|
|
الناصر لدين الله
أحمد بن المستضيء بأمر الله 575 هـ ـ 622 هـ
الناصر لدين الله : أحمد أبو العباس بن المستضيء بأمر الله ، ولد الاثنين عاشر رجب
سنة ثلاث و خمسين و خمسمائة ، و أمه أم ولد تركية اسمها زمرد ، و بويع له عند موت
أبيه في مستهل ذي القعدة سنة خمس و سبعين ، و أجاز له جماعة : منهم أبو الحسين عبد
الحق اليوسفي ، و أبو الحسن علي بن عساكر البطايحي ، و شهدة ، و أجاز هو لجماعة
فكانوا يحدثون عنه في حياته و يتنافسون في ذلك رغبة في الفخر لا في الإسناد .
و قال الذهبي : و لم يل الخلافة أحد أطول مدة منه ،
فإنه أقام فيها سبعة و أربعين سنة و لم تزل مدة حياته في عز و جلالة ، و قمع
الأعداء ، و استظهار على الملوك ، و لم يجد ضيماً ، و لا خرج عليه خارجي إلا قمعه ،
و لا مخالف إلا دفعه ، و كل من أضمر له سوءاً رماه الله بالخذلان ، و كان ـ مع
سعادة جده ـ شديد الاهتمام بمصالح الملك ، لا يخفى عليه شيء من أحوال رعيته كبارهم
و صغارهم . و أصحاب أخباره في أقطار البلاد يوصلون إليه أحوال الملوك الظاهرة و
الباطنة ، و كانت له حيل لطيفة و مكائد غامضة وخدع لا يفطن لها أحد ، يوقع الصداقة
بين ملوك متعادين و هم لا يشعرون ، و يوقع العداوة بين ملوك متفقين و هم لا يفطنون
، و لما دخل رسول صاحب مازندران بغداد كانت تأتيه ورقة كل صباح بما عمل في الليل ،
فصار يبالغ في التكتم و الورقة تأتيه بذلك ، فاختلى ليلة بامرأة دخلت من باب السر
فصبحته الورقة بذلك ، و فيها [ كان عليكم دواج فيه صورة الفيلة ] فتحير و خرج من
بغداد و هو لا يشك أن الخليفة يعلم الغيب ، لأن الإمامية يعتقدون أن الإمام المعصوم
يعلم ما في بطن الحامل و ما وراء الجدار ، و أتى رسول خوارزم شاه برسالة مخفية ، و
كتاب مختوم ، فقيل له ارجع فقد عرفنا ما جئت به ، فرجع و هو يظن أنهم يعلمون الغيب
.
قال الذهبي : قيل : إن الناصر كان مخدوماً من الجن .
و لما ظهر خوارزم شاه بخراسان و ما وراء النهر ، و تجبر و طغى ، و استعبد الملوك
الكبار ، و أباد أمماً كثيرة ، و قطع خطبة بني العباس من بلاده ، و قصد بغداد ،
فوصل إلى همذان ، فوقع عليهم ثلج عظيم عشرين يوماً ، فغطاهم في غير أوانه ، فقال له
بعض خواصه : إن ذلك غضب من الله حيث قصدت بيت الخلافة .
و بلغه أن أمم الترك قد تألبوا عليه ، و طمعوا في البلاد لبعده عنها ، فكان ذلك سبب
رجوعه ، و كفي الناصر شره بلا قتال .
و كان الناصر إذا أطعم أشبع ، و إذا ضرب أوجع ، و له مواطن يعطي فيها عطاء من لا
يخاف الفقر .
