالذين لا يؤمنون لا يصدقون هذا الكلام .. ويقولون أين الدليل العقلى على ذلك ؟ .. نقول إن الدليل العقلى موجود .. فالله سبحانه :وتعالى أنزل فى القرآن الكريم الدليل على أنه يعلم ما فى النفس وما يدور فيها .. اقرأ قول الحق سبحانه وتعالى

إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ 1

الآية الأولى من سورة المنافقون

..هذه الاية الكريمة قد نزلت عندما جاء عدد من المنافقين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلنوا إسلامهم .. ماذا قال المنافقون ؟

:قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم

وهذه شهادة حق .. لأن الله سبحانه وتعالى يقول والله يعلم إنك لرسوله إذن شهادة المنافقين وافقت علم الله سبحانه وتعالى .. ولكن الله :سبحانه يقول

كيف يكون المنافقون كاذبين وهم قد شهدوا بما قاله الله سبحانه وتعالى ؟ .. نقول إن الله أراد أن يعلم رسوله صلى الله عليه وسلم .. أن ..ما تقوله ألسنة هؤلاء المنافقين لا يوافق ما فى قلوبهم  فهم شهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة .. ولكن بألسنتهم فقط

أما قلوبهم فهى منكرة لهذه الرسالة مكذبة بها .. وهكذا أعلن ما فى صدور المنافقين وما يخفونه عن الناس .. ولم يجروا أن يكذبوا ما أعلنه الله .. والقرآن الكريم فيه آيات كثيرة تعطينا الدليل المادى على أن الله يعلم ما يخفيه الإنسان فى صدره ولو لم ينطق به .. وفى :ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى

وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى 7

من الآية 7 من سورة طه

والسر هو ما يسر به الإنسان غلى غيره .. والسر دائماً يكون بين اثنين .. وما هو أخفى من السر .. اى ما لا ينطق به الإنسان لأحد بل :يبقى فى صدره لا يعلمه أحد غيره والله سبحانه وتعالى يأتى ليفضح الكافرين والمنافقين فيقول

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ 8

من الآية 8 من سورة المجادلة

.إذن هم لم يقولوا هذا الكلام لأحد .. ولكن قالوه فى أنفسهم فقط ولم تنطق به ألسنتهم .. ولا تحركت به شفاههم

ولكن الله فضحهم وأنبأ بما فى صدورهم ولم يستطيعوا أن يكذبوه .. ولو أن هذا كان صحيحا لقالوا لم نقل شيئاً فى أنفسنا .. ولكنهم .بهتوا بعلم الله سبحانه وتعالى فلم يستطيعوا الرد عليه ولو بالكذب

أعلى

الله حدد من المنتصر

وهكذا يظهر بالدليل المادى أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما فى الصدور وما تخفى الأنفس ولاتعلنه ، وأن الله عليم بما يحرص الإنسان .على إخفائه عن الدنيا كلها .. فعلم الله يمتد إلى غيب النفس البشرية .. وما تحاول أن تكتمه أو تعتقد أن أحداً لا يعلمه

ثم يأتى الحق سبحانه وتعالى بدليل مادى آخر .. على انه هو عالم الغيب .. وأن ما يقوله حادث ونافذ  وأن الدنيا كلها لا تستطيع أن :تغير قدراً من أقدار الله .. ويعطينا الدليل المادى على ذلك فيقول تبارك وتعالى

الم 1 غُلِبَتِ الرُّومُ 2 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 3 فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ 4

الآيات من 1 - 4 من سورة الروم

وهذه حقيقة تاريخية لا يمكن أن ينكرها حتى الملحدون .. ولقد نزلت هذه الآية عندما قامت الحرب بين الفرس والروم .. وكانت الدولتان تمثلان أكبر قوة فى العالم فى ذلك الوقت .. مثل الأتحاد السوفيتى سابقا وأمريكا الآن .. وقامت الحرب بينهما وهزمت الروم فى هذه الحرب .. وعندئذ فرح الكفار لأن الفرس كانوا دولة كافرة تعبد النار .. والروم كانت دولة مسيحية .. أى أهل كتاب .. وحزن المؤمنون لهزيمة الروم لأن الكفر انتصر على قوم هم أهل كتاب .. وأراد الله سبحانه وتعالى أن يطمئن المؤمنين .. ويذهب عنهم الحزن .. فنزلت الآيات الكريمة تبشر بأن الروم سينتصرون بعد بضع سنين .. وفى وقتها راهن المؤمنون الكفار على أن انتصار الروم سيحدث .. وكان من المراهنين سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه.. الذى راهن بأربعة من الإبل على أن انتصار الروم سيحدث بعد سبع سنين  ولما مضت هذه المدة ولم يحدث شئ ، فرح المشركون بذلك ، وشق على المسلمين ، فذكر ذلك للرسول ..صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما بضع سنين عندكم ، فقالوا : دون العشر ، فقال لأبى بكر : إذهب فزايدهم وازدد سنتين فى الأجل

