البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــة العـــامـــه

الإسـراء والمعــراج

 

 
 

للامام الشيخ المرحوم محمد متولي الشعراوي

 
 

 
   
 

مـن مكــة الى بيت المقدس


تحدثنا عن الأسراء وكيف أنه تم بالروح والجسد وأن الله سبحانه وتعالى قال أسرى بعبده لأن الأنبياء جاءوا ليعلموا البشر العبودية لله التي هي أسمى مراتب الإيمان ثم تحدثنا عن المعجزة وكيف أن إسراء رسول الله صلى الله عليه وسلم استغرق زمنا وكيف أنه تم ليلا وما هي الحكمة في ذلك

قال الله سبحانه وتعالى

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى

من الآية الأولى سورة الاسراء

حدد الحق جل جلاله من أين بدأ الإسراء وإلى أين انتهى والمسجد الحرام هو مكان الكعبة المشرفة وهو أول مسجد وضع للناس في الأرض منذ بداية الخلق إختار الحق سبحانه وتعالى مكانا في الأرض هو مسجده مصداقا لقوله جل جلاله

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ

الآية 96 من سورة آل عمران

فكأن البيت الحرام كان موجودا في الأرض من قبل أن تطأها قدم بشر والناس تعتقد أن البيت الحرام هو الكعبة المشرفة نقول إن هناك فرقا بين مكان البيت والعلامة الدالة على المكان أو كما يقولون المكين فمكان البيت هو هذه البقعة المباركة في مكة المكرمة وليس المكان هو بقعة سطح الأرض فقط بل إن كل مافوق البيت إلى السموات هو تابع للبيت ولذلك نجد أن بعض الناس الذين يذهبون للحج يصلون في الطابق الثاني مثلا وهو أعلى من مستوى ارتفاع بناء الكعبة المشرفة نقول إن صلاتهم صحيحة لأن البيت يمتد إلى السموات ولذلك فإن ماعلى البيت هو من البيت وفي نفس الوقت فإن ماهو تحت البيت ممتد إلى باطن الأرض هو من البيت أيضا

ذلك أن جو المسجد هو من المسجد والملائكة والرحمات تتنزل على المصلين ولذلك عندما نجد في بعض المساجد مكانا مخصصا للسيدات في الدور الثاني مع أن الإمام يقف الدور الأول أي أن المصليات يعلون الامام نقول إن صلاتهن صحيحة

وقد تحدثت عن المساجد الموجودة في اسفل العمارات وقلت أنها لاتعتبر مساجد إلا في حالات الضرورة

ذلك أن جو المسجد في هذه الحالة توجد فيه الحائض ويوجد فيه الذين لم يتطهروا وهؤلاء يمنعون نزول الملائكة والرحمات لأنها محتاجة إلى جو طاهر ولذلك تعتبر المساجد اسفل العمارات أماكن لصلاة الجماعة ولا تعتبر مسجدا إلا في حالات الضرورة

معنى المسجد الحرام


المسجد الحرام أو البيت الحرام هو المسجد الوحيد الذي يوجد في الأرض باختيار الله سبحانه وتعالى لمكانه أما المساجد الموجودة في الأرض فهي مساجد باختيار خلق الله لأماكنها ولذلك جعل المسجد الحرام الذي شرفه الله باختياره قبلة لكل مساجد الأرض التي قامت باختيار خلق الله لأماكنها

والمسجد يطلق على مكان السجود وكل مكان تسجد فيه هو مسجد لك ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلت الأرض لي مسجدا وطهورا أي أنه تصح الصلاة للمسلم في أي بقعة في الأرض

المسجد الحرام وجد قبل أن ينزل آدم إلى الأرض وقيل أنه في عهد نوح حين أهلك الله سبحانه وتعالى أهل الأرض الكفار بالطوفان طمست المياه العلامة التي يتعرف بها الناس على مكان البيت ولكن البيت نفسه باق كبقعة مباركة من الأرض