و وصل إليه رجل معه ببغاء تقرأ قل هو الله أحد تحفه
للخليفة من الهند ، فأصبحت ميتة و أصبح حيران ، فجاءه فراش يطلب منه الببغاء ، فبكى
، و قال : الليلة ماتت ، فقال : قد عرفنا ، هاتها ميتة ، و قال : كم كان ظنك أن
يعطيك الخليفة ؟ قال : خمسمائة دينار ، قال : هذه خمسمائة دينار ، خذها ، فقد
أرسلها إليك الخليفة فإنه أعلم بحالك منذ خرجت من الهند . و كان صدر جهان قد صار
إلى بغداد ، و معه جماعة من الفقهاء ، و واحد منهم لما خرج من داه من سمرقند على
فرس جميلة ، فقال له أهله : لو تركتها عندنا لئلا تؤخذ منك في بغداد ، فقال :
الخليفة لا يقدر أن يأخذها مني ، فأمر بعض القوادين أنه حين يدخل بغداد يضربه ، و
يأخذها منه ، و يهرب في الزحمة ، ففعل ، فجاء الفقيه يستغيث فلا يغاث ، فلما رجعوا
من الحج خلع على صدر جهان و أصحابه و خلع على ذلك الفقيه ، و قدمت له فرسه و عليها
سرج من ذهب و طوق ، و قيل له : لم يأخذ فرسك الخليفة إنما أخذها أتوني ، فخر مغشياً
عليه و أسجل بكرامتهم . و قال الموفق عبد اللطيف : كان
الناصر قد ملأ القلوب هيبة و خيفة ، فكان يرهبه أهل الهند و مصر كما يرهبه أهل
بغداد ، فأحيا بهيبته الخلافة و كانت قد ماتت بموت المعتصم ، ثم مات بموته .
و كان الملوك و الأكابر بمصر و الشام إذا جرى ذكره في خلواتهم خفضوا أصواتهم هيبة و
إجلالاً ، و ورد بغداد تاجر و معه قناع دمياط المذهب ، فسألوه عنه ، فأنكر ، فأعطي
علامات فيه : من عدده ، و ألوانه ، و أصنافه ، فازداد إنكاره ، فقيل له : من
العلامات أنك نقمت على مملوكك التركي فلان ، فأخذته إلى سيف بحر دمياط في خلوة و
قتلته و دفنته هناك ، و لم يشعر بذلك أحد .
قال ابن النجار : دانت السلاطين للناصر ، و دخل في
طاعته من كان المخالفين ، و ذلت له العتاة و الطغاة ، و انقهرت بسيفه الجبابرة ، و
اندحض أعداؤه ، و كثر أنصاره ، و فتح البلاد العديدة ، و ملك من الممالك ما لم
يملكه أحد ممن الخلفاء و الملوك ، و خطب له ببلاد الأندلس و بلاد الصين ، و كان أشد
بني العباس ، تنصدع لهيبته الجبال ، و كان حسن الخلق ، لطيف الخلق ، كامل الظرف ،
فصيح اللسان بليغ البيان ، له التوقيعات المسددة ، و الكلمات المؤيدة ، و كانت
أيامه غرة في وجه الدهر ، و درة في تاج الفخر . و قال ابن
واصل : كان الناصر شهماً ، شجاعاً ، ذا فكرة صائبه ، و عقل رصين ، و مكر و
دهاء ، و له أصحاب أخبار في العراق و سائر الأطراف ، يطالعونه بجزئيات الأمور ، حتى
ذكر أن رجلاً ببغداد عمل دعوة و غسل يده قبل أضيافه ، فطالع صاحب الخبر الناصر بذلك
، فكتب في جواب ذلك [ سوء أدب من صاحب الدار ، و فصول من كاتب المطالعة ] ، قال : و
كان مع ذلك رديء السيرة في الرعية ، مائلاً إلى الظلم و العسف ، ففارق أهل البلاد
بلادهم ، و أخذ أموالهم و أملاكم ، و كان يفعل أفعالاً متضادة ، و كان يتشيع و يميل
إلى مذهب الإمامية بخلاف آبائه ، حتى ان ابن الجوزي سئل بحضرته : من أفضل الناس بعد
رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : أفضلهم بعده من كانت ابنته تحته ، و لم
يقدر أن يصرح بتفضيل أبي بكر .
و قال ابن الأثير : كان الناصر سيء السيرة ، خربت في
أيامه العراق مما أحدثه من الرسوم و أخذ أموالهم و أملاكهم ، و كان يفعل الشيء و
ضده ، و كان يرمي بالبندق ، و يغوي الحمام .