..فما مضت السنتان حتى انتصر الروم على الفرس .. ففرح المسلمون بذلك .. ثم نهى الرسول أبا بكر ونهى الصحابة عن المراهنة

.وقال إن الإسلام لا يقرها ولا يسمح بها

من الذى يستطيع أن يتنبأ بنتيجة معركة حربية ستحدث بعد تسع سنوات ؟ .. وماذا كان يمكن أن يحدث لو ان الروم والفرس عقدا صلحاً خلال هذه السنوات التسع .. أو أن الفرس استعدوا استعداداً قوياً لهذه الحرب وهزموا الروم مرة أخرى .. ومن الذى يستطيع أن ..يضمن نتيجة معركة حربية ستحدث بعد هذه الفترة الطويلة .. بل إن أحداً لا يستطيع أن يتنبأ بنتيجة معركة حربية ستحدث بعد لحظات

بل إن كل قائد لأى معركة حربية لا يكون واثقاً من النصر قبل أن تبدأ المعركة .. أو حتى عندما تبدأ .. فلو علم أى قائد لمعركة حربية .أنه سيهزم لما دخلها

يأتى الله سبحانه وتعالى ليعطينا الدليل المادى على أنه يعلم غيب السموات والأرض علم اليقين  فينبئنا بنتيجة معركة لا بين قوتين محدودتين .. ولكن بين دولتين عظيمتين  وينبئنا عن نتيجة هذه المعركة قبل أن تبدأ بتسع سنوات كاملة .. ويخبرنا من الذى سينتصر ومن الذى سيهزم  وتأتى الأحداث وتقع الحرب .. وينتصر الروم ويهزم الفرس كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى .. وماذا كان يمكن أن يحدث لو أن الفرس انتصروا على الروم .. والقرآن كلام الله المتعبد بتلاوته إلى يوم القيامة .. وكيف كان يمكن أن يقف المصلون فى .المساجد ويقرأوا سورة الروم فى الصلاة .. مع أن نتيجة الحرب قد اختلفت عما جاء فى هذه السورة

وهكذا نرى مدى الإعجاز فى أن الله سبحانه وتعالى .. قد بين لنا الدليل المادى على أنه يعلم الغيب  وأن علمه للغيب علم يقين لابد أن ..يحدث وأن يتم .. وأنه مسيطر على أمور الدنيا كلها حتى في تلك الأشياء التى لايمكن أن يتنبأ بنتيجتها أحد قبل حدوثها بتسع سنوات

..بل لا يمكن أن يتنبأ بنتيجتها أحد حتى ساعة حدوثها ، أليس هذا دليلا مادياً على أن الله سبحانه وتعالى هو الذى يسير الأمر فى كونه

:وهو الذى إذا قال كن يكون .. أليس هذا دليلا على أن الله سبحانه وتعالى إذا قال

 إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 82  

الآية 82 من سورة يس

:قول من إله خالق ومسيطر وقادر على كل أحداث كونه .. فإذا عرفنا ذلك بالدليل المادى .. ألا نفهم معنى الآية الكريمة

أتى أمر الله فلا تستعجلوه

.ونصدق يقينا بأن الله سبحانه وتعالى وحده هو رب وإله هذا الكون

أعلى

الوجود وإدراك الوجود

على أننا لابد أن ننتقل بعد ذلك إلى نقطة هامة جداً .. وهى أن عدم إدراكنا لوجود الشئ .. لا يعنى أن هذا الشئ غير موجود .. فإذا حدثنا الله سبحانه وتعالى عن الملائكة وعن الجنة وعن النار وعن الشياطين .. فلابد أن نصدق .. ليس بالدليل الإيمانى فقط .. لأن القائل هو الله .. ولكنه سبحانه وتعالى فى تحد أعطى الدليل المادى لغير المؤمن به على أن الغيب موجود وإن لم نكن ندرك وجوده .. .وأعطاه لنا من أحداث هذا الكون وما يقع فيه من ماديات

فإذا أخذنا مثلا الجراثيم تلك المخلوقات الدقيقة التى تهاجم جسد الإنسان وتصيبه بالمرض .. هذه الجراثيم عاشت مع الإنسان عمره .كله.. ولكننا فى أول الحياة البشرية وحتى فترة قصيرة لم نكن نعرف عنها شيئاً