وعندما جاء ابراهيم عليه السلام أمره الله سبحانه وتعالى أن يقيم القواعد من البيت أي يقيم العلامات التي يتعرف بها الناس على مكان البيت

ولكن هل كان ابراهيم يعرف المكان رغم أن الطوفان قد أزال العلامات الدالة على المكان لم يكن ابراهيم عليه السلام يعرف المكان ولذلك بينه الله له وأرشده إلى مكانه وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى

وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا

من الآية 26 سورة الحج

وهكذا دل الله سبحانه وتعالى ابراهيم على مكان البيت وأمره بأنه يأخذ زوجته هاجر وابنهما اسماعيل ويتركهما في مكان البيت ليقيما هناك وفجر لهما بئر زمزم لتوجد الحياة حول البيت فلاتضيع معالمه بعذ ذلك وأمر الله إبراهيم وابنه اسماعيل أن يقيما القواعد من البيت كعلامة ليعرف الناس مكان بيت الله الحرام فأقاما بناء الكعبة المشرفة وحفظها الله تبارك وتعالى إلى يومنا هذا لتبقى دليلا لكل خلقه على بيت الله الحرام

السجود والانسان


على أننا نلاحظ أن الحق جل جلاله قال

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى

من الآية الأولى سورة الإسراء

والمسجد هو مكان السجود كما بينا والصلاة التي نعرفها لم تفرض إلا بعد الإسراء والمعراج فيكف يأتي القرآن الكريم بوصف المسجد وهو مكان السجود بالنسبة للمسجد الحرام وبالنسبة للمسجد الأقصى مع أن الصلاة كما نعرفها لم تكن تقام في المسجد الأقصى الذي أخذ هذا الاسم من أنه كان أقصى مكان وصل إليه العرب في رحلاتهم وتجارتهم قبل الإسلام

نقول الإنسان سجد لله سبحانه وتعالى منذ نزل على الأرض وأن السجود لله في الأمم السابقة وإن كان يختلف عن الطريقة التي نسجد بها فإنه كان موجودا وإذا قرأنا قول الحق سبحانه وتعالى لإبراهيم عليه السلام

وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ

من الآية 26 سورة الحج

نعرف أنه كان هناك سجود لله سبحانه وتعالى في عصر إبراهيم وقبل عصر ابراهيم ومنذ نزل منهج السماء إلى الأرض شرع السجود ونجد أنه كان في اليهودية سجود مصداقا لقوله تبارك وتعالى لبني اسرائيل

وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا

من الآية 154 سورة النساء

وهكذا نرى أن السجود كان مفروضا في اليهودية وكذلك كان في النصرانية مصداقا لقول الحق جل جلاله

يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ

الآية 43 سورة آل عمران

إذن السجود لله سبحانه وتعالى شرع بالنسبة للإنسان منذ خلقه الله سبحانه وتعالى على أننا اذا تحدثنا عن كلمة مسجد فلا بد أن نفرق بين الأماكن التي تخصص للعبادة فقط والأماكن التي تصلح فيها العبادة مع حركة الحياة

لقد اتفق على أن يسمى كل مكان يخصص للعبادة مسجدا وإن كانت الأرض كلها مسجدا طهورا لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن هناك فرقا بين أرض تخصص للعبادة فقط وأرض تصلح لحركة الحياة

المصنع فيه حركة الحياة وعندما يحين وقت الصلاة يباح لك أن تصلى فيه والأرض المزروعة فيها حركة الحياة وتصلح للصلاة ولكن إذا جئنا وميزنا وحددنا بأن هذا المكان مسجد أصبح مقصورا على الصلاة والعبادة فقط وأي شئ غير العبادة لايجب أن يتم فيه ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جاء يبحث عن جمله الضال في المسجد لارد الله عليك ضالتك وقال للذي حضر إلى المسجد ليعقد صفقة تجارية لابارك الله لك في صفقتك لماذا

