البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــة العـــامـــه

الإسـراء والمعــراج

 

 
 

للامام الشيخ المرحوم محمد متولي الشعراوي

 
 

 
   
 

آيات السماء


قبل أن نبدأ في الحديث عن المعراج وصعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة وإلى سدرة المنتهى وما رآه عليه الصلاة والسلام في ملكوت السموات لابد من وقفة تقرب هذا كله إلى العقل ذلك أن المعراج هو فوق طاقة وقدرات العقل البشرى ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه أعطانا أشياء حسية تقرب الغيب إلى عقولنا وترد على كل كافر منكر

كل خلق من خلق الله سبحانه وتعالى له قانون يتحكم فيه والقانون يتغير بتغير الخلق أو بتغير حالة المخلوق فهناك من له أكثر من قانون كل قانون ينطبق عليه في مرحلة من مراحل حياته

فالبشر مثلا لهم قانون يحكمهم مناسب لطبيعتهم البشرية والجان لهم قانون يحكمهم مناسب لأنهم خلقوا من نار فمادتهم التي خلقوا منها وهي النار شفافة أكثر من الطين ولذلك فإن لهم قانونا يختلف عن قانون البشر إنهم أكثر سرعة في الحركة وأكثر قدرة على اختراق الجدران والأبينة والانتقال من مكان إلى آخر ولهم قدرة على التشكل ويرون مالانرى إذن هم أكثر قدرة منا طبقا لقوانين خلقهم

والملائكة خلقوا من نور ولهم قوانين أقوى من قوانين الجان وقدرة على الصعود إلى السماء والنزول منها وهم يرون مالانرى ولاترى الجان

إذن لكل مخلوق من مخلوقات الله سبحانه وتعالى قوانينه التي تختلف عن قوانين غيره من المخلوقات والتي تحكمه فلا يخرج من إطارها إلا بإذن الله

وإذا أردنا أن نعرف ذلك فلنرجع إلى قصة سليمان حين أراد إحضار عرش بلقيس ملكة سبأ قبل أن تصل الملكة إلى مجلسه وكانت بلقيس ملكة سبأ قد غادرت مملكتها في طريقها إلى سليمان

يروى لنا القرآن الكريم هذه القصة فيقول

قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ

الآية 38 سورة النمل

من هم الملأ الذين كان يخاطبهم سليمان ويطلب منهم أن يأتونه بعرش ملكة سبأ الله سبحانه وتعالى يذكر لنابعضا منهم في قوله عز وجل

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ

الآية 17 من سورة النمل

إذن عرفنا من هذه الآية الكريمة أن جنود سلميان من الجن والإنس وغيرهم

هل عندما تكلم سليمان وطلب إحضار عرش ملكة سبأ قام إنسان وقال أنا سأحضره هل قام إنسان يمتاز بقوة شديدة وخفة في الحركة وقال سأحضره لك لا سكت الإنس جميعا حتى أقوى إنسان موجود في مجلس سليمان لم يجرؤ على أن يفتح فمه لأنه يعرف أنه عاجز عن أن يأتي بعرش بلقيس لأن قوانين مادته تحكمه فهو غير كفئ لهذه العملية

الأدنى والأعلى


لقد سكت الإنس جميعا لأن هذا الطلب فوق قدرة قوانينه هل تكلم الجن على إطلاقهم لا سكت الجن الضعيف والذي تكلمم هو عفريت من الجن أي من أقوى الجان وأقدرهم ماذا قال العفريت

يقول الحق سبحانه وتعالى

قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ

الآية 39 من سورة النمل

وكيف تصدى عفريت الجن لذلك لأن قوانينه تتيح له أن يسبق البشر فهو يستطيع أن يذهب إلى قصر ملكة سبأ ويحضر العرش قبل أن تصل الملكة إلى مكان سليمان وهو بحكم قوانينه أقوى وأقدر وحدد المدة بأنها قبل أن يقوم سليمان من مجلسه

