الدليل الغيبى
قد يكون عنوان هذا الفصل فيه تناقض ظاهرى مع موضوع الكتاب .. ذلك أننا لا نتحدث هنا عن الغيب .. ولكننا نتحدث عن الأدلة المادية التى يتحكم فيها العقل وحده ويشهد بها .. ولذلك قد يقال ما دمتم تتحدثون عن الدليل العقلي على وجود الله . فلماذا لجأتم إلى ..الغيب؟
نقول : إننا لم نلجأ إلى ما هو غيب كالملائكة والجنة والنار وحياة البرزخ إلى غير ذلك مما يغيب عن عقولنا .. ولكننا نأخذ من الدليل المادى ما يؤكد لنا أن الغيب قائم وموجود .. وأننا إن لم ندركه بعقولنا وأبصارنا . فليس معنى ذلك أنه غير موجود يؤدى مهمته فى الحياة .. ذلك أن وجود الشئ مختلف تماماً عن إدراك هذا الوجود .. فقد يوجد الشئ وأنت لا تدركه .. ومع ذلك فهو يؤدى مهمته فى .الحياة .. ثم تأتى نفحة من رحمة الله تجعلنا ندرك بعقولنا أن ما حسبنا أنه ليس موجوداً إنما هو موجود وقائم ويؤدى مهمته
وقبل أن نبدأ الحديث لابد أن نعرف أن هناك نوعين من الغيب .. غيباً نسبياً ، وغيباً مطلقاً
الغيب النسبي لا يعتبر غيباً فى علم الله وحده .. بل يمكن أن يعرفه البشر .. والغيب المطلق لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ما هو الغيب النسبي ؟ .. هو ما لا تعلمه أنت ولكن يعلمه غيرك
هب أن رئيس دولة ما اختار أحد الناس ليتولى منصب الوزارة .. ولكن هذا الاختيار لم يبلغ صاحبه .. إذن فهو غيب عن صاحبه .. ولكنه معلوم لرئيس الدولة ومكتبه إلى آخره .. ولنفرض أن لصاً سرق من بيتك شيئاً .. أنت حين اكتشفت السرقة لا .تعرف من الذى سرق .. ولا أين المسروقات ولكن الذى سرق يعرف نفسه ويعرف أين أخفى المسروقات .. الخ
إذن هذا غيب نسبى .. أى بالنسبة لك ولكنه معلوم بالنسبة لغيرك .. هذا الغيب قد يعرفه بعض الناس .. ولكن الغيب المطلق لا يعرفه .أحد
الله سبحانه وتعالى كشف لنا أنه يعلم الغيب النسبى والغيب المطلق .. وأعطانا الدليل على ذلك حتى نعرف أن ما سيقع فى هذا الكون ..موجود عند الله ، ومعلوم ومعد ، بحيث يخرج إلى الدنيا بكلمة كن .. ولذلك فإننا لابد أن نلتفت إلى آيتين كريمتين فى القرآن الكريم
:الآية الأولى قوله تعالى
إِنَّمَا
أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 82
الآية 82 من سورة يس
أى أن الله سبحانه وتعالى حين أن يريد أن يظهر لنا شيئاً يمارس مهمته فى الحياة .. فإنما يقول له كن .. فيخرج بكلمة كن من علم الله
سبحانه وتعالى إلى كون الله فنعرفه..فى هذه الآية لابد أن نلتفت إلى قوله تعالى: {يقول له} وما دام الحق سبحانه وتعالى يقول: {يقول .له} .. فمعنى ذلك أن هذا الشئ موجود .. وإلا لما قال الله : {يقول له} .. لأن الخطاب هنا لشئ موجود فعلا
..إذن فكل أحداث الكون وكل أحداث الدنيا والآخرة موجودة فى علم الله سبحانه وتعالى .. فإذا قال لها
{كن} خرجت إلى علم الناس
ولذلك فإن يوم البعث مثلا موجود بكل تفاصيله وأحداثه فى علم الله .. والجنة موجودة ، والنار أيضاً موجودة .. لذلك إذا قيل فى .{الحديث الشريف : {هذا رمضان قد جاء ، تفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب النار ، وتغل فيه الشياطين
قد يتساءل البعض كيف يحدث هذا والجنة لم تخلق بعد ، والنار لم تخلق كذلك .. لأن وقتهما لم يأت
نقول لا .. إنهما مخلوقتان فى :علم الله بكل ما فيهما .. فإذا جاء وقتهما أظهرهما الله .. وفى هذا يلفتنا الحق سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم
يَسْأَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ
رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً
يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا
عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
187
من الآية 187 من سورة الأعراف
اى ان الساعة بكل أحداثها موجودة عند الحق سبحانه وتعالى .. ولكنه لا يظهرها إلا عندما يشاء .. إذن فكل شئ موجود فى علم الله .وهو يظهره متى شاء وكيف شاء
:الاية الثانية قوله تعالى
أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
1
الآية الأولى من سورة النحل
كيف يقول الحق سبحانه وتعالى {أتى} أى حدث باستخدام الزمن الماضى ، ثم يقول : لا تستعجلوه باستخدام الزمن المستقبل .. أليس .هذا تناقضاً ؟
أعلى