و قال الموفق عبد اللطيف : و في وسط ولايته اشتعل
برواية الحديث ، و استناب نواباً في الإجازة عنه و التسميع ، و أجرى عليهم جرايات ،
و كتب للملوك و العلماء إجازات ، و جمع كتاباً سبعين حديثاً ، و وصل إلى حلب ، و
سمعه الناس .
قال الذهبي : أجاز الناصر لجماعة من الأعيان ، فحدثوا
عنه : منهم ابن سكينة ، و ابن الأخضر ، و ابن النجار ، و ابن الدمغاني ، و آخرون .
قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي و غيره : قل بصر الناصر
في آخر عمره ، و قيل ذهب كله ، و لم يشعر بذلك أحد من الرعية ، حتى الوزير و أهل
الدار ، و كان له جارية قد علمها الخط بنفسه ، فكانت تكتب مثل خطه فتكتب على
التواقيع .
و قال شمس الدين الجزري : كان الماء الذي يشربه الناصر
تأتي به الدواب من فوق بغداد بسبعة فراسخ ، و يغلى سبع غلوات كل يوم غلوة ، ثم يحبس
في الأوعية سبعة أيام ، ثم يشرب منه ، و مع هذا ما مات حتى سقي المرقد مرات ، و شق
ذكره ، و أخرج منه الحصى و مات منه يوم الأحد سلخ رمضان سنة اثنتين و عشرين و
ستمائة : و من لطائفه أن خادماً له اسمه يمن كتب إليه ورقة فيها عتب ، فوقع فيها :
بمن يمن يمن بمن ثمن ثمن
و لما تولى الخليفة بعث إلى السلطان صلاح الدين بالخلع و التقليد ، و كتب إليه
السلطان كتاباً يقول فيه : و الخادم ـ و لله الحمد ـ يعدد سوابق في الإسلام ، و
الدولة العباسية لا يعمرها أولية أبي مسلم لأنه والى ثم وارى ، و لا آخرية طغرلبك
لأنه نصر ثم حجر ، و الخادم من كان ينازع رداءها ، و أساغ الغصة التي أذخر الله
للأساغة في سيفه ماءها ، فرجل الأسماء الكاذبة الراكبة على المنابر ، و أعز بتأييد
إبراهيمي فكسر الأصنام الباطنة بسيفه الطاهر .
و من الحوادث في أيامه : منشوره في سنة سبع و سبعين و خمسمائة أرسل الملك الناصر
يعاتب السلطان صلاح الدين في تسميه بالملك الناصر مع علمه أن الخليفة اختار هذه
التسمية لنفسه .
و في سنة ثمانين جعل الخليفة مشهد موسى الكاظم أمناً لمن لاذ به ، فالتجأ إليه خلق
، و حصل بذلك مفاسد .
و في سنة إحدى و ثمانين ولد بالعلث ولد طول جبهته شبر و أربع أصابع ، و له أذن
واحدة .
و فيها وردت الأخبار بأنه خطب للناصر بمعظم بلاد المغرب .
و في سنة اثنتين و ثمانين اجتمع الكواكب الستة في الميزان ، فحكم المنجمون بخراب
العالم في جميع البلاد بطوفان الريح ، فشرع الناس في حفر مغارات في التخوم ، و
توثيقها ، و سد منافسها على الريح ، و نقلوا إليها الماء و الزاد ، و انتقلوا إليها
، و انتظروا الليلة التي وعدوا فيها بريح كريح عاد ، و هي الليلة التاسعة من جمادى
الآخرة ، فلم يأت فيها شيء ، و لا هب فيها نسيم ، بحيث أوقدت الشموع ، فلم يتحرك
فيها ريح تطفئها ، و عملت الشعراء في ذلك ، فمما قيل فيه قول أبي الغنائم محمد بن
المعلم :
قل لأبي الفضل قول متعرف مضى جمادى و جاءنا رجب
و ما جرت زعزع كما حكموا و لا بدا كوكب له ذنب
كلا و لا أظلمت ذكاء ، و لا بدت إذن في قرونها الشهب
يقضي عليها من ليس يعلم ما يقضي عليه ، هذا هو العجب
قد بان كذب المنجمين ، و في أي مقال قالوا فما كذبوا ؟
و في سنة ثلاث و ثمانين اتفق أن أول يوم في السنة كان أول أيام الأسبوع ، و أول
السنة الشمسية ، و أول سني الفرس ، و الشمس القمر في أول البروج ، و كان ذلك من
الاتفاقات العجيبة .