وكم يستغرق مجلس سليمان ساعة أو ساعتين أو نصف يوم أو أكثر او أقل المهم أن عفريت الجن في هذه المدة المحدودة سيأتي بعرش ملكة سبأ إلى مجلس سليمان

وهنا برز تحد آخر من الذي عنده علم من الكتاب إنسان أعطاه الله سبحانه وتعالى وهو الأدنى في قوانينه خصوصية تجعله أقدر من الأعلى قانونا وذلك حتى نعرف أن القوانين لاتحكم إرادة الحق سبحانه وتعالى ولكن إرادة الحق جل جلاله وهو خلق هذه القوانين تستطيع أن تبدل قانون الأدنى بحكم خلقه لتجعله يتفوق على الأعلى بحكم الخلق أيضا ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى

قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ

من الآية 40 سورة النمل

وهكذا أعطى الله سبحانه وتعالى من الخصوصية لإنسان ماجعله يتفوق على من هم أعلى منه في قوانين الخلق ويفعل مالايستطيعون أن يفعلوه وذلك بعلم علمه الله له الكتاب

وتغيرت القوانين


وهكذا نرى أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يغير من قوانين خلقه مايشاء ولكن ليس هذا كل مايحدث بل إن الله سبحانه وتعالى جعل قوانين مختلفة لنفس الخلق في أطوار حياتهم المختلفة فالإنسان الذي يموت مثلا وينتقل إلى حياة البرزخ يرى مالايراه الإنسان الذي مازال في مرحلة الحياة الدنيا فإذا قرأت القرآن الكريم تجد الحق سبحانه وتعالى يخبرنا بذلك فيقول سبحانه

لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ

الآية 22 سورة ق

ألا يرى الإنسان الملائكة وهو يحتضر سواء كانوا ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب مصداقا لقوله جل جلاله

وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ

الآية 50 من سورة الأنفال

ولو حرف امتناع أي أننا لانرى ولكن الذي يحتضر يرى كما يرى ملك الموت الذي جاء ليقبض روحه إذن فهناك قوانين لكل مرحلة من المراحل التي يمر بها الإنسان في رحلة حياته

ولكننا سنضرب مثلا أسهل من هذا كثيرا سنضرب مثلا يحدث لكل واحد منا ويحدث له كل يوم وينتقل من قانون إلى قانون في لحظة الإنسان وهو مستيقظ خاضع لقوانين اليقظة فإذا نام انتقل إلى قوانين أخرى لاعلاقة لها بقوانين اليقظة فهو يرى وعيناه مغمضتان ويمشى ويجرى وقدماه لاتتحركان من فوق السرير ويتكلم ولسانه ساكن وهو يرى أشياء عجيبة لم يرها في حياته الدنيا ولا تخضع لقوانين العقل

فقد يرى أنه يطير في الجو بجسده وأنه يسقط من فوق جبل عال ولايحدث له شئ بل وأكثر من ذلك فإنه يرى الذين انتقلوا إلى رحمة الله منذ سنوات ويستمع إليهم ويكلمهم ويكلمونه وتحدث له أشياء يرفضها العقل والمنطق ولكنه يراها في منامه تحدث

ماهي القوانين التي يخضع لها الإنسان عند النوم

لاأحد يعرفها ولا يستطيع أن يحددها ولكنها مختلفة تماما عن قوانين اليقظة

وهكذا ينتقل الإنسان من قانون إلى قانون مختلف تماما بمجرد أن يضع جسده على السرير ويغمض عينيه لينام وإذا استيقظ انتقل إلى قانون اليقظة في قدرته المحدودة واستخدام حواسه البشرية لمعرفة مايدور حوله فإذا نام مرة أخرى انتقل إلى قانون النوم بكل مايعطيه من قواعد تختلف تماما عن حالة الاستيقاظ وهكذا كما ترى فإن الإنسان نفسه ينتقل من قانون إلى قانون في لحظة وبمنتهى السهولة دون أن يدري أو يحس أن هناك شيئا غير عادى قد حدث له فإذا كان صلى الله عليه وسلم خير خلق الله في معجزة تتم بقدرات الله جل جلاله بلا شك أنه ينتقل من قانون إلى قانون إلى قانون حتى يصعد إلى السماء السابعة ولايجب أن يندهش أحد لذلك أو يشك فيه لأننا نحن البشر العاديين ننتقل من قانون إلى قانون إلى قانون ونشهد ذلك ونعرفه

