|
|
الواثق بالله إبراهيم
بن المستمسك بالله محمد بن الحاكم 740هـ ـ 742هـ
الواثق بالله : إبراهيم ابن ولي العهد المستمسك بالله أبي عبد الله بن الحاكم بأمر
الله أبي العباس أحمد ، كان جده الحاكم عهد إلى ابنه محمد ، و لقبه المستمسك ، فمات
في حياته ، فعهد إلى ابنه إبراهيم هذا ظناً أنه يصلح للخلافة ، فرآه غير صالح لها
لما هو فيه من الانهماك في اللعب و معاشرة الأرذال ، فعدل عنه ، و عهد إلى المستكفي
ابنه ـ أعني ابن الحاكم ـ و هو عم إبراهيم ، فكان إبراهيم هو السبب في الوقيعة بين
الخليفة المستكفي و السلطان بعد أن كانا كالأخوين كما كان يحمله إليه من النميمة به
حتى جرى ما جرى .
فلما مات المستكفي بقوص ، عهد إلى ابنه أحمد ، فلم يلتفت السلطان إلى ذلك ، و بايع
إبراهيم هذا ، و لقب بالواثق إلى أن حضرت السلطان الوفاة فندم على ما صدر منه ، و
عزل إبراهيم هذا ، و بايع ولي العهد أحمد ، و لقب الحاكم ، و ذلك في أول المحرم سنة
اثنتين و أربعين .
قال ابن حجر : راجع الناس السلطان في أمر إبراهيم هذا
و وسموه بسوء السيرة فلم يلتفت إلى ذلك ، و لم يزل بالناس حتى بايعوه ، و كان
العامة يلقبونه المستعطي بالله .
و قال ابن فضل الله في المسالك
في ترجمة الواثق : عهد إليه جده ظناً أنه يكون صالحاً أو يجيب لداعي الخلافة
صائحاً ، فما نشأ إلا في تهتك ، و لا دان إلا بعد تنسك ، أغري بالقاذورات ، و فعل
ما لم تدع إليه الضرورات ، و عاشر السفلة و الأراذل و هان عليه من عرضه ما هو باذل
، و زين له سوء عمله فرآه حسناً ، و عمي عليه فلم ير مسيئاً إلا محسناً ، و غواه
اللعب بالحمام ، و شرى الكباش للنطاح ، و الديوك للنقار ، و المنافسة في المعز
الزرائبية الطوال الآذان ، و أشياء من هذا ، و مثله مما يسقط المروءة و يثلم الوقار
، و انضم هذا إلى سوء معاملة ، و مشترى سلع لا يوفي أثمانها ، و استئجار دور لا
يقوم بأجرها ، و تحيل على درهم يملأ به كفه ، و سحت يجمع به فمه ، و حرام يطعم منه
و يطعم حرمه ، حتى كان عرضة للهوان ، و أكلة لأهل الأوان .
فلما توفي المستكفي و السلطان عليه في حدة غضبه ، و تياره المتحامل عليه في شدة
غلبه ، طلب هذا الواثق المغتر ، و المائق إلا أنه غير المضطر ، و كان ممن يمشي إلى
السلطان في عمه بالنميمة ، و يعقد مكائده على رأس عقد التميمة ، فحضر إليه و أحضر
معه عهد جده ، فتمسك السلطان في مبايعته بشبهته ، و صرف في وجه الخلافة إلى جهته ،
و كان قد تقدم نقض ذلك العهد ، و نسخ ذلك العقد ، و قام قاضي القضاة أبو عمر بن
جماعة في صرف رأي السلطان عن إقامة الخطبة باسم الواثق فلم يفعل ، و اتفق الرأيان
على ترك الخطبة للاثنين ، و اكتفي فيها بمجرد اسم السلطان ، فرحل بموت المستكفي اسم
الخلافة عن المنابر كأنه ما علا ذروتها ، و خلا الدعاء للخلفاء من المحاريب كأنه ما
قرع بابها و مروتها ، فكأنما كان آخر خلفاء بني العباس و شعارها عليه لباس الحداد ،
و أغمدوا تلك السيوف الحداد ، ثم لم يزل الأمر على هذا حتى حضرت السلطان الوفاة ، و
قرع الموت صفاه ، فكان مما أوصى به رد الأمر إلى أهله ، و إمضاء عهد المستكفي لابنه
، و قال الآن حصحص الحق ، و حنا على مخاليفه ورق ، و عزل إبراهيم و هزل ، و كان قد
رعى البهم ، و ستر اللؤم بثياب أهل الكرم ، و تسمن و شحمه ورم ، و تسمى بالواثق و
أين هو من صاحب هذا الاسم ؟ الذي طال ما سرى رعبه في القلوب ، و أقضت هيبته مضاجع
الجنوب ، و هيهات لا تعد من النسر التماثيل ، و لا الناموسة و إن طال خرطومها
كالفيل ، و إنما سوق الزمان قد ينفق ما كسد ، و الهر يحكي انتفاخاً صورة الأسد ، و
قد عاد الآن يعض يديه ، و من يهن يسهل الهوان عليه . هذا آخر كلام
ابن فضل الله .
|
|
|