و فيها كانت الفتوحات الكثيرة ، أخذ السلطان صلاح الدبين كثيراً من البلاد الشامية
التي كانت بيد الفرنج ، و أعظم ذلك بيت المقدس ، و كان بقاؤه في يد الفرنج إحدى و
تسعين سنة ، و أزال السلطان ما أحدثه الفرنج من الآثار ، و هدم ما أحدثوه من
الكنائس ، و بنى موضع كنيسة منها مدرسة للشافعية ، فجزاه الله عن الإسلام خيراً ، و
لم يهدم القمامة اقتداء بعمر رضي الله عنه ، حيث لم يهدمها لما فتح بيت المقدس ، و
قال في ذلك محمد بن أسعد النسابة :
أترى مناماً ما يعيني أبصر القدس يفتح ، و النصارى تكسر
و قمامة قمت من الرجس الذي بزواله و زالها يتطهر
و مليكهم في القيد مصفود ، و لم ير قبل ذاك لهم مليك يؤسر
قد جاء نصر الله و الفتح الذي وعد الرسول فسبحوا و
استغفروا
يا يوسف الصديق أنت لفتحها فا روقها عمر الإمام الأطهر
و من الغرائب أن ابن برجان
ذكر في تفسيره الم * غلبت
الروم أن بيت المقدس يبقى في يد الروم إلى سنة ثلاث و ثمانين و خمسمائة ، و
ثم يغلبون و يفتح و يصير دار إسلام إلى آخر الأبد ، و أخذ من حساب الآية ، فكان ذلك
.
قال أبو شامة : و هذا الذي ذكره ابن برجان من عجائب ما
اتفق ، و قد مات ابن برجان قبل ذلك بدهر ، فإن وفاته سنة ست و ثلاثين و خمسمائة .
و في سنة تسع و ثمانين مات السلطان صلاح الدين رحمه الله ، فوصل إلى بغداد الرسول و
في صحبته لأمة الحرب التي لصلاح الدين و فرسه ، و دينار واحد ، و ستة و ثلاثون
درهماً ، لم يخلف من المال سواها ، و استقرت مصر لابنه عماد الدين عثمان الملك
العزيز ، و دمشق لابنه الملك الأفضل نور الدين علي ، و حلب لابنه الملك الظاهر غياث
الدين غازي .
و في سنة تسعين مات السلطان طغرلبك شاه بن أرسلان بن طغرلبك بن محمد بن ملك شاه ، و
هو آخر ملوك السلجوقية .
قال الذهبي : و كان عددهم نيفاً و عشرين ملكاً ، و
أولهم طغرلبك الذي أعاد القائم إلى بغداد ، و مدة دولتهم مائة و ستون سنة .
و في سنة خمسمائة و اثنتين و تسعين هبت ريح سوداء بمكة ، عمت الدنيا ، و وقع على
الناس رمل أحمر ، و وقع من الركن اليماني قطعة .
و فيها عسكر خوارزم شاه ، فعدا جيحون في خمسين ألفاً ، و بعث إلى الخليفة يطلب
السلطنة ، و إعادة دار السلطنة إلى ما كانت ، و أن يجيء إلى بغداد ، و يكون الخليفة
تحت يده ، كما كانت الملوك السلجوقية ، فهدم الخليفة دار السلطنة ، و رد رسوله بلا
جواب ، ثم كفي شره كما تقدم .