ثم تقدم العلم وتوصل العلماء إلى الميكروسكوبات الالكترونية التى تكبر حجم الشئ ملايين المرات .. فماذا رأينا ؟ .. رأينا عجباً..ميكروبات لها شكل ولها حركة .. ولها حياة ولها تناسل وتكاثر  ولها طريقة لتخترق جسم الإنسان وتصل إلى الدم .. ولها ..تفاعلات مع كرات الدم

عالم كبير لم نكن نعرف عنه شيئاً بل كان غيبا عنا منذ مائة سنة .. ومع ذلك .. ومع كونه كان غيبا عنا فهل لم يكن موجوداً ؟ .. لا.. بل ..كان موجوداً يؤدى مهمته فى الحياة

وكان العلماء فى الماضى يعتقدون أن المرض معناه أن الأرواح الشريرة قد تلبست جسد الإنسان  وكانوا يضربون المرضى أو يكوون أجزاء من أجسادهم حتى تخرج هذه الأرواح الشريرة ثم تقدم العلم واستطعنا أن نرى رؤية العين هذه الجراثيم ، وهى تتحرك وتتناسل .. وتخترق وتحارب .. بل استطعنا فى تجاربنا العلمية أن ندخل هذه الجراثيم إلى أجساد الحيوانات .. لندرس دورة حياتها .وكيفية القضاء عليها

وهكذا أعطانا الله الدليل المادى على أن ما هو غيب عنا موجود ويؤدى مهمته فى الحياة .. وأن عدم إدراكنا لوجوده لا يعنى عدم هذا .الوجود

وإذا نظرنا إلى قطرة الماء الذى نشربه تحت الميكرسكوب لوجدنا فيها أشياء عجيبة .. أشياء فيها حياة ولها حركة .. ولها كيان ولها دور فى الحياة .. ولكننا لم نكن نعرف منذ فترة قصيرة أن هذه الأشياء موجودة فهل كان هذا شهادة بعدم وجودها .. أم أنها كانت فى .الحقيقة موجودة .. ولكننا لا ندرك هذا الموجود

فإذا انتقلنا إلى الكون كله .. وجدناه يشهد أن الوجود شئ وإدراك الوجود شئ أخر تماماً .. وأن ما لا ندرك وجوده يؤدى مهمته فى الكون .. فلننظر مثلا إلى الأقمار الصناعية والإرسال التليفزيونى .. هل كان أحد يعرف أن ما يقع فى مكان ما فى العالم يستطيع العالم .كله أن يشهده وفى نفس لحظة حدوثه ؟  طبعاً لم يكن أحد يعرف ذلك

ثم كشف الله سبحانه وتعالى لنا من علمه ما مكننا من أن نعرف انه موجود فى الكون من الخصائص ما يمكن أن يجعل الإنسان فى كل ..الدنيا ليرى ويشهد ما يقع فى مكان ما وقت حدوثه .. ويرى الإنسان وهو ينزل على القمر وهو يمشى فوقه

..كيف توصل الإنسان إلى هذا التقدم العلمى ؟ .. هل اخترع غلافاً جوياً يستطيع أن ينقل الصور ؟  هل جاء بمواد من خارج الأرض

أو بمواد من خارج خلق الله ليصنع منها الأقمار الصناعية التى حققت هذه الاتصالات ؟ .. طبعاً لا .. ولا يستطيع أن يقول ولا حتى أكبر الماديين أن هذه الخصائص التى استخدمت قد أوجدها الإنسان وخلقها .. ولكن الغلاف الجوى والمواد فى الأرض موجودة منذ .خلق الله الأرض ومن عليها ولكن خصائصها كانت غيبا عنا

وعندما جاءت مشيئة الله لتكشفها لنا وجدنا شيئاً عجبا فاستخدمناه فأعطانا ما نحن فيه من تقدم علمى .. أيستطيع أحد أن ينكر خصائص ..الكون وأنها كانت موجودة .. قبل أن يعلمنا الله كيف نستخدمها وفيم نستخدمها .. لا يستطيع أى مكابر أن يقول إنها لم تكن موجودة

.بل كانت موجودة ولكنها غيب عنا .. فلما أرادنا الله أن نعلمها كشفها لنا لنعلم أن ما هو غيب موجود  رغم أننا لم نكن ندرك وجوده

