البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــة العـــامـــه

الإسـراء والمعــراج

 

 
 

للامام الشيخ المرحوم محمد متولي الشعراوي

 
 

 
   
 

سبحان الذي أسرى


رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض لأذى كثير من المشركين والكفار وفي عام واحد هو عام الحزن ماتت زوجته خديجة رضي الله عنها وكانت سكناً له تداوى مايلقاه من مشقة في سبيل الدعوة كما مات في نفس العام عمه أبو طالب الذي كان حماية خارجية له يحميه من الأذى وذهب رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى الطائف عله يجد هناك من يسمع كلمة الحق ويؤمن بدين الله ولكنه بدلا من ذلك وجد الجحود والنكران وسلطوا عليه سفهاؤهم فأسمعوه مايؤذيه وسلطوا عليه الصبية فقذفوه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين والتجأ إلى بستان هناك يلتمس الحماية وجلس رافعا يديه إلى السماء مناجيا ربه لما يلقاه من أهل الأرض والله سبحانه وتعالى هو القائل لرسوله الكريم

وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ*إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ

من الآية 127 والآية 128 سورة النحل

وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ولم يجد إلا المصعب بن عدي أحد كفار مكة ليجيره عند الدخول كل ماتعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاسيا على النفس فأراد الحق سبحانه وتعالى أن يلفت رسوله الكريم أنه إذا ضاقت عليه الأرض فإن ملكوت السماء يحتفي به ويرحب به وأن ربه الذي كلفه بهذه الرسالة السامية بلاشك سينصره رغم كل هذه الشدائد

ومن هنا جاءت معجزة الإسراء والمعراج

وقبل أن نبدأ في الحديث عن المعجزة فإننا لابد أن نلتفت إلى بداية سورة الإسراء التي يقول فيها الحق سبحانه وتعالى

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى

من الآية الأولى سورة الإسراء

وبداية السورة بكلمة سبحان معناه التنزيه أي تنزيه الله عز وجل عن أن يكون له مثيل في صفاته أو أفعاله وسبحان هي تنزيه مطلق لله عن أن يكون له شبيه فيما خلق لافي الذات ولا في الصفات ولا في الأفعال فالله سبحانه وتعالى موجود وأنت موجود ولكن هل وجودك كوجود الله جل جلاله

الله سبحانه وتعالى سميع وأنت لك سمع ولكن سمعك ليس كسمع الله . الله سبحانه وتعالى له ذات وكيان وأنت لك ذات وكيان ولكن لامقارنة

الفعل لله


من هنا فإنه إذا كان لله فعل فلا يمكن أن يقارن بافعال البشر بل إن فعل الله خارج عن نطاق قدرات البشر وفوق طاقة عقولهم ولذلك إذا فعل الله سبحانه وتعالى شيئا فلا تسأل كيف لأن طاقة عقلك لايمكن ان تدرك أسرار الفعل ولأن الله سبحانه وتعالى يفعل مايشاء لاتحده قوانين لأنه هو خالق القوانين ولايحتاج إلى أسباب لأنه سبحانه وتعالى هو الذي أوجد الأسباب

فانه ليس كمثله شئ وكل مخلوقات الله تخضع لمشيئته جل جلاله ولكن الله سبحانه وتعالى لايخضع لمشيئة أحد من خلقه لأنه ذاته وصفاته وأفعاله فوق كونه كله

ولذلك فإن آيات الله لاتخضع لقوانين الكون ولقد أعطانا سبحانه وتعالى أمثلة كثيرة على ذلك وأبطل قوانين الكون لرسله وأنبيائه ليعطيهم معجزات تؤكد صدق بلاغهم عن الله

فالنار خاصيتها الإحراق ولكن عندما أمسك الكفار بإبراهيم عليه السلام ليحرقوه في النار لم يجعل الله سبحانه وتعالى إبراهيم يفلت منهم أو يخفيه عن أعينهم أو ينزل المطر لتنطفئ النار ولو فعل الله هذا لقال الكفار لو لم يختف إبراهيم عن أعيننا لأحرقناه ولو لم ينزل المطر لأكلت النار جسد إبراهيم ولكن الله تعالت حكمته جعل الكفار يمسكون بإبراهيم وجعل النار مشتعلة متأججة وألقى الكفار إبراهيم عليه السلام في النار وكانت كل العقول والأسباب تقول أن إبراهيم سيحترق ولكن خالق النار وموجدها قال

قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ

الآية 69 سورة الأنبياء

وهكذا سلب الله سبحانه وتعالى خاصية الإحراق عن النار ولاأحد يستطيع أن يقول كيف ولا أن يسال هذا السؤال ولن يصل أحد إلى جواب مهما بحث لأن هذا فعل الله معجزة أرادها أن تكون فوق مستوى العقول والفكر البشري إلى يوم القيامة وعندما كان موسى عليه السلام وأتباعه يفرون من فرعون وجنوده وفرعون يلاحقهم بجيشه ورأى أتباع موسى البحر أمامهم وجيش فرعون وراءهم ماذا قال أتباع موسى

يقول الحق سبحانه وتعالى

فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ

الآية 61 سورة الشعراء

وكان هذا هو المنطق والعقل ولكن موسى عليه السلام وهو نبى يدرك أنه مرسل من رب الأسباب لذلك فإن الأسباب لاتحكمه وعندها قال موسى كما يروى لنا الحق

قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ

الآية 62 سورة الشعراء

ثقة في الله سبحانه وتعالى أنه لن يتخلى عن نبيه وفعلا جاء مدد السماء وإذا بالحق سبحانه وتعالى يوحى لموسى

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ

الآية 63 سورة الشعراء

وهكذا كان موسى عليه السلام على يقين أنه إذا تخلت عنه أسباب الأرض فلن يتخلى عنه رب هذه الأسباب ومنذ حدثت المعجزة وحتى يوم القيامة لن يستطيع بشر أن يضرب البحر بالعصا فينشق وعيسى عليه السلام حين أحيا الموتى بإذن الله وشفى الأبرص كانت معجزة من خالق الأسباب ولن يستطيع بشر أن يحيي ميتا أو يشفى مريضا بمجرد الإشارة كل هذه الأفعال ليس فيها كيف لأنه لاتنسب لاصحابها ولكنها تنسب إلى قدرة الله سبحانه وتعالى ولذلك تجد كلمة سبحان تأتي في القرآن الكريم في الأشياء التي تقف فيها العقول مثل قول الحق سبحانه وتعال

سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ

الآية 36 سورة يس

هل يستطيع أحد ان يصل إلى سر الخلق مستحيل ذلك سواء كان الخلق مباشرا من الله أو بالأسباب من الذكر والأنثى فإن سر الحياة لايعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ولذلك تجد أن الإنسان قد كشف الله له من علمه ماجعله يصنع الكثير في الكون يصنع الصواريخ ويصل إلى القمر والعقول الألكترونية تشغل المصانع بأكملها وما يطلقون عليه الإنسان الآلي

وكل كل هذه الأشياء تبقى عند درجة صناعتها بلا حياة فلا هي تنمو ولا هي تتكاثر بل تقف عند ماصنعت منه في نفس الحجم الذي صنعت عليه وبنفس الهيئة ولن يصل أحد من البشر إلى أن يصنع من شئ ما ذكرا أو أنثى يتزاوجان أو ينمو ويكبر مع السنين فكأن الحق سبحانه وتعالى حين يسبق كلامه بكلمة سبحان فإنه يخبرنا بأن العقول البشريه ستقف عند هذا ولاتستطيع أن تتجازوه

معنى سبحان


وكلمة سبحان لم ترد في القرآن الكريم إلا عند ذكر الأشياء العجيبة المعجزة لذلك حين تسمعها في كلام الله سبحانه وتعالى فلا بد ان تعرف أن هذا تنزيه لله بأنه الفعل الذي تم لايقدر على فعله إلا الله جل جلاله سبحان اسم وكل اسم لله يدل على الثبوت وعلى الدوام فكأن الله سبحانه وتعالى منزه قبل أن يخلق من ينزهه

فإذا قرأنا قول الحق في القرآن الكريم

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ 

نقول إن الله أرادنا أن نعرف أن معجزة الإسراء والمعراج من فعل الله سبحانه وتعالى ولم تتم بقوة رسول الله صلى الله عليه وسلم البشرية ولذلك بدأ السورة الكريمة قوله سبحان الذي أسرى أي أن كل ماسيأتي بعد ذلك منسوب لقدرة الله سبحانه وتعالى

وأحداث الفعل تختلف بالنسبة للفاعل وتتناسب معه

فإذا قلت أن طفلا ضربني بأقصى قوته تختلف كثيرا عما يحدث إذا قلت أن بطل الملاكمة في العالم ضربني بكل قوته الفعل واحد وهو ضربني بكل قوته ولكن الفاعل مختلف هذا طفل صغير وهذا بطل العالم في الملاكمة

وإذا قلت أن فلانا الموظف البسيط اقام حفل عرس لابنته وقلت أن أغنى رجل في العالم أقام عرسا لابنته الفعل واحد وهو حفل العرس ولكن القدرة مختلفة ولذلك فإن الأول تجده حفلا بسيطا والثاني تجده حفلا هائلا