لأن المسجد مخصص لعبادة الله فإياك أن تشغل نفسك بأمور الدنيا فيه إن معنى أن الأرض كلها مسجد أنها تصح فيها الصلاة وتصح فيها حركة الحياة ولكن المكان الذي خصص ليكون مسجدا لاتصح فيه حركة الحياة

ولذلك فالمساجد تحت العمارات لايتوافر فيها هذا الشرط لأنه يوجد في جو المسجد وجو المسجد كما بيينا مسجد نقول يوجد في جو المسجد حركة حياة يوجد فيه الجنب والحائض والرجل الذي يأتي أهله إذن لم تعد سماؤه مسجدا

وقبل أن يتعلم المسلمون الطيران كان يحرم على الطيار الأمريكي غير المسلم أن يطير في جو مكة لأن جو الحرم هو من الحرم ولا يجوز لغير المسلم أن يدخل الحرم

ماهي البركة


رحلة الإسراء كانت من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وقصى يعنى بعيد وأقصى يعنى أبعد وكما قلنا إن المسجد الأقصى كان أبعد مكان تصل إليه القوافل قبل الإسلام وإذا أكملنا الآية الكريمة نجد أن الحق سبحانه وتعالى يقول

إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ

من الآية الأولى سورة الاسراء

ماهي البركة البركة هي أن يعطي الشئ أكثر مما هو متوقع له فمثلا إذا أتينا بطعام يكفي ثلاثة أشخاص واجتمع حول المائدة عشرة أشخاص وأكلوا وشبعوا نقول إن هذا الطعام فيه بركة لأنه كان متوقعا أن يكفي ثلاثة أشخاص ولكنه كفى عشرة وكذلك كل شئ يعطي أكثر مما هو متوقع له

المال القليل إذا كفاك فترة طويلة يكون فيه بركة والثوب إذا ظل معك سنوات وسنوات دون أن يبلى يكون فيه بركة والبركة مادية دنيوية أو روحية دينية البركة التي ينتفع بها المؤمن والكافر دنيوية فقط أم البركة الدينية فلا ينتفع بها إلا المؤمن وفي ذلك يلفتنا الحق تبارك وتعالى في قوله

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

الآية 32 سورة الأعراف

هذه الآية الكريمة تلفتنا إلى أن نِعَمَ الله سبحانه وتعالى في الدنيا هي للمؤمن والكافر أما في الآخرة فهي للمؤمنين وحدهم

المؤمن والكافر في الحياة الدنيا يشرب الماء العذب البارد ليطفئ ظمأه أما في الآخرة فإن الكافر إذا طلب الماء جاءوا له بماء يغلى ومن شدة غليانه فإن مجرد اقتراب كوب الماء من وجهه يشوى وجهه فإذا شربه فإن الماء يغلي في بطنه

والدنيا فيها طعام مختلف ألوانه للمؤمن والكافر كل يختار حسب مايشتهي وحسب الرزق الميسر له فإذا جاءت الآخرة كان للكافر طعام من ضريع ملئ بالشوك لايسد جوعه ولكنه يقطع أمعاءه

والمؤمن والكافر في الدنيا يتمتعان بالثياب كل حسب قدراته هذا يلبس حريرا وهذا يلبس صوفا وهذا يلبس قطنا فإذا جاءت الآخرة وطلب الكافر الثياب فثيابه من نار تشوى جسده

وكل منا في الدنيا يذهب إلى فراشه ليلا ليستريح وينام على فراش من قطن أو من ريش أو غير ذلك كل حسب مقدرته فإذا جاءت الآخرة كان للكافر فراش من نار من فوقه ومن تحته لاتجعله ينام أبدا

وهذا معنى الآية الكريمة التي تبين لنا أن النعم في الدنيا للمؤمن والكفار أما في الآخرة فهي للمؤمن وحده

