البــدايـــة

القــرآن الكـريــم

الحديث النبوي الشريف

المكتبـه العـامـــه

المكتبـــة العـــامـــه

الإسـراء والمعــراج

 

 
 

للامام الشيخ المرحوم محمد متولي الشعراوي

 
 

 
   
 

لماذا كانت غيبا


قبل أن نمضى في حديث الإسراء والمعراج هناك سؤالان هامان لابد من الإجابة عليهما السؤال الأول لما تم الإسراء ليلا ولم يتم في وضح النهار

والسؤال الثاني لماذا أخذا الإسراء زمنا والله لازمن عنده

حادثة الإسراء بدأت عندما كان رسول الله عليه الصلاة والسلام نائما في الكعبة وقيل في بيته وقيل في بيت أم هانئ وكل الروايات صحيحة لأن رؤيا الأنبياء صادقة وتثبيت الأنبياء قبل المعجزات يأتي من الله سبحانه وتعالى حتى لايفاجأ الرسول بالمعجزة

فمثلا موسى عليه السلام أراد الله سبحانه وتعالى ان يرسله إلى فرعون والله تبارك وتعالى يعلم أن موسى سيواجه سحرة فرعون لذلك اراد الحق جل جلاله قبل أن يلقي موسى عصا فتتحول إلى حية تلقف حبال السحرة أراد الله جل جلاله أن يدرب موسى عليه السلام على هذه التجربة حتى إذا واجه السحرة وألقى عصاه فتحولت إلى حية لاينزعج ولا تأخذه المفاجأة فيخاف ولكن الله أراد لموسى أن يكون ثابتا وقت المعجزة ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى دربه عليها

فلما كان موسى عائدا إلى مصر مع زوجته رأى نارا فذهب ليأتي بجذوة من النار يتدفأ بها هو وزوجته لأن الليل في شتاء الصحراء يكون شديد البرودة

وحينئذ كلمه الحق سبحانه وتعالى فما ذا قال له

قال سبحانه وتعالى

وما تلك بيمينك ياموسى قال هي عصاى

وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى*  قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ

الآية 17 وجزء من الآية 18 سورة طه

والسؤال هنا يثير الاستغراب في النفس والله سبحانه وتعالى حينما يسأل موسى وما تلك بيمينك ياموسى هل لايعرف الحق جل جلاله أن مافي يمين موسى هي عصا نعم يعرف ولكن هذا ليس هو الهدف من السؤال إنما يهدف إلى أن يتأكد موسى يقينا أن مافي يمينه هي العصا حتى إذا تغيرت صورتها إلى هيئة أخرى لايهزه الحدث بل يتأكد من هذه معجزة من الله وإذا رآها تحدث أمامه مرة ثبت في المرة الثانية ولذلك قال له الحق جلا جلاله

قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى*  فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى

الآيتان 19 و 20 من سورة طه

لماذا لأن الله سبحان وتعالى يريد أن يمر موسى بتجربة تحول العصا إلى حية حتى إذا وقع هذا أمام فرعون والسحرة فإن موسى لايخاف وينزعج ولقد خاف موسى أثناء التجربة دخل الخوف إلى نفسه وهو يرى العصى تتحول إلى حية فثبته الحق سبحانه وتعالى وقال

قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى

الآية 21 سورة طه

وذلك حتى لايخاف موسى أمام فرعون والسحرة ويلتقط الحية وهو واثق أنها ستتحول مرة أخرى إلى عصا بل إن التجربة تعدت ذلك أنها أخذت أكثر من شكل واقرأ قول الحق تبارك وتعالى

وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ

الآية 31 سورة القصص

وهكذا نرى ان العصا خلال التجرة أخذت مرة شكل حية ومرة شكل جان وأن موسى خاف وجرى بعيدا من المفاجأة وكان هذا أثناء التجربة ولكن عندما تمت العجزة أمام السحرة وفرعون كان موسى ثابتا وهكذا فإن الحق سبحانه وتعالى في المعجزات يثبت أنبياءه بتجربة تحدث قبل المعجزة

