|
|
المتوكل على الله محمد
بن المعتضد بالله بن المستكفى بالله 763هـ ـ 805هـ
المتوكل على الله : أبو عبد الله بن محمد بن المعتضد ، والد خلفاء العصر .
ولي الخلافة بعهد من أبيه بعد موته في جمادى الأولى سنة ثلاث و ستين و سبعمائة ، و
امتدت أيامه خمساً و أربعين سنة بما تخللها من خلع و حبس ، كما سنذكره ، و أعقب
أولاداً كثيرة ، يقال : إنه جاء له مائة ولد ما بين مولود و سقط ، و مات عن عدة
ذكور و إناث ، و ولي الخلافة منهم خمسة ، و لا نظير لذلك : المستعين العباس ، و
المعتضد داود و المستكفي سليمان ، و القائم حمزة ، و المستنجد يوسف ، و بقي من
أولاده الآن واحد ، يسمى موسى ، ما أشبهه بإبراهيم بن المستكفي ، و الموجود الآن من
العباسيين كلهم من ذرية المتوكل هذا ، أكثر الله عددهم ، و زاد مددهم . و من
الحوادث في أيامه : في سنة أربع و ستين خلع المنصور محمد ، و ولي شعبان بن حسين بن
الناصر محمد بن قلاوون ، و لقب الأشرف .
و في سنة ثلاث و سبعين أحدثت العلامة الخضراء على عمائم الشرفاء ليتميزوا بها بأمر
السلطان ، و هذا أول ما أحدث .
و قال في ذلك أبو عبد الله بن جابر الأعمى النحوي صاحب
شرح الألفية المشهور بالأعمى و البصير :
جعلوا لأبناء الرسول علامة إن العلامة شأن من لم يشهر
نور النبوة في كريم وجوههم يغني الشريف عن الطراز الأخضر
و في هذه السنة كان ابتداء خروج الطاغية تمرلنك الذي أخرب البلاد ، و أباد العباد ،
و استمر يعثو في الأرض بالفساد ، إلى أن هلك إلى لعنة الله في سنة ثلاث و سبعين و
ثمانمائة ؟ و فيه قيل شعر :
لقد فعلوا فعل التتار و لو رأوا فعال تمرلنك إذ كان
أعظما
و طائره في جلق كان أشأما
و كان أصله من أبناء الفلاحين ، و نشأ يسرق و يقطع الطريق ، ثم انضم إلى خدمة صاحب
السلطان ، ثم قرر مكانه بعد موته ، و ما زال يترقى إلى أن وصل إلى ما وصل ، قيل
لبعضهم : في أي سنة كان ابتداء خروج تمرلنك ؟ فال : في سنة عذاب ـ يعني بحساب الجمل
ثلاثاً و سبعين و سبعمائة .
و في سنة خمس و سبعين ابتدئت قراءة البخاري في رمضان
بالقلعة بحضرة السلطان ، و رتب الخافظ زين الدين العراقي قارئاً ، ثم أشرك معه
الشهاب العرياني يوماً بيوم . و في سنة سبع و سبعين غلا البيض بدمشق ، فبيعت
الواحدة بثلاثة دراهم من حساب ستين بدينار .
و في سنة ثمان و سبعين قتل الأشرف شعبان ، و تسلطن ابنه علي ، و لقب المنصور ، و
ذلك أن الأشرف سافر إلى الحج و معه الخليفة و القضاة و الأمراء ، فخامر عليه
الأمراء ، و فر راجعاً إلى القاهرة ، و رجع الخليفة و من رجع ، و أرادوا أن يسلطنوا
الخليفة ، فامتنع ، فسلطنوا ابن الأشرف ، و اختفى الأشرف إلى أن ظفروا به فخنقوه في
ذي العقدة .
و فيها خسف الشمس و القمر جميعاً ، و طلع القمر خاسفاً في شعبان ليلة أربع عشرة ،
وكسفت الشمس يوم الثامن و العشرين منه .
و في سنة تسع و سبعين في رابع ربيع الأول طاب أيبك البدري أتابك العساكر زكرياء بن
إبراهيم بن المستمسك الخليفة الحاكم ، فخلع عليه ، و استقر خليفة بغير مبايعة و لا
اجماع ، و لقب [ المستعصم بالله ] و رسم بخروج المتوكل إلى قوص ، لأمور حقدها عليه
وقعت منه قتل الأشرف ، فخرج و عاد من الغد إلى بيته ، ثم عاد إلى الخلافة في
العشرين من الشهر ، و عزل المستعصم ، فكانت مدة خلافته خمسة عشر يوماً .
