العبد
والرسول
وهذه
واحدة أما الثانية فهي أن الله جل
جلاله يريد أن يثبت لنا أن العبودية
له هي أسمى المراتب التي يصل إليها
الإنسان فالعبودية لله عزة مابعدها
عزة وعطاء مابعده عطاء وإذا قرأنا في
سورة الكهف نجد قول الحق جل جلاله
فَوَجَدَا
عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا
آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا
وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا
عِلْمًا*
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ
عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا
عُلِّمْتَ رُشْدًا
الآيتان
65 و66 سورة الكهف
ونحن
نعلم أن موسى رسول الله وكليمه وان
الله كلم موسى ومع ذلك فقد كان هناك
عبد من عباد الله أعلم من موسى عليه
السلام واتبعه ليأخذ منه أو ليتعلم
عنه إذن فالحق سبحانه وتعالى يريد أن
يلفتنا إلى أن العبودية له وهي أعلى
الدرجات بدليل أنه سبحانه وتعالى
ذكر لنا في سورة الكهف قصة موسى
والخضر عليهما السلام ولم يكن رسولا
ولكنه كان عبدا فنال منزلة عالية عند
الله سبحانه وتعالى وأنزل الحق جل
جلاله عليه من فيوضات علمه مالم
ينزله على موسى عليه السلام
إذن
فقول الحق سبحانه وتعالى أسرى بعبده
وكلمة عبده هي حيثية الإسراء تقول إن
الحق سبحانه وتعالى أراد بها أن
الإسراء تم بالروح والجسد وأن منزلة
العبودية لله سبحانه هي منزلة عالية
جدا
ذلك
أن العبودية لله شرف فالعبودية
للبشرية نقيصة وذلة لأن السيد يريد
أن يأخذ خير عبده وأن يجرده من كل
حقوقه وماله ولكن العبودية لله عطاء
وقديما
قال الشاعر
حسب
نفسى عزا بأنى عبد
يحتفي
بي بــــلا مواعيد رب
و
في قدسـه الأعــز ولــــكن
أن
ألقـــــى متى وأيـن أحب
والله
سبحانه وتعالى يريد أن نعلم أن هذه
المنزلة الخصوصية لمحمد صلى الله
عليه وسلم لأنه عبد وهذا هو أعلى
مراتب الشرف والعطاء من الله
إذن
فقد عرفنا يقينا أن الإسراء تم
بالروح والجسد وكل النقاش الذي دار
حول معجزة الإسراء وكيف أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أتاها في ليلة
وهم يضربون إليها أكباد الإبل شهرا
هذا النقاش يعني ان الإسراء كان
بالجسد وإلا ماكانوا كذبوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم لو أن
الإسراء كان مناما أو بالروح فقط كما
يدعى بعض ضعاف الإيمان والذين
يحاولون أن يشككوا في هذه المعجزة
نكون بذلك قد انتهينا من أن الإسراء
برسول الله صلى الله عليه وسلم من
المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى تم
بقوى الله سبحانه وتعالى وقدرته
وهذه القوة والمقدرة فوق العقول
ونكون أيضا قد بينا أن الإسراء تم
بالروح والجسد مصداقا لقوله تعالى
بعبده وأن العبودية لله هي أشرف
المراتب وأعلاها وأقربها إلى الله
وأن الله سبحانه وتعالى يفيض من
اسرار ملكوته على عباده المخلصين
إلى
هنا ويبرز سؤالان هامان ـ السؤال
الأول لماذا تم الإسراء ليلا والحق
سبحانه وتعالى يقول
سبحان
الذي أسرى بعبده ليلا ولماذ لم يتم
الإسراء نهارا ويرى الجميع بأعينهم
رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو يركب
الدابة التي أتى له بها جبريل عليه
السلام وهي البراق ويشق بها عنان
السماء ألم يكن هذا أقوى بالنسبة
للمعجزة بحيث يراها الناس في وضح
النهار كما رأى أتباع إبراهيم النار
وهي لاتحرقه وكما رأى أتباع موسى
البحر وهو ينشق
ألم
يكن الإسراء نهارا هو تأكيد للمعجزة
فلايكذبها أحد ولا يثور حولها ذلك
الجدل الذي ثار من ضعاف الإيمان
هذه
واحدة أما الثانية فإذا كانت
المعجزة منسوبة إلى قدرة الله
سبحانه وتعالى وقوته فلم أخذت ليلة
أو جزءاً من الليلة ألم يكن الله
سبحانه وتعالى قادرا على أن ينقل
رسوله عليه الصلاة والسلام من
المسجد الحرام إلى المسحد الأقصى في
لحظة أو أقل من لحظة ثم يعيده أيضا في
لحظة وكيف تأخذا المعجزة زمنا وهي
بقدرة الله سبحانه وتعالى الذي
لازمن عنده مادام الفعل من الله جل
جلاله فهل يحتاج الله إلى وقت ليتم
معجزته
كل
هذه الأسئلة طرحت وقيلت من
المستشرقين وكان يحسبون بذلك أنهم
يهدمون المعجزة ولكن أسئلتهم هذه
بينت نواحي الإعجاز في الإسراء
والمعراج تلك النواحي التي ربما لم
يكن أحد يتنبه لها لو أن هؤلاء
المستشرقين لم يششكوا في الإسلام
ولكن الله سبحانه وتعالى يسخر عبده
غير المؤمن لخدمة دين الحق وليعرف
الناس دواعى العظمة في هذا الدين
|