رؤيا الرسول تتحقق


ورسول الله صلى الله عليه وسلم ألم يبشر بفتح مكة واراه الله سبحانه وتعالى في رؤيا أخبر بها أصحابه بها واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى

لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ

من الآية 27 سورة الفتح

وهكذا كانت الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث بها أصحابه أنهم سيدخلون المسجد الحرام إذن فهناك شئ اسمه رؤيا الإيناس وهي أن يرى النبي الشئ مناما أو يقظة حتى إذا ماأصبح حقيقة كان له أنس به وإلف به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لايرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح مايراه مناما لابد أن يتحقق ويصبح واقعا فمن قال إن الإسراء رؤيا منامية نقول له أنها رؤيا الإيناس أولا ورؤيا التذكير بالنعمة ثانيا وواقع الحادث ثالثا

وبذلك نخرج من كل الرويات المختلفة حتى الروايات التي تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسْرِىَ به من بيت أم هانئ والتي تقول إنه أسرى به من بيته والتي تقول إنه أسرى به من المسجد الحرام نخرج منها بنفس الفهم فقد جاءته الرؤيا مرة وهو عند أم هانئ وجاءته مرة وهو في بيته ومرة حقيقة واقعة وهو في المسجد الحرام فلا تضارب بين الرويات المختلفة ولابين رؤيا التثبيت والإيناس ورؤيا الواقع وأم هانئ ابنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بيتها قريبا من الكعبة

ولكن الحقيقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُسْرِىَ به من المسحد الحرام هذا هو إسراء الواقع وأن الإسراء تم بالروح والجسد وإن كان ذلك لايمنع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعرض لحدث الإسراء مناما وتعرض له روحا وتعرض له يقظة وواقعا على أن بعض الناس لايزالون يجادلون في أن الإسراء لم يتم بالروح والجسد وهم يستخدمون في ذلك النص القرآني الشريف في قولة تعالى

وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ

(من الآية 60 سورة الإسراء )

ويقولون الرؤيا لاتستخدم  إلا لما يرى في المنام أما مايرى في اليقظة فإننا نقول عنه رؤية نقول إذا كان المقصود هنا رؤيا منامية فكيف تكون فتنة للناس يصدقها بعضهم ويكذبها بعضهم لو كانت رؤيا منامية فلايمكن أن يناقشها أحد تصديقا أو تكذيبا كما بينا ونحن لايجب أن نأخذ بالشائع على ألسنة الناس

ولكننا إذا عدنا للغة العربية قبل أن ينزل القرآن نجد أن كلمة الرؤيا وردت أيضا للبصر وذكرت كذلك في كثير من قصائد الشعر لفحول الشعراء العرب والفرق الوحيد أنهم كانوا يستخدمون كلمة الرؤيا في البصر عندما يتحدثون عن الأشياء الغريبة التي تشبه الحلم فإذا استخدمنا الرؤيا بمعنى المشاهدة بالبصر فهذا لايتم إلا إذا رأينا أمامنا أمرا عجيبا وإلا لو كانت الرؤيا منامية ماكانت فتنة للناس فلا أحد يناقش الأحلام كذبا أو صدقا ولا تكون الرؤيا أبدا فتنة

وجاء جبريل


رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل وهو نائم في الكعبة وأيقظه ثم أتى له صلى الله عليه وسلم بالبراق وهو دابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل فركبها حتى أتى بيت المقدس فربطت الدابة في الحلقة التي يربط بها الأنبياء دوابهم

ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فصلى فيه إماما بالأنبياء وعندما خرج أتاه جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاختار اللبن فقال جبريل أصبت الفطرة

هنا يأتي السؤال الأول وهو

لماذا وقعت حادثة الإسراء والمعراج ليلا مادام الإسراء قد حدث بقدرة الله مصداقا لقوله سبحانه وتعالى سبحان الذي أسرى إذن فالفعل منسوب لله تبارك وتعالى

