|
|
المستكفى بالله سليمان
بن الحاكم بأمر الله أحمد 701هـ ـ 740هـ
المستكفي بالله : أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله .
ولد في نصف المحرم سنة أبع و ثمانين و ستمائة ، و اشتغل بالعلم قليلاً ، و بويع
بالخلافة بعهد من أبيه في جمادى الأولى سنة إحدى و سبعمائة ، و خطب له على المنابر
في البلاد المصرية و الشامية ، و سارت البشارة بذلك إلى جميع الأقطار و المماليك
الإسلامية ، و كانوا يسكنون بالكبش ، فنقلهم السلطان إلى القلعة ، و أفرد لهم داراً
.
و في سنة اثنتين هجم التتار على الشام ، فخرج السلطان و معه الخليفة لقتالهم ، فكان
النصر عليهم ، و قيل من التتار مقتلة عظيمة ، و هرب الباقون .
و فيها زلزلت مصر و الشام زلزلة عظيمة هلك فيها خلق تحت الهدم .
و في سنة أربع أنشأ الأمير بيبرس الجاشنكير المنصوري الوظائف و الدروس بجامع الحاكم
، و جدده بعد خرابه من الزلزلة ، و جعل القضاة الأربعة مدرسي الفقه ، و شيخ الحديث
سعد الدين الحارثي ، و شيخ النحو أبا حيان .
و في سنة ثمان خرج السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون قاصداً للحج ، فخرج من مصر
في شهر رمضان المعظم ، و خرج معه جماعة من الأمراء لتوديعه فردهم ، فلما اجتاز
بالكرك عدل إليها فنصب له الجسر فلما توسطه انكسر به فسلم من كان قدامه و قفز به
الفرس فنجا و سقط من وراءه فكانوا خمسين ، فمات أربعة و تهشم أكثرهم في الوادي تحته
، و أقام السلطان بالكرك ، ثم كتب كتاباً إلى الديار المصرية يتضمن عزل نفسه عن
المملكة ، فأثبت ذلك القضاة بمصر ، ثم نفذ على قضاة الشام ، و بويع الأمير ركن
الدين بيبرس الجاشنكير يالسلطنة في الثالث و العشرين من شهر شوال و لقب [ الملك
المظفر ] و قلده الخليفة ، و ألبسه الخلعة السوداء و العمامة المدورة ، و نفذ
التقليد إلى الشام في كيس أطلس أسود فقرئ هناك ، و أوله [ إنه من سليمان و إنه بسم
الله الرحمن الرحيم ] .
ثم عاد الملك الناصر في رجب سنة تسع يطلب عوده إلى الملك ، و مالأه على ذلك جماعة
من الأمراء ، فدخل دمشق في شعبان ، ثم دخل مصر يوم عيد الفطر و صعد القلعة ، و كان
المظفر بيبرس فر في جماعة من أصحابه قبل قدومه بأيام ، ثم أمسك و قتل من عامه ، و
قال العلاء الوداعي في عود الناصر إلى الملك :
الملك الناصر قد أقبلت دولته مشرقة الشمس
عاد إلى كرسيه مثل ما عاد سليمان إلى الكرسي
و في هذه السنة تكلم الوزير في إعاده أهل الذمة إلى لبس العمائم البيض و أنهم قد
التزموا للديوان بسعمائة ألف دينار كل سنة زيادة على الجالية ، فقام الشيخ تقي
الدين بن تيمية في إبطال ذلك قياماً عظيماً و بطل و لله الحمد .
و فيها أظهر ملك التتار خوبند الرفض في بلاده ، و أمر الخطباء أن لا يذكروا في
الخطبة إلا علي بن أبي طالب ، و ولديه ، و أهل البيت ، و استمر ذلك إلى أن مات سنة
ست عشرة ، و ولي ابنه أبو سعيد ، فأمر بالعدل ، و أقام السنة و الترضي عن الشيخين ،
ثم عثمان ، ثم علي في الخطبة ، و سكن كثير من الفتن و لله الحمد ، و كان هذا من خير
ملوك التتار و أحسنهم طريقة ، و استمر إلى أن مات سنة ست و ثلاثين ، و لم يقم من
بعده قائمة ، بل تفرقوا شذر مذر .
و في سنة عشر زاد النيل زيادة كثيرة لم يسمع بمثلها ، و غرق منها بلاد كثيرة و ناس
كثيرون .
و في سنة أربع و عشرين زاد النيل أيضاً كذلك ، و مكث على الأرض ثلاثة أشهر و نصفاً
، و كان ضرره أكثر من نفعه .
و في سنة ثمان و عشرين عمرت سقوف المسجد الحرام بمكة و الأبواب و ظاهره مما يلي باب
بني شيبة .
و في سنة ثلاثين أقيمت الجمعة بإيوان الشافعية من المدرسة الصالحية ، بين القصرين ،
و ذلك أول ما أقيمت بها .