فإذا نظرنا إلى ما فى السموات .. نجد أننا كلما استطعنا أن نصنع ميكرسكوباً أضخم وأقوى  استطعنا أن نكشف أجراماً سماوية جديدة ونراها لأول مرة .. هل كانت هذه الأجرام التى لم نكن نعرف عنها شيئاً غير موجودة ؟ .. أو لم تكن تؤدى مهمتها فى الكون ؟.. كانت موجودة وكانت تؤدى مهمتها فى الكون .. ولكن الله سبحانه وتعالى أخفى وجودها عنا إلى أجل حدده .. فلما جاء الأجل كشف لنا هذا .الوجود فعرفناه حتى نعلم أن ما هو غيب عنا موجود يؤدى مهمته فى الكون ولو لم ندرك وجوده

أعلى

حيــاة البشر ووجود الخـــالق

بل إن الله سبحانه وتعالى .. أراد أن تكون الحياة الإنسانية كلها شاهدة على أن الغيب موجود .. أرادنا أن نكون شهداء على أنفسنا حتى لا نأتى يوم القيامة .. ونقول : يارب لم تعطنا الدليل العقلى على أن ما هو غيب عنا موجود .. فضلت عقولنا .. يارب لو أعطيتنا الدليل لكنا آمنا .. ولذلك جاءت حياة البشر كلها شاهدة على ذلك . فالله سبحانه وتعالى أعطى الأنسان وحده القدرة على أن يرث الحضارة ويضيف عليها .. في حين سلب ذلك من كل مخلوقاته .. ولذلك ترى أن حياة الحيوان مثلا كما هى منذ بدء الخليقة لم تتقدم .. فلم نسمع عن أى مجموعة من القرود مثلا قد عقدت اجتماعاً لترتقى بوسائل حياتها .. وتبنى لنفسها أماكن مكيفة الهواء تقيها حرارة الجو فى ..المناطق الاستوائية

إننا لم نسمع أن مجموعة من الحيوانات القطبية قد جلست معاً لتخترع وسائل تدفئة تقيها برد الشتاء القارس الذى يبيدها ويفنيها ويجعلها تتضور جرعاً .. ولم نسمع عن مجموعة من الحيوانات جلست تتداول للوصول إلى دواء لمرض يفتك بها .. أو للوصول إلى مبيد ..لحشرة تنقل لها الأمراض  بل الرقى فى حياة الحيوان أو النبات الذى يضعه هو العقل البشرى

ولكن الإنسان مختلف عن ذلك تماماً .. فالعقل البشري قد أعطاه الله سبحانه وتعالى ميزة وراثة الحضارة البشرية .. فكل جيل يبدأ حياته من حيث انتهى الجيل الذى قبله .. ثم يضيف إليها  وقدرة العقل البشري على استيعاب التقدم العلمى لا حدود لها .. ولذلك فإن كل جيل من البشر يعرف شيئاً كان غيبا عن الجيل الذى كان قبله .. وكل جيل من البشر يتيح الله سبحانه وتعالى له من أسرار ما ..وضعه فى كونه ومن قوانين هذا الكون ما لم يتح للجيل الذى قبله

وإذا كان هذا الجيل هو جيل الكمبيوتر مثلا .. فإن الجيل القادم سيكشف الله له من أسرار هذا الكون ما يعطيه علماً يجعل أجهزة .الكمبيوتر الحالية شيئاً من مخلفات الماضى .. وهكذا ترتقى الحضارات

وكلما تقدم الزمن كانت سرعة ارتقاء الحضارات البشرية أكبر .. لأن إضافات مستمرة تحدث لهذه الحضارات .. وكل إضافة تفتح .الطريق أمام إضافة أكبر

لماذا أعطى الله سبحانه وتعالى البشرية وحدها .. هذه القدرة على الرقى الإنسانى .. لنعرف جميعاً ونحن الذين أعطينا الاختيار فى أن نؤمن أو لا نؤمن .. لنعرف جميعاً أن الجمود الفعلى فى أن ما هو غيب عنا غير موجود هو خرافة .. ونحس فى حياتنا كل يوم بأن هناك غيباً عنا يصبح واقعاً معلوماً  ونرى المعجزة تحدث أمام أعيننا مرات ومرات .. ونشهدها برؤية اليقين .. علنا نتدبر ونفكر .قليلا، فنعلم أن الله سبحانه وتعالى بحكمته ورحمته .. قد أعطانا الدليل المادى على أن ما هو غيب عنا موجود

..فإذا أخبرنا بغيب لا ننكره .. ولكننا نؤمن بوجوده .. وبأن قدراتنا الحالية لا تصل إليه ولكنها قد تصل إليه فى المستقبل