وإذا قلت إنني سافرت إلى الأسكندرية بالقطار وقلت أنني سافرت إليها بالطائرة وقلت إنني سافرت إليها بصاروخ الفعل واحد ولكن قوة الفعل تختلف ولذلك فإن الرحلة بالقطار تستغرق ساعات وبالطائرة نصف ساعة وبالصاروخ دقيقة

إذن فالفعل يتناسب دائما مع قدرة فاعله فإذا قال سبحانه وتعالى إنه هو الذي أسرى برسوله صلى الله عليه وسلم يكون كل مافي الرحلة مما هو فوق قدرة العقل يمكن أن يحدث

ولذلك حين قال العرب والرسول يروى ماحدث له الإسراء والمعراج أتدعي أنك أتيتها في ليلة ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهرا كان سؤالهم دليلا على أنهم لم يفهموا المعجزة فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل سريت وإنما قال أسرى بي ومن الذي أسرى به الله سبحانه وتعالى ولذلك عندما نسبوا الفعل لقوة البشر نسوا قدرة الله سبحانه وتعال ونسوا أن محمدا عليه الصلاة والسلام لم يقل سريت إلى بيت المقدس ولكنه قال أسرى بي وكان يجب أن يتنبهوا إلى قدرة الفاعل عندما يتحدثون ويقارنون المعجزة بقدراتهم البشرية

الاسراء بالروح والجسد


الحق سبحانه وتعالى يقول سبحان الذي أسرى بعبده ولم يقل برسوله ولله جل جلاله في كونه عبيد وعباد كلنا عبيد الله والطائع فينا والعاصى والمؤمن فينا والكافر والعياذ بالله وكلنا عباد الله هم الذين أخلصو له فاتحد اختيارهم مع منهج الله سبحانه وتعالى ماقال لهم إفعلوه فعلوه ومانهاهم عنه انتهوا ولذلك نجد في القرآن الكريم عندما يريد الله أن يتحدث عن المخلصين من خلقه لايسميهم عبيدا ولكن يسميهم عبادا واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى

وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا

الآية 63 سورة الفرقان

نقول إن الله جل جلاله قد استخدم كلمة عبده ليلفتنا إلى حقيقتين هامتين : الحقيقة الأولى أن الاسراء بالروح والجسد ولم يكن مناما ولكنه كان رؤية حقيقية فكلمة عبد لاتطلق إلا عند إلتقاء الروح والجسد

ولقد دار النقاش مع أولئك الذين استمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يروى لهم ماحدث في الإسراء على أساس أنه تم بالروح والجسد وإلا ماكانوا ناقشوا رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما حدث فلو أن الإسراء كان مناما كما يدعى بعض الناس ماكان هناك مجال للنقاش وهل يناقش النائم فيما يراه

إنك إن قلت إنني ذهبت إلى أمريكا وعدت إلى مصر عشرين مرة في ليلة واحدة هل يكذبك أحد في منامك طبعا لا فما يحدث في المنام لايخضع لنقاش العقل ولا يخضع لمنطق الأحداث فمثلا الملك في عهد يوسف عليه السلام ماذا رأى في المنام

يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة يوسف

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ

الآية 43 سورة يوسف

هل هذا كلام يتفق مع العقل والمنطق وهل يأكل البقر بعضه بعضا من منا رأى بقرة تأكل بقرة أخرى طبعا هذا لم يحدث ولو أن هذا كان قابلا للحدوث أيأكل البقر الهزيل الضعيف البقر القوي السمين أم أن العكس هو الذي يتفق مع المنطق ولكن لاأحد منا رأى بقرة تأكل بقرة ومع ذلك عندما حكى الملك منامه لوزرائه وبطانته وطلب منهم أن يفتوه فيه هل ناقشه أحد منهم عقليا وقال له كيف يأكل البقر بعضه بعضا إن هذا لايمكن أن يحدث لم يناقشوه لأن الأحلام لاتناقش بالعقل والمنطق ولاتخضع لأسباب البشر ولكنهم قالوا كما يروى الحق سبحانه وتعالى

قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ

الآية 44 سورة يوسف

إذن لم يدر نقاش إطلاقا حول الرؤيا التي رآها الملك في المنام ولا أي نوع من أنواع المجادلة العقلية ولكن في معجزة الإسراء دار نقاش وقالوا كيف يمكن أن تأتيها في ليلة ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهرا

إذن النقاش يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرهم أن الإسراءتم بالروح والجسد وجاء قول الحق جل جلاله سبحان الذي أسرى بعبده ليؤكد أن الإسراء تم بالروح والجسد

العبد والرسول


وهذه واحدة أما الثانية فهي أن الله جل جلاله يريد أن يثبت لنا أن العبودية له هي أسمى المراتب التي يصل إليها الإنسان فالعبودية لله عزة مابعدها عزة وعطاء مابعده عطاء وإذا قرأنا في سورة الكهف نجد قول الحق جل جلاله

فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا*  قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا

الآيتان 65 و66 سورة الكهف

ونحن نعلم أن موسى رسول الله وكليمه وان الله كلم موسى ومع ذلك فقد كان هناك عبد من عباد الله أعلم من موسى عليه السلام واتبعه ليأخذ منه أو ليتعلم عنه إذن فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن العبودية له وهي أعلى الدرجات بدليل أنه سبحانه وتعالى ذكر لنا في سورة الكهف قصة موسى والخضر عليهما السلام ولم يكن رسولا ولكنه كان عبدا فنال منزلة عالية عند الله سبحانه وتعالى وأنزل الحق جل جلاله عليه من فيوضات علمه مالم ينزله على موسى عليه السلام

إذن فقول الحق سبحانه وتعالى أسرى بعبده وكلمة عبده هي حيثية الإسراء تقول إن الحق سبحانه وتعالى أراد بها أن الإسراء تم بالروح والجسد وأن منزلة العبودية لله سبحانه هي منزلة عالية جدا

ذلك أن العبودية لله شرف فالعبودية للبشرية نقيصة وذلة لأن السيد يريد أن يأخذ خير عبده وأن يجرده من كل حقوقه وماله ولكن العبودية لله عطاء

وقديما قال الشاعر

حسب نفسى عزا بأنى عبد

يحتفي بي بــــلا مواعيد رب

و في قدسـه الأعــز ولــــكن

أن ألقـــــى متى وأيـن أحب

والله سبحانه وتعالى يريد أن نعلم أن هذه المنزلة الخصوصية لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه عبد وهذا هو أعلى مراتب الشرف والعطاء من الله

إذن فقد عرفنا يقينا أن الإسراء تم بالروح والجسد وكل النقاش الذي دار حول معجزة الإسراء وكيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها في ليلة وهم يضربون إليها أكباد الإبل شهرا هذا النقاش يعني ان الإسراء كان بالجسد وإلا ماكانوا كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن الإسراء كان مناما أو بالروح فقط كما يدعى بعض ضعاف الإيمان والذين يحاولون أن يشككوا في هذه المعجزة نكون بذلك قد انتهينا من أن الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى تم بقوى الله سبحانه وتعالى وقدرته وهذه القوة والمقدرة فوق العقول ونكون أيضا قد بينا أن الإسراء تم بالروح والجسد مصداقا لقوله تعالى بعبده وأن العبودية لله هي أشرف المراتب وأعلاها وأقربها إلى الله وأن الله سبحانه وتعالى يفيض من اسرار ملكوته على عباده المخلصين

إلى هنا ويبرز سؤالان هامان ـ السؤال الأول لماذا تم الإسراء ليلا والحق سبحانه وتعالى يقول

سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ولماذ لم يتم الإسراء نهارا ويرى الجميع بأعينهم

رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يركب الدابة التي أتى له بها جبريل عليه السلام وهي البراق ويشق بها عنان السماء ألم يكن هذا أقوى بالنسبة للمعجزة بحيث يراها الناس في وضح النهار كما رأى أتباع إبراهيم النار وهي لاتحرقه وكما رأى أتباع موسى البحر وهو ينشق

ألم يكن الإسراء نهارا هو تأكيد للمعجزة فلايكذبها أحد ولا يثور حولها ذلك الجدل الذي ثار من ضعاف الإيمان

هذه واحدة أما الثانية فإذا كانت المعجزة منسوبة إلى قدرة الله سبحانه وتعالى وقوته فلم أخذت ليلة أو جزءاً من الليلة ألم يكن الله سبحانه وتعالى قادرا على أن ينقل رسوله عليه الصلاة والسلام من المسجد الحرام إلى المسحد الأقصى في لحظة أو أقل من لحظة ثم يعيده أيضا في لحظة وكيف تأخذا المعجزة زمنا وهي بقدرة الله سبحانه وتعالى الذي لازمن عنده مادام الفعل من الله جل جلاله فهل يحتاج الله إلى وقت ليتم معجزته

كل هذه الأسئلة طرحت وقيلت من المستشرقين وكان يحسبون بذلك أنهم يهدمون المعجزة ولكن أسئلتهم هذه بينت نواحي الإعجاز في الإسراء والمعراج تلك النواحي التي ربما لم يكن أحد يتنبه لها لو أن هؤلاء المستشرقين لم يششكوا في الإسلام ولكن الله سبحانه وتعالى يسخر عبده غير المؤمن لخدمة دين الحق وليعرف الناس دواعى العظمة في هذا الدين