و المتوكل هو سادس الخلفاء الذين سكنوا مصر و أقيموا بعد انقطاع الخلافة مدة ، فحصل
له هذا الخلع توفية بالقاعدة .
و في سنة اثنتين و ثمانين ورد كتاب من حلب يتضمن أن إماماً قام يصلي و أن شخصاً عبث
به في صلاته ، فلم يقطع الإمام الصلاة حتى فرغ ، و حين سلم انقلب وجه العابث وجه
خنزير ، و هرب إلى غابة هناك ، فعجب الناس من هذا الأمر ، و كتب بذلك محضر .
و في صفر سنة ثلاث و ثمانين مات المنصور ، و تسلطن أخوه حاجي بن الأشرف ، و لقب [
الصالح ] .
و في رمضان سنة أربع و ثمانين خلع الصالح ، و تسلطن برقوق ، و لقب [ الظاهر ] و هو
أول من تسلطن من الجراكسة .
و في رجب سنة خمس و ثمانين قبض برقوق على الخليفة المتوكل و خلعه و حبسه بقلعة
الجبل ، و بويع بالخلافة محمد بن إبراهيم بن المستمسك بن الحاكم ، و لقب [ الواثق
بالله ] ، فاستمر في الخلافة إلى أن مات يوم الأربعاء سابع عشري شوال سنة ثمان و
ثمانين ، فكلم الناس برقوقاً في إعادة المتوكل إلى الخلافة ، فلم يقبل ، و أحضر أخا
محمد زكرياء الذي كان ولي تلك الأيام اليسيرة ، فبايعه و لقب [ المستعصم بالله ] و
استمر إلى سنة إحدى و تسعين ، فندم برقوق على ما فعل بالمتوكل ، و أخرج المتوكل من
الحبس ، و أعاده إلى الخلافة و خلع زكرياء ، و استمر زكرياء بداره إلى أن مات
مخلوعاً ، و استمر المتوكل في الخلافة إلى أن مات .
و في جمادى الآخرة من السنة أعيد الصالح حاجي إلى السلطنة ، و غير لقبه المنصور ، و
حبس برقوق بالكرك .
و في هذه السنة في شعبان أحدث المؤذنون عقب الأذان الصلاة و التسليم على النبي صلى
الله عليه و سلم ، و هذا أول ما أحدث ، و كان الآمر به المحتسب نجم الدين الطنبذي .
و في صفر سنة اثنتين و تسعين أخرج برقوق من الحبس ، و عاد إلى مكة ، فاستمر إلى أن
مات في شوال سنة إحدى و ثمانمائة ، فأقيم مكانه في السلطنة ابنه فرج ، و لقب [
الناصر ] فاستمر إلى سادس ربيع الأول سنة ثمان و ثمانمائة ، فخلع من الملك و أقيم
أخوه عبد العزيز ، و لقب [ المنصور ] ثم خلع في رابع جمادى الآخرة من السنة و أعيد
الناصر فرج .
و في السنة مات الخليفة المتوكل ليلة الثلاثاء ثامن عشري رجب سنة ثمان و ثمانمائة .
و ممن مات في أيام المتوكل من الأعلام : الشمس ابن مفلح عالم
الحنابلة ، و الصلاح الصفدي ، و الشهاب ابن النقيب ، و المحب ناظر الجيش ، و الشريف
الحسيني الحافظ ، و القطب التختاني ، و قاضي القضاة عز الدين بن جماعة ، و التاج
ابن السبكي ، و أخوه الشيخ بهاء الدين ، و الجمال الأسنوي ، و ابن الصائغ الحنفي ،
و الجمال ابن نباتة ، و العفيف اليافعي ، و الجمال الشريشي ، و الشرف ابن قاضي
الجبل ، و السراج الهندي ، و ابن أبي حجلة ، و الحافظ تقي الدين بن رافع ، و الحافظ
عماد الدين بن كثير ، و العتابي النحوي ، و البهاء أبو البقاء السبكي ، و الشمس بن
خطيب يبرود ، و العماد الحسباني ، و البدر بن حبيب ، و الضياء القرمي ، و الشهاب
الأذرعي ، و الشيخ أكمل الدين ، و الشيخ سعد الدين التفتازاني ، و البدر الزركشي ،
و السراج ابن الماقن ، و السراج البلقيني ، و الحافظ زين الدين العراقي
. |
|
|