و في سنة ثلاث و تسعين انقض كوكب عظيم سمع لا نقضاضه صوت هائل ، و اهتزت الدور و
الأماكن ، فاستغاث الناس ، و أعلنوا بالدعاء ، و ظنوا ذلك من أمارات القيامة .
و في سنة خمس و تسعين مات الملك العزيز بمصر ، و أقيم ابنه المنصور بدله ، فوثب
الملك العادل سيف الدين أيو بكر بن أيوب و تملكها ، ثم أقام بها ابنه الملك الكامل
.
و في سنة ست و تسعين توقف النيل بمصر بحيث كسرها ، و لم يكمل ثلاثة عشر ذراعاً ، و
كان الغلاء المفرط بحيث كسرها ، بحيث أكلوا الجيف و الآدمين ، و فشا أكل بني آدم و
اشتهر ، و رئي من ذلك العجب العجاب ، و تعدوا إلى حفر القبور و أكل الموتى ، و تمزق
أهل مصر كل ممزق ، و كثر الموت من الجوع بحيث كان الماشي لا يقع قدمه أو بصره إلا
على ميت أو من هو في السياق ، و هلك أهل القرى قاطبة بحيث إن المسافر يمر بالقرية
فلا يرى فيها نافخ نار ، و يجد البيوت مفتحة و أهلها موتى .
و قد حكى الذهبي في ذلك حكايات يقشعر الجلد من سماعها
، قال : و صارت الطرق مزرعة بالموتى ، و صارت لحومها للطير و السباع ، و بيعت
الأحرار و الأولاد بالدارهم اليسيرة ، و استمر ذلك إلى أثناء سنة ثمان و تسعين .
و في سنة سبع و تسعين جاءت زلزلة كبرى بمصر و الشام و الجزيرة ، فأخربت أماكن كثيرة
و قلاعاً ، و خسفت قرية من أعمال بصرى .
و في سنة تسع و تسعين في سلخ المحرم ماجت النجوم ، و تطايرت تطاير الجراد ، و دام
ذلك إلى الفجر ، و انزعج الخلق ، و ضجوا إلى الله تعالى ، و لم يعهد ذلك إلا عند
ظهور رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و في سنة ستمائة هجم الفرنج إلى النيل من رشيد ، و دخلوا بلد فوة فنهبوها و
استباحوها و رجعوا .
و في سنة إحدى و ستمائة تغلبت الفرنج على القسطنطينية ، و أخرجوا الروم منها ، و
كانت بأيدي الروم من قبل الإسلام ، و استمرت بيد الفرنج إلى سنة ستين و ستمائة ،
فاستطلقها منهم الروم .
و فيها ـ أي في سنة إحدى و ستمائة ـ ولدت امرأة بقطيعاء ولداً برأسين و يدين و
اربعة أرجل و لم يعش .
و في سنة ست و ستمائة كان ابتداء أمر التتار ، و سيأتي شرح حالهم .
و في سنة خمس عشرة أخذت الفرنج من دمياط برج السلسلة .
قال أبو شامة : و هذا البرج كان قفل الديار المصرية ،
و هو برج عل في وسط النيل و دمياط بحذائه من شرقيه ، و الجزيرة بحذائه من غربيه ، و
في ناحيته سلسلتان تمتد إحداهما على النيل إلى دمياط ، و الأخرى على النيل إلى
الجزيرة تمنعان عبور المراكب من البحر المالح .