إذن البركة الدنيوية ينتفع بها المؤمن والكافر لأنها عطاء ربوبية من الله رب العالمين الذي خلق البشر كلهم واستدعاهم لكونه وكفل لهم أرزاقهم ولذلك فهو يعطيهم من كل الخير أيا كانت صوره دون تفرقة بين مؤمن وكافر

وهناك بركة دينية يختص بها الله عباده المؤمنين فقط

المسجد الأقصى جعل الله سبحانه وتعالى حوله بركة دنيوية وبركة دينية لأنه شهد رسل الله كلهم ابراهيم واسحق ويعقوب وزكريا ويحيى وموسى وعيسى وهو مهبط الوحي على كل هؤلاء ومن هنا كانت فيه بركة دينية

ومعنى قول الحق الذي باركنا حوله اي اوجدنا حوله بركتين بركة مادية فيما تعطي الأرض وفيما يأتي إليه من ثمرات وبركة دينية خاصة بالقيم التي أُنزلت من السماء ومن اتبعها أخذ بركة الآخرة وكانت له نعم في الآخرة لاتعد ولاتحصى فكأن الكافر يأخذ بركة الدنيا والمؤمن يأخذ بركتي الدنيا والآخرة

ورأى الرسول آيات


وإذا قرأنا قول الحق سبحانه وتعالى 

لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ

الآية الأولى من سورة الإسراء

نجد أن الحق سبحانه وتعالى قد حدد مهمة الإسراء من مكة إلى بيت المقدس وهي أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من آيات ربه وكلمة الآيات لاتقال على كل شئ موجود وإنما تقال على الموجو العجيب فيقال هذا آية في الجمال أو آية في الذكاء أي جماله مبدع أو ذكاؤه مفرط والآيات أطلقت على عدة إطلاقات فهناك آيات الكون التي يراها المؤمن والكافر مثل قول الحق سبحانه وتعالى

وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ

الآية 37 سورة فصلت

وتطلق الآية ايضا على المعجزات التي يخرق سبحانه وتعالى بها قوانين الكون لأنبيائه لإثبات صدق بلاغهم عن الله وتطلق على آيات القرآن الكريم

الآيات التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمان آيات أرضية وهي تلك التي شاهدها خلال معجزة الإسراء وهي ماتحدثنا عنه ورؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأشياء وهو يقطع هذه الرحلة فوق البراق بين السماء والأرض هي من آيات الله أن يريه كل هذا بهذه الدقة وهو بعيد عن الأرض ولكن هناك آيات أخرى من آيات الله سبحانه وتعالى عجائب لم يرها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تجازو عليه الصلاة والسلام في رؤيته لآيات الله منزلة أقرب الملائكة إلى الله وهو جبريل عليه السلام وهذا ماسنتحدث عنه في الفصول القادمة

إذن فهدف الإسراء والمعراج هو أن يُري الله جل جلاله رسوله صلى الله عليه وسلم من الآيات مايذهب عنه الضيق والحزن الذي أصابه عليه الصلاة والسلام من جحود أهل الأرض وإيذائهم وعنادهم ويؤكد له أن السماء بملكوتها الواسع وآياتها العجيبة تحتفى به

وقول الحق سبحانه وتعالى

إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ

من الآية الأولى من سورة الإسراء

والسميع هو من يدرك الكلام والبصير هو من يدرك الأفعال والمرائى والله جل جلاله سمع لأقوال رسوله صلى الله عليه وسلم بصير بأفعاله سميع لأقوال خصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصير بأفعالهم

الله عز وجل يسمع ويرى القوم يكذبون محمدا عليه الصلاة والسلام ويؤذونه بفاحش القول والكلام وبصير بما فعلوه حين قذفوه بالحجارة وأدموا قدميه الشريفتين وسميع وبصير برسوله الكريم وهو يناجيه إلى من تكلني وهو يقول إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولذلك كانت استجابة السماء ليعرف الرسول الكريم أن كل مايلقاه من كفر أهل الأرض وعنادهم ليس غضبا عليه من الحق سبحانه وتعالى ولكن لأن محمدا عليه الصلاة والسلام من أولى العزم من الرسل وأراد الله سبحانه وتعالى أن يؤكد لرسوله صلى الله عليه وسلم بالغ رضاه عنه فأراه من آيات السماء ماعرف منه مدى رضاء الله عنه عليه الصلاة والسلام ومد حبه له