فوق قدرة العقول


وإذا أردنا أن نتحدث عما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في معجزة المعراج فإنه كثير وكثير جدا ولكننا يجب أن نفهم أنه إذا كانت معجزة الاسراء هي معجزة تحد للبشر فإن الإسراء لم يأت هكذا لأنه الله سبحانه وتعالى جعل رسوله صلى الله عليه وسلم يرى مالا تتسع عقول البشر لإدراكه بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال المعراج رأى الجنة ورأى النار بما فيهما ولكن هل تتسع عقول البشر لإدراك معني الجنة إن في الجنة مالاعين رأت ولاأذن سمعت ولاخطر على قلب بشر

وبما أن المعنى يوجد أولا ثم يأتي اللفظ بعد ذلك فلا توجد ألفاظ بشرية تستطيع أن تصف مافي الجنة ولذلك لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يجد الألفاظ التي يمكن أن تعبر عما رآه في الجنة والتي يمكن أن تعبر عن كثير مما شهده الرسول صلى الله عليه وسلم

ولذلك فإن المعراج كان تثبيتا للرسول عليه الصلاة والسلام وليعرف البشر أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى لرسوله صلى الله عليه وسلم أشياء فوق مقدور عقولهم وفوق مقدور تصور البشرية كلها وهذا يعطينا مؤشرين

أولا منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه تلك المنزلة التي فاقت البشرية كلها وتعدتها إلى تفضيل لم يعطه الحق سبحانه وتعالى لأحد من خلقه

وثانيا إن كل شئ سيحدث في الدنيا وفي الآخرة موجود عند الله سبحانه وتعالى وهو جل جلاله يبديه لنا عندما يشاء ولكن لاشئ يخرج عن علمه وكل شئ موجود في علمه ولذلك فلله سبحانه وتعالى أمور يبديها ولايبتديها أي أنها موجودة في علمه جل جلاله ولكنه يبديها لنا فنعرفها

ولعلنا إذا التفتنا لآيات القرآن الكريم نجد قول الحق سبحانه وتعالى

إنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

الآية 82 من سورة يس

وعلينا أن نتنبه إلى قول الحق جل جلاله له أي إن هذا الشئ موجود على أننا هنا لابد أن نلتفت إلى أنه وإن ذكر الزمن في الإسراء فإنه لم يذكر في المعراج

لماذا لأن وجود الزمن في الإسراء كان له مبرر وهو الآيات البشرية التي رآها رسولنا صلى الله عليه وسلم والتي كانت دليلا عقليا على حدوث المعجزة ومادام الحق سبحانه وتعالى قد أعطى الدليل العقلى في أنه خرق قوانين الكون لرسول في أمر حسى تدركه العقول وأن غاب عن الحواس فالله جل جلاله الذي خرق القوانين في المعجزة الأرضية قادر على أن يخرقها في الصعود إلى السماء

إذن فرحمة بعقولنا جعلنا الله بالدليل العقلى نتأكد من حدوث معجزة الإسراء حتى إذا حدثنا عن صعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء فإننا نصدق فالأرض أرض الله والسماء سماؤه وهو قادر على أن يغير القوانين في الأرض والسماء

آيات السماء


ولكن أحدا منا لم يصعد إلى السماء ثم يعود إلى الأرض حتى يمكن أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصف له مافي السماء كما سألوه أن يصف لهم بيت المقدس إذن فالمعجزة هنا في المعراج لاتحتاج إلى زمن كما احتاجت معجزة الإسراء فلذلك فالزمن فيها لم يذكر وليس عاملا هاما يلزم وجوده

رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في السماء الأولى آدم وفي السماء الثانية رآى يحيى وعيسى عليهما السلام وفي السماء الثالثة رآى يوسف وفي السماء الرابعة رآى إدريس وفي السماء الخامسة رآى هارون وفي السماء السادسة رآى موسى وفي السماء السابعة رآى إبراهيم كل هؤلاء أنبياء الله على نبينا وعليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام

هل هذا الترتيب الذي رآه الرسول للأنبياء في السموات يعني أفضلية نبي على نبي أم أنهم جميعا في منزلة عالية

نقول إن الترتيب لايعني أبدا أفضلية والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز

كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ

من الآية 285 سورة البقرة

إذن فالتفرقة هنا غير موجودة والقرب والبعد من الله سبحانه وتعالى ليس بالمسافات بل إن القرب والبعد بين الإنسان والإنسان لاتتحكم فيه المسافة المادية فقد يكون هناك إنسان يجلس إلى جوارك بينك وبينه أمتار ومع ذلك فهو بعيد عنك لايخطر على بالك ولاتحس به وإنسان بعيد عنك مئات الأميال ومع ذلك فهو قريب من نفسك فأنت تفكر فيه طول الوقت وتحس به كل لحظة وهو أقرب إلى نفسك ممن يعيشون معك

وهذا يفسر لنا معنى قرب الله من الناس لأنهم مشغولون به وبعبادته وذكره وتسبيحه ولايدخل في ذلك المسافات

معنى مشاهد المعراج


رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أشياء كثيرة في المعراج لن نتعرض لها جميعا ولكننا سنعطى فقط بعض الأمثلة

مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم يزرعون ويحصدون في يوم وكلما حصدوا عاد الزرع في نفس ساعة الحصاد كما كان قبل أن يحصد فسأل جبريل من هؤلاء قال هؤلاء هم المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة إلى سبعمائة ضعف وماأنفقوا من شئ فإنه يضاعف لهم

ورآى عليه الصلاة والسلام امرأة عجوز حاسرة عن ذراعيها عليها من كل زينة فلما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها قال جبريل هذه هي الدنيا

وهذا المثل يقرب إلينا معنى الحياة الدنيا وهي أنها تغري الناس بزينتها وتفتنهم ولكنهم لايأخذون منها شيئا

لماذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا في صورة امرأة عجوز لأنه لم يبق من عمر الدنيا الكثير فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار أصبعيه وهذا دليل على أن الساعة قد اقتربت ولم يبق من عمر الدنيا الكثير ولذلك فهي تبدو كامرأة عجوز

ولكن الإنسان لايحب ان يشغل نفسه بعمر الدنيا لأن عمر الدنيا لايقاس بما بقى من حياة الكون ولكن يقاس بعمرك أنت فيها وإذا كان متوسط عمر الإنسان ستين أو سبعين سنة فبقاؤك في الدنيا قصير وحدد بعمره وينتهى

فكأن الدنيا مهما أعطتك فإن عمرها بالنسبة لك قصير ستين أو سبعين سنة ولذلك فهي تبدو دائما كامرأة عجوز لأن الإنسان لايمكث فيها إلا قليلا

الرؤوس والصلاة


ثم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أشخاصا يرضخون رؤوسهم بالصخر أي يضربونها بالصخر بشدة حتى تشق وتسيل منها الدماء ثم تعود كما كانت ويعودون هم مرة أخرى ليضربوا رؤوسهم بقوة في الصخر ثم تعود كما كانت فقال الرسول الكريم من هؤلاء ياجبريل قال هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة

هذا المثل يرينا أن العقوبة تأتى من واقع الأوامر المنهجية فكما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن والخمر فاختار اللبن فقيل هديت إلى الفطرة لأن الفطرة بطبيعتها نقية واللبن نشربه لاصنعة للإنسان فيه بينما الخمر لابد أن نترك الثمر الذي تصنع منه حتى يتعفن ويتخمر واللبن لأننا نشربه كما خلقه الله يحفظ لنا عقولنا وأجسادنا سليمة بينما الخمر لأنها دخلت فيها صناعة البشر تفسد العقل وتعطله والله سبحانه وتعالى يريد عقل الإنسان واعيا حتى ينفذ التكاليف من صلاة وزكاة وصيام وغير ذلك هذا العقل عندما تغيبه بالخمر فكأنك بفعلك هذا رددت على الله نعمته الكبرى التي تمكنك من أداء التكاليف فيكف تصلى أو تصوم وعقلك غائب

إذن تغييب العقل هنا جريمة كبرى في حق التكليف فإذا جئنا إلى المتكاسلين عن الصلاة فإن الذي يجعل الإنسان يتكاسل عن الصلاة هو عقله وفكره لأن العقل يصور له أنه لو ترك البيع فسيفلس وسيذهب رزقه فيستمر في التجارة ويتكاسل عن الصلاة أو يفكر في مشاكل أخرى خاصة بحركة الحياة ويتكاسل عن الصلاة ولذلك جاء العقاب في المكان الذي يوجد فيه العقل مناط التكليف لأن المجنون والذي لايكتمل عقله لايكلف

ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال المعراج قوما تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت فسأل من هؤلاء ياجبريل قال هؤلاء خطباء الفتنة الذين يقولون مالايفعلون وأي شئ في الدنيا قد لايتأثر في الفصل بين القول والفعل قدر تأثر منهج الله ذلك أن عالم الدين لابد أن يكون قدوة حتى يتبعه الناس ويستمعوا له

فعالم الكيمياء مثلا أو الفلك أو الهندسة قد يفعل مايشاء من سلوك غير قويم ولكن هذا لايؤثر على أن يأخذ عنه الناس علم الهندسة أو الطب أو الكيمياء أو غير ذلك إلا عالم الدين إذا لم يكن قدوة دينية وسلوكية انصرف عنه الناس ورفضوا أن يأخذوا عنه دينهم

ولذلك فإن خطباء الفتنة هؤلاء الذين قالوا شيئا وفعلوا شيئا مخالفا صرفوا الناس عن دينهم لأن الله سبحانه وتعالى قد مكنهم من الدين ومن وعظ الناس ومع ذلك لم يرعوا هذه النعمة بأن يكونوا قدوة دينية سلوكية ويعملوا بمنهج الله بل انطلقوا يعملون غير ما أمر به الله وعندما أحس الناس بذلك رفضوا أن يأخذوا عنهم العلم وضلوا

ولذلك تقرض شفاههم وألسنتهم التي كانت سببا في أن ينصرف الناس عن الدين وأن يبتعدوا عن منهج الله

ويلفتنا الحق تبارك وتعالى الى ذلك فيقول

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ   *  كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ

الآيتان 2 و 3 سورة الصف

مسئولية الكلمة


ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صخرة يخرج منها ثور كبير ويريد الثور أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع قال جبريل لما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا مثل الرجل يعطى الوعد ويقسم عليه ثم لايستطيع أن يفي به ولا أن يرجع فيما وعد وأقسم ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يطالبنا بألا نكثر من القسم وألا نعد بشئ إلا ونحن قادرون على الوفاء به ولذلك يقول الحق جل جلاله

وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

الآية 94 سورة النحل

وقوله تبارك وتعالى

وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا

من الآية 91 سورة النحل

والرجل يقول الكلمة ويعطى العهد وقد لايتنبه ان عليها حسابا ويحاول الرجوع فيها فلا يستطيع

على أن هناك مرائي كثيرة رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعراج وهناك الآية الكبرى التي أراها له الله وهناك سدرة المنتهى التي وصل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهناك الكثير مما سنتحدث عنه