و في سنة عشرة أخذت الفرنج دمياط بعد حروب و محاصرات ، و ضعف الملك الكامل عن
مقاومتهم ، فبدعوا فيها ، و جعلوا الجامع كنيسة ، فابتنى الملك الكامل مدينة عند
مفرق البحرين ، سموها المنصورة ، و بنى عليها سوراً ، و نزلها بجيشه ، و في هذه
السنة كاتبه قاضي ركن الظاخر ، و كان الملك المعظم صاحب دمشق في نفسه منه ، فأرسل
له بقجة فيها قباء و كلوته و أمره بلبسها بين الناس في مجلس حكمه ، فلم يمكنه
الامتناع ، ثم قام و دخل داره و لزم بيته ، و مات بعد أشهر قهراً ، و رمى قطعاً من
كبده ، و تأسف الناس لذلك ، و اتفق أن الملك المعظم أرسل في عقب ذلك إلى الشرف بن
عنين حين تزهد خمراً و برداً ، و قال : سبح بهذا فكتب إليه يقول :
يا أيها الملك المعظم سنة أحدثتها تبقى على الآباد
تجري الملوك على طريقك بعدها خلع القضاة و تحفة الزهاد
و في سنة إحدى و عشرين بنيت دار الحديث الكاملية بالقاهرة بين القصرين ، و جعل
شيخها أبا الخطاب بن دحية ، و كانت الكعبة تكسى الديباج الأبيض من أيام المأمون إلى
الآن ، فكساها الناصر ديباجاً أخضر ، ثم كساها ديباجاً أسود ، فاستمر إلى الآن .
و ممن مات في أيام الناصر من الأعلام : الحافظ أبو طاهر
السلفي ، و أبو الحسن بن القصار اللغوي ، و الكمال أبو البركات بن الأنباري ، و
الشيخ أحمد بن الرفاعي الزاهد ، و ابن بشكوال ، و يونس والد يونس الشافعي ، و أبو
بكر بن طاهر الأحدب النحوي ، و أبو الفضل والد الرافعي ، و ابن ملكون النحوي ، و
عبد الحق الإشبيلي صاحب [ الأحكام ] ، و أبو زيد السهيلي صاحب [ الروض الأنف ] ، و
الحافظ أبو موسى المديني ، و ابن بري اللغوي ، و الحافظ أبو بكر الحازمي ، و الشرف
ابن أبي عصرون ، و ابو القاسم البخاري ، والعتابي صاحب [ الجامع الكبير ] ـ من كبار
الحنيفة ، و النجم الحبوشاني المشهور بالصلاح ، و أبو القاسم بن فيرة الشاطبي صاحب
القصيدة ، و فخر الدين أبو شجاع محمد ابن علي بن شعيب بن الدهان الفرضي أول من وضع
الفرائض على شكل المنبر ، و الرهان المرغيناني صاحب [ الهداية ] ـ من الحنفية ، و
قاضيخان صاحب الفتاوي منهم ، و عبد الرحيم بن حجون الزاهد بالصعيد ، و أبو الوليد
بن رشد صاحب العلوم الفلسفية ، و أبو بكر بن زهر الطبيب ، و الجمال بن فضلان من
الشافعية ، و القاضي الفاضل صاحب الإنشاء و الترسل ، و الشهاب الطوسي ، و أبو الفرج
بن الجوزي ، و العماد الكاتب ، و ابن عظيمة المقري ، و الحافظ عبد الغني المقدسي
صاحب [ العمدة ] ، و البركي الطاوسي صاحب الخلاف ، و تميم الحلي ، و أبو ذر الخشني
النحوي ، و الإمام فخر الدين الرازي ، و أبو السعادات ابن الأثير صاحب [ جامع
الأصول ] و [ نهاية الغريب ] ، و العماد بن يونس صاحب شرح الوجيز ، و الشرف صاحب [
التنبيه ] ، و الحافظ أبو الحسن بن المفضل ، و أبو محمد بن حوط الله ، و أخوه أبو
سليمان ، و الحافظ عبد القادر الرهاوي ، و الزاهد أبو الحسن بن الصباغ بقنا ، و
الوجيه ابن الدهان النحوي ، و تقي الدين ابن المقترح ، و أبو اليمن الكندي النحوي ،
و المعين الحاجري صاحب [ الكفاية ] ـ من الشافعية ، و الركن العميدي صاحب الطريقة
في الخلاف ، و أبو البقاء العكبري صاحب [ الإعراب ] ، و ابن أبي أصيعبة الطبيب ، و
عبد الرحيم بن السمعاني ، و نجم الدين الكبرى ، و ابن أبي الصيف اليمني ، و موفق
الدين بن قدامة الحنبلي ، و فخر الدين بن عساكر ، و خلائق آخرون .
|
|
|