لماذا لم تقع المعجزة نهارا لماذا لم يأت الله سبحانه وتعالى بالبراق في وضح النهار ويستقله رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام الناس جميعا ويصعد به إلى السماء أمامهم حتى لايوجد من يكذب هذه الوقعة أو يجادل فيها

معجزة غيبية لماذا


معجزات الأنبياء حدثت كلها أمام أقوامهم فإبراهيم عليه السلام ألقى في النار وقومه يشاهدون وموسى عليه السلام انشق له البحر أمام قومه وعيسى عليه السلام حدثت معجزاته وشاهدها الناس جميعا فلماذا لم تتم معجزة الإسراء بهذه الكيفية واختار الله أن تتم ليلا ودون أن يشهدها أحد

نقول إنك لم تفهم الحكمة من المعجزة فرسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه الوحى بالقرآن الكريم خفية أي لايشهد أحد جبريل عليه السلام وهو ينزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم

إذن المسألة المطروحة هنا مسألة ايمانية أي إخبار بغيب وليست مسألة مشاهدة ورسول الله صلى الله عليه وسلم له معجزات حسية كثيرة فنبع الماء من بين أصابعه الشريفة وظله الغمام ووضع يده في طعام قليل فكفى جيشا بأكمله وطلب الكفار منه أن يدعو الله سبحانه وتعالى أن يشق لهم القمر فدعا الله وانشق القمر كآية وغير ذلك من المعجزات الحسية فهل آمن الكفار عندما رأوا هذه المعجزات لم يؤمنوا وقالوا ساحر سحر أعين الناس والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز

وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ

من الآية 59 سورة الاسراء

وهكذا نرى ان الآيات الكونية لم تجعل الناس يؤمنون بل أخذوا يفسرونها حسب أهوائهم فثمود قوم صالح مثلا طلبوا من نبيهم أن يخرج لهم من الصخرة ناقة فلما استجاب لهم الله لم يؤمنوا وعقروها

وموسى عليه السلام حينما انشق له البحر بعصاه وعبره بنوا إسرائيل وشاهدوا فرعون وجنوده وهم يغرقون كان أول شئ فعلوه انهم وجدوا قوما بعد العبور مباشرة يعبدون الأصنام فعبدوها واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ

من الآية 137 سورة الأعراف

وهكذا نرى أن المعجزة التي تمت لبنى إسرائيل بأن شق الله سبحانه وتعالى لهم البحر وجعلهم يعبرون معجزة كبرى تمت أمام أعينهم ومع ذلك لم يمض إلا وقت قصير لايزيد على ساعة أو ساعات وإذا بهم ينسون الله الذي حقق لهم المعجزة الكبرى وأنجاهم من فرعون وجنوده ينسون الله ويطلبون من موسى أن يجعل لهم أصناما يعبدونها إذن المعجزات التي خص بها الله سبحانه وتعالى أنبياءه لم تجعل إلا قليلا من الناس يؤمنون

ولذلك عندما طلب الكفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزات حددوها لم يحققها لهم الله لأن تاريخ البشرية ومن سبقوهم كذبوا بالمعجزات الحسية رغم أنهم رأوها كما أن المعجزات الحسية مقصود بها الذي رأوها فمن لم يرها غير مطالب بها ولا هو مقصود بها

ولكن الحق سبحانه وتعالى أراد أن تكون معجزة الإسراء دليلا إيمانيا يبقى إلى يوم القيامة لأن رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم باقية إلى يوم القيامة فجعلها غيبا عليه دليل مادى حتى تناقش بالعقل وتكون مدخلا للإيمان لأن الإيمان ليست أداته الرؤية فليس بعد العين أين ولكنه يتم بالدليل العلقى على أن ماهو غيب حدث فعلا ووجود الشئ مختلف عن إدراك وجوده وذلك واضح بالدليل العقلى فنحن مثلا لم نر الجراثيم إلا حديثا ولكنها كانت موجودة منذ بداية الخلق وعدم علمنا بها لم يبطل مهمتها في الكون