و فيها فرع من الجامع الذي أنشأه قوصون خارج باب زويلة و خطب به ، و حضره السلطان و
الأعيان ، و باشر الخطابة يومئذ قاضي القضاة جلال الدين القزويني ، ثم استقر في
خطابته فخر الدين بن شكر .
و في سنة ثلاث و ثلاثين أمر السلطان بالمنع من رمي البندق ، و أن لا تباع قسيه ، و
منع المنجمين .
و فيها عمل السلطان للكعبة باباً من الآبنوس عليه صفائح فضة زنتها خمسة و ثلاثون
ألفاً و ثلاثمائة و كسر ، و قلع الباب فأخذه بنو شيبة بصفحائه ، و كان عليه اسم
صاحب اليمن .
و في سنة ست و ثلاثين وقع بين الخليفة و السلطان أمر ، فقبض على الخليفة و اعتقله
بالبرج ، و منعه من الاجتماع بالناس ، ثم نفاه في ذي الحجة سنة سبع إلى القوص هو و
أولاده و أهله ، و رتب لهم ما يكفيهم ، و هم قريب من مائة نفس فإنا لله و إنا إليه
راجعون ، و استمر المستكفي بقوص إلى أن مات بها في شعبان سنة أربعين و سبعمائة ، و
دفن بها ، و له بضع و خمسون سنة .
و قال ابن حجر في الدرر الكامنة : كان فاضلاً ، جواداً
، حسن الخط جداً ، شجاعاً ، يعرف بلعب الأكرة و رمي البندق ، و كان يجالس العلماء و
الأدباء ، و له عليهم إفضال ، و معهم مشاركة ، و كان بطول مدته يخطب له على المنابر
حتى في زمن حبسه و مدة إقامته بقوص ، و كان بينه و بين السلطان أولاً محبة زائدة ،
و كان يخرج مع السلطان إلى السرحات ن و يلعب معه الكرة ، و كانا كالأخوين .
و السبب في الوقيعة بينهما أنه رفع إليه قصة عليها خط الخليفة بأن يحضر السلطان
بمجلس الشرع الشريف ، فغضب من ذلك ، و آل الأمر إلى أن نفاه إلى قوص ، و رتب له على
واصل المكارم أكثر مما كان له بمصر .
و قال ابن فضل في ترجمته من المسالك : كان حسن الجملة
، لين الحملة .
و ممن مات في أيام المستكفي من الأعلام : قاضي القضاة تقي
الدين بن دقيق العيد ، و الشيخ زين الدين الفارقي شيخ الشافعية ، و شيخ دار الحديث
و ليها بعد وفاة النووي إلى الآن ، و وليها بعده صدر الدين بن الوكيل ، و الشرف
الفزاري ، و الصدر بن الزرير بن الحاسب ، و الحافظ شرف الدين الدمياطي ، و الضياء
الطوسي شارح [ الحاوي ] ، و الشمس السروجي شارح [ الهداية ] من الحنفية ، و الإمام
نجم الدين بن الرضعة إمام الشافعية في زمانه ، و الحافظ سعد الدين الحارثي ، و
الفخر التوزي محدث مكة ، و الرشيد بن المعلم من كبار الحنفية ، و الأربوي ، و الصدر
ابن الوكيل شيخ الشافعية ، و الكمال ابن الشريشي ، و التاج التبريزي ، و الفخر ابن
بنت أبي سعد ، و الشمس ين أبي العز شيخ الحنفية ، و الرضي الطبري إمام مكة ، و
الصفي أبو الثناء ، و محمود الأرموي ، و الشيخ نور الدين البكري ، و العلاء بن
العطار تلميذ الإمام النووي ، و الشمس الأصبهاني صاحب التفسير ، و شرح مختصر ابن
الحاجب ، و شرح التجريد ، و غير ذلك ، و التقي الصائغ المقرئ خاتمة مشايخ القراء ،
و الشهاب محمود شيخ صناعة الإنشاء ، و الجمال بن مطهر شيخ الشيعة ، و الكمال بن
قاضي شهبة ، و النجم القمولي صاحب الجواهر و البحر ، و الكمال بن الزملكاني ، و
الشيخ تقي الدين بن تيمية ، و ابن جبارة شارح [ الشاطبية ] ، و النجم البالسي شارح
[ التنبيه ] ، و البرهان الفزاري شيخ الملك المؤيد صاحب حماة الذي له تصانيف كثيرة
منها نظم الحاوي ، و الشيخ ياقوت العرشي تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي ، و البرهان
الجعبري ، و البدر بن جماعة ، و التاج ابن الفاكهاني ، و الفتح ابن سيد الناس ، و
القطب الحلبي ، و الزين الكناني ، و القاضي محيي الدين بن فضل الله ، و الركن بن
القويع ، و الزين بن المرحل ، و الشرف ابن البارزي ، و الجلال القزويني ، و
آخرون .
|
|
|