صلاة الرسول بالأنبياء


وكانت الآية الأولى أن رسول الله عليه الصلاة والسلام صلى إماما بالأنبياء جميعا في بيت المقدس وكانت هناك أكثر من وقفة للمشككين في هذا الدين كيف يصلى رسول الله صلوات الله عليه وسلامه بالأنبياء وهم موتى وهو حي

نقول إن الذين يثيرون هذا الكلام نسوا بداية الآية الكريمة في قوله تعالى

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ 

وأرادوا أن ينسبوا الأحداث لا إلى قدرة الله سبحانه وتعالى ولكن إلى بشرية رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم لم يقل هذا ولم ينسب الفعل إلى بشرية رسول الله وإنما نسب المعجزة كلها إلى قدرة الله جل جلاله

ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل سريت ولم ينسب الأفعال إلى نفسه وإنما نسبها إلى قدرة الحق جل جلاله وقال أسرى بي وإذا كنا نريد أن نناقش المسألة عقلا ومنطقا ألم يعط الله سبحانه وتعالى إلى عبد من عباده ورسول من رسله هو عيسى عليه السلام ألم يعطه القدرة على إحياء الموتى وعلى أن يخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا تدب فيه الحياة بإذن الله مصداقا لقوله تبارك وتعالى

أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ

من الآية 49 سورة آل عمرا ن

ألم ير الله جل جلاله عبدا من عباده وهو ابراهيم عليه السلام كيف يحي الموتى مصداقا لقوله عز وجل

قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

من الآية 260 سورة البقرة

فإذا كان الله تبارك وتعالى قد أعطى بإذنه لعبدين من عباده هذه القدرة فما بالك إذا كان الفعل مباشرة من الحق جل جلاله ولم يكن بواسطة عبد من عباده ألا تكون القدرة أكبر والإعجاز أعلى

وكما قلنا إن الذي يحكم مايراه أي خلق من خلق الله والقانون الذي يخضع له هذا الخلق وسواء غير الله سبحانه وتعالى قانون بشرية رسوله صلى الله عليه وسلم ليصلى بالأنبياء أو يكون غير قانون برزخية الأنبياء ليصلي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله جل جلاله قادر على الفعلين ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إماما بالأنبياء وتمت هذه الصلاة بالكيفية التي أرادها الله سبحانه وتعالى وبالصورة التي قدرها جل جلاله

وإذا قال قائل كيف صلى رسول الله عليه الصلاة والسلام بالأنبياء ولم تكن الصلاة المكتوبة في الإسلام قد فرضت نقول إن الله تبارك وتعالى قادرعلى أن يوحى لأنبيائه بالصورة التي تتم عليها الصلاة كما يريدها سبحانه وكما يتقبلها تبارك وتعالى

إلى هنا وينتهي الإسراء ليبدأ المعراج والأحاديث التي وردت في إثبات معجزة الإسراء كثيرة بلغت العشرين حديثا أو أكثر والكلام الذي قيل عنها كثير بعضهم قال أنها بالروح وبعضهم قال بالروح والجسد وبعضهم قال رؤيا منام وبعضهم قال واقع يقظة

ولقد بينا بالأدلة كيف أن الإسراء يقظة بالروح الجسد ثم بدأ المعراج وعرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات حتى بلغ سدرة المنتهى وفرضت الصلاة التي تمت بالأمر المباشر من الله سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام وليست بواسطة الوحى

ماذا رأى رسول الله في السموات وكيف عرج إليها وكيف كان فرض الصلاة وماهي الآية الكبرى التي رآها الرسول الكريم في المعراج