ومن هذا الدليل العقلى وغيره من الأدلة عن أشياء كانت موجودة في الكون ثم كشفها الله لنا فعرفناها مثل خصائص الغلاف الجوي أو الكواكب التي نكتشف منها المزيد مع مرور الزمن أو غير ذلك من هذا أقمنا الدليل العقلى على أن ماهو غيب عنا موجود وإن لم ندركه

المعجزة ودليل العقل


الحق سبحانه وتعالى يريد أن يعطينا بمعجزة الإسراء دليلا على أ ن رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغنا به من منهج يوحى إليه من السماء ولذلك كانت المعجزة غيبا وقام عليها الدليل العقلى فلو أن المعجزة تمت نهارا ورأى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصعد إلى السماء على البراق لقالوا إنما سحرت أبصارنا واقرأ قوله الحق سبحانه وتعالى

وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ

الآية 7 سورة الأنعام

وهكذا يلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلى أنه لو أنزل صحيفة من السماء فلمسها الناس بأيديهم لقالوا انها سحر وليست حقيقة فهذا هو السلوك البشرى والله أعلم بخلقه ولذلك لم تكن المعجزة الحسية تفيد في ان يصدقوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُسرى به ولكن الذي يبقى هو أن تكون المعجزة غيبا وعليها دليل عقلى لتؤكد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يوحى إليه

وهذا ماحدث المعجزة تمت غيبا ولكن عليها أكثر من دليل عقلى فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا بما حدث كان أول ماقالوه نحن نضرب إليها أكباد الإبل شهرا وأنت تدعى أنك أتيتها في ليلة واحدة أي أن الرحلة بين مكة وبيت المقدس كانت تستغرق منهم شهرا كاملا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه ذهب وعاد في ليلة واحدة وكان الرد العقلى على ذلك أن الله هو الذي أسرى برسوله ومحمد عليه الصلاة والسلام لم يدع أنه هو الذي أسرى بنفسه إذن القدرة هنا منسوبة لله جل جلاله

هذه واحدة والدليل العقلى الثاني أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم صف لنا المسجد الأقصى وقال رجل منهم أنا أعلم الناس ببيت المقدس فأخبرني كيف بناه وهيئته فرفع الله سبحانه وتعالى المسجد الأقصى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بناؤه كذا وكذا وأخذ يصفه وصفا دقيقا أذهل الحاضرين

وهنا لنا وقفة فلو كانت قريش تعلم أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قد سافر إلى بيت المقدس ولو مرة واحدة ماسألوه هذا السؤال ولكنهم كانوا على يقين أنه صلى الله عليه وسلم لم يذهب إلى المسجد الأقصى في حياته ولكنهم طلبوا أن يصفه لهم كنوع من التعجيز وقالت له قريش صف لنا ماذا رأيت في الطريق فقال إني مررت بقافلة لكم في مكان كذا وأن جملا قد ضل منهم وأن القافلة يتقدمها جمل لونه أسود وأنها ستصل إلى مكة في شروق يوم كذا فخرجوا يتنظرون وصول القافلة ليعرفوا إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صدقهم القول أم لا انتظروا طول الليل حتى أشرقت الشمس فصاح أحدهم الشمس أشرقت ورد عليه آخر والقافلة وصلت وكان يتقدمها الجمل الأسود الذي وصفه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

الذين ارتدوا


كل هذه كانت أدلة مادية عقلية على أن المعجزة قد حدثت وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُسْرِىَ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وقد فتن بعض المسلمين ولم يصدقوا وانطلقوا إلى أبي بكر رضي الله عنه وقالوا له أن صاحبك يزعم أنه جاء إلى بيت المقدس ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة فقال أبو بكر أوقال هذا قالوا نعم قال أبو بكر مادام قال فقد صدق