:وفى ذلك يلفتنا القرآن الكريم فى قوله تعالى

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 53

الآية 53 من سورة فصلت

:ونعرف معنى قول الله سبحانه وتعالى

إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 24

الآية 24 من سورة يونس

وهكذا ونحن نراقب مسيرة الحضارة البشرية نعلم أن الله قد أخبرنا أن هذه الحضارة سترتقى وترتقى بما يكشفه الله لنا من قوانين هذا الكون حتى نظن أننا قادرون على أن نفعل ما نشاء فى الأرض .. وهذا الظن ليس حقيقة ولكنه مجرد ظن .. لأن الله الذى كشف لنا هذه .القوانين لم يخضعها لإرادتنا .. ولكنه سبحانه سخرها لنا فقط لنفعل بها ما نشاء

فإذا اغتر الإنسان واعتقد أن هذه القوانين من صنعه .. أو أنه أخضعها بذاتية علمه وبدون أمر الله تبارك وتعالى .. يأمر الله سبحانه .وتعالى هذه القوانين أن تخرج عن أمر الإنسان فتدمره وتقوم الساعة

أعلى

الله أخبرنا بكنوز الأرض

:وإذا كنا نريد أن نتحدث عن دليل غيبى آخر يزيد من الأدلة العقلية التى تثبت وجود الله .. فلابد أن نقرأ قوله تعالى

لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى 6

الآية 6 من سورة طه

:فلو قرأنا هذه الآية التى نزلت منذ أكثر من أربعة عشر قرناً .. لعلمنا أن أحداً لم يكن يدرى شيئاً ولفترة طويلة عن معنى قوله تعالى

وما تحت الثرى

وكان كل ما تحت الثرى أو تحت التراب أو فى باطن الأرض غيبا عنا ثم أراد الله سبحانه وتعالى  أن يكشف لنا أن ما هو غيب عنا موجود .. وأن لم نكن ندرى بوجوده .. فكشف لنا ما تحت الثرى  فوجدنا أن ما تحت الأرض يحتوى على كنوز رهيبة .. وجدنا البترول والذهب والمعادن والحديد وأشياء نفيسة  ووجدنا المياه الجوفية .. ووجدنا عالماً هائلاً يحتوى على مواد لم نكن نعلك .بوجودها ولا نعرف شيئاً عنها

وهكذا أعطانا الحق سبحانه وتعالى دليلا آخر على أن ما هو غيب عنا موجود .. وإن كنا لا ندرك وجوده  فلا أحد فى هذه الدنيا يستطيع أن يدعى أنه هو الذى أوجد ما فى باطن الأرض من كنوز .. ولا أحد مهما بلغ علمه ولا علماء الأرض مجتمعين يستطيعون أن يدعو أنهم الذين أوجدوا هذه البحيرات الهائلة من البترول .. أو هذه المعادن النفيسة كالذهب والفضة .. أو الماس أو النحاس أو الحديد .أو الألمونيوم أو غيرها

بل إن هناك كنوزاً تحت الثرى مختفية عن أعيننا تفوق الكنوز التى هى ظاهرة لأعيننا فوق سطح الأرض .. وهذه الكنوز لم تأت من عدم ولم توجد فى السنوات الأخيرة .. بل كانت موجودة فى باطن الأرض منذ أن خلقها الله سبحانه وتعالى .. ولكنها كانت غيبا عنا فلم .نكن نعرف بوجودها

حينئذ نكون قد وصلنا إلى أن الله سبحانه وتعالى .. قد أعطانا من الأدلة المادية والعقلية ما يؤكد لنا أن ما هو غيب عنا موجود وإن لم .نكن ندرك وجوده

فإذا حدثنا الله سبحانه وتعالى عما هو غيب عنا كالآخرة والحساب والجنة والنار .. لا نقول إن الله يخاطبنا بما لا نستطيع أن تدركه عقولنا .. وأننا لا نستطيع تصديق ذلك .. بل نعود إلى واقع الكون .. ونتأمل ما فيه من آيات .. وما وضعه الله لنا فيه من دلائل .. ولو أننا تدبرنا لقلنا يارب لقد أعطيتنا مع الدليل الإيمانى الدليل الفعلى الذى يقرب الصورة إلى أذهاننا حتى ندركها  وليس لنا عذر يارب يوم الحساب .. فى أن نقول إن عقولنا لم تدرك ، لأنك وضعت فى كونك الأدلة المادية التى تثبت أن الغيب واقع وموجود .. وكان .يجب أن تكون هذه الأدلة هى طريقنا إلى الإيمان .. لا طريقنا إلى الكفر والإلحاد

على أننا سننتقل بعد ذلك إلى الآيات الأرضية .. التى أراد الله سبحانه وتعالى أن يلفتنا بها  إلى انه لا إله إلا هو الخالق والموجد .والقادر

أعلى