وعندما أبدى المسلمون دهشتهم قال أبو بكر رض الله عنه أنصدقه في خبر السماء ونكذبه في هذا وكان هذا القول من أبي بكر هو توضيح لحكمة الإسراء ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يأتيهم بالقرآن الذي ينزل به جبريل عليه والوحي غيب عنهم كان يجب أن يصدقوه في معجزة غيبية حدثت له أقام عليها الدليل العقلى والمادى فيعرفون أنه صادق وأن رسالته هي رسالة الحق

وهذا يبين لنا لماذا كانت معجزة الإسراء غيبا عن الناس ولماذا لم تحدث في وضح النهار وكان المفروض بعد هذه الأدلة المادية التي قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤكد أنه أُسرى به كان المفروض لكل إنسان له عقل أن يزداد إيمانا برسالة محمد عليه الصلاة والسلام ولكن الذين ارتدوا بعد إسلامهم عندما أخبرهم رسول الله عليه الصلاة والسلام بما حدث كانوا ضعاف الإيمان والله سبحانه وتعالى لم يكن يريد في أول الدعوة أن يحملها ضعيف الإيمان بل كان جل جلاله يريد رجالا أقوياء الإيمان يحملون دينه إلى الدنيا كلها لايهتزون أمام الترف الدنيوي الذي سيقابلونه في أرض ستفتح لهم كفارس والروم ولكي يكون الإيمان في قلوبهم أكبر مما تستطيع الدنيا كلها أن تعطيه

وحققت المعجزة هدفين


وهكذا حققت المعجزة هدفين أقامت الدليل العقلي والمادي على أن كل مايخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه هو صدق ولو كان غيبا عنا وخلصت الإسلام من ضعفاء الإيمان الذين لو كانوا قد استمروا على إسلامهم لاصابوا هذا الدين بالضرر البليغ ولم ينفعوه بشئ

بقي بعد ذلك السؤال الثاني وهو الله سبحانه وتعالى لازمن عنده فلماذا استغرقت معجزة الإسراء زمنا

ألم يكن الحق جل جلاله قادرا على أن يُسْرِىَ برسوله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في لحظة نقول إنه جل جلاله كان قادرا على ذلك ولكن لابد أن نفهم أن لكل خلق من خلق الله قانون وكل خلق منا يرى مايدخل في قانونه فالبشر لهم قوانين تختلف عن قوانين الجان فالجن مثلا لأنه مخلوق من نار يستطيع أن يتحرك أسرع ويسستطيع أن يتشكل بأشكال مختلفة ولكن الله سبحانه وتعالى رحمة بنا قد جعل كل من يتشكل بقانون يحكمه هذا القانون ولذلك إذا تشكل الجان في صورة إنسان وأطلقت عليه الرصاص قُتل لأنه خاضع لقانون البشر الذي تشكل به وكذلك الملائكة وكل خلق الله لهم قوانينهم الخاصة

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لابد أن يقيم الدليل المادي والعقلي على أنه قد أُسْرِىَ به ولذلك كان لابد أن يرى أشياء وأحداثا تخضع لقوانين البشر ليأتي ويرويها لأهل مكة كدليل على صدق المعجزة وأحداث البشر تحتاج إلى زمن فكل حدث بشرى حسب قوانين خلق الله للإنسان محتاجة إلى زمن فنحن بطبيعة قانوننا البشرى لانستطيع أن نفعل شيئا في لازمن بل لابد لك حدث من زمن

ولذلك اقتضت بشرية الأحداث التي سيراها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق بين مكة وبين المقدس أن يتم الإسراء في زمن وأن يستغرق وقتا ولو أن الحق سبحانه وتعالى لم يرد من رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقيم الدليل المادى والعقلي على صدق معجزة الإسراء لتمت المعجزة في لازمن ولكن لأنه جل جلاله أراد أن يعطي رسوله صلى الله عليه وسلم للناس الدليل المادى والعقلى على صدق المعجزة جعل المعجزة تتم في ليلة لتستوعب الأحداث البشرية فيها وكان هذا الوقت الذي استغرقه الإسراء هو من تمام المعجزة وكمالها